|
الرأسمالياتُ الحكومية العربية في طور الأزمة
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3245 - 2011 / 1 / 13 - 07:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تواجه الرأسمالياتُ الحكومية العربية حالات متعددة من الأزمات، وهي كلها تمثلُ حقبة مختلفة عن حقبة الازدهار.
حين كانت تونس في زمن بورقيبة بتعاونه الوثيق مع اتحاد العمال وكأنهم فرعان من شجرة الشعب الواحدة، كان ثمة انسجام وتوافق. وكذلك زمن أحمد بن بللا في الجزائر والطور الأول من حياة الرئيس بومدين، كانت الرأسمالية الحكومية في كل من البلدين في حالة توافق نسبي مع الجمهور.
وهكذا كانت الرأسماليات الحكومية العربية المتعددة في طور التأسيس، وانهمار فائض القيمة على الحكومات، ويلعبُ شكلُ التوزيع لفائض القيمة دوره في تحديد المسارات السياسية والاجتماعية لكل بلد.
وقد مضت البلدان العربية في مسارات عدة في هذا التوزيع، ويتجلى ذلك في طبيعة أملاك وثروات المسئولين أولاً، وطبيعة وأحجام ومستويات الرأسمالية الحكومية ثانياً، وكيفية نشوء الرأسماليات الخاصة المتنفذة في أثناء عمل الرأسماليات الحكومية وطبيعة الرأسمالية الخاصة المستقلة ودورها وأهميتها ثالثاً، ومعيشة وأجور العمال رابعاً.
عندما حاولَ أحمد بن بللا مشاركةَ العمال وجعل مرتبتهم في السلم الاجتماعي تقفز عن التراتبية الطبقية الرسمية المعتمدة من قبل البيروقراطية السياسية العسكرية حدثَ الانقلاب عليه.
عندما حاول بورقيبة ان يقوي البيروقراطية والرأسمالية الخاصة حدث الصراع بينه وبين اتحاد الشغل. تجري الصراعات والأزمات وتُبنى الايديولوجيات وتتفاقمُ المشكلاتُ بسبب صراع هذه الأطراف الأربعة الرئيسية، أو هذه الحصص الاقتصادية القادمة المتصارعة على أنصبتها من الفيض المالي للإنتاج.
وكلما ظهرت أطرافٌ جديدةٌ احتدمتْ الأزمة. أو كلما ظهرت محاولات لتغيير التوزيع في هذا الفيض تفجر الخلاف.
إن العمال هم آخرُ القوى الاجتماعية في عمليات التوزيع الخاصة بالنظام الرأسمالي الحكومي، في البدء هم الذين ينتجون ويستخرجون الفيض الاقتصادي ثم يذهبُ الفيضُ للوزارات لتحددَ أقسامَه وطرائق توزيعه: رواتب المسئولين ومكافآتهم، وحصص الوزارات والشركات التابعة للدولة، والعلاقات الاقتصادية مع القطاع الخاص، ثم أجور العمال. بغياب علاقة ديمقراطية تحددها المؤسساتُ المنتخبةُ يحدثُ التداخلُ والاضطرابُ في علاقاتِ هذه القوى الاجتماعية، أو هذه المراكز الكبرى للحياة السياسية الاجتماعية، أقسامٌ من الدولة من مختلف المستويات وبأحجام رأسمالية متنوعة تنشئ فروعاً للاقتصاد الخاص وتمولهُ عن طريق القطاع العام، وينقلب الاهتمام من القطاع العام للقطاع الخاص، ويحدث هذا التخثر في النمو، والإشكاليات المتعددة، حيث يجب ان يقود القطاع العام لا ان يُقاد. ولكن قيادته تتطلب مركزية الدولة وديمقراطيتها وقيادتها للعملية النهضوية لكافة أطراف الإنتاج.
في عمليات الاضطراب والاختلال التي تجري تتغير حصة العمال من الفيض الاقتصادي، وتزدادُ نقصاً بعوامل الاختلال وبعوامل خارجية إضافية، ومنها طبيعة المواد المنتجة وأسعارها في السوق.
في تعملق القطاعين العام والخاص تجري حسابات دقيقة بحيث ان تكون هذه العملقة قادرة على تطوير حياة الجزء الرابع من البناء الاقتصادي وهو العمال، وفي حال عدم وجود مثل هذه الحسابات الدقيقة فإن الشريك يدخلُ في حالات تمرد تبدأ من العقلانية إلى الجنون والفوضى.
ويُلاحظ ذلك في طبيعة الايديولوجيا الدينية كأحد المقاييس في عملية الانتقال هذه. عندما تحدث علاقات ديمقراطية وعمليات تخطيط وحوارات بين القوى الأربع السابقة الذكر تسود العقلانية السياسية، لكن حين تفلت الأمور، وتتضخم أطراف على حساب أطراف أخرى، تصعد اللاعقلانية ويمكن مراقبتها في تبدل مزاج الجماهير من السلم نحو العنف: مثل كثرة الجرائم الشخصية وغيرها واللامبالاة الاجتماعية الواسعة، وصعود أطراف دينية تعبرُ عن تغيير القسمة والتوزيع الاقتصادي بطرائق ذاتية حادة وكأنها قادرة على تغيير قوانين الاقتصاد والسياسة بالسحر والدجل.
لكن هذه ليست سوى حالات ضرورية مؤقتة، بمعنى إنه في عملية التحول الشاقة التاريخية التي تجري من الرأسمالية الحكومية وهي شكل متخلف شرقي من التطور الاقتصادي السياسي، إلى الرأسمالية الحرة ذات القوانين الاقتصادية الناتجة من داخل البنية الاقتصادية، سوف تحدث صراعات وانهيارات وبناءات، بحيث ان البناء الاقتصادي الحكومي الهائل سيختفي أو تتلاشى أجزاء كبيرة منه، أو يُعادُ تشكيلهُ حسب ضرورات السوق والحاجات الشعبية.
ولهذا فإن القراءات المعمقة والحوارات بين قوى الإنتاج المختلفة وخاصة عبر المؤسسات المنتخبة ستكون لها نتائج فهم العملية الموضوعية وضبطها، وهي التي تجري بنا وضدنا، والخارجة أحيانا عدة عن الإرادات السياسية.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مذاهب تتباين وتتكامل
-
لكل بلدٍ خرابه الخاص
-
الخروجُ الأيديولوجي من الطوائف
-
حيرة عمالية
-
حين يأكل النقدُ الجيوبَ
-
البذخ الشرقي
-
علمانية لتطورِ الدين
-
ويكيليكس: حرية الإعلام
-
إيران بين الحصارِ والتراث
-
مقاربةُ الغربِ للشرق
-
بطل ويكيليكس
-
قيادة الرأسمالية الحكومية
-
الدعمُ وأبعادهُ السياسية
-
مستقلون عن ماذا؟
-
العروبة والعقلانية
-
المقاومة الناقصة
-
رؤيتان للدين
-
الحداثة القومية والديمقراطية
-
مجلس النواب الجديد
-
رأسماليات كهلات ورأسماليات شبابية
المزيد.....
-
ترامب: نعمل على خطة لـ-إطعام- سكان غزة.. وكان يجب أن يحدث ذل
...
-
سوريا- مظاهرات في السويداء والحكومة تشكل لجنة تحقيق في العنف
...
-
صحف أوروبية ـ الاتفاق الجمركي يُضعف الثقة بين أوروبا وأمريكا
...
-
المبعوث الأمريكي ويتكوف يزور غزة وسط كارثة إنسانية
-
ماذا نعرف عن قرار فرض الرسوم الجمركية الذي وقعه ترامب؟
-
كيف علق أهالي غزة على زيارة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى
...
-
أبرز تداعيات فرض ترامب للرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي
...
-
الهجمات الروسية بالمسيرات على أوكرانيا تسجل رقما قياسيا في ي
...
-
غزة .. بين زيارة ويتكوف ومعضلة المساعدات الملقاة جوا
-
الاحتلال يهجّر تجمعا بدويا في الضفة للمرة الثانية في شهر
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|