أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مهدي بندق - القضاء على الإرهاب مشروط بحذف المادة الثانية من الدستور المصري















المزيد.....

القضاء على الإرهاب مشروط بحذف المادة الثانية من الدستور المصري


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 3241 - 2011 / 1 / 9 - 20:55
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


في تاريخ الأمم والشعوب لحظات فارقة تتلاشى فيها عناصر من ثقافتها الموروثة وتولد عناصر أخرى ، وذلك عائد إلى كون الثقافة أسلوب حياة بالدرجة الأولى . وما من شك في أن امرأ أيا كانت درجة تمسكه بأفكاره ومعتقداته لابد مراجع لها وقت أن تبرهن له التجربة الحية أن ذلك التمسك سيقوده حتما للهلاك أو الخـَسار. خذ مثلا موظفا ظل يعتقد طيلة حياته أن النساء توابع للرجال، هل تراه يستقيل من عمله(= يشحت على عياله ) لو رقيت زميلة ٌ وصارت له رئيسا؟ بالنفي ثلاثاً أجابت ثقافة ستينات القرن الماضي من خلال شادية وشفيق نور الدين في الفيلم البديع " مراتي مدير عام " حيث اضطر وكيل الإدارة لتغيير معتقده " المذهبي الحنفي " موائمة منه لمقتضى الحال. والأمثلة السوسيولوجية بعد هذا وقبله أكثر من أن تحصى ، فتاريخ الكائن البشري هو تاريخ تغيير الأفكار والعقائد والأديان والمذاهب والملل والنحل...الخ باعتبار الزبد ذاهبا ً جفاء ً والنافع للناس هو ما يمكث في الأرض.
غراب البين من جنوب السودان إلى الإسكندرية
يعلم القاصي والداني أن كارثة انفصال الجنوب السوداني عن دولته الأم هي النتيجة المنطقية للسياسة الحمقاء التي بدأها الجنرال "الانقلابي" عبود، وأكملها جعفر نميري ؛ تلك السياسة التي تمثلت في فرض الشريعة الإسلامية على كل السودانيين شمالييهم العرب المسلمين وجنوبييهم الأفارقة المسيحيين، وما ترتب على ذلك من معاملة مسيحيي الجنوب كمواطنين من الدرجة الثانية .. فلا خدمات تعليمية وصحية ولا توظيف ولا حتى طرق ممهدة تربط بين مدنهم وقراهم البائسة التي تموت جوعاُ وبين الشمال المهيمن النهم المريض بالتخمة، فكان حصاد هذه السياسة الفظة اشتعال حرب أهلية دمرت السودان جميعا وأنزلته أسوأ منزلة بين الأمم ، ومازالت تلك الحرب مشمرة عن ساقها إلى أن توقفت ( ولا نقول انتهت ) بالاتفاق على مبدأ التقسيم بين الشمال والجنوب ، وهو مبدأ خطير جداً لأنه مرشح للتطبيق مجدداً في إقليم دارفور وشرق السودان!
بهذا المبدأ أيضاً أيقن غراب البين أن الخراب الكامل الشامل قابل للتكرار، فاندفع يحلق منتشياً بأجنحته اللهبية، مسافرا ً من الجنوب إلى أعلى مدينة بخط النهر"الخالد" ( الإسكندرية ) ناعقا ً فيها نعيقه مناديا ُ مصر " المحروسة" : إلى ّ إلى ّ فقد حان دورك. فهاهو نفس السيناريو يعاد إنتاجه : اغتيالات أقباط يتلوها تفجير كنائس، قتلى بالعشرات وجرحى بالمئات،آلاف الرسائل الإلكترونية إلى الخلايا النائمة ملحق بها طرق صنع المتفجرات مشروحة ً بالصور. وكل هذا ُيجرى بنداءات مكذوبة تزأر: وا إسلاماه ، وكأن أقباط مصر مغول وتتار جاءوا من شمال قارة آسيا مهاجمين البلاد ليدمروها تدميرا! وكأن الإرهابي قاتل الودعاء المصلين في يوم عيدهم هو الملك المظفر السلطان سيف الدين قطز!
رأس الأفعى تحت المقصلة
وقعت الواقعة إذن، ولكن بدلا من انفجار حمامات الدم بين الأقباط والمسلمين كما توقعت قوى الشر؛ امتزجت دماء المصلين الأقباط بسيدي بشر في كنيسة القديسين السكندرية بدماء أخوتهم المسلمين الذين حضروا القداس مهنئين مستبشرين. فإذا بغمامات التضليل تنخلع فجأة عن عيون المصريين جميعا، وإذا بالدولة والشعب يهبان معا ًهبة رجل واحد يمحو آية الموت مستمسكا بآية الحياة المبصرة. وكأن هذا الرجل الواحد قد تكاثر جموعا تدفقت من كل حدب وصوب نحو الكنيسة الجريحة تعالج الجرحى وتجهز جثامين الشهداء للدفن، وما كان مدفنها غير قلوب المواطنين مسلمين قبل أقباط.وإذا بعشرات ألوف المسلمين تعلن نيتها حضور احتفالات السابع من يناير رافعين أعظم شعار سمعت به الدنيا : نعيش معا ً أو نموت معا ً.
وبالتوازي جاء إعلان الرئيس مبارك أن الوحدة الوطنية وحماية الدولة المدنية هي مسئوليته الكبرى في هذه المرحلة التي بات واضحا فيها أن قوى الإرهاب العالمي تستهدف تدمير مصر بمسلميها ومسيحييها؛ مؤكداً أن مصر لن تنام قبل أن تقطع رأس الأفعى، وليس فقط ذيولها ، ويا له من تأكيد لا تخفى عن أحد دلالته .
فهل ثمة شك في أن هذا الإعلان الحاسم من جانب رئيس الجمهورية قد حفز مثقفي الوطن للتحرك لمساعدة النظام أن يعود إلى طبيعة الدولة المدنية (الحقة) بتخليصها مما تورطت فيه حين أدرجت نصاً في دستور1971 ُيحدد للدولة ديناً معيناً؟ وهل من شك في أن الظرف التاريخي الحالي قد نضج بما يسمح للمثقفين أن يؤسسوا لدى أهاليهم ومعارفهم وجيرانهم (المستعدين للإنصات الآن) مفاهيم الثقافة الحديثة، ومن بينها ضرورة فصل الدين عن الدولة ارتكازا ً على حقيقة كون الدولة شخصية ً اعتبارية مختلفة بالنوع عن الأشخاص الطبيعيين الذين هم محاسبون يوم القيامة تبعاً لأديانهم التي اختاروها لأنفسهم، بينما الشخصيات الاعتبارية كالمؤسسات والشركات والبنوك والدول لا تبعث بعد موتها، ومن ثم لا تحاسب أمام الله ليدخلها جنته أو يصليها بناره، إنما ُتسأل في هذه الدنيا (حسبُ) أمام القضاء والبرلمان وجهاز المحاسبات. ومن ثم فلا معنى للنص على أن للدولة دينا رسميا كما هو مثبت عندنا في المادة الثانية من الدستور الحالي.
لقد أفاد الإرهاب – وهو بلا دين طبعاً – من هذا النص المحجم لمدنية الدولة، فكان أن :
1-تسلل به إلى بيوتِ (أذن الله أن ُترفع وأن يذكر فيها اسمه) فأحال معظمَها لمنابر فتنة تفرق بين من جمعهم الله والتاريخ أخوة متحابين في وطن واحد. 2- اخترق به بعض جدران القضاء الشامخ من خلال ثغرات إنسانية وسياسية معينة، حتى أننا رأينا من يحكم –خلافاً للقانون- بجلد متهم كما لو كنا في القرون الوسطى! 3- عاث به في المدارسِ يحرض فيها بعضُ المعلمين تلاميذهم المسلمين على كراهية أخوتهم الأقباط 4- امتطى به الغوغاء الملقنين شعار"عدوك عدو دينك" ، ذلك الشعار الذي يغطرش على عدو الجميع مغتصب أراضينا، مشرد شعوبنا وساحق أسرانا – أحياءًَ- بدباباته، العدو الذي ما زال يتجسس علينا رغم أننا "صالحناه" واعترفنا به دولة جارة وعقدنا معه معاهدة للسلام، وما انفك هو يخططً لسرقة نيلنا وتقسيم بلادنا وتجويع أطفالنا (مسلمين ومسيحيين) موظفاً في ذلك عميله "الإرهاب" المتحجج بنص"دستوري" ملتبس، يغشنا به ثم يقتلنا.
المعلوم عن الدين والمطلوب من الدستور
جاء أبرص يناشد يسوع المسيح أن يشمله بما وهبه الله من قدرة على شفاء المرضى، فاستجاب له دون تردد، بيد أن قوم يسوع اليهود انتقدوه لانشغاله بهذا العمل " الدنيوي" عن الصلاة المخصص لها يوم السبت كما ورد عندهم في الشريعة! فما كان من المسيح عليه السلام إلا أن صاح فيهم : يا أولاد الأفاعي ُخلق السبت للإنسان ، ولم يخلق الإنسانُ للسبت . فكان هذا القول درسا لكل التافهين ضيقي الأفق من ُعبـّاد النصوص. ولعل المسلم المستنير أن يتدبر هذا المعني شديد اللطف، حين يطالع الآية الكريمة " طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" إذ لولا تفهم المسلمين لغرض الآية لظلوا حتى الآن متمسكين بامتلاك العبيد والجواري ( ما دام النص لم يحرم ذلك) ولكان عليهم أن يذوقوا الشقاء ضعفين وهم يقضـّون أعمارهم في حروب عالمية يشنها عليهم أبناء وأحفاد لنكولن محرر العبيد . والمغزى أن " النص" حتى لو كان مقدسا إنما هو مخصص لسعادة البشر لا لتعاستهم ، وذلك أولى بالوصف أنه المعلوم عن الدين بالضرورة، فما بالك بنصوص وضعها البشر وضمنوها مواثيقهم .. أتظل أمثال هذه النصوص غير قابلة للفحص والمراجعة والتعديل والتغيير مهما يتبين للناس قدر الأذى الناجم عن بقائها واستمرارها ؟
في هذا السياق ينبغي النظر إلى المادة الثانية من الدستور لنسأل هل تؤدي بنا إلى السعادة أم إلى الشقاء؟ هل تقودنا إلى سلام اجتماعي مثمر منتج ؟ أم تلقي بنا في أتون حرب أهلية مهلكة للجميع؟ هل تحمي وحدتنا الوطنية أم تسير بنا إلى جرف هاوٍ ننقسم فيه إلى دويلات ضريرة بكماء محطمة الضلوع ممزقة الأشلاء؟
كفانا إذن المعلوم بالضرورة: أن الشعب المصري تعبدُ غالبيته وأقليته الله على دينيْ محمد وعيسى عليهما السلام،ولنمحُ- قادرين- تلك النافلة "النصية" التي تصور الدولة في هيئة بوابة مفتوحة للإرهاب.



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة : الشظايا
- الرعب السياسي بين الكونت دراكولا وجريجوري سامسا
- مصر- المحروسة- وشبح الفاشية
- مصير الدولة الحديثة بين قنابل الجهاد وموائد ماك وانزلاقات ال ...
- ورق في الثقب الأسود - قصيدة
- سؤال النهضة في مصر وإجابة الموجة الثالثة
- وهم استعادة النهضة في مصر
- أطباء بلا حدود والضوء الشاحب
- الفلسفة وحل مشكلات مصر المحروسة
- هنيئاً لأهل القاهرة الأذان الموحد
- إلى أين المصير؟
- هل يطلب البابا دولة قبطية في مصر؟
- أمازونية متوحشة تعذب طفليها بالإسكندرية
- تحولات برج بابل في مصر
- تحولات اٌسكندرية عبر العصور
- التراث الفرعوني هو الأساس التاريخي لأسطورة المهدي المنتظر
- ثورة في مصر أم بعث لأسطورة المخلص ؟
- عن الإسكندرية
- المثقفون بالاسكندرية يتضامنون مع شيخ النقاد العرب د. جابر عص ...
- هل تصبح سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين ؟


المزيد.....




- حفلات زفاف على شاطئ للعراة في جزيرة بإيطاليا لمحبي تبادل الن ...
- مباحثات مهمة حول القضايا الدولية تجمع زعماء الصين وفرنسا وال ...
- الخارجية الروسية تستدعي سفير بريطانيا في موسكو
- الحمض النووي يكشف حقيقة جريمة ارتكبت قبل 58 عاما
- مراسلون بلا حدود تحتج على زيارة الرئيس الصيني إلى باريس
- ارتفاع عدد قتلى الفيضانات في البرازيل إلى 60 شخصًا
- زابرينا فيتمان.. أول مدربة لفريق كرة قدم رجالي محترف في ألما ...
- إياب الكلاسيكو الأوروبي ـ كبرياء بايرن يتحدى هالة الريال
- ورشة فنية روسية تونسية
- لوبان توضح خلفية تصريحات ماكرون حول إرسال قوات إلى أوكرانيا ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مهدي بندق - القضاء على الإرهاب مشروط بحذف المادة الثانية من الدستور المصري