أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - الفلسفة وحل مشكلات مصر المحروسة















المزيد.....

الفلسفة وحل مشكلات مصر المحروسة


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 3103 - 2010 / 8 / 23 - 18:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الفلسفة وحل مشكلات مصر المحروسة
مهدي بندق

في فيلم الفهد للمخرج الإيطالي العظيم " فيسكونتي " يقول الأمير سالينا المناهض لطبقته الإقطاعية " إن أهل صقلية هالكون ، لأنهم ناموا طويلا ً فاستلذوا النوم ، لدرجة أنهم صاروا مستعدين لتمزيق من يحاول إيقاظهم ، فهم في نومهم هذا يحلمون بأنهم كاملو الأوصاف ، فكيف بمن يعتقد في نفسه الكمال أن يطلب التغيير؟ "
والمغزى أن من يحجم عن ممارسة النقد الذاتي لابد هالك ، حتى لو ملأ الدنيا صراخاً بالضد على فساد نظام سياسي معين أو نخبة حاكمة بعينها ، فاتهام الآخرين وحدهم إنما يخبئ في الجيب صك تبرئة الذات .
في بلادنا لا يمكن لأحد أن يعد بريئاً مما صارت إليه الأمور من سوء وضر ، وهل يجادل عاقل في أن الهيمنة الأمريكية والتوحش الإسرائيلي ما كانا ليؤتيا ثمارهما( الحلوة لهما ، والمرة لنا ) لولا تجذر ثقافة الإذعان في العقل الجمعي .. تلك الثقافة التي تمثل الوجه الآخر لوهم الكمال الذي يعيشه جميع الأفراد مع أنفسهم ، بحيث يتأبون على نقد أفكارهم الموروثة ، وممارساتهم العملية المكررة ؟
لقد بقي العقل العربي نائماً، يحلم بما رآه وعايشه في نهار النهضة ( المنقضي من قرون ) حين كانت الأمة سيدة العالم ، حين كانت قادرة على أن تستخلص من أزماتها طاقات دفع جديدة ؛ مثلاً تشتعل الفتنة الكبرى فينشأ علم الكلام وعلم أصول الفقه ، وتنقسم الخلافة الواحدة إلى خلافات ثلاث فتظهر الفلسفة توحد ما فرقته السياسة ، وما كان لتعدد الفرق الدينية والمذاهب الفكرية والمدارس الفلسفية بمانع أحداً من الشعور بأنه يعيش بين حضارة واحدة . وما كان لمصر بالذات ، تلك التي نسجت رداءها الثقافي من وداعة أخلاق الفراعنة، وبهاء التفلسف الإغريقي، ومنظومات الرومان القانونية إلا أن تقبل الإسلام، تأخذ منه ديانة التوحيد وفصاحة اللسان العربي، وتعطيه فنون العمارة والطب والرياضيات.
نهضة الغرب
غير أن القرون ما لبثت حتى أقبلت على مصر (والعرب) بليل " عثمانيّ " مظلم طويل، تلاشت به عقلانية المعتزلة لحساب الجمود الأشعري/ الحنبلي ، وفي دياجيره استقر تكفير الفلاسفة على يد الغزالي، فأصيبت العلوم الطبيعية بالشلل الرعاش، ووئدت في مهدها العلوم الإنسانية ، حتى تعملق الجهل وتربعت الخرافة على عرش الألباب.
في ذلك الوقت بدأ الغرب رحلته مع النهضة عبر طاقة البخار والكشوف الجغرافية ، ومن رحم الثورة الصناعية ولدت الرأسمالية وتوأمها الاستعمار، فكان تراكم الثروات المنهوبة حافزاً لتطوير وسائل وأنماط الإنتاج على غير مثال سابق ، ما سمح للعقل الغربي بحرية الاختراع والابتكار ليس فحسب في مناحي الحياة المادية ، بل وأيضا ً في ميادين المعرفة: الرياضيات والفيزياء والبيولوجيا والأيديولوجيات الإنسانية لا الكهنوتية ، وواكب ذلك حركات إصلاح ديني وثورات سياسية وتفتحات اجتماعية على عالم جديد يؤمن بحق الشعوب في حرية الاعتقاد، والتفكير والتعبير والتنظيم واختيار الحكام ومحاسبتهم وتبديلهم كل فترة محددة .
إن نظرة سريعة على مسيرة الغرب منذ بدأ نهضته هذه، لتكشف لنا عن مقدار الثراء المادي والمعرفي المتراكم ، والمستثمر في حياته العقلية ، والذي بدونه ما كانت لتسود حضارته الحالية العالم المعاصر ؛ فمن فرنسيس بيكون واكتشافه قانون السببية ، ومن معاصره هوبز مؤسس الفلسفة التجريبية ، إلى الفلسفة العقلية عند ديكارت وسبينوزا وليبنتز ، إلى نقدية كانط .. ومن اكتمال الفلسفة الكلاسيكية على يد هيجل يتوج بها رأس الدولة الحديثة ، إلى فلسفة ماركس الثورية التي سعت لتحطيم الدولة البورجوازية بغرض أن تحل محلها دولة " مؤقتة " هي دولة البروليتاريا، تمهيداً لإلغاء نظام الدولة برمته بحسبانها سبب اغتراب البشر وممحاة حرياتهم.
من هنا يتبين أن الفلسفة ، أيا كان اسمهما أو توجهها ، إنما هي فعل إنساني له دور مؤكد في إمداد البشر بخلاصة التأمل الحكيم الكاشف عن قوانين الحركة في العلوم الطبيعية ومسيرة التاريخ وشروط المعرفة وهياكل الاقتصاد ، ولكن لولا النقد الذاتي ما تقدم التأمل الفلسفي خطوة واحدة .. خذ مثلا استبراء فلاسفة الغرب من المفكر الياباني الأمريكي " فرنسيس فوكوياما" ، القائل بانتهاء التاريخ بعد سقوط الأنظمة الشيوعية متوهماً ديمومة الرأسمالية ، وهم بذلك يعترفون بأن الماركسية ستظل موجودة على المسرح العالمي ما بقيت معضلة التناقض بين رأس المال والعمل المأجور، دون أن يغيب عنهم أن ثمة خللا ً في فلسفة الماركسية أساسه كونها بنية ً Structure قائمة على وعي طبقي مجرد (برهن ماكس فيبر على تهافته ) وعي يخلو من عنصر الذاتية ، فيعبر عنه الحزب الشيوعي لا الأفراد!
في هذا السياق النقد/ذاتي حاول سارتر تصحيح الخطأ بطرح فلسفته الوجودية التي تؤكد على حرية الفرد وقدرته على إبداع مصيره بعيدا ً عن دوجمائية الحزب وسوء فهمه لغايات الفلسفة التي تنشد التحرير، وبالمقابل تقدم الفيلسوف الفرنسي لوي آلتوسير (ت 1990) بمحاولة لإنقاذ ماركس من نفسه ! بغرض نقل المادية التاريخية من الوضع الأيديولوجي، إلى مرحلة تتأسس فيها بهيئة علم اجتماعي لا غش فيه .
فإذا أضفنا إلى ذلك جهود ميشيل فوكوه بكشفه داخل المقال Discourse – أيّ مقال – عن علاقات السلطة وآلياتها ؛ لأدركنا أن في هذا الكشف تحريراً تتضاءل بجانبه كل المحاولات السياسية الرامية للخلاص من هذا الطاغية أو ذاك . كيف ؟ لأن الفرد إذا أدرك التناقض في خطاب السلطة تحرر عقله مما دس فيه من " برامج " التسليم بما يقال له عبر الأسرة والمدرسة ودور العبادة والميديا والحزب وغيرها من مؤسسات الإملاء Dictation؛ ومن المنطقي أن هذا التحرير لو تواتر بين الأفراد لمؤدٍ إلى استقالة الطغاة من حكم شعب كهذا ابتداء ً.

فأين نحن من هذا النموذج الفلسفي؟
مازالت تشغلنا قضايا الجبر والاختيار، الوحدانية والصفات ، جدال المعتزلة والأشاعرة ، تكفير الغزالي للكندي والفارابي وابن سينا ، واحتجاج ابن رشد ضداً على الغزالي، مرجعياتنا ابن تيمية وابن القيم الجوزية ، وآليتنا الفكرية تتراوح بين طلب الإجماع من ناحية وبين قياس الغائب على الشاهد من أخرى، وأما الذين اعتنوا بالشأن الفلسفي المعاصر في قرننا الفائت فهم إما مؤرخو فلسفة مثل يوسف كرم وتوفيق الطويل وعلي سامي النشار، وإما شرّاح لمذاهبها مثل أحمد فؤاد الأهواني وزكي نجيب محمود وعبد الرحمن بدوي. وفي ظل هذا المناخ الفلسفي الاتباعيّ يظل العقل الجمعي المصري مشيحاً بوجهه عن مبدأ السببية نظرياً ، وإن ارتكن عليه أحياناً في بعض المعاملات ذات النفع الخاص ، مثال ذلك القصة المشهورة لرجل الدين المحترف الذي أفتى لرجل بال كلب على جدار بيته : يهدم ويبني من جديد ليتخلص من النجاسة ! لكنه حين علم بأن الجدار يفصل بين منزله ومنزل طالب الفتوى عاد ليقول : قليل من الماء يطهره !
بيد أن الأمل يظل معقوداً على متفلسفين جادين كإمام عبد الفتاح إمام وحسن حنفي وعاطف العراقي وعبد المنعم الحفني ، ويمنى طريف الخولي وعلي مبروك وماهر عبد القادر وأشرف منصور مثالاً لا حصراً، شريطة أن يعبروا حقول الألغام الفكرية الموروثة ، مرتكزين على وعيهم بعلوم العصر ومناهجه المعرفية الحداثية لإبداع فلسفة تعبر عن واقعنا المصري ، بمثل ما ارتكز الأمريكيون على واقع بلادهم " الرأسمالي" منتجين لمواطنيهم فلسفة البرجماتية ، وبمثل ما فعل الأوربيون المعاصرون الذين أبدعوا الظاهراتية والوجودية ، وبقدر ما اعتمد ماركس وانجلز على حالة الصراع الطبقي المحتدمة في القرن التاسع عشر ليؤسسا فلسفة الاشتراكية.
إن الواقع المصري اليوم وهو يناضل للخروج من حالة الحصار الحالي ؛ ليناشد هؤلاء النفر المشتغلين بالفلسفة، وقد هضموا بحوث اللغة وعلاقتها بالمخ البشري كيميائياً، والعقل الإلكتروني كهربائياً وما بين الاثنين من علاقات تداخل وتكامل عبر ثورة المعلومات وفلسفة المعرفة ؛ أن يقتحموا فضاء الإبداع الفلسفي ذاته ليعودوا إلى مواطنيهم بالحلول الحقيقية لمشكلاتهم الفكرية ( وفي مقدمتها الإغراق في النوم الماضوي ) تلك المشكلات التي ترسخ واقعهم البائس وتضاعف من معاناتهم على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية دون أدنى شك.



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هنيئاً لأهل القاهرة الأذان الموحد
- إلى أين المصير؟
- هل يطلب البابا دولة قبطية في مصر؟
- أمازونية متوحشة تعذب طفليها بالإسكندرية
- تحولات برج بابل في مصر
- تحولات اٌسكندرية عبر العصور
- التراث الفرعوني هو الأساس التاريخي لأسطورة المهدي المنتظر
- ثورة في مصر أم بعث لأسطورة المخلص ؟
- عن الإسكندرية
- المثقفون بالاسكندرية يتضامنون مع شيخ النقاد العرب د. جابر عص ...
- هل تصبح سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين ؟
- مغامرة الكتابة مع نجيب محفوظ
- المتشددون المسلمون يرقصون على موسيقي العدو و يهددون بحرب صلي ...
- هل يمكن للشعب أن يتنازل - بحريته - عن حريته ؟
- الشعر سفيرا ً فوق العادة
- لماذا يرتعب المتدينون من كلمة الحرية
- متى يعتذر الغرب للشعب المصري
- المرأة العربية في المخيال الجمعي
- مقاربة مصرية لرباعية الإسكندرية
- رواية أن ترى الآن لمنتصر القفاش


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - الفلسفة وحل مشكلات مصر المحروسة