أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - مصير الدولة الحديثة بين قنابل الجهاد وموائد ماك وانزلاقات الماركسية















المزيد.....

مصير الدولة الحديثة بين قنابل الجهاد وموائد ماك وانزلاقات الماركسية


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 3175 - 2010 / 11 / 4 - 19:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ثلاث محطات رئيسية مر بها قطار نظام الدولة قبل أن يصل إلى غايته على رصيف مؤسسة الدولة القومية الحديثة ، وأما المحطات السابقة فكانت على التوالي دولة المدينة ، فالدولة الإمبراطورية ثم الدولة الدينية . والسؤال الحيوي في هذا العرض المختصر لتطور نظام الدولة يمكن صياغته على النحو التالي : هل يمكن لنموذج الدولة القومية الحديثة ( الذي أمسى معترفا ً به عالميا ً منذ توقيع معاهدة وستفاليا عام 1648) أن يبقى ويستمر بوصفه المعبر عن الخصوصيات الثقافية للشعوب المختلفة ؟ وهل يجوز لنا أن نفترض أن الدول الصغيرة – مثل دولتنا – بمقدورها الانفلات من شباك الصيد الثقافية التي تنصبها القوى الكبرى سواء كانت دولا أم منظمات عالمية " أممية " ؟
لنضرب صفحا ً عمن يعالجون مثل هذه القضايا المصيرية بلهجة التفاؤل الساذجة المنتشرة بين " موظفي " البرامج التليفزيونية وكتاب الصحف الباهتة ، وكوادر الأحزاب السياسية أسرى الأيديولوجيات التي هي وعي زائف . ولنتجاهل أيضا ً حملة مباخر الشعار المحفوظ من فترة ستينات القرن الماضي القائل إننا قادرون علي التحرر من الهيمنة الثقافية ( الأمريكية تحديدا ً) لأننا أقوياء بتاريخنا وتراثنا وأمجادنا و,,,الخ فلا أحد عاقلا ً يصدق هذا " الزخـْم اللسانيّ " اللهم إلا إذا وافق بن لادن ( وهو بدوره قوة مهيمنة ) على ما يفعله كـ "جهاد " ضد عالم ماك .
وماك هذا تعبير نحته المفكر الأمريكي المعاصر بنجامين باربر باستعارة منه لما يدل عليه التعبير من محلات ماكدونالدز ، التي هي أشبه بمدينة ملاه ٍ حدودها العالم بأسره حيث تقدم أساليب الحياة الأمريكية بمأكولاتها وملبوساتها وترفها الباذخ وألعابها المغرية بالاندماج في كل ما هو سطحي ، وباختصار لنقل بإفرازاتها الثقافية ذات المعدن الخسيس والمطلي بقشرة الذهب الزائفة.
أما الجهاد فلا شك أنه يمثل رد الفعل الثقافي " المسلح " على تقسيم العالم من ناحية إلى بشر سعداء بأنانيتهم وتفاهة عيشهم الظامئ دوما إلى مياه بحر الشهوات ، ومن ناحية أخرى إلى أناس يغوصون في رمال الجوع والمرض والبؤس العميم . ومن ثم يشحذ " الجهاد " كل ما يستطيع من قوى كي يدمر بها ليس حسب ُ الشر الناجم عن أمراض الحضارة العالمية المعاصرة ، بل الحضارة ذاتها من رأسها لذيلها ، دون أن ينتدبه أحد لهذه المهمة !
والحق أن شعوب العالم الثالث باتت أقرب ما تكون إلى أن تقع في الاستقطاب بين هذين النموذجين: الجهاد ، وماك ، الذين يتفقان – في الغايات لا في الوسائل - على معاداة الديمقراطية من منطلق أنثروبولوجي وفلسفي يرى ألا أساس لخصوصية ثقافية لأي مجتمع من المجتمعات، فالبشر جميعا ً جنس واحد لا مناص من خضوعه لشريعة الخالق الواحد ( حسب الجهاد ) أو للرغبات البيولوجية والفسيولوجية الواحدة ( بفكروية ماك ) فما هو أصل المشكلة ؟

طبيعة الهوية
لا يوجد " امتداد " للخصوصية الاجتماعية الثقافية ، و ما يتصل بها من " هوية " Identity إلا في سياق اجتماعي زمني معين . وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه أنور عبد الملك عندما أسس الهوية المصرية ( الدائمة ) على نظرية النمط الآسيوي للانتاج " كارل فيتفوجل " التي ترى أن مركزية الدولة القائمة على أنظمة الرى المخطط ، تتيح للدولة أن تتحكم في الأرض الزراعية ومن عليها ، بل ويمضي عبد الملك بما يفهم منه أن اللاهوت بتلك المجتمعات التي تعيش على الأنهار الطويلة قليلة التفرعات( سوى عند المنبع) كان حريا ً بمسايرة القوة المركزية فكان أن جعل هذا اللاهوتُ آلهتـَه معبرة ًعن تلك القوة المركزية ، مستندا في ذلك على "إنجلز" الذي سجل هذا الرأي في رسالة منه إلى " ماركس " وهي رسالة يكتنفها الغموض الذي يشي بأن منظومة الدولة المركزية الشرقية لم تستوف حقها من الفحص والدراسة لا عند إنجلز ولا حتى ماركس. وبالتالي يبقى نموذج المراحل الخمس [ المشاعية فالعبودية فالإقطاع فالرأسمالية ثم الإشتراكية ] مسيطرا ً على مخيلة الماركسيين ، مزيحا ً ما عداه إلى هامش الكتاب. وهنا تكون الماركسية قد انزلقت على أرضية حمامها الخاص بحيث لم تستطع أن ترى من نافذته ملامح الخصوصية الثقافية للمجتمعات الإنسانية ، حتى ولو كانت هذه الخصوصية نسبية في زمان نسبي.

مدرسة فرانكفورت والاتحاد السوفييتي السابق

وهذا بالضبط ما حدا بمدرسة فرانكفورت النقدية لشن هجومها الفلسفي على فكرة الدولة القومية ( هكذا كانت تعتبر الاتحاد السوفييتي دولة قومية برغم ادعائه الأممية ) فالدولة الحديثة سواء كانت رأسمالية أم اشتراكية تسلب الفرد وعيه الخاص وتحيله بذلك إلى جزء من كل ِ جماعيّ ، هذا الكل الذي تتخلق فيه – بواسطة الأيديولوجيا والثقافة الموجهة – سمات معينة تسميها الدولة خصوصية قومية من قبيل الرياء الاجتماعي.
وهنا يحضرنا عالما الاجتماع الكبيران دور كايم ، وماكس ﭭيبر اللذان كشفا بأبحاثهما العلمية أن الذاتيةSubjectivity ليست مطلقة ولا ثابتة . فإذا صح رأيهما – وهو صحيح فعلا ولكن بمعنى معين - فكيف يمكن لنا نحن المصريين التحدث عن هوية تمتد من عصر ما قبل الأسرات ، ثم تتفرعن ( أي تصبح فرعونية ) ثم تتنصر، ثم تتمسلم وتتعرب ، ثم ها هي ذي أخيرا ً تتغربن في ظل العولمة الكاسحة ؟
ما من شك في أن الإجابة عن هذا السؤال لن تكون في صالح " القوميين " بما هم عليه من ثبات وجوديّ ( = إنكار حقيقة تطور الكائنات ) ومع ذلك فمن الخطأ القول بأنه لا توجد خصوصيات اجتماعية ثقافية بالمعنى "الموضوعي" للكلمة ، وإلا فكيف قامت علي تلك الخصوصيات أيديولوجيات وهويات ثقافية معينة ظلت حية لأوقات طويلة ؟

حقيقة النمط الآسيوي للإنتاج
نعم ثمة تحفظات على مقولة النمط الآسيوي للإنتاج ، بوصفها أداة بحثية Research Instruments ذات بعد واحد هو البعد الجيومورفولوجي أو بترجمة عربية( ركيكة مني) جغرافية نظام الري والصرف ؛ وهي بهذه الصفة قد تم رفضها كلية بواسطة رينيه جوندر فرنك وفاليرشتاين وسمير أمين , وتنازل عنها جزئياً بيري أندرسون , ومع ذلك ستظل هذه المقولة الأداة البحثية الصالحة لتفسير عصور بكاملها ران فيها الجمود على بلدان شرقية كثيرة ( في مقدمتها مصر ) فاستخدمها أحمد صادق سعد – على خلاف أنور عبد الملك - لا بحسبانها الأداة الوحيدة الصالحة لكل زمان ومكان ، بل باعتبارها الأداة الأنسب لبلد معين في فترة زمنية معينة. والحاصل أن من يقبلون هذه الآلية، ومن يستبعدونها يفعلون ذلك اتكاء على نفس المرجعية الماركسية الشاحبة كما أوضحنا آنفا ً، وكأن الماركسية لا يأتيها الباطل من بين يديها أو خلفها. في حين الخطأ خليق بالتسلل إليها من تحت عقب بابها الأوسع الذي فتحته على ما تسميه في أدبياتها : الأممية !
وهذا ما يفسر التقاء مدرسة فرانكفورت النقدية وتنظيم الجهاد وعالم ماك – كل لأسبابه الخاصة - حول ضرورة نبذ الدولة القومية الحديثة المؤسسة على فكرة وحدة الثقافة الوطنية . ومن الجلي أن الدولة القومية ليست هي – من وجهة نظر فلسفية بحتة - نهاية التاريخ ، فربما يأتي وقت يستغني فيه الناس عن الدولة كمؤسسة مهيمنة ذات سيادة مطلقة ، وقد تحل محل الدول القومية المتعددة دولة عالمية واحدة تطبق قانونها الإنساني الواحد على جميع البشر دون تفرقة بين أبيض وأسود، أو مسيحي ومسلم ، متدين أو ملحد ، رجل وامرأة ...الخ وربما ترتمي البشرية في فوضوية كاسحة تعود بها إلى عصور البربرية الأولى . كل ذلك رهين بالمستقبل البعيد ، إنما واقع الحال في عصرنا لا غرو يسعى لحل مشكلاته عن طريق توسيع دائرة صلاحيات الشعوب سياسيا ً واجتماعيا ً واقتصاديا ً على أرض فلسفة الديمقراطية ، تلك الفلسفة التي لا يمكن أن تتبناها سوى الدولة القومية المدنية الحديثة .



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورق في الثقب الأسود - قصيدة
- سؤال النهضة في مصر وإجابة الموجة الثالثة
- وهم استعادة النهضة في مصر
- أطباء بلا حدود والضوء الشاحب
- الفلسفة وحل مشكلات مصر المحروسة
- هنيئاً لأهل القاهرة الأذان الموحد
- إلى أين المصير؟
- هل يطلب البابا دولة قبطية في مصر؟
- أمازونية متوحشة تعذب طفليها بالإسكندرية
- تحولات برج بابل في مصر
- تحولات اٌسكندرية عبر العصور
- التراث الفرعوني هو الأساس التاريخي لأسطورة المهدي المنتظر
- ثورة في مصر أم بعث لأسطورة المخلص ؟
- عن الإسكندرية
- المثقفون بالاسكندرية يتضامنون مع شيخ النقاد العرب د. جابر عص ...
- هل تصبح سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين ؟
- مغامرة الكتابة مع نجيب محفوظ
- المتشددون المسلمون يرقصون على موسيقي العدو و يهددون بحرب صلي ...
- هل يمكن للشعب أن يتنازل - بحريته - عن حريته ؟
- الشعر سفيرا ً فوق العادة


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - مصير الدولة الحديثة بين قنابل الجهاد وموائد ماك وانزلاقات الماركسية