علم الدين بدرية
الحوار المتمدن-العدد: 3239 - 2011 / 1 / 7 - 01:48
المحور:
الادب والفن
خَفَقَاتٌ خَريْفِيَّةٌ
علم الدين بدرية
لَمْ يَعُدْ شَيْءٌ يُلاحِقُ خَفَقَاتِي الْخَريْفِيَّةِ .. سِوَى تَسَاؤلاتٍ تَحْتَشِدُ عَلَى حَوَافِ الْعُمْرِ الْمُهَاجِرِ وَالذَّاكِرَةِ الْمَنْسِيَّةِ عَلىَ شَوَاطِئِ وَحْدَتِي ، تَتَجَرَّدُ مِنْ مَفْهُومِهَا الزَّمَنِيّ لِتُصْبِحَ شِبْهَ اِسْتِحَالَةٍ فِي مُحَاوَلَةِ اِسْتِعَادَةِ مَلامِحٍ شَرَّدَ مَعَالِمَهَا قَدَرٌ وَمَازَلتُ أُضِيْعُ فِي التِّيْهِ فُقْدًا ومُنْذُ أَمَدٍ..يُصافِحُنِي الغِيَابُ ولا يَفُكُّ يَدِي ، يُنْبِئُ عَنْ الرَّاحِلِيْن دُونَ وَدَاعٍ دُونَ خَبَرْ .. لَوْحَاتِي أَلْوَانُ اِسْتِحَالَةٍ فِي نَسْجِ الْقَصِيْدَةِ وَنُقَاطٌ مُبَعْثَرَةٌ تَعْبُرُ حُدُودَ التَّعْبِيْرِ الْمُقَفَّى ، خُطُوطُ الشَّوْكِ الْمُعَرْبِدَةُ فَوقَ الأَكُفِّ بَوْصَلَةٌ شَوْقٍ تُشِيْرُ إِلى مَنْ فَرَّقَتْهم رِيَاحُ التِّيِهِ وَأَعَاصِيْرُ الزَّمَنِ الأَصْفَر الْمَحْفُورَة نِتُوءًا عَلىَ جَبْهَتِي !! تُحَدِّثُني أَمِيْرَتِي عَنْ مَوَاثِيْق عِشْقٍ كُتِبَتْ فِي لَوْحِ الْقَدَرِ ، عَنْ رُوحٍ تَجَزَّأَتْ / تَغَرَّبَتْ مُنْذُ الأَزَلِ.. وَتُذَكِّرُنِي بِمَواعِيْد مؤجّلةٍ وحَفْنَةٍ عَتْمَةٍ وَسُكُونِ أَرْصِفةٍ أَرْهَقَتْهَا مَوَاسِمُ الْحَصَادِ وَفُصُولُ الْقُدُومِ والرَّحِيْل ، الْبَعْثُ وَالانْدِثَارْ ...
هِيَ أَيَّامٌ هَاربَةٌ فِي عُمْقِ الزَّمَنِ الآفِلِ ، تَرْكُضُ بِنَا فِي مُعَادَلَةٍ دَائِريِّةٍ مِنْ بُعْدٍ إِلى آخَرْ ، نُحَاوِلُ أَنْ نَعيَ الْمُعَادَلَةَ الْلَانِهَائِيَّةَ لِلْوُجُوْدِ دُونَ جَدْوَى ، حَاوَلْتُ لَمْلَمَة شَتَاتِ ظِلَالُنَا الرَّاكِضَةِ عَبَثًا خَلْفَ تَعْتَعَاتِ الْوَهَمِ الْمُحَاصِرِ وُجُودِنَا الْمَحْدُودِ فِي تِيِهِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ،لَمْ أَجِدْ إِلاَّ سَرَابًا وَانْعِكَاسًا فِي مَرَايَا الْقَدَرِ الآفِلِ عَلَىَ مُدَرَّجَاتِ الأَقْمَارِ الْمُسَافِرَةِ فِي دَيْمُومَةٍ دَائِريَّةٍ لَا تَعْرفُ الانْتِهَاءْ ... دُونَ جَدْوَى بَعْثَرْتُ تَسَاؤلاتي مُسْتَدْركًا رَحِيْلَ الْوَقْتِ فِي الْلَّحَظَاتِ الأَخِيْرَةِ لِحَيَاةٍ تَحْتَضِرُ عَلَىَ أَكُفِّ الْبَنَفْسَجِ ، تَبْحَثُ فِي زَحْمَةِ الضَّيَاعِ عَنْ ذَاكِرَةٍ مَهْجُورَةٍ وَأَوْرَاقِ وَطَنٍ قَدِيْمٍ قَدْ ذَوَى ، عَنْ بَصِيْصِ أَمَلٍ يَتَّقِدُ فِي نَسِيْجِ الْخَلايَا ، يُعِيْدُ الْمَاضِي وَيَرْسُمُ الْحَاضِرَ صُورَةً مُشْرِقًةً تُولَدُ مِنْ بَقَايَا اِحْتِضَار...
مِنْ مَعَابِدِ النَّشْوَةِ الْمُعَرْبِدَةِ فِي الْقِرَبِ ، مِنْ بَيْنِ أَحْلامٍ غَارِقَةٍ فِي الأَرَقِ ، مِنْ نَبِيْذٍ مُعَتَّقٍ مَهْرُوقٍ عَلىَ أَعْتَابِ الزَّمَنِ الْمُشَرَّدِ ، أَتَلَحّفُ الْمَوْجَ الصَّاخِبَ وَأَسْكُبُ الْكَلامَ صَمْتًا وَحُرُوفًا مِنْ نَارٍ وَلَهَبْ وَأُرَتِّلُ صَلاةً إسْتِثْنَائِيَّةً مُعَقَّدَةً فِي مِحْرَابِ السُّكُونِ والْغَضَبْ ، أَعْتَصِرُ بَقَايَا قَطَراتٍ مِن النَّدَى النَّازِفِ عَلىَ أَطْلالِ عَرائِش الْيَاسَمِيْنِ الْمُتَأَلِّقَةِ فِي ضَيَاعٍ وَرْدِيٍّ أَبْيَضْ ... يَتَمَوْسَقُ الْحُزْنُ عَلىَ سِيْقَانِ الزُّهُورِ الذَّابِلَةِ ، يَنْعَكِسُ كَمَرايَا غُرْبَةٍ دَاعَبَهَا عَبِيْرُ الصَّحْوَةِ الْمُمَزَّقَةِ فَتَجَزْأَتْ صُورًا مُحَطَّمَةً تَمْضِي نَحْوَ مَدَارجِ الأُفُقِ الْغَارقِ فِي أَبْعَادٍ كَوْنِيَّةٍ ، تَتَدَحْرَجُ عَلىَ حُدُودِ اِغْتِرَابِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ ، تُلَمْلِمُ بَقَايَا قَصَائِدٍ غَابِرَةٍ وَظِلالٍ حَجَريَّةٍ تَاهَتْ بِهَا الْمَسَافَاتُ ..
فِي مَسِيْرَةِ الْبَحْثِ عَن الذَّاتِ يَجْتَاحُنِي حَنِيْنُ الْعَوْدَةِ كَغَيثٍ مَارقٍ بَيْنَ الغَمامَةِ وَعَطَشِ الأَرْضِ الْجَرْدَاءْ !! ذَاتَ يَوْمٍ سَيَخْتَنِقُ دَمْعِي وَيَبْكِيني لَوْنُ الْغُرُوبِ ويُلْقِيني .. عَلى كَتِفِ اِنْكِسَارَاتِ الأَمْوَاجِ الْحَزيْنَةِ الْمُرْتَطِمَةِ بِأَسْوَارِ عَكَّا الْقَدِيْمَةِ وَيَنْعَى مَوْتِي الْغُرُوبُ فِي خَليْجِ حَيْفَا وَخَلْفَ الأُفُقِ الْبَعِيْدِ سَتَبْقَى الأَسْئِلَةُ المَنْسِيِّةُ تُوزِّعُني .. عَلىَ كُلِّ المِسَاءَاتِ الَّتي نَزَحَتْ مِنْ ذَاكِرَتِي الْمُهْتَرئِةِ ...تُوَزِّعُني وتَذْرُّ أَشْلائِيَ قَوافِلُ الرِّياحِ الْعَائِدَةِ مِنْ مَنَافِي غُرْبَتي وشَجَنِي ..ويَسْتَعْمِرُنِي حَنِيْنٌ أَلِفْتَهُ كَرَائِحَةِ قَهْوَتِي الصَّبَاحِيَّةِ يُذَكِّرُنِي بِهم..بمن مَرَّوا عَلىَ الطّريْق وَلَمْ يُغَادِرُوا مِيْنَاءَ الْوُعُودِ ، هَؤلاءِ مَشَاعِلُ النُّورِ فِي أَرْضِ الْمِيَاهِ الْبَيْضَاءْ حَيْثُ تَنْتَهِي الأَبْعَادَ وَيَسْطَعَ الْحَقُّ بِنُورِ الْيَقِيْن ، حَيْثُ لا سَفَرَ فِي الْمَرَايا ولَا رَحِيْلَ فِي الْعُقَدْ ..
سَبَانَا الوَقْتُ يَا رَفِيْقَتِي ،تُباغِتُنَا الْمَسَافَاتُ الطَّويِلَةُ وَتُقَيِّدُنَا مَسَاحَاتٌ مُهَاجِرَةٌ فَي عُمْقِ النَّخِيْلِ ، يُبَاغِتُنَا صَدَىَ الأَعْمَارِ الآفِلَةِ فِي مُهْجَةِ الْقَمَرِ وتُرْبِكُنَا الإجَاباتُ الْغَارِقَةُ فِي رَحْمِ اِسْتِحَالَةٍ نَسَجَتْ رِدَاءَ الأَحْلامِ وَلَوْحَاتِ الْقَدَرْ.. تَعَالي يَا أَمِيْرَتِي وَاسْكُبِي فِي كَأْسِ الْفُرَاقِ غُرْبَتي وَعَتِّقِي نَبِيْذُكِ فِي الْقِرَبِ ،لا ظِلٌّ وَلا أَثَرُ يُعِيْدُ بَعْثَكِ ، مَنْفَاكِ اِنْعِتَاقِي وَطَيْفُكِ قَمِيْصِي ... يَرْحَلُ فِكْرِي يَذْوي جَسَدِي يَتَقَمَّصُ أَثْوَابَ الثَّرَى ، يُكَفِّنُ شَوْقِي ، يُبَعْثِرُ حَنِيْنِي وَيُبْقِى نَبْضِي طَوَاحِيْنَ لِلْهَوَاءِ وَشِعْرِي حَجَرًا لِلْرَّحَى ، فَكَيْفَ أَبْلُغُ لَيْلَ أَحْزَانِي حِيْنَ تَغْرُبُ بِلَوْنِ الأَفُقِ قَصَائِدِي وَيَنْعَى حَادِيَ الْعِيْسِ كُثْبَانِي ؟! مُسَافِرٌ فِي الرَّدَى وَمَرَاكِبِي أَوْجَاعٌ مُشَرَّعَةٌ ، كَفَنِي رِمَالُ صَحْرَاء وَوَاحَةُ عِشْقِي ضَجِيْجُ الرُّؤى !! تَسْتَبيحُ الأَعْرَافُ طُقُوسَ تَهَجُّدِي و تُهْدِر دَمِي أَطْيَافُ الْمُنَىَ وَيَنْأَىَ آخِرُ أَحْلامِي مَع الدُّجَى !!
لَمْ يَعُدْ شَيْءٌ يُلاحِقُ خَفَقَاتِي الْخَريْفِيَّة .. أَمِيْرَتِي أَيَّتُهَا الْمُسَافِرَةُ عَلىَ جَنَاحِ حُلُمٍ خَلَفَ الْمُحِيْطِ ، الْجَانِحَةُ إِلى مَسَاقِطِ النُّجُومِ ، الْبَاقِيَةُ فِي كَفَنِي كَجَذْوَةٍ تَحْتَ الرَّمَادِ تُعَانِقُ رُوحِي وَتُدْفئ مُحَطَّاتِ الْفُرَاقْ ، بَعِيْدَةٌ أَنْتِ كَحُلُمٍ يُرَاوِدُ جَفْنِي وَيَأْفَلُ فِي خَاطِرِي حِيْنَ النُّهُوضِ ، قَرِيْبَةٌ كَحَبْلِ الْوَريْدِ ، أَنْتِ جَنَّتي الْغَارِقَة فِي أَطْلَنْطس ، أَنْتِ جَحِيْمِي الْمُسْتَعِرّ بِالْفِكْرِ ، أَنْتِ كُلُّ الآمَالِ الْتِي نَبَتَتْ فِي أَرْضِ الْمُحَالِ ، أَنْتِ ضُوْءُ مَنَارَتِي الْتِي سَئِمَتْ الانْتِظَارِ عَلىَ الرَّصِيْفِ ،أَنْتِ الشَّاهِدُ الأَوْلُ والأَخِيْرُ عَلىَ وِلادَتِي وَاحْتِضَاري ...
#علم_الدين_بدرية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟