أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بلقيس حميد حسن - الهمجية وقتل الجمال















المزيد.....

الهمجية وقتل الجمال


بلقيس حميد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 3211 - 2010 / 12 / 10 - 15:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بحثت عن عنوان لمقالي فلم أجد أنسب من وصف الهمجية لكل ما يحصل في العراق اليوم من تدمير للتقاليد الحضرية, واشاعة للفوضى وعدم التماسك وعدم تطبيق الدستور والأنظمة والقوانين التي تحكم حياة الناس بشكل عادل ومسؤول, بحيث يمكننا وبكل جرأة أن نطلق صفة الهمجية على ماقرره سكرتير مجلس محافظة بغداد من اغلاق للنوادي الثقافية بدون تعليل مقبول, واغلاق اماكن اللهو والترفيه, وتحريم تعلم الموسيقى والمسرح في معهد الفنون الجميلة, واغلاق دور السينما بالتزامن مع ما تتعرض أوتعرضت له الأديان الاخرى في العراق كالمسيحية والصابئية والايزيدية من قتل على يد الارهابيين والمتعصبين والمعتوهين ومن تهديم لدور العبادة, كل هذا يندرج ضمن فعل الهمجية والعودة الى الوراء.
وحتى أكون موضوعية في الوصف فتشت عن معنى كلمة الهمجية في القواميس فوجدت اغلبها تتفق على معنى تقريبي واحد وانقل هنا ما جاء بقاموس لسان العرب الذي اخترت منه المعاني الأهم والتي تعنينا في المقال وهي كما يلي:
" يقال لرُذالَة الناس: هَمَجٌ؛ وقال ابن الأَعرابي: والهَمَجُ البَعُوضُ والذباب, ثم يقال لرذال الناس: هَمَجٌ هامِجٌ؛ والهَمَجُ: الرَّعاعُ من الناس؛ وقيل: هم الأَخلاط، وقيل: هم الهَمَلُ الذين لا نِظَامَ لهم. وكل شيء ترك بعضه يَموجُ في بعض، فهو هامجٌ. ويقال للرَّعاع من الناس الحَمْقَى: إِنما هم هَمَجٌ هامِج؛ وقالوا: سُوءُ التدبير في المعاش؛. ويقال لأُشابَة الناس الذين لا عقول لهم ولا مُرُوءَةَ: هَمَجٌ هامج. وقومٌ هَمَجٌ: لا خير فيه؛ ورجل هَمَجٌ وهَمَجة: أَحمق، وجمعُ الهَمَج أَهْماجٌ.والهَمَجةُ من الناس الأَحمق الذي لا يتماسك"
هذا بعض ما ذكره لسان العرب عن كلمة الهمجية, وهذا ما نراه اليوم حاصل في العراق والذي فاق همجية الحملة الايمانية الصدامية, بل انه لم يتجرأ على تحريم الموسيقى والفنون.
ان من يحاول إنهاء صناعة الجمال المتمثلة في الفنون والثقافة, والتي تعتبر أول مظهر من مظاهر الحضارة الانسانية يكون- حسب القاموس- أحمقا وهمجيا وغير متماسك, وهو ايضا من الرعاع , لأنه لا يعرف النظام حينما يكسر الدستور والأنظمة المتفق عليها من قبل الشعب ويخلط بهمجيته الناس بالناس ويتركهم يقاتلون بعضهم بعضا.
ان أول روافد الإرهاب في العالم هم الشباب الذين لا يجدون في الحياة جمالا ومتعة للبقاء حيث حرموا منها أما بغسيل أدمغتهم عن طريق متعصبي شيوخ الدين, او فقرا وتشردا وبطالة عن العمل, حيث لايجد الشباب أوقاتا من الترفيه واللهو البريء وممارسة المواهب التي تشدهم للإبداع وتحببهم الحياة.
لقد دأبت الدول الحضرية عبر التاريخ البشري على تشجيع المواهب والفنون ومنح النفس البشرية فرصة الانطلاق والتعبير عن الذات, لأن الانسان هو باني الحضارات وبدون حرية النفوس وانطلاقها لا يمكن أن يبدع أو يصنع أي شيء. ففتحت لذلك المراكز التي ترعى الفنون, وفي ذلك يقول يوسف ابو اسحق الكندي, الفيلسوف العراقي, العربي, القحطاني , والذي لم يأتنا من أوروبا او أمريكا أو أية دولة كفر, كما يحلو لبعض الشيوخ تسمية الدول الغربية التي فاقتنا حضارة وعلما, والكندي عالم موسوعي في الفلك والكيمياء والفيزياء وعلم النفس والطب والمنطق والموسيقى وجملة اخرى من العلوم والمعرفة التي دعت العالم بتسميته بـ"المعلم الأول" في تاريخ العرب والمسلمين, وقد عاش في الزمن الاسلامي مابين 805- 873 أي انه لم يعش في الزمن الشيوعي أو الكافر, ومن جملة ماألف كتابا شهيرا في الموسيقى والمعنون ب" رسالة في الموسيقى" حيث يؤكد هذا العلامة على أهمية الموسيقى للنفس البشرية ولسلامة المجتمعات وصحتها ونهضتها وارتقاء القيم والمباديء فيها حينما يقول:
" تعلم الموسيقى كتعلم الطب"
ان الفنون بأشكالها هي الفكر الأول الذي فطر عليه البشر وأولها فن الموسيقى, وهي الإحساس الشفيف الذي يرتقي بالنفس البشرية ويعلو بها نحو آفاق فلسفية بعيدة عن اللهاث وراء المال وماديات الحياة التي تهبط بالنفس الى الحضيض وتجبرها غالبا على الخداع والزيف والكذب والخيانات والاحتيال والوقوع في براثن الفساد كما يحصل اليوم في العراق, فالفنون الحقيقية صانعة الأخلاق الرفيعة, وكم يحتاجها مجتمعنا لتنقذه من خراب النفوس بسنوات الحروب والحصارات والاحتلال والتعصب والتكفير والارهاب والقمع والاقتتال والتحزبات والتسلط والعبودية التي عاشها المجتمع العراقي عبر العقود الأخيرة والتي يعيشها اليوم.
إن كان مجلس محافظة بغداد مسلما فأين هو من زمن هارون الرشيد الاسلامي, والذي عاش فيه الكندي, وهو العصر المسمّى بالذهبي, حيث انتعشت الفلسفة والفنون والعلوم واصبحت بغداد قبلة العالم, يقصدها طلاب المعرفة من كل بقاع الأرض؟
أية همجية جديدة يريدونها اليوم لنا بقراراتهم التعسفية؟
يذكرني هذا بوالدي الشاعر المرحوم "عبد الحميد السنيد", والذي كان رجل دين, وهو ينتقد زمن الحرس القومي وهمجيتهم بقصيدة كادت ان تزج به في سجون طغاة ذلك الزمن ولم يجرأوا, والقصيدة من ديوانه "ألحان الروح" الصادر عام 1964 في العراق- ونرى ان حتى عنوان الديوان جاء ايمانا بالألحان التي يحرم الجهلاء تدريسها اليوم- وعنوان القصيدة " تحية فكرية" وقد أهداها الشاعر عبد الحميد السنيد الى المعلم الأول اسحق الكندي وفيها يقول:
ايه ِ بغداد صافحتك الخطوبُ ×× كم سما فيك ِ عالم ٌموهوب ُ
ونما فيكِ للحضارةِ غرسٌ ×× أبد َ الدهر منه ُ يأرج ُ طيـبُ
حيث ُ عصر الرشيد ِ يشرق ُ بالحكمةِ والدهر بالهنا مصحوبُ
والأماني العـِذاب تختالُ نشوى ×× مرحات ولم يربها مريبُ
طأطأ َ الغرب ُ حولها أرؤس َ الذل ِ وولـّى وفي القلوب ِ وجيبُ
..
خبريـــنــــا بغداد أين حبيبُ ؟ أين رسطو زمانه يعقوبُ؟
أين ورقاء حلـّقت بابن سينا؟ أين عصر ٍ بالعلم ِ زاهٍ خصيبُ؟
أين دار الخلد التي تنطقُ الحكمة منها ويستفيدُ الأديـــــبُ؟
قد تذكرتها ففاضت دموعي من عيوني كأنهن غروب..
اكتفي بهذا القدر من القصيدة واترك للقاريء أن يرى ما وصلنا له من همجية فاقت المعقول, فلم تحرم الموسيقى في تاريخ العراق حتى في أحطها همجية, وليقارن القاريء ويتأمل الفرق بين معنى الهمجية والحضارة.
10-12-2010
www.balkishassan.com



#بلقيس_حميد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخروج من الظلام.. ودفاعا عن العقل
- الفنان منذر حلمي, خفيف الظل حتى برحيله
- تقاسم السلطة, هل تتناسب مع الديمقراطية؟
- شهداء سيدة النجاة
- عذرا أبا جنان, عرفت برحيلك متأخرة
- إهمال المسؤولين, وفواجع الجسور في سوق الشيوخ
- المثقفون ووضع المرأة في العراق
- أخطاء فضائية العراقية في تكريس الطائفية
- -هناك في الأعالي, في كردستان-
- لاحجة للحكومة مهما كانت التبريرات
- ومازال الغناء العراقي دمويا
- هل استطاع الاعلام العربي التأثير على الغرب؟
- السعودية تذبح المتهمين بلامحامي؟ فأين العدالة؟
- من مستلزمات الحضارة الحلقة الخامسة/ الضمان الاجتماعي حق للمح ...
- هل ان الصامت عن الحق يصلح للقيادة سيادة الرئيس؟
- الدراما العربية, جودة يقتلها العنف
- حَرروا الله من فتاواكم
- خُذِلنا
- شكرا أمل بورتر, فالزمن أكد نبوة الأميرة البابلية ...
- آه, ياوطني المغدور


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بلقيس حميد حسن - الهمجية وقتل الجمال