|
- صارخ ٌ في البرِّيَّة - للشاعر شفيق حبيب
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 3208 - 2010 / 12 / 7 - 18:31
المحور:
الادب والفن
شاعرٌ يؤمنُ بالكلمة قبل أن " يصرخ َ بها " بعد صدور ديوان" صارخ ٌ في البرِّية " للشاعر شفيق حبيب، وجدتــُها مناسَبة ً لأحققَ ما يراودُني منذ فترة طويلة، وبإلحاح، أن أكتبَ عن أعمال الشاعر الذي يتواصلُ حضورُه ونكهتـُه الشعريّة ُ المميّزة منذ أكثر من أربعة عقود.. وعبر 14 ديوانا ً شعريّا ً. ورغم هذا الزخم من الإنتاج والحضور الأدبي النشيط والمتواصل إلا أن شفيق حبيب مثل الكثير من المبدعين الجادّين لم يُسَوَّق إعلاميّا ً، وبقي شاعرا ً" غير لامع " وربما لهذا السبب ألح ّ عليّ دافعُ الكتابةِ عن شفيق حبيب ويبدو أني أفعلُ ذلك تمشيّا ً مع حديث تـُراثي لا أذكر قائله جاء فيه: " أفضلُ الجهاد كلمة ُ حقٍّ عندَ سلطان ٍ جائر "، وشفيق حبيب يُعطيني شعورا ً أنه لا يكتب بالقلم إنما بأظافره، ولا يردعُه أنّ لوحة َ الكتابة من الصخر أحيانا ً، ورغمَ أصابعه الدامية يواصلُ نقشَ كلماته بإصرار ٍ وصدق ٍ وتصميم ٍ وإيمان ٍ بكل كلمة.
" يا أبا ذرٍّ تقدَم ْ !!! وازرع ِ الثورة َ ضوءا ً في القلوب المُعْـتِمـَـه "
كما جاء في قصيدته" أبو ذر الغفاري والعولمة " ويشرح دعوته لأبي ذر:
" نحن شعبٌ ... صادرَ الجهلُ فمَـــه عُــد إلينا يا أبا ذر ٍّ !! وقدِّمْـنـــا لسيف المحكمـَـــه ... "
من الخطأ رؤية ُ هذا الألم الذي يمتزج ُ بكلمات هذه القصيدة كانهزاميّةٍ وتشاؤم ٍ واستسلام، إنما استنفارٌ، لأنقى ما في تاريخ الفقراءِ الشرفاءِ ضحايا الاستبدادِ منذ قديم الزمان وصولا ً للعولمة، بأ ن يجيءَ زعيمُهم أبو ذر شاهرا ً سيفـَه لأنـنــا:
" نحن ُ لسْـنا في رحابِ العَوْلمَــــه إنما نحيا عصورا ً مُظلمـَــه "
هذه الروحُ الشعريـّة ُ المتوثــّبة ُ نلقاها تمتدُّ على مساحةِ مُعظم ِ قصائدِهِ الوطنيـّة، بل وحتى في المقاطع ِ الغزليّةِ من شِعره. في قصيدتهِ " لنا مَوْعِدٌ " يقودُنا عَبْرَ المأساةِ والحزن ِ إلى بابِ الأمل ِ والمستقبل ِ أحيانا ً، يُشعِرُكَ أنه يبكي بيأس، غير أن بكاءَهُ أو يأسَه هو المخاضُ الذي لا بد َّ منه لكي يولدَ المستقبلُ / الحُـلم..
" على أرض ِ هذا الوطن ْ .. لعِبنا صغارا ً ... هربنا كبارا ً .. ودارت بنا دائرات ُ المِـحَن ْ.."
ويـُنهي قصيدته بإصرار المقاتلين:
" سنشربُ من بحر ِ غــزَّة َ وحْلا ً ... وذلا ّ ً ... وخلا ّ ... ونحيا على ناضِرات ِ الد ِّمـَن ْ .. لنا موعد ٌ يا مخاض َ السنين ِ !! فمولودُنا .. دولة ٌ من شـَجـَـــن .
الشاعر شفيق حبيب يبني هذه القصيدة َ بحذر، وأكادُ أقولُ بإحكــام، مبتعِدا عن كلِّ ما يمَسُّ تدفـُّقَ المعنى، ومميزاتُ قصيدتِهِ هذه أنك تتحمّسُ لتـُعيدَ قراءَتـَها.
" على أرض ِ هذا الوطن ْ لعِبنــا صِغارا ً هربْـنا كِبــارا ً "
بكلماتٍ قليلةٍ وبسيطة، يُدخِلـُكَ شفيق حبيب بجوّ المأسـاة، وتعبيرُ" هَرَبْـنا كبارا " فيه سخرية ٌ ونقدٌ ذاتيٌّ عنيف، بل دام ٍ لروح ِ الاستسلام ِ والضَّعْفِ والوَهَن ِ في الدفاع عن الحقّ.. وأي حقّ؟؟ ألحقُّ في الوطن والأرض ِ والبيت، الحقُّ أن نكونَ شعبا ً له تاريخ ٌ وحاضرٌ ومستقبل، وبمفهوم ٍ آخرَ ألحقُّ في أن نكونَ بَشـَـرا ً.. ألملاحظ أنّ الشاعر شفيق حبيب هو شاعرُ الكلمة ِ الغاضبة، وقد يميلُ البعضُ لتسميةِ ذلك بشاعر الكلمة الثائرة، وأنا عن قصدٍ ابتعدتُ عن استعمال ِ صياغات ٍ مثل شاعر الغضب أو شاعر الثورة، حتى لا أدخل في مبالغاتٍ فكريـّــــة، وحتى أحافظ َ على دلالاتِ الكلام بحدودِها الواقعيّـة، ولأنّ الغضبَ عند شفيق حبيب هو غضبٌ على الواقع المُعـَرَّف، وليس غضبا ً بلا حدود، فنجدُه في غزليّـاتِه رائقا ً مسحورا ً ولهذا ترقصُ كلماتهُ بجذل:
" ما زلتُ مُرتحِلا ً في شهْقةِ العســـل ِ والليلُ يجمعـُنـا بحـــرا ً من الغــَـزل ِ تأتين عِشـْقـا ً وفي عينيكِ أغنيــــــــة ٌ أشهى من الورد ِ والأطياب ِ والقـُبَـل ِ
من هنا غضبُ الشاعر شفيق حبيب هو غضبٌ له عنوانٌ واضح، وهو غضبٌ ينطلق ُ من رؤية ٍ واعية ٍ لحقيقةِ الواقع، ويهدفُ إلى استنفار ِ قوى الخير ِ للعمل ِ على تغيير الواقع، فنجدُه مرة ً يستنجدُ بأبي ذر الغفاري، ومرة ً يستنجدُ بأجدادِهِ في نجران وتاريخِهِ الأصيل .. ( قصيدة " آه ِ لو عدت " ) وحتى لا يُخطىءَ أحدٌ في حنين الشاعـر لأجدادِهِ في نجران يقــــــول:
" إنّ في نجران َ أجدادي ... وتاريخي الأصيـــلْ ... ولساني عربي ٌّ جاءَ من ينبوع قـــرآن ٍ جليــــــــــلْ "
الشاعر شفيق حبيب يُثبتُ في شعرهِ أن للكلمة دورا ً أكبرُ من مجرّدِ أن تشكـِّـلَ لبـِنة ًَ في مبنى القصيدة،.. وهو من رعيل ِ الأدباءِ الذين لم يُسَــوِّقوا أنفسَهم بل" سـَـوَّقـَهم أدبُهـم " إذا صحّ هذا التعبير.. ويجيئني هنا قولُ الخليفة عمر بن عبد العزيز: " إنّ هذه الأمـّة َ لم تختلفْ في ربِّها ولا في كتابها ، وإنما اختلفت في الدينار والدِّرهم " ومن هذه الزاوية أفهم قصيدته " انكسارات ٌ حــادّة " التي يُهديها " إلى مدّعي المسؤولية الذين يـُنكرون على الشـِّعر صوتـَه في مناسباتنا الوطنيّة وإلى الشعراءِ الزاحفينَ على بطونِهم كالأفاعي " فيقول:
" كان صوتُ الشعر ِ أسمى آيــة ٍ في سِفر ِ آيات ِ النضالْ .. ألهبَ الجمهورَ في يوم التـّصدّي والنزالْ .. وأخاف َ الحاكم َ المأفون َ..."
ثم ينتقد الذين " استكانوا كالسِّخال " ويقول:
" أصبح الشعرُ شعيرا ً بين أسنان ِ البـِغالْ .. "
إلى أن يُلقي صرختـَه ورؤيتـَه:
" يا جراحي ..!! يا جراحات ِ الوطن ْ..!! أصْـلـَبُ القاماتِ عودا ً .. قامة ٌ طهَّرَهــا جمرُ المِحـَن ْ ... "
ومع ذلك على غير العادة، نهاية ُ القصيدة فيها من المرارة ِ ما يُقرّبُها من الانهزاميّة، ولكنها تبدو في النغمة العامّة ككبوة هـُمـام، ينطلق ُ بعدَهــــا... إلى اين ؟؟ :
" آهِ يا شـُبّاك َ هذا العمر ِ يعلوكَ الغـُبـــار ْ جفـّتِ الأزهارُ والأنهــارُ فالأرضُ يبابٌ واحتضارْ .."
وينهي قصيدتـَهُ:
" بات للسُّمـّار ِ والأوتار ِ والأحرار ِ في البال ِ حكايــا .. ومرايــا .. وشظايــا ... ومشاريعُ انتحـــار ْ... "
وفي الحقيقة طرحتُ على نفسي سؤالا ً: لماذا نفهمُ الانتحارَ كانهزام ٍ وليس كقِمّةٍِ في البطولـــة ؟؟ ولكن ما أرجوه ألا يكون موقفُ الشاعر شفيق حبيب هنا مثلَ ذلك المتصوِّف الذي لم يكن يستجيبُ للدعوات على الطعام، وعندما سُئِلَ عن السبب قال: " انتظار المرق ذلّ " بمعنى أن انتظار الفجر الجديد مأساويّ لدرجة شديدة القسوة تدفع المناضل للانتحار... شفيق حبيب في لغته الشعرية لا يميل للرمزيـّة المركـّبة.. جُمَلــُـهُ واضحة، ويرى بالشعر ِ سلاحا َ ثقافيا ً ليس للحماسة فقط، إنما للتوجيه بوعي ٍ ومسؤولية، وقصائدُه قريبة ٌ للحياة اليوميةِ بصعودِها وهبوطِها، وبالصّراع بينَ الخير والشـّر..، وفي كل الصّياغاتِ والأساليبِ الشعريّة، نجدُهُ يحافظ ُ على موسيقى شعريّةٍ تـُعطي لكلماتِهِ أبعادا ً حماسيـّـــة . ويبدو أن قناعاتِ الشاعر شفيق حبيب ورؤيتـَهُ لمـَهـَمـّة الشعر ودورَهُ النضاليَّ في الظروف العينيّة التي يحياها شعبُنـا تدفعُهُ أكثرَ للشعر ِ المهرجاني ّ.. وأعني الشعرَ النضاليَّ الذي يتناسبُ والمهرجاناتِ والمسيراتِ السياسيـّة، ولكن يبدو أن البعضَ لم يعودوا بحاجةِ إلى هذا السلاح أو يرتعبون من ارتفاع شأن ِ قصائدَ شعريةٍ نضاليةٍ على " تمثيليـّاتهم " الوطنيّة ويريدون أن تبقى سطوتـُهم على كلِّ الأسماءِ الشعرية.. " فمَنْ مَلـَكَ استبدّ " كما جاء في نهج البلاغة ومع ذلك، كما يقول أبو ذر الغفاري: " يخضمون ونقضم ..والموعدُ للــّــه..."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نبيل عودة[email protected] www.almsaa.net
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى نغير مجتمع الكوتات النسائية؟!
-
ثقافتنا تغير شكلها
-
سميرة تفسر علم المنطق
-
ملابسات الفاجعة الرهيبة في مصنع تكرير النفط في حيفا
-
عونطة إسرائيلية
-
أزمة المقال الصحفي
-
الفن عندما يرقى الى مستوى المسئولية
-
دولة الفقراء
-
جامعة عربية في الناصرة مشروع نهضوي حضاري سيغير وجه مجتمعنا
-
من يستفيد من الهجوم على مشروع الجامعة العربية في الناصرة؟!
-
حكومة تفصل القوانين لبقائها
-
هل يعرف قادة اسرائيل لغة غير لغة الحرب؟!
-
إسرائيليات
-
إذا اضطررنا سنقسم كذباً
-
انتفاضه في عين ماهل
-
إسرائيل بعد 26 أيلول .. دولة يحكمها رسميا المستوطنون!!
-
ثرثرة عربية في مواجهة النووي الإسرائيلي
-
ملاحظات حول قرار لجنة المتابعة إعلان الإضراب بذكرى انتفاضة أ
...
-
مقياس تدريج الجامعات، مقياس للتطور العلمي، الثقافي والاجتماع
...
-
ما يقبله الفلسطينيون اليوم ليس شرطا ان يقبلوه غداً
المزيد.....
-
بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
-
وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه
...
-
غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط
...
-
شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من
...
-
فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
-
حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع
...
-
طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب
...
-
يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف
...
-
في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في
...
-
-فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|