أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - أربعاء الغضب -الأعمى-















المزيد.....

أربعاء الغضب -الأعمى-


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 3201 - 2010 / 11 / 30 - 17:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


ما حدث يوم الأربعاء الماضى فى الجيزة بسبب أعمال بناء بكنيسة "السيدة العذراء ورئيس الملائكة ميخائيل" يعنى باختصار أن الحسابات الصغيرة وقصيرة النظر والمفتقرة إلى الحكمة والمسئولية الوطنية أصبحت هى سيدة الموقف. وينطبق ذلك على جميع أطراف هذه الأحداث التى أسفرت عن إزهاق أرواح وإصابة عشرات وإحراق سيارات ومنازل. وهذه كلها خسائر لا يستهان بها لكن المحصلة الصافية لتراجيديا كنيسة "العذراء والملاك" تتجاوز هذه الخسائر المباشرة وتفوقها بكثير. لأنها ببساطة هددت بإشعال حريق فى الوطن بأسره وأضافت فصلا جديداً ودامياً إلى ملف الطائفية وتكريس ثقافة الكراهية فى وقت تعانى فيه البلاد سلفاً من منغصات كثيرة وتمر بأوقات بالغة الحرج والدقة ربما ستقرر مصيرها لسنوات كثيرة قادمة.
فأحداث كنيسة "العذراء والملاك" لا ينبغى التعامل معها بصورة مجردة، بل يجب وضعها فى سياقها الزمنى، حيث اندلعت قبل أقل من أربعة أيام على انتخابات برلمانية مشحونة بتناقضات وتوترات واحتقانات كثيرة ومتنوعة الأشكال والمستويات – لكن يبقى التناقض الأكثر سخونة من بينها هو المتمثل فى تلك "الحرب" المفتوحة بين الحزب الوطنى وحكومته من جانب وبين جماعة الأخوان المسلمين من جانب آخر.
فى هذا التوقيت البالغ الحساسية فتحت أحداث كنيسة "العذراء والملاك" جبهة أخرى للحزب الوطنى وحكومته مع "الأخوان المسيحيين" موازية لجبهته ضد "الاخوان المسلمين"!
فهل هى مجرد صدفة؟!
لا نريد نسج تفسير ينحاز إلى نظرية "المؤامرة"، لكن تعالوا نسترجع بعض تفاصيل ما حدث لعل إعادة شريط الأحداث تعطينا مفتاحاً لفهم ما يجرى تحت السطح.
تعود وقائع الأزمة إلى حصول الكاتدرائية الكائنة بمنطقة الطالبية بحى العمرانية بالهرم على رخصة لبناء مبنى إدارى وخدمى مكون من دور أرضى وثلاثة طوابق علوية، وتم البدء فى أعمال البناء على مدار 2009.
فى الثانى والعشرين من هذا الشهر قام رئيس حى العمرانية بإصدار قرار بوقف أعمال البناء بحجة أن القائمين على هذا المبنى حاولوا الالتفاف حول الترخيص والقيام بأعمال إنشائية من شأنها تحويل المبنى الإدارى والخدمى إلى كنيسة.
وعلى الفور أثار قرار رئيس الحى ردود أفعال غاضبة من جانب أقباط المنطقة الذين خرج ما يقرب من ثلاثة آلاف منهم فى مظاهرة حاشدة وهادرة احتجاجاً على القرار.
وكان الجديد فى هذه المظاهرة هو استخدام إطارات السيارات المحترقة وزجاجات المولوتوف والعصى والحجارة، مما أدى إلى مواجهات مع قوات الأمن، وأسفرت المصادمات عن مقتل أحد المتظاهرين (ثم مقتل آخر متأثرا بجراحه) وأصابة العشرات من الجانبين بمن فى ذلك نائب مدير أمن الجيزة، واضرام النار فى عدد من السيارات والمنازل، ثم إلقاء القبض على أكثر من 150 شخصاً مازالوا – حتى لحظة كتابة هذه السطور – محبوسين احتياطياً على ذمة التحقيقات.
ورغم عودة الهدوء إلى المنطقة .. فإن الأزمة لم تنته، بل بدأت تأخذ مسارات جديدة فى الخارج والداخل، يهمنا منها فى الداخل ما تردد على لسان مصدر من المقر البابوى عن نية الكنيسة "التفاوض" لايجاد مخرج، مع "ربط المفاوضات مع محافظة الجيزة لحل أزمة كنيسة العمرانية بالافراج عن المحتجزين وتنازل المحافظة عن الخسائر التى لحقت بها".
***
إزاء هذه التفاصيل يجدر التوقف أمام عدد من الملاحظات:
1- هناك مخالفة واضحة لشروط الترخيص الذى حصلت عليه الكاتدرائية.
2- ليست الكاتدرائية هى الجهة الوحيدة المخالفة لشروط البناء، بل إن المنطقة كلها غارقة فى المخالفات لدرجة يمكن القول معها إن المبانى المستوفية للشروط هى الاستثناء من القاعدة.
3- من حق المحافظة والمحليات التابعة لها التصدى لهذه المخالفة لكن أشكال تفعيل القانون متعددة. بيد أن المسئولين فى الجيزة ذهبوا من النقيض إلى النقيض.. وتحولوا من غض الطرف والتجاهل البيروقراطى إلى التحرك العاجل لإزالة المبنى المخالف وهدمه دون مراعاة حساسية الموقف، ودون مراعاة حساسية التوقيت حيث تجرى الانتخابات البرلمانية بكل ملابساتها من ناحية، وحيث لم يجف بعد حبر تقرير الحالة المدنية الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بكل ما يتضمنه من انتقادات لمصر، وحيث مازال ملف التلاسن الطائفى فى مصر تتلاحق تعقيداته من فرشوط إلى النواهض وغيرهما من مناطق "المواجهة".
وهذا يعنى – حتى بافتراض حسن النية – أن سلطات محافظة الجيزة ومحلياتها تفتقر إلى الحساسية، وأنها تسببت – بقصر نظرها – فى توريط أجهزة الأمن المستنفرة سلفاً فى معركة الانتخابات!
ومع افتراض حسن النية أيضاً فمن الصعب قبول تفسير فرمانات هذه الأجهزة البيروقراطية التى زادت الطين بله بالغيرة على القانون ، لأن انتهاك القانون فيما يتعلق بالبناء خصوصا هو القاعدة كما قلنا وليس الاستثناء.
فلماذا الاستئساء على المبنى "القبطى" فقط؟
هذا لايعنى تبرير الخروج على القانون، وإنما يعنى توخى "المساواة فى الظلم" وبالذات عندما يتعلق الأمر بأبنية ذات وظيفة دينية، وبهذا الصدد يجدر مراجعة التصريحات المهمة التى أدلى بها الدكتور شريف والى أمين الحزب الوطنى بمحافظة الجيزة التى وصف فيها قرار سيد عبدالعزيز محافظة الجيزة بوقف بناء كنيسة العذراء والملاك بأنه قرار خاطئ من الناحية الإنسانية لأنه أضر بمشاعر الأقباط الذين يطالبون دوما بالمزيد من بناء الكنائس.
4- من حق أقباط كنيسة "العذراء والملاك" الدفاع عن البناء الخاص بهم، ومن حقهم بناء كنائس فى أى مكان وفى أى وقت باعتبار ذلك أمر يتعلق بحرية العقيدة.
لكن من الذى قال أن هذه الحقوق يمكن تأمينها بزجاجات المولوتوف وتدمير المنشآت العامة والسيارات الخاصة؟
ثم إن تحريض البعض لآلاف الأقباط الأبرياء للخروج فى هذه المظاهرات الغاضبة، بما انطوت عليه من شغب وتجاوزات، قد افتقر هو الآخر إلى الحساسية السياسية وبالذات من زاوية التزامن مع تقرير الخارجية الأمريكية من جانب والتصعيد الحكومى مع الاخوان المسلمين من جانب آخر.
5- وحتى بعد أن عاد الهدوء – ولو ظاهرياً – فإن ثمن هذا الهدوء لا يجب أن يكون الامعان فى الخروج على القانون أو تجاهل أحكامه .. ومن هنا نستغرب جداً الحديث عن "تفاوض"، وربط هذا التفاوض بـ "شروط" من بينها الإفراج عن المحتجزين وتنازل محافظة الجيزة عن الخسائر التى لحقت بها!!
علماً بأن المشكلة فى معظم – إن لم يكن كل – الفتن الطائفية السابقة هى تجاوز القانون واللجوء إلى "مفاوضات" وتسويات "عرفية" خارج مظلة القانون.
ولذلك أحسنت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عندما طالبت بالتحقيق الفورى فى الانتهاكات التى وقعت فى أحداث العمرانية وتطبيق القانون على الجميع بدون تمييز، سواء على الإدارة المحلية أو أجهزة الأمن أو المعتدين على مبنى المحافظة فى أعمال الشغب والعنف إياهاً.. إعمالاً لمبدأ سيادة القانون.
***
كل هذه الملابسات تجعلنا نقول أن كل الأطراف مخطئة، بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال، وكل الأطراف تصرفت بقصر نظر وبناء على حسابات صغيرة وأنانية بعيدة عن المصالح العليا للوطن، وبعيدة أيضاً عن المقاصد العليا للديموقراطية.
***
وإذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من هذه الأحداث المؤسفة فهو التأكيد على ماسبق أن قلناه وبح صوت القوى الديموقراطية فى تكراره من ضرورة تبنى قانون موحد لبناء دور العبادة حتى نغلق هذا الباب الذى تهب منه رياح الفتنة بلا توقف.
فمثل هذا القانون الديموقراطى لا يلبى فقط احتياج أقباط مصر لحق التمتع بأحد مقومات حرية المعتقد، وإنما يمثل أيضاً خطوة لا غنى عنها على طريق إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة .. التى أصبح واضحاً لكل ذى عينين أنه لا سبيل لنهضة مصر بدونها وبدون دفع استحقاقاتها.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقرير نبيل عبدالفتاح.. أفضل رد علي تقرير هيلاري كلينتون
- دليل الصحفي النزيه .. للوصول إلي قلب القارئ الذكي
- فوضى خصخصة الأثير.. فاصل ونواصل
- عماد سيد أحمد .. وحديث المحرمات
- «الشيوعى» فى حضن «الإسلامى»
- مصر .. فوق المسجد والكنيسة (2)
- مصر... فوق المسجد والكنيسة
- اختطاف مصر!
- محمود محيي الدين.. الدولي!
- سعد هجرس مدير تحرير«العالم اليوم»: لست من أنصار جمال مبارك.. ...
- موائد الرحمن الرمضانية.. وداعاً .. يحدث في مصر فقط: الفقراء ...
- لا تتظاهروا بالمفاجأة إذا اختفي الهرم الأكبر.. غداً
- هل مصر «دولة فاشلة»؟!´-1
- هل مصر دولة فاشلة؟! (2 -2) .. نكتة أمريكية: جيبوتي أقل فشلاً ...
- البلطجة تخرج لسانها للقانون!
- حكومة »الإظلام التام«.. والموت الزؤام!
- رداً على إحراق القرآن فى فلوريدا .. هل نحرق قلوب أقباط مصر؟!
- أصل الداء دون لف أو دوران: »الساركوسيست« الهندي.. صناعة مصري ...
- المغربي.. في »وادي كركر«
- ملتقى الجونة (2)


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - أربعاء الغضب -الأعمى-