أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدرالدين حسن قربي - عن ذاكرة المعتقَلات السياسيّات















المزيد.....

عن ذاكرة المعتقَلات السياسيّات


بدرالدين حسن قربي

الحوار المتمدن-العدد: 3196 - 2010 / 11 / 25 - 07:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


صادفت منذ أيام الذكرى الأربعين للحركة التي قام بها الرئيس الأسد الأب في سوريا والتي اعتبرت وقتها من قبل صاحبها تصحيحاً على بعض مسارات ثورة البعث السوري وتخلصاً من بعض الرفاق الخارجين على القيم النضالية والثورية بحيث آلت الأمور إليه كاملاً ومن بعده لولده الرئيس الحالي.
ولئن جاء من يكشف لنا عن بركات هذا التصحيح الذي تصادف عقب أربعين عاماً مع عيد الأضحي المبارك، ويلفت عناية الناس إليها، فإننا نذكّر بهذه المناسبة أن هناك بركات من ذكريات كثيرة عاشها عشرات الآلاف من المواطنين السوريين في معتقلات التصحيح وغيابات سجونه وظلمات زنازينه، كثير من أصحابها قضى وقليل منهم مازال ينتظر، ولعلها معروفة للكثير من الناس وإن كانوا عنها صامتين. ولئن كان لكل واحد منهم سببه في الإغضاء عن هذه المسألة، فإن أبلغهم من يغمض عينيه وأذنيه بطريقة ما خشية أن يتاثر صمود النظام وتصديه، ولكن مما لاشك فيه أن القلّة القليلة منهم من يعلم عن ذكريات نساءٍ أُدخلن المعتقلات ونالهن الكثير من فواحش التعذيب والاضطهاد.
وعليه، فلئن كانت مقولة السوريين المأثورة لمن يسجن من أحرارهم وشرفائهم من مقاومي الاحتلال االفرنسي في عهد الانتداب أن السجن للرجال بكل ما للكلمة من معنى، فإن هذه المقولة قد تمّ تطويرها وتعديلها في عهد الحركة التصحيحية، وتخلصت النسوة بأفضال التصحيح من التمييز الذي مورس عليهن أيام الفرنسيين، وخصهن به المستعمرون بعدم التعرض لهن بالسجن لاعتبارات معروفة، ومن ثم أصبح السجن للرجال والنساء، بل تعاظمت الأفضال لتشمل المسنّين من الرجال وإن كان في الثمانين من العمر من مثل المحامي هيثم المالح ، والصبايا من النساء ممن لم تبلغ الثمانية عشر بعدُ من مثل الآنسة طل الملوحي.
وأنا أنقل هنا بتصرف بعض ماقالته لنا الكاتبة نادين غبّاش عن كتاب (نيغاتيف: من ذاكرة المعتقلات السياسيات) للمؤلفة روزا ياسين حسن الذي سجّلت فيه تجارب فريدة لنساء سوريات أمضين سنوات طويلة في محابس الاعتقال السياسي في سورية، ونقلتْ للقارئ بعض الويلات والانتهاكات التي اُرتكبتْ بحق النساء من دون أن يُعلَم بها، مما يعتبر سيرة جماعية عن الخيبة والتحدي والعذاب والألم والخوف والوحدة والحب والرغبات المقهورة والقلق والتوق والحلم والجرأة والشجاعة والقسوة ترويها أصوات عدد من النساء عن أساليب ومناهج التعذيب المتبعة في المعتقلات السورية.
تنبّه روزا إلى أن المعتقلات السياسيات في سورية والتي أشارت في روايتها التوثيقية للعشرات منهن بالأحرف الأولى، ينقسمن إجمالاً من حيث ولاؤهن أو انتماؤهن، أو شبهة الانتماء أو الولاء أو حتى التعاطف إلى شيوعيات أو إخوانيات، وقد وجدت صعوبة في جمع تجاربهن بسبب الرعب المعشعش في قلوب الكثيرات منهنّ خاصة الإسلاميات، فقليلات جداً أبحن بما واجهنه وسط هيمنة الخوف القديم في دواخلهن. فالكثيرات منهن قضين فترات حبس تتراوح ما بين العام الواحد والستة عشر عاماً، بعضهن عازبات وبعضهن متزوجات، بعضهن اعتُقلن على ذمة حزب أو تنظيم ما، وبعضهن اعتقلن وحُبسن لسنوات رهائن في مقابل زوج أو أخ مطلوب اعتقاله، وبعضهن طفلات معتقلات بحكم بنوتهن لمعتقلات أو لأنهن وُلدن أثناء اعتقال أمهاتهن؛ والأغرب أن هناك أمٌاً استقدمت إلى السجن لمدة شهر لرعاية ابنتها المريضة بعد تدهور حالتها الصحية إثر تلقيها ضربة من قبل أحد المحققين على رأسها. المعتقلات السياسيات هنّ سوريات وفلسطينيات، عربيات وكرديات، شيوعيات وإخوانيات، وقد يكون بعضهن عُدن للاندماج في تيار الحياة اليومي بعد السجن بعيداً عن العمل في الشأن العام، وبعضهن رجعن وواصلن العمل بآليات وتوجهات أخرى، أو حصلن على لجوء سياسي وغادرن أسرهن وبلدهن بحثاً عن أماكن يجدن فيها شيئاً من الحرية والكرامة وفرصاً تُخلصهن من أوجاع سنوات الاعتقال.
للسجن لغته وجغرافيته وأدواته وأساليبه في التعذيب: المعلم والفرع والتحقيق والزنزانة والمنفردة والمهجع والبلاط والعازل والطميشة والكرباج والكبل الرباعي والدولاب والكرسي الألماني والكهرباء، وروائح العفونة فيه والدم والصديد. وللسجانين والمحققين والجلادين لغتهم في الشتم، وأساليبهم في الحصول على الاعترافات بالشَبح والفلقة والرفس والجلد والصعق بالكهرباء وحرق أوراق توضع بين الأصابع، وتعذيب الزوج على مرأى أو مسمع زوجته أو الحبيب أمام حبيته أو رفيقته. في معظم الأحيان يُختار الضبّاط وليس الجلادون للتعامل مع المعتقلات من النساء، فيضغط أحدهم حذاءه في فم إحدى المعتقلات، ويستعرِض آخر وسائل رفاهه من كأس الويسكي وعلبة دخان المارلبورو وعطره أمام أخرى ملقاة على الأرض، ويهجم آخر على معتقلة إسلامية كالوحش يصفعها ويضربها، وهو يمزق ثيابها قطعةَ قطعة، وهي مكبلة تقاوم من دون أن تستطيع الدفع، فإذا مَزّق كل شيءٍ ووصل إلى جواربها، قال لها: سأتركهم عليك حتى لا تبردي، ثم يأتي دور جلادٍ آخر فيُجلسها على كرسي وقد كبَّل يديها ورجليها من الخلف ببعضهم البعض، وجعل يُطفيء أعقاب السجائر في أعف منطقة ببدنها. وللمسجونات طرقهن في التواصل وفي نقل الأخبار وفي الترحيب بالمعتقلين والمعتقلات الجُدد وفي التحذير من قدوم السجان وفي التعارف وبث الأشواق وكتابة اليوميات وفي ابتكار أقلام وأحبار، وطرق التسلية وحل النزاعات، ولهن حلولهن في استثمار أماكن النوم التي تضيق بأعدادهن، وفي التحايل على الزمن.
كتاب روزا ياسين حسن المطبوع خارج سورية في نبشه لذاكرةٍ مقموعةٍ مسكوت عنها، وفي إيصاله أصوات ضحايا التعذيب والاغتصاب والقهر والاعتقال خارج القانون والحبس لسنوات من دون محاكمة، وفي تقديمه جزءاً من صورة الواقع الفعلي لحياة آلاف السوريين اليومية يدخل بجدارة دائرة المحظورات الرسمية السورية اقتناءً وتداولاً ونقاشاً أو بحثاً ونقداً أو تصديقاً وتكذيباً لاسيما أن الجروح التي نكأها لا تزال راعفة، والخطوط الحمراء التي تجاوزها لا تزال حمراء تفرضها سطوة الديكتاتورية، والآراء التي حملتها النسوة المعتقلات لاتزال مُحاربة وممنوعة. وبهذا ستبقى رواية “نيغاتيف” سجلاً مخفياً لصوت مقموع، الظاهر فيه أن السجن في العهد التصحيحي وما تلاه لم يعد للرجال الأحرار فقط بل وللنساء والصبايا والعواجيز.



#بدرالدين_حسن_قربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البطاقة الثالثة في اليوم العالمي للمفقودين 3/3
- البطاقة الثانية في اليوم العالمي للمفقودين 2/3
- في اليوم العالمي للمفقودين 1/3
- حيتان وهوامير أم مطمورة ومطامير..!؟
- المحامي السوري والسائق الياباني
- كاسك ياوطن
- في ذكرى مجزرة تدمر هل إلى فك الحصار عن مَوتانا من سبيل..؟
- سلام على المالح وصحبه الكرام
- سلام على آل هيلين
- أو تعجبون من جرائم ضحاياها هم السبب...!!؟
- كلام يبحث عن عنوان مناسب
- الطارق والمطروق في أنظمة الطواريء 2/2
- الطارق والمطروق في أنظمة الطواريء 1/2
- الباشاوات الجدد
- لفتة حضارية ولفتات غير ذلك
- حرية وكرامة ووطن
- ابن الثمانين عاماً إذ يضعف نفسية الأمة...!!!
- هيثم المالح ابن الثمانين يوهن نفسية الأمة...!!!
- الطريقة الكوكية في الحوار
- انفلونزا التوريث الجمهورلكي


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدرالدين حسن قربي - عن ذاكرة المعتقَلات السياسيّات