|
|
روما فليني 1972:روما بعيون فليني
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 3178 - 2010 / 11 / 7 - 09:19
المحور:
الادب والفن
من روائع السينما العالمية روما فليني 1972:روما بعيون فليني بلال سمير الصدّر فيدريكو فليني الساحر أو المايسترو المولود عام 1920 في أسرة متوسطة لأب يعمل مندوبا لبيع الحلويات وأم تعمل كربة منزل،يعتبره البعض عظيم السينما الأول،فأفلامه لها طعم خاص بحس تهكمي ونفس تعبيري عن خفايا النفس البشرية(اللاشعور) واهتمام خاص بالمهمشين من العاهرات واللصوص...كان واقعيا وصنع تحفته الواقعية التي لا تنسى (الطريق) ولكنه انطلق بعد ذلك بأسلوب خاص خارجا من قوقعة الواقعية ليحقق فيلمه (8.5) الذي يعتبر-وفقا للعديد من وجهات النظر النقدية وحتى الشعبية-أجمل فيلم في تاريخ السينما وأبدع فيه في الحديث عن الأفكار التي تختلج داخل النفس من أفكار وهواجس وأحلام فنتازية،ومارس النقد الاجتماعي بحس فلسفي في تحفته الأخرى (الحياة حلوة) والتي أثارت الكنيسة ورجال الدين ضده. إنه الساحر لأنك تستطيع أن ترى في لقطة واحدة من لقطات أفلامه الكثير الكثير من قواعد اللعبة السينمائية الإبداعية،حصل على الأوسكار وعلى كان ولكنه وفي نفس الوقت صنع أفلاما جعلت من البعض يطلب إعادة النظر في تسميته كعظيم السينما الأول. حقق فليني عام 1972 فيلم روما،لأنها-كما قال-المدينة التي أحبها وعاش فيها،وسيتحدث عن روما ضمن رؤيا خاصة جدا إن لم تكن ضيقة،لذلك أطلق على الفيلم تسمية (روما فليني). فيلم روما فليني-كما قلنا-فيلم شديد الخصوصية يتحدث فيه عن روما بطريقة عشوائية بعيدة عن القص الفيلمي المعتاد وبعيد في نفس الوقت عن الوثائقية. إنها روما الأحجار القديمة والتي يتحدث عنها ويروي بصوته عن روما الطفولة وأيام الصبا والمسرح والسينما التي تعرض معالم روما،ثم السينما بصورها الفاضحة التي أصبحت شيطانا بالنسبة للمعلمين ورجال الدين..يتحدث عن العائلة الإيطالية بالصورة التي رسخت في أذهاننا عن هذه العائلة بل عن الفرد الإيطالي بشكل عام الساذج والتلقائي جدا،وهكذا دون حدث مركزي معين ودون شخصيات يرتكز عليها الفيلم يتحدث فليني عن روما بطريقة عشوائية وترتيب اللقطات في الفيلم يعتمد على ذاكرة مخرجنا أولا وأخيرا. فهناك اللقطة التي تتحدث عن الجنوح الجنسي لزوجة تاجر الأدوية،والتي يحيلها فليني إلى التاريخ القديم...إنها عودة ونكوص نحو العادات الرومانية القديمة لأن العهر في تلك الأيام-أيام روما القديمة- لم يكن ليدعى بالفساد خاصة بأن مواصفات النساء الجسدية لم تختلف من ذلك العهد حتى هذا العهد. وتنتهي أيام الصبا،حين يظهر الشاب الساذج(فليني) القادم إلى روما من بلدته الأصلية (Rimini) ومع نزوله إلى المحطة سيصطدم مباشرة مع سماسرة الفاحشة ومع ملصقات أفلام العظيم الإيطالي الآخر (فيتوريو دي سيكا). ثم لقطة طويلة لعشاء إيطالي شعبي في الهواء الطلق...إنه سرد حياتي للمجتمع الإيطالي بعيون شاب وقد يخلو هذا السرد من المنطقية وقد يسرد حقائق قد لا تكون صحيحة...إنها روما كما يراها فليني،وليست العاهرة الضخمة التي تقف في ظلام ليل روما متعبة مرهقة تنتظر زبونا سوى الصورة التقليدية لهذه المدينة. ثم يظهر فليني في عصر الرجولة،عصر العبقرية ليتحدث عن روما اليوم التي أول ما يميزها هو ازدحام المرور...اللقطة عن حياة روما ازدحامها،مصانعها وعمالها،محلاتها،طبيعة أزياء ولباس قاطنيها ،إنها روما العشوائية وليست روما الوثائقية. وتطول اللقطة التي تظهر آلة تصوير عملاقة تصور المدينة...ولكن ماذا تصور في روما؟ كل شيء ولكن لاشيء مقصود،كل شيء يبدو غير مرتبا وعبثيا لأن الكاميرا في هذا الفيلم هي حياة روما. ويعالج فليني الآراء الشعبية عن روما فأحد الأشخاص والذي يبدو عليه الثقافة يتحدث وهو واثق من نفسه جدا بأن الرومانيين الحقيقيين قد اختفوا الآن ولم يبقى منهم سوى الطلاب من (الهيبي) الذين لا يرغبون بالدراسة بالإضافة إلى المخدرات والعاهرات. ويطلب من فليني-الذي يظهر في الفيلم-بأن لا يعرض فيلمه هذا خارج حدود إيطاليا،فماذا سيقولون عندها عن حلاوة روما،ويحاور مجموعة من الطلاب الذين يطلبون من فليني بأن لا يكون فيلمه هذا مشابها لأفلام أخرى حققت عن روما،ولكنه يجيبهم بأن الحقيقة تبرز عندما يتم تصوير الطبيعة الحقيقية للفرد الروماني...والحديث عن روما لن يأخذ شكلا أخر عندما يصور المخرج أحد الاستعراضات المسرحية في روما وسيصور أيضا طبيعة الجمهور وتعليقاتهم مركزا على الحس الساخر التلقائي عند الفرد الإيطالي والتلقائية في التعليق والمشاهدة،ولا يتحدث فليني عن أفكار سياسية ضمن رؤيته هو بل على لسان أفراد روما أنفسهم لذلك ستكون هذه الأفكار متضاربة وغير واضحة والغالب عليها وجهات النظر خاصة عندما تتم الأحداث بعشوائية متنقلة بين الماضي والحاضر،ثم يتحدث ويطيل الحديث عن العهر المنظم المنتشر في روما بطريقة سردية يختفي منها النقد أو التعليق إنها الحياة في روما...تلك المواخير التي أرتادها فليني في شبابه ولكن بطريقة رومانسية أكثر من الآخرين. ومن الجدير بالذكر بأنه ليس هناك أي محاولة للربط بين فليني العبقري الذي يظهر في شخصيته الحقيقية في الفيلم ويتحدث بلسانه وبين فليني الشاب وحياته في روما وهذه الرؤيا الخاصة تحتمل المبهم أيضا لأن هناك مشاهد في الفيلم لا نستطيع أن نفهمها أو نفهم سبب وجودها في الفيلم سوى بأنها تعني شيئا خاصا للمخرج،وهذا يبعد عنها تهمة الإقحام غير المنطقي لأحداث بل صور عشوائية عالقة في ذاكرة الساحر،مثل مشهد آثار روما التي تتدمر بمجرد اكتشافها نتيجة تفاعلها مع الهواء أو مشهد الأزياء الخاصة برجال الدين على الرغم من أنها أيضا تحتمل التفسير ضمن وجهات النظر فقد يكون فليني يقصد في مشهد الآثار التي تتدمر كحنين لأيام روما القديمة والتي لن تعود أبدا. فيلم روما هو فيلم عن الحياة المختزنة داخل ذاكرة فرد والتي تسرد دون أن تتعمد أن تذكر الحقائق ودون أن تحمل رؤيا عامة نستطيع دعوتها بالوثائقية،ولكن فليني يختزل الكثير من أبعاد اللعبة السينمائية التقليدية ليضيف بعدا شموليا أوسع لهذه اللعبة ليقول بأن الكاميرا هي الحياة. حقق فليني في تاريخه الحافل ثلاثة أفلام نسبت إلى أسمه أولها (ساتيركون فليني) عن رؤية فليني لأسطورة غير مكتملة،ثم روما فليني،ثم (كازانوفا فليني) ضمن رؤيته الخاصة لكازانوفا.
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيلم21غم:قصيدة ساحرة عن العبثية الحياتية وعن الموت
-
حسن ومرقص:فيلم أيديولوجي بدون رؤية أيديولوجية واضحة
-
فيتيزجالدو:1981/العظمة البصرية وتحقيق الأحلام البشرية
-
غرفة الابن(لناني موريتي): ضرورة التعايش مع فكرة الموت
-
فيلم Gomorra/نجح في حصد أكبر الجوائز الأوروبية وفشل في الحصو
...
المزيد.....
-
موجة أفلام عيد الميلاد الأميركية.. رحلة سينمائية عمرها 125 ع
...
-
فلسطينية ضمن قائمة أفضل 50 معلمًا على مستوى العالم.. تعرف عل
...
-
أفلام الرسوم المتحركة في 2025.. عندما لم تعد الحكايات للأطفا
...
-
العرض المسرحي “قبل الشمس”
-
اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.. احتفال باللغة وال
...
-
المدير التنفيذي لمعجم الدوحة: رحلة بناء ذاكرة الأمة الفكرية
...
-
يعيد للعربية ذاكرتها اللغوية.. إطلاق معجم الدوحة التاريخي
-
رحيل الممثل الأميركي جيمس رانسون منتحرا عن 46 عاما
-
نجم مسلسل -ذا واير- الممثل جيمس رانسون ينتحر عن عمر يناهز 46
...
-
انتحار الممثل جيمس رانسون في ظروف غامضة
المزيد.....
-
مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
زعموا أن
/ كمال التاغوتي
-
خرائط العراقيين الغريبة
/ ملهم الملائكة
-
مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
المزيد.....
|