أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالحكيم الفيتوري - صناعة المعجزة عند الرواة (4)















المزيد.....

صناعة المعجزة عند الرواة (4)


عبدالحكيم الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 3176 - 2010 / 11 / 5 - 17:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


صناعة المعجزة عند الرواة (4)

نقف برهة عند كتاب القاضي عياض( الشفا بتعريف حقوق المصطفى) لسببين، السبب الأول: اعتماد المتأخرين كابن تيمية، وابن القيم ومن جاء بعدهما على مسائل تكفير المخالف على ما ورد من إجماعات في ثنايا كتاب الشفا. والسبب الثاني: قبول المتأخرين ما ورد فيه من معجزات وخوارق للعادات. نتجاوز نقد السبب الأول بالتفصيل نظرا لتخصص البحث في قسم المعجزات ودلائل النبوة ونكتفي بالاشارة إلى ما ورد من إجماعات وإتفاقات اعتمد عليها ابن تيمية في كتابه (الصارم المسلول)، وكتابه (اقتضاء صراط المستقيم في مخالفة أهل الجحيم)، كذلك تلميذه ابن القيم في كتابه(الصواعق المرسلة)،وكتابه( اجتماع الجيوش الاسلامية)،وكتابه( أحكام أهل الذمة)، وابن حجر الهيثمي في كتابه( الزواجر عن إقتراف الكبائر)، كذلك مؤلفات الحنابلة الجدد المتمثلة في مصنفات الحركة الوهابية(كالدرر السنية)، وكتابات السلفية الجهادية والدعوية المعاصرة، فجل هذه المصنفات ارتكزت في قضايا التكفير ومسائل قتل المخالف على ما أورده القاضي عياض من إجماعات في كتابه.

- نماذج من إجماعات عياض التكفيرية.

سعيا إلى خدمة أنموذجه، لم يفتأ القاضي عياض يلح على أهمية الإيمان بحجية الاجماع وسلطته التشريعية، كذلك التسليم بما ذكره من أساطير؛ كمدخل لإبراز المكون الاسطوري في صدامه مع منكري تلك المعجزات ومنطقها الخيالي الاسطوري، على اعتبار أن هذا المكون يعد من أهم مكونات الاعتقاد الاسلامي في إثبات نبوة النبي .لذلك حشد ما يربو على أربعين اجماعا وإتفاقا على تكفير وجلد وقتل من تلبس ببعض الاقوال أو الافعال؛ كالطعن في معجزات النبي، أو ادعى النبوة بأنها مكتسبة، أو سب الرسول، أو أنكر الاجماع، أو اعتراض على قاعدة شرعية، أو انتقد الصحابة.

نستعرض بعض عناوين فصول كتابه المتنوعة في مسائل التكفير، فذكر فصلا في إكفار المتأولين والمخالفين، فقال(فصل في تحقيق القول في إكفار المتاؤلين)، و(فصل في بيان ما هو من المقالات كفر وما يتوقف أو يختلف فيه وما ليس بكفر) وهكذا دواليك.

ولم يكتفي عياض بإيراد الاجماعات والاتفاقات على تكفير المتلبس ببعض الأقوال والافعال، بل تجاوز ذلك إلى ذكر إجماعات على كفر من لم يكفر أو شك في كفر الكافر المخالف وإن كان مظهرا للإستقامة والصلاح، فقال بعد ان سرد أنواع مختلفة من مقالات الفرق المتكلمة في الاسماء والصفات فقال:(... وقائل هذا كله كافر بالاجماع على كفر من لم يكفر أحدا من النصارى واليهود، وكل من فارق دين المسلمين، أو وقف في تكفيرهم أو شك، قال القاضي أبو بكر لأن التوقيف والاجماع اتفقا على كفرهم فمن وقف في ذلك فقد كذب النص والتوقيف أو شك فيه والتكذيب أو الشك فيه لا يقع إلا من كافر).(انظر:فصل في تحقيق القول في إكفار المتاؤلين)

وفي فصل (بيان ما هو من المقالات كفر وما يتوقف أو يختلف فيه وما ليس بكفر) يورد القاضي عياض فيه إجماعات في تكفير الفلاسفة، والروافض، والمعطلة، والقرامطة، والاسماعيلية، والباطنية، وغلاة المتصوفة، حيث ذكر بعد كلام طويل( فذلك كله كفر بإجماع المسلمين) ثم قال: ( وكذلك من دان بالوحدانية وصحة النبوة ونبوة نبينا ولكن جوز على الأنبياء الكذب فيما أتوا به ادعى في ذلك المصلحة بزعمه أو لم يدعها فهو كافر بإجماع كالمتفلسفين وبعض الباطنية والروافض وغلاة المتصوفة وأصحاب الإباحة......... كذلك من اضاف إلى نبينا تعمد الكذب فيما بلغه وأخبر به أو شك في صدقه او سبه أو قال إنه لم يبلغ أو استخف به أو بأحد من الانبياء أو أزرى عليهم أو آذاهم أو قتل نبيا أو حاربه فهو كافر بإجماع)

يبدو أن الأدلجة (=التوظيف الديني) ستوجد دوما، ما دام الإنسان يصنع ويمارس ما هو ملازم لها في إطار التدافع المذهبي والسياسي والسلالي. فهذا عياض يقرر إجماعا مؤدلجا في سياق التدافع المصلحي، حيث قال:.... أو من ادعى النبوة لنفسه أو جوز اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها كالفلاسفة وغلاة المتصوفة، وكذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة .... كلهم كفار مكذبون للنبي ... فلا شك في كفر هؤلاء الطوائف كلها قطعا إجماعا وسمعا..

ومهما يكن موقفنا من تلك الأدلجة، فإننا نجد أنفسنا أمام وضع مزعج حقا، وهو أي ضمانات لدينا ضد نمو تيارات الادلجة داخل مجتمعاتنا وفتح معارك تاريخية بالوكالة بين شرائح المجتمع المدني بمختلف طوائفه وإنتمائته، في حال ترك هذه الاجماعات تعمل عمل المعول في بنى مجتمعاتنا الحديثة، فمثلا لك أن تتأمل في تداعيات هذا الاجماع التكفيري، قال عياض: وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب، أو خص حديثا مجمعا على نقله مقطوعا به، مجمعا على حمله على ظاهره؛ كتكفير الخوارج بإبطال الرجم.

يبدو أن استقرار المجتعمات المدنية الحديثة مهدد بتلك الاجماعات، التي تسعى إلى إحياء ثقافة البؤس التي تضرب فكرة المواطنة ودولة المواطنة من أصلها، فمثلا يذكر عياض اجماعا يقول فيه: ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواء فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك.

يبذل عياض قصارى جهده لتبديد أية صورة من صور الأمن والسلم الاجتماعي في إطار مفهوم المواطنة ودولتها، فهو يؤكد على تكفير من لم يكفر غير المسلمين، ما يعني تحريض المسلمين على تكفير وكره غير المسلمين، وبالتالي فهي دعوة صريحة إلى تفكيك السلم الاجتماعي وشطب ما يحاول بعض العقلاء المشتغلين بالفكر الاسلامي تقدمه من خلال قبول قيم الاسلام المنزل بمفاهيم الديمقراطية والتعددية والمواطنة. يصرح عياض بتفكيك منظومة المجتمع الواحد بقوله: كذلك نقطع بتكفير كل قائل قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير جميع الصحابة كقول الكميلية من الرافضة .... ويقول: نكفر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر وإن كان صاحبه مصرحا بالإسلام ...

إن ما رصدناه من معاطب احدثتها إجماعات عياض عبر التاريخ فإن الحاضر المعيش لم يكن بمنأى من تلك الخسائر الجسيمة في الارواح والممتلكات التي اشعلتها إجماعات عياض ومن أحيائها بعده من معارك طائفية وسياسية باسم الدين، كما هو الحال في العراق، وفي الصومال، وفي اليمن، وفي افغانستان، وفي لبنان. ولكن الأغرب أن عياضا لم يكتفي بإيراد الاجماعات السالفة، بل تجاوزها إلى تكفير من أنكر قاعدة من قواعد الشرع، فقال: كذلك نقطع بتكفير كل من كذب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع وما عرف يقينا بالنقل المتواتر من فعل الرسول ووقع الاجماع المتصل عليه.

وفي السياق الهجومي الذي يشنه عياض على أصحاب المقالات الكفرية لم ينسى الموضوع الأساسي لكتابه (الشفا) وهو تكفير منكر معجزات النبي التي جاء ذكرها في ثنايا الكتاب، فقال: كذلك نكفرهما- هشام الفوطي، ومعمر الصيمري- بإنكارهما أن يكون في سائر معجزات النبي حجة له .....

وعلى صعيد أخر متعلق بالطاعن في حجية الاجماع، ينتقل عياض من تكفير منكر قاعدة شرعية إلى تكفير منكر الاجماع؛ وهو السلطة التشريعية الثالثة في الفكر الديني، فقال: فأما من أنكر الاجماع المجرد الذي ليس طريقه النقل المتواتر عن الشارع فأكثر المتكلمين ومن الفقهاء والنظار في هذا الباب قالوا بتكفير كل من خالف الاجماع الصحيح الجامع لشروط الاجماع المتفق عليه عموما.

ثم يصل بالمتلقي لهذه الاجماعات إلى مقتضياتها؛ وهو التكفير والقتل، فيقرر أن الاجماع انعقد على ذلك، فيقول: أحرق علي بن أبي طالب من ادعى الإلهية، وقد قتل عبدالملك بن مروان الحارث المتنبي وصلبه، وفعل ذلك غير واحد من الخلفاء والملوك بأشباهم، واجمع علماء وقتهم على صواب فعلهم والمخالف في ذلك من كفرهم كافر. واجمع فقهاء بغداد ايام المقتدر من المالكية وقاضي قضاتها أبو عمر المالكي على قتل الحلاج وصلبه....

ولا حرج في تذييل تلك الاجماعات بما ورد من طرائف تؤسس العقل التمجيدي وتقديس الذوات، وذلك من خلال ما ذكره من عقوبة سب الصحابي، وقذف أم الصحابي ولو كانت كافرة، فقد أورد عياض رواية عن مالك قال: من شتم النبي قتل ، ومن شتم أصحابه أدب. وروي عن مالك من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل. وفي رواية: لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن سب أصحابي فاجلدوه. قال ومن قذف أم أحدهم وهي كافرة حد حد الفرية، لأنه سب له، فإن كان أحد من ولد هذا الصحابي حيا قام بما يجب له وإلا فمن قام من المسلمين كان إلى الإمام قبول قيامه. قال وليس هذا كحقوق غير الصحابة لحرمة هؤلاء بنبيهم ....

ونختم بذكر دواعي وقوفنا عند السبب الأول، وهو تقرير مدى اعتماد الفكر الديني خاصة الحنبلي في نسخته التيمية و الوهابية، على إجماعات عياض التكفيرية، بغية إظهار تلك العلاقة المتينة بين الثقافة التكفيرية في الماضي كما وردت في مدونات المذاهب الكلاسيكية و ثقافة الاقصاء والقتل في الحاضر من خلال ممارسات وسلوكيات الحنابلة الجدد، وتسليط الضوء على عمق ظاهرة التكفير الكلية في مدونات الدين المؤول، باعتبارها مجموعة دلالات ومضامين مفهومية وإيديولوجية مقدسة مشحونة بتجريم عملية التفكير، وتضييق الحريات، وإقصاء الأخر بمنطق الإجماع المقدس. لذلك ينبغي تسليط ضوء النقد والغربلة على هذه المدونات، ووضعها ضمن العلوم المتحفية التي تجاوزها الزمان والمكان والانسان.

يتبع



#عبدالحكيم_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة المعجزة عند الرواة (3)
- صناعة المعجزة عند الرواة (2)
- صناعة المعجزة عند الرواة
- تاريخية ليلة القدر (2)
- تاريخية ليلة القدر (1-2)
- الفرق بين الكفارة والفدية في القرآن
- أمة حالمة !!
- النبوءة السياسية وتغييب الوعي (3)
- النبوءة السياسية وتغييب الوعي (2)
- النبوءة السياسية وتغييب الوعي (1-3)
- جناية العقل الفقهي على العلم (2)
- جناية العقل الفقهي على العلم (1-2)
- مقاربة نقدية لحديث خير القرون قرني (7)
- مقاربة نقدية لحديث خير القرون قرني (6)
- مقاربة نقدية لحديث (خير القرون قرني) (5)
- مقاربة نقدية لحديث (خير القرون قرني) (4)
- مقاربة نقدية لحديث خير القرون قرني (3)
- مقاربة نقدية لحديث (خير القرون قرني) (2)
- مقاربة نقدية لحديث (خير القرون قرني) (1-6)
- رجال المخزن... وتدجين الاتباع


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالحكيم الفيتوري - صناعة المعجزة عند الرواة (4)