أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مجلة الحرية - (التراث الثقافي موطنا والنجف عاصمة)- اسكندر حريق اول مدرس مسيحي في النجف















المزيد.....

(التراث الثقافي موطنا والنجف عاصمة)- اسكندر حريق اول مدرس مسيحي في النجف


مجلة الحرية

الحوار المتمدن-العدد: 3173 - 2010 / 11 / 2 - 21:32
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


التراث الثقافي موطناً
والنجف عاصمة
جليل الخزرجي

2- اسكندر حريق
أول مدرس مسيحي في النجف

قبل سبعة عقود وأكثر كانت ثانوية النجف وثانوية الموصل مثار دهشة رجال العلم والمعرفة لما كان يبدو على هاتين المؤسستين من جد ونشاط , ومنافسة في التقدم العلمي إستدعى وزارة المعارف حينها أن تخصهما بشيء من الرعاية والأهتمام التي كانت تخص الثانوية المركزية ببغداد , وأن تختار للمدرستين أساتذة أكفاء ممن كانوا يعملون عندها من أبناء مصر ولبنان وسوريا .
وكانت وزارة المعارف في حيرة ووجل من أمر النجف , لأن خيرة أساتذة المعارف لم يكونوا من المسلمين , وهي تخشى أن يكون رد فعل هذه المدينة المقدسة عنيفاً إذا أرسلت لها مدرسين مسيحيين وغير مسلمين , وعلى رغم إن الواقفين على حقيقة النجف من أبناءها قد نفوا وجود ما يستدعي الحذر من إيفاد أي مدرس من أية طائفة فقد تأنت وزارة المعارف في ذلك , ثم بالغت حذرها بحيث راحت تستعرض جملة من اللبنانيين لتختار ألينهم عريكة , وأبعدهم عن التعصب الديني والطائفي , وأكثرهم إنغماساً في التربية والتعليم , وكان اسكندر حريق في صدر القائمة , ولو كان رجل غير اسكندر حريق قد ولد مثله في ظهر الشوير عروسة مصايف لبنان , ودرس في الجامعة الأمريكية ببيروت وتخرج من جامعة كلمبيا بأمريكا , وطاف بأغلب أقطار أمريكا الشمالية والجنوبية دارساً , لأمتنع من المجيء إلى بلد صغير كالنجف , عدمت فيه الوسائل الصحية الكافية من المياه الجارية في الأنابيب , والنور الكهربائي في البيوت , والكثير من الحاجات الضرورية التي تقتضيها المدينة الحديثة , وجاء اسكندر إلى النجف , وقد وضع هذه الأمور كلها نصب عينه , وكان يقول أنه لم يكن يفكر في شيء من هذه الأشياء بقدر ما كان يفكر في كيفية إندماجه في المجتمع النجفي ويكسب رضاه , فإذا بكل شيء يتلاشى في ذهنه , وإذا بأسكندر يتبوأ في أيام قليلة محلاً من القلوب قلما ظفر به أحد من أبناء المسلمين فكيف بمسيحي ينتقل رأساً من بيروت العاصمة إلى عاصمة المسلمين التي تفتقر إلى أدنى الخدمات ليتولى تعليمهم وليقوم بتدريس علوم الاجتماع !.
لكن الواقع هو أن النجف عن كثب غيرها عن بعد , وعلى أن قسما من موفقية اسكندر في الظفر يرضاه الناس جميعاً يعود إلى مكانته وسيرته الخلقية , فالنجف كانت تضم طوائف من النفوس السمحة الرضية التي تتصل بالكثير من الأفكار الحديثة وبينها من تفوق جرئته في الفلسفة حدْ التصور بحيث ينعدم في نظره أي فرق يأتي من الجنسيات و الأديان والمذاهب , والغريب من أمر اسكندر أنه أصبح في أيام قليلة صديقاً لعدد غير قليل من رجال الدين المجددين من بينهم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ محسن شرارة ومن الأدباء كان موسى كاظم نورس , وعدد من أدباء شباب الشيوخ أنذاك أمثال حسين مروة , ومحمد شرارة , ولم تكن يومئذ مبادئ تفرق بين الناس مثلما هو موجود الآن , أنما كان الأدب أقوى حلقة وصل بين حلقات المجتمع , وقد سكن اسكندر على جانب كبير من الأدب يحسن فهم تاريخه , ويتقن قواعده , وفيما يناقش من قواعد البلاغة , وقد ساعدته اللغة الإنكليزية والفرنسية , والأسبانية على الأجادة فيما يقرأ وفيما يكتب .
يقول جعفر الخليلي : كنت يومها مدرساً بثانوية النجف , ولا أحسب أن التقائي إياه قد تجاوز مرة أو مرتين حتى شعرت بأني أكاد أعرفه منذ زمن بعيد ,وإن نفسي كانت تبحث عن أمثاله بين الناس , وبين الكتب , وبين الصور الخيالية التي ينسجها الذهن لتؤنس بها الروح فإذا به يحكي الكثير مما كنت أنشد . روح خالصة , وسريرة طيبة , وأدب جم , وظرف يطفح على لسانه ووجهه فيدخل على نفسك السرور لأول مرة تلتقيه فيها .
مرة دعى الشاعر الكبير رشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) أن يرتجل وهو في أعلى السلم مستقبلاً اسكندر حريق وهو يصعد السلم بسان باولو في البرازيل ووجهه يفيض بالبشر واللطف قائلاً :-

يا رفيق الأحرار أهلا وسهلاً
(لحريق) يبل صدر (الخوري)


والتورية في كلمة (حريق) و(الخوري) واضحة لا تحتاج إلى توضيح وقد رد عليه اسكندر قائلاً :-
بل يبل ذقن الخوري , وهي الأخرى تورية واضحة يقصد بها الواحد من الخوارنة يبل ذقنه ليحلقه له , وكان مرة على مائدة أبراهيم سالم ومن بين الحضور نايف نصر , فأشير أليه بالقعود إلى جانب اسكندر حريق فقال نايف : ولكني لا أخاف شيئاً كخوفي من (الحريق) , فرد عليه اسكندر قائلاً:-
تذكر يا نايف إننا في بيت إبراهيم وقد أراد بذلك أن النار لا تمس إبراهيم وأله مصدقاً للأية الكريمة ((يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)) .
وعندما توفي والده (منصور حريق) واسكندر في النجف , ضاقت الدنيا في عينه , وأدركوا أصحابه عمق جرحه لا سيما وهو من رهافة الحس بحيث تسيل عواطفه سيلاً , وأشفقوا عليه من الشعور بالغربة , واستعراضه لحياة أبيه , ثم تفكيره في إحتضاره وهو بعيد عنه , وقتها بالغ الخليلي في دنوه منه , وحدبه عليه , و نقله الى بيته لقضاء يومين أو ثلاثة تحاشياً من شدة الصدمة , و في بيت جعفر الخليلي زاره الكثير من معارفه مُعزين , و هنا رأى لوناً جديداً من التعزية و السلوان و العواطف مما خفف عليه الألم و الحزن .
و النجف من هذه الناحية ناحية سبك العواطف في الأدب و صياغة التعزية تكاد تكون منفردة و قد سمع إسكندر أمثالاً كثيرة سيقت له على سبيل العبرة و الموعظة , و سمع حكايا كثيرة نقلت له على سبيل التسلية أنتزعها من تاريخ الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) حيث سمع جُمل وعبارات كادت النجف تتفرد بها في مقام التعزية من قبيل عظم الله لكم الأجر , وجعلها الله خاتمة الأرزاء , وصَبّرك الله على بلواه , و قد عملت بعض هذه التعابير و المفردات و الحكايات عملها في نفس إسكندر, و لو أطلعنا على نتاجات إسكندر حريق لوجدناه من كتاب القصة اللامعين في زمانه , وهو من المحدثين البارعين يتقن لحد كبير حبك الحديث و تطعيمه بالنكتة و التفنن في السيطرة على المسامع إذا تحدث , و إستلفات أنظار القراء إذا كتب , و نقل السامع و القارئ إلى عالم زاخر بالأدب و المرح الجذاب , لذلك كان إسكندر اكثر قوة إستعان بها جعفر الخليلي يوم أستقال من التدريس و أصدر جريدة (الراعي) ثم أصدر (الهاتف) حين أغلقت الحكومة جريدة (الراعي) و قد ترجم أسكندر في الراعي سلسلة مقالات (برتراند رسل) و مواضيع إجتماعية ذات شأن كبير نقل بعضها من الانكليزية و البعض الأخر من الفرنسية .
لقد كتب إسكندر في (الراعي) و(الهاتف) عشرات القصص و المقالات و قد نقل الشيء الكثير من الأدب الانكليزي و الفرنسي مما لم ينقل من قبل الى العربية , و قد جمع قصصه و نشرها بمجموعة بأسم (عشرون قصة) في جريدة (الهاتف) كان قد ترجم بعضها عن مكسيم غوركي , و هانس أندرسن , و تولستوي , و جان نروادا , و أوسكار ويلد , و أنطوان تشيكوف , و ميخائل لومنتوف , و وضع بعضها بقلمه , و حين ترك العراق بعد خدمة طويلة للمعارف و الأدب عاد الى الجامعة الأمريكية ببيروت و عمل فيها أستاذاً من جديد , ثم عمل بعد ذلك في شركة نفط العرق ببيروت , و أنيطت به رئاسة تحرير مجلة (أهل النفط) , و كانت الأقلام العربية تتزاحم بحيث لا تترك مجالاً في المجلة للكتاب العراقيين إلا القليل قبل أن يتولى اسكندر حريق رئاسة التحرير , و لكن اسكندر هو الذي فجَّ هذا الزحام وزاد من عدد الكتاب العراقيين في هذه المجلة رغم قصر هذه المدة التي أدار فيها تحرير مجلة (أهل النفط).
و في ربيع 1957م زار جعفر الخليلي اسكندر حريق ببيروت ووجده متمتعاً بجو عائلي بهيج , و أستطاع أن يجد الزوجة الحبيبة دون الحاجة أن يضحي بمسيحيته و يدخل الأسلام على حد مزاجه , و تناولوا طعام العشاء في بيته بصحبة الصديق حسن الأمين و أستعرضوا هناك الماضي فإذا به يحن الى العراق , و إلى ناسه , و إلى النجف و حياتها الخشنة حنيناً عميقاً, و إذا بهِ يقول انه يحس بحاجة الى أستجمام روحي يضمنه له قضاء شهر واحد في ربوع العراق , و لكنه توفي قبل أن يتسنى له الظفر بتحقيق هذه البغية .
و حين نشر خبر نعيه في الصحف كانت دموع النجفيين تحوط الخبر من جميع أطرافة كانت هذه الدموع أشبة بالإطار الذي يحيط بالصورة.
لقد مات اسكندر حريق , و كان من القلائل الذين لم يكن له قبر واحد في بقعه واحدة , و إنما ترك في كل صدر من صدور عارفيه قبراً لن يعفى , و في مقدمة أولئك طلابه الكثر في الجامعة الأمريكية ببيروت , و ثانويات العراق و دار المعلمين ببغداد و أصدقاؤه و محبيه في النجف الذين تعرفوا به عن طريق أدبه , رحمه الله و وفاه حقه من خدمته الصادقة للعلم و الأدب.
وبعد أن تعرفنا على سيرة اسكندر حريق الموجزة , نأمل باللأساتذة الكرام في مدارسنا لعلهم أن يحذوا حذوه وأقتدوا بهذا الرجل الذي أفنى عمره في العلم والأدب والتدريس من خلال تجواله في مختلف دول العالم ومنها العراق لينشئ جيلاً يخدم الأوطان , ويرتقي بأخلاقهم إلى جانب التدريس من خلال معاشرته الحسنة وثقافنه الأكاديمية ومجالسته الناس وحثه الطلاب على الثقافة رغم غربته عن بلده حيث ترك لنا أسمى المواقف النبيلة ويكون بسيرته وتفانيه قد دخل سجل التربويين الخالدين ...












المصادر
*******

- جريدة الأيام – العدد الرابع – 11 / 4 /1962 م - هكذا عرفتهم – الجزء الأول – جعفر الخليلي / طبعة أول



#مجلة_الحرية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقائب ((الامير)) - نص شعري
- التراث الثقافي موطنا والنجف عاصمة
- تحولات الحروف
- بانوراما نزيف القصب - نص شعري
- رسالة مفتوحة الى نقابة الصحفيين - فليطلع اصحاب الاقلام الحره
- طقوس غريبة- قصيدة شعرية
- من بركات السلطان -نص شعري
- اعلام من االذاكرة- ((محمد مهدي البصير))
- احزمة قطام الناسفة
- صديقي الشاعر
- المواطنة في مقاربات السلطة والمعارضة
- من هو حرامي(الحاسبات)
- قراءة في ديوان قوافل الثلج للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري- ل ...
- من يتعلم؟؟ قصيدة للشاعر كاظم ستار البياتي من ديوان((الجرح كت ...
- دور اليسار في كفاح الطبقة العاملة العراقية لنيل حقوقها في ال ...
- امارة العجول - نص
- الجرح كتاب -للشاعر كاظم ستار البياتي من ديوان ((الجرح كتاب))
- لعبة عمر المختار
- من قال أنّ المُبدع الخليجيّ بئر نفط؟!
- خطر الانقسام وخطورة التقسيم


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مجلة الحرية - (التراث الثقافي موطنا والنجف عاصمة)- اسكندر حريق اول مدرس مسيحي في النجف