أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد البوزيدي - المدرسة والكآبة















المزيد.....

المدرسة والكآبة


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3156 - 2010 / 10 / 16 - 20:28
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


المدرسة والكآبة
محمد البوزيدي
مالعلاقة التي تربط المدرسة بالكآبة ؟وهل أصبحت المدرسة كئيبة بالفعل ؟
وكيف نطرد الكآبة من الفضاء الجميل ليتحول إلى وسط مفعم بالحياة – كما ينص الميثاق الوطني للتربية والتكوين - يثير في التلميذ التعلم ويحفز الأستاذ على البذل والعطاء؟
وهل البنية المادية دليل للحكم على العلاقة بين الاثنتين؟ أم أن الأمر ثانوي جدا داخل جوانح المتحركين وسطها ؟
أسئلة كثيرة غزت كينونتي وأنا التقط اللفظة داخل عرض دراسي بمناسبة اليوم العالمي للمدرس،حينها التجأت للقيام بتحليل لهذه العلاقة المفترضة انطلاقا من ربط المدرسة بماضيها وحاضرها
1*المدرسة تبتسم
1-1*حين كنا صغارا كان الفضاء جميلا ، المطعم متوفر ، النشيد الوطني يعزف في كل مكان، وكانت الابتسامة تغزو كل مكان ،علاقات اجتماعية للصغار مع الكبار، تفاعل عاطفي بينهما ،احترام الصغير للكبير ،والتلميذ يتعامل مع الأستاذ في منزلة الأب، فلا تجد إلا سلوكات حسنة تكرس قدوة الأستاذ للتلميذ في الكلام، في اللباس، في التصرفات، في التواصل، في الهندام، في المظهر...
1-2*ولا زلنا نتذكر سلوكات الأساتذة فيما بينهم، اجتماعات ولقاءات متواصلة في كل استراحة ،وكيف يتناقشون ويتحاورون في مواضيع الشأن العام، يستفيدون من بعضهم البعض،ينظمون الرحلات ،يتبادلون الكتب والإفادات ،علاقاتهم الممتازة قد تتجاوز المدرسة إلى خارجها لتقتحم البيوت والعائلات بعضها من بعض.
1-3*أساتذتنا في لباس أنيق، بربطة عنق مزركشة بهية، وبوزرة ناصعة البياض، والجلباب يوم الجمعة.. أما المدير فكنا نضعه في مرتبة خاصة، والويل لمن استدعاه إلى مكتبه المهاب.
1-4*الجدران تزهو بألوانها المفتوحة، وبالكلمات والجمل المكتوبة عليها والتي تزرع في التلميذ قيما جيدة،والرسومات تبعث فسحة أمل في الطفل، وتنعش خياله الصغير لتفتحه واسعا على آفاق مستقبلية كبيرة .
1-5*الأنشطة المدرسة الموازية في كل مكان،المسرحيات التي يتقمص فيها التلميذ شخصيات تاريخية،والأغاني والأناشيد الوطنية الحماسية التي تلهب الحماس، وتذكي جذوة الأمل والعمل الجماعي، المسابقات الثقافية والرياضية التي تنعش ذاكرة الأطفال، وتقوي أجسامهم،والجوائز التي توزع في مختلف المناسبات تذكي فيهم روح الجد والكد والعمل والتفوق.
1-6*الآباء يستبشرون خيرا وهم يرون فلذات أكبادهم يواصلون تمدرسهم بهمة وجدية بعيدا عن أي ضوضاء أو اهتمامات تافهة أو مشاكل مع الأساتذة أو الإدارة ، بل ودون كتب كثيرة ومن غير مصاريف إضافية وهم يتشوقون ليوم ينهون فيه تعليمهم ليحتلوا موقعا ما داخل المجتمع يضمن لهم مكانا متميزا – دون أن يكون بالضرورة في الوظيفة العمومية - ،يزورون الأساتذة ويوصونهم بأبنائهم خيرا.
2*المدرسة ومهزلة الحاضر
أما اليوم أين نحن من كل هذا الماضي الجميل ؟ أين نحن من كل الأشكال الفرجوية ؟ وهل انقرضت فعلا ؟أم أن المدرسة نحتت لنفسها مسارا مختلفا ينبئ عن شيخوخة مبكرة أفقدتها حيوية الشباب المعهودة والمعروفة فيها.
2-1*إن المتأمل لوضعية المدرسة العمومية في علائقها الخارجية والداخلية يكاد يصاب بالغثيان،وهو يحاول فرك عينيه ليدقق وليضبط هذه التحولات التي جرت في صمت مريب كجريمة ارتكبت ليلا بإصرار ودون سابق إشعار، وحين استفاق الناس صباحا وجدوا أنفسهم أمام ألغاز عجيبة عجزوا عن تفكيكها وتحديد الجريمة دون تدقيق في المجرم الذي تعدد وأصبحت الأصابع الجميع تتجه في كل اتجاه.
2-2*عند الاقتراب من المؤسسة التي عبرا إرادة الدولة مرارا عن التجند لها ، تجد الجدران وقد كتب عليها الكلام الساقط، والرسومات التافهة والمخلة بالاحترام الواجب للمكان، بل وتحريف رسومات ولوحات تشكيلية سابقة ،بل لا نستغرب إذا وجدنا مكانا محاذيا للمؤسسة لإفراغ المثانات التافهة من بقايا أطعمة وأشربة خارج المنزل، ومكانا لاختراق المؤسسة من الجهة الخلفية عبر تسلق الحائط بعيدا عن الباب.
فهل هي الخطوة الأولى قبل تسلق جدران أخرى في سياق إجرامي مختلف...؟ وكيف لا ونحن تجد التلاميذ تخدروا ودخنوا قبل ولوج القسم ليكونوا في كامل أناقتهم الوهمية .
2-3*تلج المدرسة، الوجوه مكفهرة، الكل ينادي ويصرخ لتنظيم عمليات الدخول والخروج: اجي هنا.... فين غادي..برا...كرد فعل على سلوكات تلاميذ خرجت عن المألوف، وأصبحنا فعلا أمام تلاميذ من عيار آخر، يرتدون ملابس لا تشرف الطفل لا من شكلها ولا من وضعها أو هيئتها، وكأن الحياء قد انقرض فعلا.. سلاسل في أعناق مشرئبة إلى الفراغ... أقراط في آذان لا تسمع إلا لعواطف تافهة تنبعث من وسائل الإعلام ورفاق السوء...قبعات تختفي وراءها رؤوس أصبحت محشوة بكل ماهو غير تربوي... حلاقات للرؤوس والوجوه بالألوان ..اقتحمت المدرسة غفلة ، توظيف للهواتف النقالة في كل الاتجاهات السلبية (استماع إلى موسيقى /تصوير / تبادل أشرطة الفيديو..وصولا إلى تصوير الأستاذ(ة) في وضعيات مختلفة...)
2-4*في المؤسسة فعلا تكسير زجاج الأقسام أصبح سلوكا غير مفهوم، كتابات على الجدران ، نقش على السبورات أو الطاولات بوسائل من حديد لتجنب إصلاح الوضع، تكسير لأقفال الأبواب، إتلاف للصنابير وشبكات الكهرباء..كلام ساقط هنا وهناك.. احتجاج على الكبار تحرشات....استفزاز للأستاذ ،أسئلة عن الغياب ،كلام حول الاحتجاج ...
ترى ماهذا الوضع ؟ داخلي تنتجه المؤسسة ؟ أم تستورده من آفاق أخرى لن تكون إلا الأسرة والمجتمع الغارقان في مشاكل أكثر غضاضة وأشد فظاظة .
2-5*تمر لحظة الدخول.. يغلق الباب على خلاف الماضي حيث المؤسسة مفتوحة للجميع دون إشكال، فأصبح لا فرق بين السجن والمؤسسة،الجميع يغلق أبوابه في توقيت محدد .
2-6*الأساتذة بينهم نفور غامض ، وقليل من يعرف أسماء الزملاء، كل يختلي بنفسه أو يتحدث مع زميله في مواضيع أغلبها تافهة كأخبار الإضرابات للالتزام بها ولو كانت الدعوة من اتجاه ،فالمهم هو العطلة كما يؤكد الجميع ،نتائج الكرة والمسلسلات، وأسعار الاقتصاد .....هي الأحاديث الرائجة.فقد أصبح عاديا أن يكون للأستاذ أكثر من مهنة....أما العلاقة بالكتاب فتكاد لا تتجاوز فتح الكتاب المدرسي في حصة القسم أو الساعات الإضافية، أو مراجعة خفيفة أثناء الاستعداد للامتحان المهني.وإلا كم نفتني من كتاب في السنة وكم نقرأ في السنة...؟الجواب قد يكشف عوراتنا الفكرية.
2-7*في علاقاته برواد الفصل الدراسي يفرض بعض الأساتذة على تلاميذهم الساعات الإضافية، فيبدو أمامهم – الذي قد يظنهم قاصرين - كالمتسول الذي لا تكفيه أجرته ويساوم المائة درهم شهريا أو أكثر بنقطة المراقبة المستمرة، بل قد يأمرهم بالغياب ليجد فرصة لراحة وهمية.
جل المدمنين لا يتردد في التدخين أمام التلاميذ الذين قد يتخذونهم قدوة ، فيتيه التلميذ بين الحملات الصحية وسلوك أساتذته، فتبدو المؤسسة ناقلة لقيم تناقض نبل رسالتها . سب وشتم للتلاميذ ،تحرش بالتلميذات، يتدخل الآباء فتشتعل جذوة من نيران الكراهية فعلا، بل قد تصل المواجهة أقصاها بتعرض الأستاذ – مربي الأجيال – للعنف لأجل السلوكيات التي ارتكبها.وتتواصل المحنة بتداول الأخبار في الخارج فيصبح الأستاذ جدول أعمال قائم الذات في كل جمع للناس :فعل الأستاذ كذا وكذا .....المجتمع لا يرحم طبعا ....
لكن من المسؤول ؟ نحن بدون أدنى نقاش.
3*مالعمل؟
هذا غيض من فيض لظواهر أصبحت جزءا من كينونة المدرسة العمومية.
وقد يتساءل سائل :كيف ننقذ مؤسساتنا من هذا الوضع المتردي؟؟؟ برامج عديدة وضعت ،وتقارير أعدت، لكنها تبدو قاصرة عن تحويل المؤسسة عن الوضع المأساوي الذي تعيشه..
لن أدخل في سياق المقترحات التي قد لا تنتهي، ولكن أطرح فكرة واحدة كفيلة بتجاوز نسبي ،لأن تجاوز الوضعية الحالية تستلزم وقتا طويلا وأجيال متعددة ،لكن هذا لا يمنع من البدء فورا بسلوك وحيد وهو :الإرادة.
إذا توفرت الإرادة فالكل يدرك المسؤولية الملقاة على عاتقه ،ويدرك ما يفعل كمساهمة ولو جزئية منه، لصد هذا السيل الجارف من الإعصار الذي تواجهه مؤسساتنا العمومية.
الإرادة هي أن يؤدي كل واحد الأدوار المنوطة به ، من الأستاذ إلى المدير إلى النائب إلى مدير الأكاديمية إلى الوزير.
ولنكن على يقين أن الضحايا هم أبناؤنا من الطبقات الفقيرة أما أبناءهم فقد هربوا إلى القطاع الخاص والبعثات المختلفة .
ترى لماذا نجد الوضع مختلفا في القطاع الخاص ؟
الجواب بسيط فالإرادة متوفرة ،و الحافز مادي بحث، لذلك يتجند الجميع بدءا من صاحب المشروع إلى المربي الذي قد يجد نفسه مهددا في كل لحظة وحين مع كل تقصير في العمل ،الأب بدوره يؤدي أقساطا معينة ويتابع ابنه ليستفيد عوضا عن تزجية الوقت ...وهكذا تتظافر كل الجهود للوصول إلى النتيجة المرجوة : تأدية المؤسسة التعليمية لأدوارها الطلائعية في المجتمع....وهكذا تطرد الكآبة إلى الخارج وتصبح المدرسة مفعمة بالحياة فعللا.



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سراب
- رفات الزمن الضائع
- البيئة داخل المؤسسة وخارجها
- أرضية الملتقى الوطني السادس للقصة بمراكش المغرب
- رسالة سلام
- قراءة في كتاب تحولات المغرب القروي: أسئلة التنمية المؤجلة
- المدرسة المغربية وسياسة التقارير
- إلى أمين قبل عيد ميلاده الأول
- الربيع الثالث
- نداء غزة
- البوح بالأسرار في رواية أخاديد الأسوار للروائية المغربية الز ...
- أحزان طفل
- رسالة الى حاكم عربي
- غزة العزة
- الراعي
- غزة
- حوار مع الكاتب جمال الموساوي عضو المكتب المركزي لإتحاد كتاب ...
- سلاما أيها البحر
- قلب جريح
- الدخول المدرسي بالمغرب


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد البوزيدي - المدرسة والكآبة