أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجيد الأسدي - الوصية














المزيد.....

الوصية


مجيد الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 01:35
المحور: الادب والفن
    


منذ ان تعرفت عليه لم اعد اكتفي بصنارة واحدة,لذا كنت اختار بقعة منعزلة تتسع لصناراتي الخمسة. اغطيها بالطعم وارميها على مسافات متفاوتة ثم اربط خيوطها الى الأشجار واظل منتظرا اهتزازها .وخلال ذلك أتجول بين النخيل ملتقطا من الأرض ما تجود به هذه الشجرة الطيبة. اما شجرة(البمبر) فقد وزعت خيرها وبقيت عارية إلا من أوراقها الخضراء..
يزحف الموت الى هذه الأرض يوميا واشعر بعذابها وعطشها ,ماتت دوالي العنب وتعرت شجرة الرمان الا من أوراق يابسة ميتة , حبسوا الماء عن أصولها فهي تتعذب ببطء لا يشعر بعذابها الا من عاشرها
مر بقربي فتى ,نظرت في عينيه ,طأطأ الى الأرض :
- كم أعطاك؟
- ماذا تقصد؟
- رأيتكما خلف الزورق!
- وما شانك؟
أضاف:
- بألفين ..هل تشتهي؟
- لا
- فلتسكت إذن...
تعدى صاحبه مبتسما
- نعيما لك...
- ما قصدك؟
- الذي تفهمه.
.
-يا رجل خليك مع خيوطك ..الدنيا لا ترحم!
-صدقت. ولكن الا تشتهي الرطب خذ كل..
لكنه ابتعد مشمئزا
اكتسح زورق الشرطة النهرية خيوطي قبل ان يستقر على الضفة. ركضت صارخا :
- لقد قطعتم خيوطي !
صعدوا الى اليابسة, وبدون اذن مني فرغوا عدتي من أشيائها .فرشوها على الأرض, كان الضابط شابا بلا ملامح!
- لا شيء سيدي
- خمرة او حشيش او حبوب؟
- فيها لوطيون!
- ماذا؟
- ألم تبحثوا عن اللوطيين؟
- ومتعاطي المنكر...
تغيرت سحنة وجهه فبدا لي كوحش يخرج من النهر .بغدارته وزيه الأمريكيين.
- تعجبني قبعتك!
- لماذا؟
- انها امريكية...
لم يرد علي..امر شرطته بالعودة الى الزورق وهو يحدجني بنظرة قاتلة . وقبل ان ينزل الى الماء ,خاطبني بلهجة متعالية :
- ماذا تفعل هنا لوحدك؟
- اصطاد..
اضفت بصلافة لأغيظه :
- لا اعتقد انه من الممنوعات كا....
- كفى! لقد قطعنا خيوطك
- اعلم
- اذن ما بقاؤك؟
- سأعيدها من جديد
- الا تمل؟
- هوايتي قطع الخيوط واصلاحها..وانت ؟
- هوايتي النظام..
- ونعم به!
يغادر الزورق الأمريكي رافعا العلم العراقي,محملا بكائنات لا تدري ماتفعل.. الصياد يودعهم بنظراته الساخرة متلذذا بتمرة بصرية حرة.. كانت اعماقه تصرخ بألم :
- امريكا تعيد التكوين بقسوة وعليك بالصبر ايها الصياد!
يصلح خيوطه ويعيد رمي الصنارات من جديد وينتظر...
خلال هذا الانتظار, يبقى متنقلا مكحلا عينيه بين الماء الذي يجري هادئا ووشوشة سعف النخيل وغناء اوراق الشجرة التي تستعصي على الموت..يسرح نظره عبر الضفة البعيدة المقابلة :
- ما اوسعك يا نهر..
ثمة خيام ما كانت موجودة وجاموس ونخل بلا رقاب .يشعر بغصة :
- ماذا دهى هذه الدنيا؟
خضرة الأرض التي تلوح على البعد تبدو جامدة لا حياة فيها ,لا اطفال تلعب ولا نساء تمشي ولا فلاحون يحرثون او يزرعون. يا لبشاعة المدن الميتة!
حين عاد من تجواله وجد احد الخيوط يتحرك ويهتز فأسرع الى الإمساك به وهو يتمدد..سحبه بقوة لكنه ظل يتلوى وكأنه يلاعب الرجل. احس بقوة الضغط والأنشداد على الخيط فأرخاه وحين لم يجد مقاومة عاد الى سحبه بقوة ولكن الخيط يعود الى الشدالقاسي,يشعر ان الضغط يزداد فيمد له الخيط ثم يسمته حتي احس بالم في اصبعه
- لابد انها كبيرة
(يحدث نفسه)
- علي بالصبر..لا يهزم السمكة الكبيرة الا الصبر,لو كانت سمتية او شبوطأ لجاءت متراخية..لكن هذا ذكر ..ذكر مجهول..قاس وقوي يقاوم بعنف انه يتحدى وعلي قبول التحدي .من حسن حظي ان خيطي وصنارتي قويان,(لا تصطاد الا بخيط وصنارة قويين) غادرتني ..غادرتني وحيدا مع النهر لكني ما زلت اتبع تعاليمك..انا اللحظة معك ايها الصديق نرخي ونشد كما كنا نفعل في أيامنا الخوالي..الى ان تسفر المعركة بالفوز او الفشل..صديقي ,انه قوي ,يقاوم بعنف يعتلي الخيط يحاول الالتفاف عليه يريد قطعه,
- ارخِ..ِارخِ
- لقد فعلت
- وحين يرخي ,شد!
- أيها القبر البعيد إني اشد منذ ساعات وهو يقاوم!
- ابق كما أنت صبورا هادئا سيترنح أخيرا ويأتيك مخذولا.
اشعر أن يدي اليمنى بدأت تخذلني,لا احد قربي ليساعدني وهذه عيوب العزلة..
لا ادري كم مر علينا ونحن نتصارع , كائنان لا يعرف احدهما الآخر يتصارعان ,احدهما خارج الماء والآخر تحته..
بدأ الوهن يدب في مفاصله , انه يرخي الخيط ..انه يستسلم ,تركني أتلاعب به كيف اشاء ..حانت لحظة اللقاء,واذا به يصطدم بحجر الضفة مستسلما.أدخلت يدي في خيشومه وسحبته بقوة .انه قوي ,يشع كالشمس مترفعا,بدا لي انه يبكي مودعا موطنه,كنت احاول نزع الصنارة التي توغلت بعيدا في جسده,عندها نظرت اليه بحزن ازال فرحة النصر,ووجدت نفسي أخاطبه بمرارة :
- أيها القوي..أيها الشرس..لقد انتصرت عليك بصبري...



#مجيد_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صخب في الأكواخ الطينية
- صدِّيق لن يصطاد السمك
- محمد يصعد النخلة
- يا زيد ما زالت هي الخطوة
- الآلهة تستضيف البصرة
- عبقريات سحقها الدولار
- مائدة الحجر
- أيها الصديق
- وجع الروح
- التسيار
- من يقتل الطيور؟
- مانزانو..الشاعر العبد
- المعلّقة
- درب
- السيرة الذاتية لمايا انجيلو


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجيد الأسدي - الوصية