سمير طبلة
إداري وإعلامي
(Samir Tabla)
الحوار المتمدن-العدد: 3147 - 2010 / 10 / 7 - 21:59
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تركت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، في آذار الماضي، مرارة كبيرة في نفوس أغلب، إن لم يكن كلّ، مؤازري الحزب الشيوعي العراقي، قلب الحركة الوطنية والديمقراطية العراقية، والمدافع الأخلص والأصدق عن مصالح البلد ومواطنيه، خصوصاً شغيلة اليد والفكر منهم.
وإن توقع كثيرون، لعوامل متعدّدة، هذه النتائج الضعيفة، التي حرمت مجلس النواب المعطل حالياً من صوت ديمقراطي مخلص وصادق، ينتصر للعراق ولكل أهله، قبل أي شيء آخر، وكرست تشظي المجتمع بثلاثية الغزو الامريكي البائسة (شيعي – سني – كردي)، مهدّدة واقعه ومستقبله، فقد أمل كثيرون، أيضاً، ان تكون هذه النتائج (ضارة نافعة) مناسبة لأن يعيد قلب الحركة الوطنية النظر بمجمل سياسته العامة، ويقول كلمة الحق، انتصاراً لقضيته العادلة بوطن حر وشعب سعيد، التي وهبها آلاف مؤلفة من خيرة مناضليه، نساءً ورجالاً، حياتهم الغالية قرابين، لا حباً بالموت المجاني المعتوه، وإنما عشقاً لمستقبل يُلغى فيه استغلال الانسان لأخيه الانسان. وصدق قول الجواهري ببيت شعره الحكيم "لثورة الفكر تاريخ يحدثنا، بأن ألف مسيح دونها صلبا".
اعادة نظر تدرس هذه النتائج بموضوعية وشجاعة، تؤشر نقاط القوة والضعف.
قوة، بل بطولة نادرة، صرخت بها، مثلاً، مبادرة نسوة عراقيات محجبات حملنّ بوسترات "اتحاد الشعب" في شوارع المدن المنتهكة ارهاباً، وفساداً لا يقل اجراماً عنه. وجهود مئات الشبيبة، أمل المستقبل، في حملة طرق الأبواب، وغيرها كثير.
وضعف بارز، تجلى بعزلة شديدة عن الناس وهمومها، وبعدم الإقرار بواقع التشظي المريع في قاعدة المجتمع، وبرضا عن النفس، جسده استنتاج مغالط بأن تلك الانتخابات "عكست ثباتاً نسبياً في التصويت لصالح قائمة الحزب، وليس تراجعاً". يضاف لها ممارسات بيروقراطية لصقور الحزب، وسعيّ لوأد أي ممارسة تهدف لتكريس الديمقراطية في داخله، مناقضة لنظامه الداخلي، الذي أقرّ الديمقراطية في بنائه بدءاً، ثم ثلمه لاحقاً بالمركزية الديمقراطية، والتي طُبقت بيروقراطية بامتياز!
وإن اُستعرضت المواقف السياسية العامة فالحيرة تصيب المحب والمضحي للحزب وقضيته العادلة، قبل المراقب. ولا حساب هنا للمتشمت والمعادي. ومفزع ان يُوضع "المتربصون والمناكدون والمعادون للحزب" في سلة واحدة، على ما تعنيه من إلغاء واضح للآخر، كان الحزب أول ضحاياه. فـ"المتربصون والمناكدون" يمكن ان ينطبق على كل من يخالف، حقاً ام باطلاً، السياسة العامة للحزب، التي ثبت عدم صواب الكثير من مفرداتها، بما فيها الدعم المطلق لما سميّ بـ "العملية السياسية"، والقبول ضمناً بمأسّسة تقسيم المجتمع الثلاثي، مشاركة بمجلس الحكم، مثلاً عام 2003، على نتائجه البائسة، التي يدفع ثمنها اليوم المواطن المكتوي إرهاباً وحرماناً من أبسط الخدمات.
ولعل من أخطر تلك السياسة العامة عدم نقد الحكومة، او ضعفه في أحسن الأحوال، وعدم الادانة، بأي شكل كان، للتدخل، بل المقرّر للقيادة الايرانية المتخلفة في العراق.
اما تحميل القوائم "الفائزة" في الانتخابات الأخيرة مسؤولية الأزمة الحالية بالتساوي، فتعويم واضح. وإلا كيف يمكن مساواة القائمة الكردستانية، مثلاً، التي حققت الأمن والاستقرار لمواطنيها، رغم الأخطاء والخطايا، بل والجرائم، في المنطقة الحاكمة فيها بـ "فائز" آخر (الصدري) لا يزال اتهام قائده بجريمة قتل مشهود قائم، حتى هذه الساعة، و"ابو درع" (زرقاوي الشيعة)، أحد أبطاله، يسرح بحرية في مدينة الثورة المنكوبة. وأضحى هذا "الفائز" صانع ملوك (تسمية المرشح لرئاسة مجلس الوزراء، مثلاً)؟
وعن الحزب الحاكم اليوم (الدعوة)، فيكفي الاستشهاد بالتصريح الموثق لرئيس وزرائه "يكدر واحد ياخذها، حتى ننطيها" (بمعنى ما ننطيها. ولن ينطوها!). وليُحتكم لنتائج ما قدمته حكومة المالكي، الفاشلة بكل المعايير، للعراق ولأهله، بلغة الأرقام والوقائع، وليس للعواطف والاحكام المسبقة، زد عليها الامتيازات، التي وضعت البلد في مقدمة الدول الفاسدة، وأمست بغداد السلام أخطر مدينة في العالم، في سنوات قيادة حزب الدعوة الحكم في العراق.
هنا، أنبرت أصوات من داخل قلب الحركة الوطنية، اجتهاداً، لتحمل الحزب مسؤولياته التاريخية، وانتصاراً لقضيته العادلة. فبماذا جوبهت من صقوره، بضمنهم المستفيدين فيه، وهم من يتحمل المسؤولية الأولى عن نتائج الانتخابات الضعيفة للحزب؟
الجواب الموجع: شطباً كاملاً، ودعوة صريحة لتلك الأصوات لترك صفوف الحزب و"البحث عن قوى سياسية أخرى"، ومن اعضاء في لجنته المركزية، زد عليها قمع و"عقوبات!؟" عبر الانترنيت، من دون اي احترام لنصوص النظام الداخلي على نواقصه(!)، دع عنك مصلحة البلد وأهله، وقضية الحزب السامية.
ومن تجلياتها رمي كاتب ومناضل مرموق رفاقه المخالفين بالرأي في "المستنقع"، عبر مقال في جريدة الحزب المركزية، ووصف علناً مناضل آخر أحد اعضاء اللجنة المركزية بـ "الصنم". اما بلاغ منظمات الخارج للحزب الشيوعي الكردستاني، وهو جزء من قلب الحركة الوطنية، المنشور في العام الماضي، فحمل الكثير من الرسائل. زد عليها تصريحات منشورة أيضاً، الشهر الماضي، لسكرتير هذه المنظمات دلشاد خدر، الممثل المنتخب لمئات الشيوعيين الكردستانيين العراقيين في الخارج.
ومؤلم، لكل من يعزّ عليه البلد وكل أهله، ان "المقرّرين" في الحزب تواصلوا في نهج نفي كل رأي معارض بأي شكل كان. وكأن الحزب الشيوعي العراقي، أعرق القوى السياسية على الاطلاق، ملكاً لهم فقط، من دون غيرهم، وهو لم يكن، ولن يكون كذلك، مهما كانت تضحياتهم له.
ومضرّ تماماً بالحزب ان يتجاوز صقوره ارادة أصوات غير قليلة في قاعدته بانتخاب أصوات معارضة لتمثيلها في كونفرنس منظمات الخارج، الذي يعقد خلال ايام، عبر إلتفاف على هذه الأصوات، وضمان حضور من لم يجر انتخابهم من قاعدته بأي شكل كان، او مشكوك في انتخابهم، لمجرد ولائهم المطلق لمن قبل تحمل شرف المسؤولية. يضاف لها تقليص تمثيل الحزب الشيوعي الكردستاني لعدد لا يتجاوز نسبة 5% من الشيوعيين في الخارج، في حين ان عددهم الفعلي يتجاوز نسبة ربع الشيوعيين في الخارج. ومعروف تماماً مطالبات قاعدة الحزب الشيوعي الكردستاني بالتغيير. وهو ابعاد واضح لأي صوت معارض.
وبهذا توجه الدعوة الصريحة والمخلصة لكل ممثلي منظمات الحزب في الخارج، المتوجهين لكونفرنسهم بأمل النجاح بتحمل مسؤولياتهم النضالية، والانتصار لقضية حزبهم العادلة، وهي قضية وطنهم وشعبهم، وليس لأفراد فيه، مهما كانت مواقعهم ومسؤولياتهم، بأن يتعمقوا بدراسة سبل نهوض حزبهم، وتحمله مسؤولياته التاريخية كمدافع صلد عن أماني شعبهم، وخصوصاً شغيلة اليد والفكر فيه، ونبذ كل ما يضرّ هذه القضية، كما برهنت السنوات العجاف السابقة، وعصرنة حزبهم، وانفتاحه على كل قوى الخير، التي تضع المصلحة العامة، عملاً وليس قولاً أجوفاً، فوق مصالحها الخاصة. والتخلي تماماً عن اشتراط قيادتها مسبقاً. فما من سبيل أمامهم إلا أن يكونوا مع شعبهم، كل شعبهم، عبر الديمقراطية والتجديد و... الانفتاح.
فالبلد وأهله في خطر، ولا منقذ له إلا مخلصيه، وقلبهم الشيوعيين العراقيين!
7/10/2010
#سمير_طبلة (هاشتاغ)
Samir_Tabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟