أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نقولا الزهر - الأكثر خلوداً علاقة الناس بأسماء أمكنتهم















المزيد.....

الأكثر خلوداً علاقة الناس بأسماء أمكنتهم


نقولا الزهر

الحوار المتمدن-العدد: 3136 - 2010 / 9 / 26 - 15:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يبدو أن ثمة علاقة حميمة جداً تنشأ بين الناس والأمكنة التي نشأوا وترعرعوا فيها. تتفجر هذه العلاقة حامية عند اقتحامها والاعتداء عليها، وحنيناً عند البعاد عنها(النوستالجيا). تبقى أسماء الأمكنة التي انتقلت إلى الناس من آبائهم وأجدادهم عزيزة على أسماعهم؛ وهنالك من يقول أن العلاقة بين المكان واسمه كالعلاقة بين الجسد وروحه. وتتحول الأسماء عبر مئات السنين وربما آلافها إلى علاقة روحية تملأ قلوب الناس و ذاكرتهم فيعز عليهم تغييرها. فتتغير لغة المجتمعات والدول والأوطان لكن الأسماء القديمة للمدن والقرى والأحياء تبقى على الألسنة .. وأحياناً تتغير معالم المكان ويتغير شكله لكن إسمه القديم المتوارث يبقى مسيطراً في لغة الحياة اليومية. وحتى لو كانت أسماء الأمكنة غير مستحبة ومستساغة في اللغة المعاصرة، تبقى متداولة على شفاههم. وعلى سبيل المثال، في دمشق حارة صغيرة تتفرع عن منتصف شارع الملك فيصل في حي العمارة بقيت تدعى حتى منتصف الخمسينات "حارة الزبالين"، ثم عمدت محافظة دمشق إلى تجميل اسمها فدعتها (جادة الشرف الأعلى)، لكن الاسم الجديد المهذب والمرموق جداً، فرغم مضي نصف قرن، بقي حظه من التداول قليلاً وبقي الاسم القديم هو الأشهر. ولماذا نستغرب ففي باريز يوجد سوق لا يزال يدعى حتى الآن بسوق القمل (Marche aux puces) وهو مكان تباع فيه الحاجيات بالرخص. ولم تلجأ بلدية باريس إلى تغيير هذا الاسم الفولكلوري.
وفي أيام الوحدة بين سورية ومصر(1958-1961)، صدرت قرارات تنظيمية من وزارة الشؤون البلدية والقروية بتغيير وتجميل أسماء بعض المناطق والبلدات والقرى فيما دعي آنذاك بالإقليم الشمالي. فسميت منطقة "وادي النصارى" بوادي النضارة، وقرية "المزيبلة" سميت(المزينة) و"الخريبة" سميت (الناصرة)، وفي منطقة القلمون سميت قرية "بخعة" (الصرخة) وسميت "قلدون" التركمانية (المراح) و كذلك في منطقة الجزيرة سميت "تل كوشك" (اليعربية).. وقرية أخرى سميت (القحطانية)....إلخ. لكن كل هذه التسميات الإدارية الآتية من فوق بقي تداولها في إطار السجلات والمعاملات الرسمية.... وهنا يمكنني القول أن اسم المكان يبقي عليه الناس وكذلك يمكن أن يقلع عن تداوله الناس..
وفي حي القيمرية في دمشق، يقال أنه قبل حوالي مائتي عام كانت المنطقة الممتدة بين الكنيسة المريمية وسفل التلة تدعى (الآسية) نظراً لوجود بعض شجيرات الآس فيها، ومن ثم اندثرت أشجار الآس وحلت محلها بيوت السكن وأقامت بطريركية الروم الأرثوذكس مدرسة تجهيزية منذ حوالي 130 عاماً، واشتهرت فيما بعد هذه المدرسة باسم مدرسة(الآسية) أكثر مما عرفت بالمدرسة الأرثوذوكسية، والجادة كلها لا تزال حتى الآن تعرف بالآسية. ويبدو أن (ساحة الدوامنة) قد أتى اسمها من االمسيحيين الدوامنة الذين هاجروا من بلدة دوما إلى هذه المنطقة القريبة من الآسية. وهكذا معظم أسماء الأمكنة فلكل مكان قصة فحارة (بندق) المتفرعة الآن عن شارع العابد كان يمكث فيها البنادقة الآتين إلى دمشق. وحارة (بير التوته) في حي شيخ محي الدين لا تزال محتفظة باسمها حتى اليوم.
وبعد ثورة أوكتوبر عام 1917في روسيا، بقيت العاصمة الروسية على اسم مؤسسها(بيتربورغ) و يلفظها الروس بلغتهم الروسية (بتروغراد) أي (مدينة بطرس) حتى وفاة لينين ، ولكن بعد وفاته أعطي للمدينة اسماً جديداً (لينينغراد) وبقي هذا الاسم متداولاً حتى انهيار الاتحاد السوفييتي، فأرجعت السلطة الجديدة المدينة إلى اسمها الذي سميت به حين تأسيسها (بتربورغ/بطرس بورغ)، وهنا علينا أن نتساءل: ألم يشكل تغيير اسم هذه المدينة في الأساس إساءتين كبيرتين لشخصيتين روسيتين هامتين لعبتا دورين عظيمين في تاريخ روسيا الحديث بطرس الأكبر ولينين.
وهنالك حالة أخرى ليست مماثلة تماماً تتعلق بمدينة القسطنطينية البيزنطية، فقد غير العثمانيون أسمها بعد سقوطها في عام 1453 إلى اسطنبول وهذا التغيير يختلف عن التغيير الذي حدث في روسيا، فالاسم الجديد للقسطنطينية محرف عن الاسم الأصلي للمدينة (CONSTANTINOPLE). فبقيت اسطنبول أو اسطمبول تحيل إلى المعنى القديم (مدينة قسطنطين)، وهذا ربما أدى إلى ان يُلجأ إلى تحريف آخر يعبر عن الحقبة الجديدة وهو (اسلامبول/مدينة الإسلام). أما الاستانة وهوالاسم الرسمي السلطاني الذي اعطي للمدينة فقد اختفى مع سقوط السلطنة العثمانية. وعبر التاريخ أحياناً كانت تتعرض أسماء المعالم الجغرافية للتدخل الإيديولوجي والسياسي ولكن كثيراً ما بقي تأثيره ضعيفاً. لم يلجأ العرب المسلمون لهذا التغيير الإيديولوجي في صدر الفتوحات الإسلامية، فبقيت دمشق وحلب وحمص وحماة و بيروت وصيدا وصور وأورفة والاسكندرية على أسمائها القديمة، وبقيت اللاذقية وأنطاكيا تحملان اسمي القائدين السلوقيين لاوديكوس وانطيوخوس، وكذلك حينما فتحوا شبه الجزيرة الإيبيرية لم يغيروا أسماء المدن الإفرنجية، وإنما حرفوا لفظها بلغتهم العربية فقط، فمدريد صارت (مجريط) ومقاطعة كاستيليا صارت (قشتالة) و توليدو صارت (طليطلة) ومقاطعة (فاندالوسيا/ بلاد الفاندال) صارت(الأندلس) وكاتالونيا صارت (قطالونيا) وسانتاماريا صارت(شنتمرية) وليسبون صارت (اشبونة) و(غرانادا/الرمانة) صارت (غرناطة)، و(كوردوبا) صارت (قرطبة) و(سيفيليا) صارت (اشبيليا )..إلخ. فلم يتغير غير اللفظ.
وإذا عرَّجنا على بلغاريا، فنجد أن اسمها كبلد ووطن ينسب منذ القديم إلى شعب تركي كان يسكن على شواطئ الفولغا(البولغا)، كان قد هاجر إلى أرضها الحالية منذ القديم ، وهذا القوم لا يشكل أكثر من 10% من سكان بلغاريا الحاليين الذين معظمهم من العرق السلافي، وهنالك أقلية تركية وأقلية ماكيدونية، ولكن اسم الوطن لا يزال يحمل اسم قوم قديم حل في هضبة البلقان وجبال ريلا والفيتوشا؛ ولم تغير الأكثرية السلافية الاسم الأصلي للبلاد. وكذلك الحال بالنسبة إلى يوغسلافيا(سلافيا الجنوبية) هذا المصطلح الذي وضع بعد الحرب العالمية الأولى، لم يصمد طويلا وضاع بعد انهيار الاتحاد اليوغسلافي. فيبدو أن أسماء الأمكنة لا تتحمل كثيراً وطأة السياسة والإيديولوجيا. ويبدو أيضاً أن تاريخ أسماء الأمكنة الجغرافية يبعث برسالة تاريخية إلى كل السياسيين المغرمين بالدمج والصهر والتوحيد القسري فتبقى ذاكرة الناس والتاريخ أقوى منهم.
إن اسم كل مدينة في بلادنا واسم كل قرية ومزرعة وجبل وواد وسهل ونهر له قصة وتاريخ، وهذه الأسماء بمجموعها تشكل سمفونية متناسقة بلغاتها ولهجاتها وأوزانها، تتطلب من الباحثين واللغويين والمؤرخين اهتماماً كبيراً. و صمودها على مر العصور ، رغم ما توالى على هذه الأرض من أباطرة وفاتحين وملوك، يجب أن يدفعنا أكثر باتجاه هذا البحث المعمق. وأولا وأخيراً هي تشكل جزءاً حقيقياً من تاريخ منطقتنا بكامل حلقاته وتفاصيله وتعاقباته السومرية والآمورية والكنعانية والفينيقية والآشورية والآرامية واليونانية والرومانية والعربية والتركية والكردية وغيرها... ولقد بذل في هذا المضمار (أنيس فريحة)، الدكتور في الفلسفة واللغات السامية، جهداً مرموقاً في تفكيك ألغاز هذه السمفونية الرائعة، عبر كتابه "معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية وتفسير معانيها"؛ وكذلك كان للدكتور(عبدالله الحلو) إسهاماً هاماً على هذا الطريق من خلال رسالة الدكتوراه التي أعدها بعنوان "تحقيقات لغوية تاريخية في الأسماء الجغرافية السورية" في معهد الدراسات السامية التابع لكلية العلوم التاريخية القديمة بجامعة برلين الحرة /وقد صدرت في بيروت بكتاب عن دار بيسان للنشر/1999
نقولا الزهر/ دمشق في 26/9/2010



#نقولا_الزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجلة الهلال المصرية بين اليوم والأمس
- تغطية وجه المرأة في سورية... بين ماضٍ وحاضر
- نصر حامد أبوزيد وتراب الغرباء
- خنق إسرائيل للسلام واحتدام الصراع على تعبئة الفراغ العربي
- حجر الزاوية لدى نصر حامد أبوزيد الحرية وفتح الشبابيك
- كل تحديد نفي
- من حكايا الطب
- قُرَنٌ شهيدة
- عن السادس من أيار وخابية النبيذ واستطرادات من الذاكرة
- ثقافة الكم والحجوم
- التنوع الديموغرافي موضوعة اجتماعية والطائفية موضوعة سياسية؟. ...
- ايديولوجيا اليونيفورم تحيل إلى التفكك والتأخر
- الوضع في اليمن بين مسؤولية النظام والتدخل الإقليمي
- هل من فرق بين الأصولية والتمامية؟
- الحوار المتمدن إناء فسيح للثقافة والتقدم
- بقايا صور من الحياة اليومية 3/النول
- إلغاء الآخر... لا يقتصر على دين أو مذهب بعينه
- قراءة في رواية أسلاف/لزميل السجن الدكتور خالد الناصر
- حول العودات الفكرية وإعادة التأسيس ونفي النفي
- الحريات والحقوق حجر الزاوية في احتجاجات طهران


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نقولا الزهر - الأكثر خلوداً علاقة الناس بأسماء أمكنتهم