أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فيلم - زينب - للمخرج طارق هاشم: البنية التوليفية وآلية التصوير بالعين الذاتية والموضوعية















المزيد.....

فيلم - زينب - للمخرج طارق هاشم: البنية التوليفية وآلية التصوير بالعين الذاتية والموضوعية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 947 - 2004 / 9 / 5 - 08:48
المحور: الادب والفن
    


لا شك في أن المنجز الإبداعي المتفرد للفنانة زينب، والمكانة الكبيرة التي حضيت بها في نفوس المتلقين العراقيين والعرب على حد سواء، إضافة إلى مواقفها الوطنية المشرّفة هو الذي دفع المخرج طارق هاشم لأن يضعها في نُصب اهتماماته الفنية، وهواجسه المُلِّحة، ويكرّس لها فيلماً تسجيلياً يتناول فيه جوانب محددة من تجربتها الفنية، كما يرصد في الوقت ذاته وقائع تشييعها ودفنها في مغتربها الأخير في السويد. وبالرغم من أن الفنانة زينب " فخرية عبد الكريم " لها رصيد فني كبير في أكثر من حقل إبداعي إلا أن هذا الفيلم المعنون " زينب " لم يركّز إلا على ثلاثة أعمال فنية لها وهي فيلم " سعيد أفندي " إخراج كاميران حسني، وبطولة يوسف العاني وزينب، وفيلم " الحارس " إخراج خليل شوقي، وبطولة زينب ومكي البدري، ومسرحية " النخلة والجيران " إخراج قاسم محمد، وبطولة الفنان خليل شوقي وزينب. كما تضمن الفيلم خمس إطلالات رئيسية للفنانة المسرحية سهام علوان التي قالت فيها أشياء مهمة استطاعت من خلالها أن تؤطر الفيلم، وتحبك بُعده السردي عبر لغة إيحائية شديدة التأثير. كما أطلت أكثر من مرة إطلالات مبتسرة لم تقل فيها شيئاً لكن حضورها الفيزيقي كان له سطوة بصرية خاصة تعكس إحساسها الوجداني العميق بهيبة الحدث الجلل الذي مرَّرته عبر مصفاة روحها المُحبة، والمُتيّمة، بصديقتها، وأستاذتها، ورفيقة رحلتها الفنية " زينب " والتي كانت تعدها أنموذجاً في الوعي والثقافة والإخلاص والتفاني. يبدو أن المخرج لم يُعر كبير اهتمام للتسلسل التاريخي للأعمال الفنية التي اقتبس منها مشاهد محددة، فقد بدأ بمشاهد من فيلم " الحارس " الذي أخرجه الفنان خليل شوقي عام 1967، ولم يبدأ بمقتبسات من فيلم " سعيد أفندي " الذي أنجزه المخرج كاميران حسني عام 1956، أو حتى من مسرحية " النخلة والجيران " التي أخرجها قاسم محمد عام 1969. على أية حال أن الرؤية الفنية للمخرج طارق هاشم هي التي تتحكم بالبعد الجمالي الذي تراه مناسباً وضرورياً في تقديم الشخصية التي يتمحور حولها الفيلم.
المؤثرات البصرية والصوتية
منذ مدة طويلة وأنا أحاول الكتابة عن الرؤية الفنية لطارق هاشم، وأسلوبه الإخراجي الذي يعوّل على تقنيات صعبة يسعى إلى تذليلها من خلال المراهنة على صرامة النهج الإخراجي الذي يتبعه، فمثله مثل الموسيقار البارع الذي يحاول جاهداً أن يتفادى حتى الخلل البسيط الذي قد يربك إيقاع عمله السمفوني، ويفسد هارمونيته الدقيقة فالمؤثرات البصرية تلعب دوراً مهماً في اختصار الزمن الواقعي، وتحويله إلى زمن سينمائي، وتتحقق هذه العملية الفنية عبر تقنيات مزج اللقطات، وآلية الظهور والاختفاء، وانتقال البطل من مرحلة إلى أخرى بطريقة سلسة لا تعتورها المطبات، والهنّات الواضحة التي لا تفلت من عين المتلقي المُدربة. وفي سياق حديثنا عن الإحساس بالزمن الذي تدور به أحداث الفيلم السينمائي لابد من التركيز على آلية التصوير ذاتها التي تعتمد على ثلاثة عوامل أساسية وهي " الإضاءة، وزوايا التصوير، والكادر السينمائي والتكوين " ولا نريد أن نتوسع في التفاصيل التقنية لهذه العوامل الثلاثة، ولكننا سنمّر عليها بما يخدم موضوع بحثنا في فيلم " زينب " والذي يجمع بين خصائص ومواصفات الفيلم التسجيلي والروائي في آن معاً. فالإضاءة في الفيلم التراجيدي تحتاج إلى أنوار وظلال متناقضة تماماً كي تعبّر عن الحالة التراجيدية التي يعيشها البطل ومن يحيطون به، بينما تحتاج الإضاءة في الفيلم الكوميدي إلى أنوار مشرقة وناعمة ومبهرجة كي تعكس جو البهجة والفكاهة والمرح، وهكذا فإن الإضاءة تختلف بحسب نوع الفيلم والخانة التي يندرج فيها. فالإضاءة في أفلام الحركة تختلف عن الإضاءة في أفلام المغامرات، والإضاءة في الأفلام الخيالية تختلف عنها في أفلام الجريمة أو الرعب، فلكل نمط من الأفلام إضاءة خاصة به تستنطق أجوائه، وتعبّر عنها أدق تعبير، فالفيلم العائلي يحتاج إلى إضاءة مختلفة عن فيلم الخيال العلمي أو فيلم الإثارة أو فيلم الحرب، أو الفيلم الدرامي " المأساوي " الذي نحن بصدده. وبالرغم من أن الأجواء معتمة، وكابية في أغلب أشهر السنة في الدول الإسكندنافية وخصوصاً في السويد التي صُورت فيها مراسيم الجنازة، والدنمارك التي صُوِّرت فيها المشاهد الاسترجاعية والبوحية للفنانة سهام علوان، إلا أن فكرة التركيز على الإضاءة لم تفت على مخرج الفيلم ومصوره وممنتجه في آن معاً. وقد لعبت الإضاءة بمختلف أنواعها " الرئيسية والخلفية والتكميلية " دوراً مهماً في التركيز على تفاصيل حساسة ما كنا ننتبه إليها لولا اللمسات الفنية التي تخلّفها الإضاءة. ففي المشهد الافتتاحي من الفيلم، تمثيلاً لا حصراً، نرى بتتابع عشر لقطات متنوعة " بعيدة، ومتوسطة، وقريبة، وقريبة جداً " لصور الفنانة زينب والتي تعكس أوضاعاً نفسية مختلفة نجحت القصيدة في وصفها، وتحديدها بدقة كبيرة، وقطعاً فإن هذه الصور المتواترة التي كشفت عن أزمان واقعية مختلفة مرّت بها زينب هي التي دعت المخرج طارق هاشم لأن يقتبس أول مشهد من فيلم " الحارس " ولم يقتبس مشاهد أخرى من فيلم " سعيد أفندي " الأسبق زمنياً، لكي يوحي للمشاهد بأن هذه الفنانة قد أصبحت أنموذجاً للشعراء والرسامين والمبدعين عموماً، لهذا فإن هذا الاقتباس كان دقيقاً، وموفّقاَ، ويخدم البنية المنطقية العميقة للفيلم. كما يوحي لنا الفيلم من طرف غير خفي أن المخرج قد تعمّد هذا التلاقح بين الشعر والفوتوغراف والتشكيل والموسيقى والسينما، وربما ترك مجال التجريب مفتوحاً إلى إمكانية انضمام أجناس فنية وأدبية أخرى إلى الفيلم السينمائي. وفضلاً عن الإيحاء بالجو العام للفيلم سواء أكان تراجيدياً أو كوميدياً وما إلى ذلك من تصنيفات معروفة فإن الإضاءة تلعب دوراً أساسياً في رسم علاقة الفيكر أو الكادر المُضاء بالموجودات والأشياء المحيطة به، الأمر الذي يُسهم في الكشف عن علاقتها بالأحداث التي تجري ضمن سياق الفيلم. كما توهم الإضاءة بالعمق أو البعد الثالث للصورة، وتوفر زوايا نظر جديدة للمتلقي تحقق له متعة بصرية وفنية في آن واحد. كما لا يخفى على أحد أن الإضاءة هي التي تعطي المُشاهد الإحساس بأن وقائع الفيلم تجري في الصباح أو في الظهيرة، في المساء أو في الليل، في الصيف أو في الشتاء، في الربيع أو في الخريف. ولإتقان الإضاءة فنياً، أو المراهنة عليها كمعطىً بصري لابد من معرفة مصدر الضوء أو اتجاهه، وضبطه بشكل دقيق من أجل ضمان تأثيره الفني، لا الاعتباطي، كما ينبغي معرفة شدة الضوء الموّجه من الكشّاف، ومعرفته نصاعته، أي التفريق بين نعومة الحزمة الضوئية وخشونتها، ففي الإضاءة الرئيسية مثلاً نحتاج إلى قيم ضوئية عالية من خلال استخدام كشّافات ضوئية متعددة لإنارة الكادر والديكور، بينما لا تحتاج الإضاءة الخلفية إلى كم كبير من القيم الضوئية لتسليطها على الفيكر كأن يكون بطل الفيلم أو مقدم البرنامج، لأن كل ما يحتاجه هو تسليط حزمة من الضوء أو أكثر قليلاً على كتفه وخلف رأسه تماماً لإضفاء هالة عليه، وتحقيق البعد الثالث. وغالباً ما يكون هذين النوعين من الإضاءة أكثر شدة ونصوعاً من الإضاءة التكميلية الباهتة. في فيلم " زينب " ثمة زوايا تصوير خدمت القيمة الدرامية كثيراً ومنها ما نُطلق عليه بزاوية التصوير الذاتية وهي عندما تستعير عدسة الكاميرا عين إحدى شخصيات الحدث، وزاوية التصوير الموضوعية وهي عندما تستعير الكاميرا عين الملتقي الموضوعية المتحررة من أُسار الذات. من هنا ينبغي أن تكون لكل لقطات الفيلم وظائف تعبيرية تخدم العمل الفني في النهاية، ولا مجال للقطات الاعتباطية غير المدروسة. أما بصدد المؤثرات الصوتية في هذا الفيلم فهي كبيرة لدرجة لا يمكن التوقف معها عند كل العناصر الفنية التي تمثل الصوت كالحوار والمؤثرات سواء الطبيعية أو الاصطناعية والموسيقى. فالحوار في اللقطات والمَشاهد المُقتبسة من " الحارس " و " سعيد أفندي " و " النخلة والجيران " كان باللهجة العراقية الدارجة التي تكشف عن انتماء الشخصيات الطبقي، ومرجعيتهم الثقافية والفكرية من دون الحاجة إلى لغة مقعّرة قد لا يفهمها المشاهد السينمائي الذي ينتمي إلى أصول ومستويات ثقافية متعددة. أما حوار الفنانة سهام علوان والذي كان داخلياً فقد كان بلغة فصيحة معبّرة لا زوائد فيها ولا افاضات، فالكلمة الزائدة التي تشوّش المُشاهد وتربكه هي مثل الصورة الفائضة عن الحاجة التي تسرق من جهد المتلقي ووقته وتركيزه الذي يجب أن يُستخدم في محله الدقيق. ولا شك في أن المؤثرات الصوتية بمجملها سواء الطبيعية أو الاصطناعية كانت منسجمة مع روح الحدث، ومندغمة فيه إلى درجة التماهي مع تفاصيل الفيلم، وبالذات صوت دوي الرعد الذي سمعناه غير مرة. أما الموسيقى التي أبدع في كل من بيتر غابريل ونصير شمه فقد كانت معبّرة عن الحالات النفسية، ولحظات التأزم الشديدة التي مرّت بها الفنانة سهام علوان التي كانت بمثابة الراوية العليمة في الفيلم، والعارفة بحجم الخسارة الكبيرة التي مُني بها الوسط الفني العراقي برمته في العراق. كانت هذه الموسيقى ذات المرجعيتين الشرقية والغربية تُشعر المشاهد وكأنه في قلب الحدث، فهي لا تملأ فراغاً، ولا تشكّل خلفية عابرة، وإنما كانت تنسجم مع مضمون الفيلم بعامة، وتتوافق توافقاً ملفتاً للإنتباه مع جميع المواقف التي تعاطى معها المخرج. فطارق هاشم معروف بقدرته المذهلة في خلق توازن دقيق بين الصوت والصورة، فالموسيقى أو المؤثرات الصوتية الأخرى لا تسرق انتباه المُشاهد، أو تُبعده عنه الصورة، وإنما تضعه في منتصف المسافة في الحفاظ على الصوت والصورة معاً إلى الحد الذي تبدو فيه الموسيقى محسوسة أكثر من كونها مسموعة وهذا سر من أسرار نجاح رؤيته الفنية المغايرة، ومنهجه الإخراجي الصادم.
البنية التوليفية
يبدو أن النص الشعري المليء بالشجن كان مدخلاً ناجحاً في التعبير عن مشاعر الفنانة زينب وأحاسيسها الداخلية، كما أنه يصوّر بعمق عالمها الذاتي وأجواءها الخاصة التي تستنطق غياب الحبيب أو الوطن النائي. . لا فرق! "حبيبي متى ينتهي ذا الوجوم / وتجري حياتي إلى ظلّها / لتجلو عن قلبي هذي الهموم / فتركن نفسي إلى حبّها / حبيبي نداء بنفسي إليك / ويا كثرما ضجَّ فيها النداء / تعال وخذني في مقلتيك / شعاعاً يضيء ظلام المساء / حبيبي تعال وخذني إليك / أذبني إذا شئت قطرة ماء / تروي من ظمأ شفتيك / وتزجي إليك جميل الدعاء / حبيبي لقد بات وقع الأسى مميتاً في ظل ذا الإغتراب / فنفسي تهوم في وحدة / وضاقت بروحي فسيح الرحاب / ففي الصبح أنهل من غربتي / وفي الليل أبكيك من خلف باب / حبيبي تعال وخذني إليك / فقد طال في القلب شوط العذاب. " وفي أثناء قراءة هذه القصيدة الوجدانية من قبل الفنانة سهام علوان نسمع موسيقى مؤثرة جداً مصاحبة للقطة الافتتاحية التي تصوّر انسياح المطر على النافذة الأمامية للسيارة، ثم يتموج هذا الانسياح على وجه الطبيعة بحيث تبدو وكأنها أمواج رجراجة معلّقة في صفحة السماء، وتتداخل فوّهة النفق المنفتح على الفضاء الخارجي مع الشارع المغسول بأمطار هامية، ثم تدهمنا في الحال مشاهد الغيوم الرمادية الكثيفة، بينما يتواصل صوت سهام المفعم بالشجن مُنشداً هذه القصيدة التي تختصر جوانب واسعة من معاناة الفنانة زينب التي أتعبها الانتظار الطويل في مغتربها الكابي، قارس البرودة. ومن خلال الصور الفوتوغرافية العشر لزينب التي عرضها لنا المخرج، وكانت استهلالاً منطقياً وناجحاً على الصعيد الفني والذي أفضى بنا إلى المقتبس المدروس من فيلم " الحارس " حيث نرى الفنان حسن " قاسم حول " منغمساً في رسم صورة زكية " زينب " التي سيتعلق بها الحارس حميد " مكي البدري " وحينما يفشل في الاقتران بها يقدم على سرقة اللوحة! وقد ظلت هذه الثيمة هي المحور الأكثر بروزاً في فيلم " زينب " بالرغم من أهمية المشاهد المستعارة من أعمال فنية أخرى مثل " سعيد أفندي " و " النخلة والجيران ". ذاكرة الراوية سهام تبدو مزدحمة، ومتشظية، ولهذا فهي لا تعرف من أين تبتدئ الكلام، وعن أي شيء تتحدث فتقول: "عن ماذا يمكنني أن أتحدث، والبداية من أين ستكون؟ هل أبدأ من تلك الليالي الجميلة التي كانت تجمعنا حين كانت ينساب في الروح عزف كمان للفنان صالح الكويتي أو لشذا ذلك الصوت البغدادي الأصيل. ". ومن ضمن التوليفة المضمونية للفيلم أراد مؤلف النص ومصوره ومخرجه أن يضمّن الفيلم بمشهد طويل من " سعيد أفندي " لأكثر من سبب، ففي هذا الفيلم أدت الفنانة زينب واحداً من أجمل أدوارها السينمائية، فضلاً عن أن الفيلم نفسه يعد علامة فارقة في السينما العراقية شأنه شأن فيلم " الحارس " الذي لعبت فيه دور البطولة إلى جانب الفنان مكي البدري، وإن كانت مساحة هذا الفيلم الأخير أكثر هيمنة. وبالرغم من كل الصعاب التي اعترضت الفنانة زينب لعل أبرزها الغربة، وفراق الأحبة، والمرض الخطير الذي أودى بحياتها إلا أنها كانت مثالاً للتضحية والتفاني. وهذا ما تعلنه سهام علوان على رؤوس الأشهاد قائلة: " أتذكر جيداً تلك القهقهات التي كانت تصدح غامرة في أرجاء البيت رغم كل الجروح وفراق الأحبة.". وفي المقتبس الثالث نتوقف عند مشهد من مسرحية قاسم محمد " النخلة والجيران " حيث تناصفت دور البطولة مع الفنان خليل شوقي، وقد إرتأى المخرج أن يقتطف مشهداً من المشاهد التي تعالج الحرب عبر ثنائية الخير والشر. وعرفاناً بالجميل تقول سهام علوان وهي الفنانة الطموحة التي تتبّع مسار هذه القدوة الحسنة " لقد جمعنا المسرح سوية، نجمة كبيرة وممثلة تبحث عن ذاتها. تعلمت منك الكثير الكثير البساطة التواضع التسامح، حب المسرح والإخلاص له إلى آخر رمق. " ثم نجد أنفسنا أمام مشهد آخر من المسرحية ذاتها. ولأن دور الصورة الشخصية مهماً في بناء بنية فيلم " زينب " فقد عاد المخرج مرة ثانية إلى فيلم " الحارس " مقتطفاً مشهداً حلمياً يلتقي فيه حميد " مكي البدري " بزكية " زينب " في مشهد عاطفي شديد الرقة. وفي مقتبس ثالث يسرق اللوحة ويحقق حلمه من خلال حيازة هذا العمل الفني، وهي ذات الصورة التي نراها في مشهد التشييع المؤسي حيث توارى زينب الثرى في يوم رمادي غزير المطر بحيث تصوّر البعض " في مبالغة مُستَحبة " أن السماء نفسها قد شاركت المشيعين حزنهم الأسود وألمهم اللامحدود. ولكي تختتم سهام سرد حكايتها لنا، متوِّجةً إياها ببوحها الذاتي المحتشد بالأسئلة العصية التي تبعث على الحيرة. " آه كم كنت جميلة، كم كنت فائقة في كل شيء، منذ رحيلك عن عالمنا وأنا ما زلت أعيد شريط الذكريات وأتوقف كثيراً عند آخر وداع جمعنا لقد كان غريباً في كل شيء، تأخر القطار لأكثر من ساعة وهذا أمر لا يحدث أبداً في الأحوال الطبيعية لهذا البلد الذي نعيش فيه، وتعدى الأمر لأكثر من ذلك حين وجدت نفسي معك ولطيف والقطار يتحرك يتحرك يتحرك، يتحرك مسرعاً دون توقف إلا عند نقطة العبور نحو السويد. لم أجد قبلاً أي تفسير مقنع لكل الذي حصل، والآن حين أعيد شريط الوداع الأخير لا أجد تفسيراً لكل ذلك، غير أن القدر ربما أراد أن يجمعنا ساعات أخرى سوية. ". هكذا ينتهي الفيلم بينما نشاهد الرواية وهي تمشي وحيدة إلا من ذكريات الفنانة الكبيرة " زينب " والتي نقلتها لنا بطريقة فنية آسرة. السؤال الوحيد الذي يظل معلّقاً من دون إجابة هو: لماذا اعتمد المخرج على مقتبسات من " سعيد أفندي" و " الحارس " و " النخلة والجيران " ولم يقع اختياره على الكثير من أعمالها المسرحية مثل " آني أمك يا شاكر " و " تموز يقرع الناقوس " و " الخرابة " و " دون جوان " و " نفوس " أو السينمائية مثل فيلم " أبو هيلة " أو حتى من مسرحياتها المُعدة للإذاعة والتلفزيون مثل " ليطة " و " الربح والحب " و " تحقيق مع أم حميد بائعة الأحذية ". وغيرها من الأعمال الفنية والإبداعية؟ أنا أعتقد أن المخرج لم يمنح نفسه الوقت الكافي للبحث في هذا الموضوع أو على الأقل تجميع بعض أعمالها الفنية المستنسخة على أشرطة فيديو أو أقراص مدمجة لكي ينتقي منها ما يراه مناسباً ويغطي بالنتيجة مساحة واسعة من حياتها الإبداعية الغنية. فما إن رحلت زينب في 13 آب " أغسطس " 1998 وحضر المخرج مراسيم التشييع التي صورها بعين توثيقية راصدة لكل شيء، ومقتنصة للقطات النادرة والمؤثرة لأغلب المقربين إليها حتى وجد نفسه مضطراً لأن يُنجز هذا الفيلم بما توافر لديه من مراجع وإحالات بصرية وهي " سعيد أفندي " و " الحارس " و " النخلة والجيران ". وكان بإمكانه أن يوظّف جوانب محددة من نشاطها السياسي، ونزوعها الفكري من خلال الإفادة من مشاركاتها الكثيرة في التظاهرات والانتفاضات المتعددة التي شهدها العراق في الأعوام 1948، 1952، 1956، 1958 حيث كانت الفنانة زينب من بين أبرز الفنانين الذين قادوا، أو ساهموا، أو حرّضوا في الأقل على هذه الانتفاضات الشعبية الخالدة. كما أن توزعها بين العراق واليمن وسوريا والسويد حيث وافها الأجل كان من الممكن أن يكون مادة ثرية لأكثر من فيلم تسجيلي عن حياة الفنانة " زينب " لو أن المخرج كان قد خطط لهذا المشروع قبل أن تختطفها يد المنون وهو يعلم جيداً أنها كانت مصابة بمرض خطير لم ينتصر عليه الطب حتى الآن.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب- الزمكان في روايات غائب طعمة فرمان- للدكتور عل ...
- القاص والناقد مصطفى المسناوي لـ ( الحوار المتمدن ): الكاتب ل ...
- المخرج الأردني محمود المساد لـ - الحوار المتمدن - لا أميل إل ...
- المخرج السينمائي السوري هشام الزعوقي لـ ( الحوار المتمدن ):ر ...
- الكاتب المصري محفوظ عبد الرحمن لـ ( احوار المتمدن ):الكاتب ي ...
- الروائي المصري رؤوف مسعد لـ ( الحوار المتمدن )المكاشفة تحتاج ...
- هل كان جان دمّو يعيش في المتن أم في الهامش؟
- الفنانة إيمان علي في معرضها الشخصي الجديد - حلم في ليلة مُقم ...
- النهايات السعيدة وسياق البناء التوليفي في فيلم - سهر الليالي ...
- شاعر القصبة لمحمد توفيق: فيلم يتعانق فيه الخط والشعر والتشكي ...
- الفنان إسماعيل زاير للحوار المتمدن: أنظر إلى اللوحة مثلما ين ...
- التشكيلية إيمان علي- تحت الأضواء - عيون مسافرة إلى أقاصي الو ...
- باب الشمس ليسري نصر الله: فيلم يجسّد مأساة الشعب الفلسطيني ط ...
- سينما الموضوع في فيلم- ما يطلبه المستمعون- لعبد اللطيف عبد ا ...
- صورة البطل الشعبي في فيلم - المنعطف - لجعفر علي
- فهرنهايت 11/9 لمايكل مور آلية التضليل عنوان مسروق ورؤية مشوه ...
- أهوار قاسم حول بين سينما الحقيقة واللمسة الذاتية ومحاولة الإ ...
- رصد الشخصية السايكوباثية في فيلم - الخرساء - لسمير زيدان
- المخرج خيري بشارة: من الواقعية الشاعرية إلى تيار السينما الج ...
- المخرج الجزائري- الهولندي كريم طرايدية نجح فيلم العروس البول ...


المزيد.....




- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فيلم - زينب - للمخرج طارق هاشم: البنية التوليفية وآلية التصوير بالعين الذاتية والموضوعية