علي الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 3121 - 2010 / 9 / 10 - 00:01
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
العراقيون للولايات المتحدة ... شكرا على الفوضى...(1)...؛؛
العنوان أعلاه ليس من عندي ، بل هو عنوانا لمقال كتبه " شارلس مك ديرمد " من مجلة التايم الأمريكية عشية الاعلان عن انسحاب القوات المقاتلة من العراق.(1)
لقد تباينت المشاعر التي عبر عنها العراقيون تبعا لاجتهاداتهم في تقييم الدورالأمريكي في العراق ، فبعضهم كان وما يزال مؤمنا بأن ما قامت به الولايات المتحدة تجاه شعبنا يستحق الاشادة والتقدير، فلولاهم لما سقطت الديكتاتورية ، ولما تمتع العراقيون ببعض أجواء الديمقراطية التي كانت حلما غير قابل للتحقيق في ظل نظام خطط ليبقى ولو على أشلاء ملايينه الثلاثين. ولهؤلاء كل الحق لابداء امتنانهم للولايات المتحدة ، وخاصة لمن اكتوى بعذابات ذلك النظام المتخلف ، سجنا وتعذيبا وقمعا وخوفا وعوزا وبطالة ، وتمييزاعنصريا وطائفيا وقبليا ومناطقيا ودينيا وعقائديا وسياسيا. نظاما لم يعرف الرحمة أو العفو أو التسامح حتى مع أذنابه وعملائه ومرتزقته ، ولم تفوته وسيلة شريرة إلا واستخدمها ضد العراقيين الوطنيين من شيوعيين وقوميين ومستقلين ومتدينين ولا دينيين ، فكان سببا في هجرة قسرية لملايين منهم تشردوا حول العالم ، حاملين معهم متاعهم الوحيد وهو حبهم لوطنهم وثقافاتهم وتقاليد شعبهم. ويعبر هؤلاء عن ترحيبهم بما ستقوم به القوات الأمريكية المتبقية في العراق حتى عام 2011 وما بعدها ، لأنهم يجدون في ما قامت به الولايات المتحدة ينسجم تماما مع المصالح الوطنية العراقية.
وهناك شطر من العراقيين لم يقتنع بموضوع الانسحاب أصلا ، بل وكان يأمل من الأمريكان البقاء في العراق للدفاع عن العراق ضد الاعتداءات الأجنبية ولحماية المجتمع من حرب أهلية طائفية محتملة ربما تكون سنية / شيعية ، أو كردية / عربية ، أو كردية / كردية ، أو عربية / عربية بين المحافظات و بين القبائل ، لأسباب قد يكون من بينها النزاع على النفوذ والسلطة والموارد النفطية والأراضي الزراعية ومصادر المياه ، أو لغيرها من الأسباب. ويمكن الاتفاق مع هذا البعض لأسباب موضوعية ، أحدها التجربة المريرة التي مرت على العراقيين خلال عامي 2006 و2007 وما أدته من خسائر في الأرواح والممتلكات ، وثانيهما وهو الأهم ، عدم استكمال السلطة التنفيذية تكوينها المؤسساتي ، وفي المقدمة منها ضعف الحكومة الاتحادية كمركز للقرارات السياسية ، مما أجج الخلاف بين المركز والمحافظات. و يضاف إلى ذلك عدم استكمال التشكيلات العسكرية والأمنية هيكليتها القانونية والتنظيمية والعددية اللازمة، وتجهيزاتها المادية والتقنية ، والخلل الجوهري الذي اكتنف عملية الشروع بتأسيس تلك التشكيلات المتعلق بوحدتها الفكرية وانتماءها الوطني. فقد جرى بناء تلك التشكيلات في ظرف استثنائي ، اعتمد على الكم والولاء الطائفي والانتماء الحزبي على حساب المهنية والوطنية العراقية ، مما يهدد الوحدة والتماسك والتعاون والتعاطف بين أفرادها ، وهو أخطر ما يواجه الجيش والشرطة والأمن في الوقت الحالي وفي المستقبل ، اذا لم يتم تلافيه في أقرب وقت. وتنقل ليز سلاي عن السيد محمود عثمان النائب في البرلمان العراقي معارضته للانسحاب في الوقت الحاضر بقوله : " بعض الناس يعتقدون انه هروب تدريجي وانسحاب غير مسؤول ، مرددا تعهد أوباما من أجل التوصل إلى انسحاب “مسؤول” للقوات الامريكية. “هذا هو ما يحدث في أمريكا، وليس حول ما يجري على أرض الواقع”.(2)
أما الأوساط العراقية الأكثر احباطا ، فهي تلك التي صدقت الحملة الاعلامية الواسعة التي سبقت الحرب على العراق مروجة لفكرة أن الولايات المتحدة ستحول العراق إلى يابان ثانية في الشرق الأوسط ، وهو ما لم يحصل ، مما تسبب بخيبة أمل كبيرة لهذه الشريحة من المجتمع. وقد نشرت العديد من المقالات في الصحف الأمريكية والبريطانية وغيرها لكتاب مرموقين عبروا فيها عن خيبة الأمل بخروج القوات الأمريكية من العراق قبل أن تنفذ وعودها باعمار العراق واستكمال بناء نظامه الديمقراطي ، كما اجروا مقابلات مع ممثلي مختلف الشرائح الاجتماعية في بغداد خصوصا ، عبر أصحابها فيها عن عدم رضاهم عن ذلك الانسحاب. فيكتب شارلس مك ديرمد في مقاله المشار اليه أعلاه في مجلة التايم قائلا:
" لقد غادرت القوات الأمريكية المقاتلة البلاد الآن ، مخلفة وراءها 53 مليار دولار من خطة بناء اعمار لم تكتمل بعد ، و50000 الف عسكري لتقديم المشورة ومساعدة السكان " وينقل الكاتب عن المواطنة العراقية " حسناء علي " وهي تتساءل : "مالذي حققه الأميركيون لهذا البلد حتى يقرروا الآن أن يغادروا؟ " واضافت : "ليس لدينا مياه نظيفة أو كهرباء ، وأسعار كل شيء عالية جدا ، وليس هناك أمن ، لاوظائف ولا سكن. واذا كان هدفهم من القدوم الى هنا هو منحنا الحرية والديمقراطية ، فكيف يمكن أن يتركونا الان ونحن غارقون في الدم والقمامة ؟ ". وتنقل الصحيفة عن مواطن آخر هو علي نصار، يعمل في جمع القمامة في بغداد قوله : "عندما جاءت قوات الاحتلال إلى العراق ، كان من الجيد انهم تخلصوا من صدام حسين ، ولكن في الحقيقة كل شيء ازداد سوءا ، الأمن والكهرباء والمياه ، والقمامة -- ولكن عندما يغادرون فلن يتحسن اي شئ أو يعود إلى ما كان عليه ، ولا يهم ، اذا كان الاميركيون هنا أم لا ، فالعراق بلد مدمر" .
وفي مقال في صحيفة الغارديان البريطانية بعنوان " وسط الحرارة والوعود ، لم يفز سوى بائع الثلج " كتبه مارتن كلوف جاء فيه (3) : " بعد مرور سبع سنوات ، و53 بليون دولار امريكي من اموال اعادة الاعمار ، فأن بغداد لا تزال تعتمد على ألواح من الثلج للحفاظ على البرودة " ويستطرد قائلا: " فأن فكرة جورج دبليو بوش لخطة مارشال جديدة ، الخطة التي ساعدت في إعادة بناء أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية في العراق تبدو وهمية على نحو متزايد".ويضيف المحرر: ” في جميع أنحاء العراق ، ينظر وبشكل متزايد الى الانسحاب الامريكي على انه اندفاع للخروج ، في حين انه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به " وينهي مقاله بكلمات صانع الثلج تركي التي جاء فيها : “ انهم يريدون انهاء الامر ، ولكن هذا لا يعني ان الامر قد انتهى ، وهذا لا يزعجني على الرغم من ذلك ، لأنني سأظل اصنع الثلج لمدة عشر سنوات قادمة ، فقط انظروا الى الفوضى التي عليها العراق ، هل تعتقد انهم سيرتبون الامور معا بشكل ما عندما يترك الرجل القوي المدينة؟ كلا ، العراقيون سيأكلون بعضهم بعضا من أجل السلطة”.
ورغم ما تناقلته اجهزة الاعلام في الولايات المتحدة وبلدانا أخرى عن اهمية انسحاب القوات الأمريكية القتالية من العراق في الموعد الذي أعلن عنه إلا ان الصورة الحقيقة للوجود الأمريكي في العراق غير ذلك. فالقوات العسكرية المتبقية لا يمكن الاستهانة بها ، فما تزال هناك خمسون الف جندي امريكي في اربعة وتسعين قاعدة امريكية ، لها قدرات قتالية هائلة إلى جانب حوالي 4500 من المقاولين والمتعاقدين ضمن عشرات الشركات الأمنية. وبتعبير اخر فان ما حصل ليس أكثر من أعادة تسمية مهمة القوات العسكرية الباقية ( بالفجر الجديد ) لاسباب سياسية تتعلق بتعهد الرئيس أوباما بالانسحاب في المواعيد التي قطعها على نفسه ، ويأتي ذلك تزامنا مع موعد الانتخابات النصفية القادمة لمجلس الكونغرس. دون أن نغفل أنه بالفعل قد جرى سحب أعدادا كبيرة من القوات الأمريكية ، لكننا بنفس الوقت لا يجب أن نستبعد قيام الولايات المتحدة باختلاق التبريرات لتمديد بقاء قواتها الى مابعد الموعد الذي التزمت به من خلال الضغط على المسئولين العراقيين بتمديد بقاء القوات الى أمد طويل ، وهو ما يتوقع أن تقوم به البعثة الدبلوماسية الكبيرة في سفارتها في بغداد.
وما يؤكد ما ذهبنا اليه ، ما أورده الكاتب جيرمي هاموند في صحيفة الفورن بوليسي جورنال ، في مقاله يوم الثالث من سبتمبر حول هذا الموضوع ، حيث علق فيه على كلمة القاها قائد اللواء الكولونيل جون نوريس على جمع من الجنود في احتفال بمناسبة الانسحاب الأمريكي من العراق والتي جاء فيها : " انها مناسبة تستحق الاحتفال ، عملية تحرير العراق تنتهي امام أنظاركم " وعلق الكاتب على ما ذكره الكولونيل : الآن نتذكر اعلان الرئيس بوش عن نهاية عمليات القتال الاساسية في الاول من مايس عام 2003 من على حاملة الطائرات وتحت لافتة تقول (المهمة انجزت) Mission Accomplished ، وبعد اكثر من سبعة اعوام فان اعلان انتهاء عملية تحرير العراق يحمل نفس الأوهام". وينقل الكاتب نفسه عن صحيفة الواشنطن بوست قولها : " بأن خمسين الف من القوات الامريكية ستبقى في العراق بعد الانسحاب، أساسا كقوة للتدريب، ثم تنازلت الصحيفة بالاعتراف (وربما لن تكون هناك أبدا نهاية معترف بها للحرب في العراق، أو اللحظة التي ستكف فيها ان تكون صراعا امريكيا، او قدوم اللحظة التي سيتنتهي فيها فعلا الوجود الامريكي في العراق " .
وينهي الكاتب مقاله بالقول : " من المفروض ان كافة القوات الامريكية ستنسحب من العراق بحلول الحادي والثلاثين من كانون الاول عام 2011ولكن المسرح قد اعد سلفا من قبل الخطاب السياسي الامريكي الرسمي لاستمرار الوجود العسكري الامريكي لما بعد هذا الموعد. لكن ما يهدد الاستقرار في العراق ليس هو الانسحاب الامريكي بل استمرار الوجود الامريكي ".(4)
يتبع
#علي_الأسدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟