أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يحيى محمد - فهم النص ومعايير التحقيق (2)















المزيد.....

فهم النص ومعايير التحقيق (2)


يحيى محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3116 - 2010 / 9 / 5 - 00:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المعايير الأولية للتحقيق
قلنا سابقاً بأن هناك عدداً من المعايير الأولية، مثل معيار النص والمعقولية والواقع والمنطق والوجدان. ويتضمن كل منها قواعد أربع يمكن أن تتخذ للقبول والرفض والترجيح، وهي كالتالي:
1ـ قاعدة التأييد، ويمكن تطبيقها على النسق او (النظرية) الذي يحظى بدرجات متفاوتة من الظن والتأييد المعرفي.
2ـ قاعدة الاستبعاد، وهي على عكس قاعدة التأييد، اذ يمكن تطبيقها على النسق عندما يصاب بدرجة ما من درجات الضعف والاستبعاد المعرفي.
3ـ قاعدة الاثبات، وهي قاعدة تطبق على النسق (او النظرية) الذي يحمل أعلى درجات التأييد.
4ـ قاعدة النفي، وهي على عكس قاعدة الاثبات، وتطبق على النسق (او النظرية) الذي يحمل أضعف درجات الاستبعاد.
وسيتكرر ذكر هذه القواعد في أغلب معالجاتنا للمعايير السابقة، كل بحسب اعتباره، كما يلي:

1ـ معيار المجمل النصي
لسنا بصدد التمييز - هنا - بين النص القطعي الصدور، والنص الظني الصدور. لكن نفترض أن المعيار الذي سنتناوله هو النص الاول كما يتمثل بالقرآن الكريم، خلافاً لنص الحديث باعتباره غير مقطوع الصدور.
والمعيار الذي نتحدث عنه يشمل جميع عناصر النص، واقصد بذلك كلاً من الدلالتين اللفظية والسياقية فضلاً عن المجال. وقد تحدثنا عن هذه العناصر، ويبقى أن نحدد المعيار الذي ننتزعه كالذي يتمثل بقاعدة الظهور الاشاري، سيما ذلك المتعلق بالظهور العرفي الخاص بالتنزيل.
اذ ينقسم الظهور الى ظهورين مجالي ولفظي، وأن الظهور المجالي تارة يكون مؤيداً للمعنى “الحقيقي” للألفاظ، وأخرى مخالفاً له، فيعبر عند ذلك عن الظهور المجازي او الرمزي. فإذا كان المعنى الظاهر يشير الى دلالة قريبة عن حقيقة الألفاظ الاستعمالية فإن ذلك يدل على الظهور المجازي، أما اذا كان هذا المعنى يشير الى دلالة رمزية فذلك يدل على الظهور الرمزي. لذا لا بد من الأخذ بالإعتبار جميع هذه الأنواع من الظهور، ضمن المعايير المتبعة. فالنسق الذي يتضمن مثل هذه الأنواع للظهور من الفهم يعد راجحاً على غيره من الأنساق، وذلك بمعزل عن بقية المعايير الأخرى التي قد تؤثر وتقلب المسألة من الترجيح الى المرجوحية.
ولا شك أن الظهور المجازي والرمزي يستندان الى علامات ودلالات قد تكون عبارة عن قرائن لفظية منفصلة تخالف ما يبدو من الدلالات اللفظية للنص المقروء، او لاعتبارات القبليات المعرفية، كالضرورات الحسية وما اليها، والتي تجعل من المجاز هو الأمر البادي للظهور. وهذا يعني أن النسق الذي يتضمن المجاز والتأويل دون أن تسنده بعض المعايير الاولية التي سنتحدث عنها يعد نسقاً مرجوحاً في قبال ذلك القائم على قاعدة الظهور اللفظي.
على أن الأخذ بالظهور اللفظي غالباً ما يتحدد بالمجمل الاشاري. وفي هذه الحالة إما أننا نعول على الفهم الاشاري ونجعله قاعدة راسخة دون أن نتعداه الى التفسير، حيث تتعدد في هذا الأخير الإمكانات والاحتمالات، فيكتفى بالمجمل دون المفصل.. أو نتقبل حالات التفسير التي تبدي الظهور اللفظي من غير تكلف، وهي تفعل ذلك وفقاً لمعايير اخرى متحدة مع المعيار اللفظي، أي بمساعدة بعض القبليات، مثل القبليات الحسية وما اليها.
وحول معيار النص هناك قواعد نتخذها في الرفض والقبول والترجيح، اذ لدينا قاعدة التأييد البياني للنسق، وفي قبالها قاعدة الاستبعاد البياني. فمثلاً ان بعث الاجساد، وكذا الخلود في العذاب، كل ذلك يجد تأييداً بيانياً، كما تشير اليه جملة من النصوص القرآنية. وفي القبال نجد مثلاً النسق الذي يعتقد بالمعاد النفساني ونفي بعث الأجساد؛ استبعاداً بيانياً تبعاً لما تشير اليه جملة من تلك النصوص.
كذلك فهناك قاعدة الاثبات البياني للنسق، وفي قبالها قاعدة النفي البياني. فمن حيث البيان ان النسق الذي يرى لأحكام النص مقاصد مصلحية للعباد يجد اثباتاً، ومثله النسق الذي يرى لله في خلقه غرضاً وحكمة، وكون الانسان مكلفاً بعدد من التكاليف والأحكام، وانه محاسب على أفعاله يوم القيامة، وان الله لا يظلم عباده قط، وانه لا يكلفهم ما لا يطيقون... الخ، كلها تجد اثباتاً دون أدنى شك. في حين ان النسق الذي يرى - مثلاً - بأن الثواب والعقاب يجري كلوازم حتمية للأعمال دون علاقة بمثيب ومعاقب خارجي، وكذا النسق القائل بأن الله لا يؤثر على أفعال الناس، كل ذلك يجد نفياً طبقاً للبيان النصي للخطاب.
ويلاحظ ان هذا المعيار للبيان النصي يتداخل مع المعايير الاخرى، كالمنطق والوجدان، وبهذا التداخل يتقرر الاثبات والنفي. بمعنى انه بفضل المعايير الاخرى تترتب النتائج الدالة على الاثبات والنفي، ولولاها لكان من الصعب للنسق ان يتحدد بشيء من الاثبات او النفي، ولكان من الممكن ان يكون للبيان النصي قابلية على التأييد او الاستبعاد فحسب.
وقد يرد في هذا الصدد إشكال، وهو انه اذا كان النص مدار فهم متنازع عليه، فكيف يمكن أن يتخذ معياراً للفهم؟
والجواب هو أننا لا نعتبر النص معياراً دون الاستناد الى غيره من المعايير الدالة عليه، كقاعدة الاستقراء. اذ بفعل هذه الأخيرة تتحدد طبيعة ما يتضمنه النص من مرجعية. فمثلاً لا يمكننا التحقق من المسار العام للنص دون الاعتماد على هذه القاعدة، فمن خلالها نعرف بأن هذا المسار قائم على الفهم العرفي، وليس طبقاً للرمزية والتأويل البعيد. كما من خلالها نعرف بأن ما نستظهره من النص لا يتجاوز في الغالب الحد المجمل، وأن المغامرة في اقتحام التفاصيل غالباً ما ترمينا الى شبكة لا تنتهي من التفاسير والاحتمالات. لذلك كان الأَولى أن نحافظ على المجمل وندع كل ما من شأنه إغراقنا في بحر التيه من تلك التفاصيل. وهو كل ما نريده من النص كمرجعية ومعيار.

2- معيار المعقولية والتعليل
يركز هذا المعيار على فهم النص وتعليله تعليلاً وجدانياً معقولاً، فيترجح على غيره لهذا الاعتبار، سواء كان هذا الغير ضعيف المعقولية او غير معلل بالمرة.
فمثلاً نعلم بأن الصدقة على النبي وأهل بيته حرام، في حين لم تحرّم عليهم سائر الأموال، كالهبة والهدية وتلك التي تكتسب بالحرب وما اليها. وجاء في عدد من الروايات إن الصدقة من أوساخ الناس، كما في صحيح مسلم وغيره . وقد يتبادر الى الذهن لماذا هذا التمييز؟ فالصدقة حرام وهي من أوساخ الناس، في حين لم يرد ذلك بخصوص الأموال الأخرى، كالخمس مثلاً؟ فقد تكون من الأوساخ لكنها ليست من أوساخ الناس.
ومن المعقول – من حيث التحليل - أن علة التحريم المشار اليه تعود الى كون الصدقة من مال الغير التي تفرض على المالك أن يعطيها، سواء رضي بذلك أم لم يرضَ، وهي من هذه الناحية تختلف عن الهبة والهدية. ذلك أنها قابلة لأن تتضمن الكراهة والمنّة، ولو بحسب شعور من يستحقها، وهو ما لا يليق بالنبي وأهله للشأن الذي يحظاه، مثلما لا يليق بأي شأن رفيع كشأن الإمامة والرئاسة، وربما لمثل هذا ورد قوله تعالى: ((قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى)) (الشورى/23)، وكما قال الإمام الشوكاني: لو أن الله أحل الصدقة على آل النبي لأوشك أن يطعن الناس في النبي . في حين أن سائر الأموال الأخرى لا يصدق عليها هذا الوصف. فمثلاً إن الأموال التي مصدرها الجهاد الحربي لا تعد ملكاً للمجاهدين، لأن شرط الجهاد هو ان يكون في سبيل الله دون ضميمة اخرى، او من غير شرط وقيد، وأن الغنائم التي يغنمونها ليست ملكاً لهم، بل جعلت لهم حوافز منها وهي أربعة أخماس الغنيمة، حتى أن بعض اللغويين اعتبر الغنيمة هي ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال، وهي هبة من الله عز وجل للمسلمين . وينطبق هذا الحال على الأموال الأخرى، مثل العثور على كنز وما اليه. وكل ذلك لا يعد ملكاً للأفراد الذين يحوزون عليها، إنما يأتي الملك الأصلي بالكسب العملي، كما يأتي سائر الملك باعتبارات ليست متأصلة مثل الإرث والوصية والهبة وما اليها. وعندما تتحقق مثل هذه الملكية فإنه يحرم التصدق بها على النبي وأهل بيته. أما الخمس وسائر الأموال فهي مما لا يصدق عليها تلك الصورة من الملكية الشخصية.
على ذلك يتصف النسق، الذي يجعل المال المكتسب بالعمل محرماً على النبي وأهله، بأنه معقول ومعلل تعليلاً مقنعاً مقارنة بالنسق الآخر الذي لا يراعي هذه الناحية، بل يتعامل مع القضية تعاملاً تعبدياً، من غير تمييز بين المال المملوك – ومنه المكتسب بالعمل – وبين غيره من الأموال، ويجعل الفارق بين الزكاة وغيرها فارقاً تعبدياً، وهي أن الأولى تتعين وتجب حصراً عند وجود واحد او أكثر من الأصناف التسعة، أي الذهب والفضة والابل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب. فمثلاً اعتبرت سائر الأموال الآتية بالأعمال المكتسبة هي مما يفرض عليها الخمس لا الزكاة، وبالتالي يجوز للنبي وأهله الأخذ منها، رغم أنها أموال شخصية تكون عرضة للكراهة والمنّة بحسب تحليلنا السابق، وانه طبقاً لهذه التعبدية أصبحت قيمة الشيء الواحد تؤخذ بعنوانين مختلفين، تارة بعنوان الزكاة واخرى بعنوان الخمس، رغم بقاء القيمة كما هي. فقديماً كانت العملة المستخدمة في البيع والشراء وسائر التداولات التجارية هي الذهب والفضة، في حين أصبح التداول في العصر الحديث قائماً على الأوراق النقدية وما شاكلها. ومع أن قيمة الشيء لا تتغير، سواء كان التداول بالذهب والفضة او بالأوراق النقدية وما شاكلها، الا أن طائفة من الفقهاء ميزوا بين الأمرين، ففرضوا على العملة القديمة حكم الزكاة، وعلى الحديثة حكم الخمس، وهو أمر غير معقول، لأن الشيء هو هو من حيث القيمة. فطبقاً للمقاصد لا يمكن الوقوف عند حرفية النص حول ما ورد بشأن الزكاة في النقدين من الذهب والفضة، كالذي عليه فقه الإمامية. فقد تحوّل النقد في العصر الحديث الى عملات ورقية، والوقوف عند حرفية النص يمنع جريان الزكاة عليها. الامر الذي يفضي الى خلاف ما قصد اليه الشارع من وضع الزكاة على المال المتداول، حيث لا يعقل انه جعلها بخصوص الذهب والفضة بما هما كذلك، والا لكانت الزكاة لا تنحصر بالنقدين منهما، بل لشملت سائر مواردهما مما لا يعد من النقد . هكذا يتحدد الملاك بالمالية المتداولة او النقد، وبغير ذلك سنقع في تعبدية غير مفهومة ولا معقولة، في حين أنها تجري في قضية يُفترض ان يكون لها معنى محصل بشهادة الواقع .
ولسنا هنا بصدد سائر الدلالات التي تؤكد على ارتباط الخمس بالغنائم الحربية وما شاكلها من العثور على الأشياء التي لا يعرف مالكها، سيما وأن ما ورد حول الخمس آية واحدة فقط ، وقد جاءت بصدد غنائم الحرب، ولم يُعرف للخمس جباة وعاملون بخلاف الزكاة التي ورد حولها الكثير من الآيات، كما لم يُعرف للناس من العمال والتجار والمزارعين تساؤلات حولها، اذ لو كان العمل بها جارياً لبان لكثرة السؤال وعموم البلوى، وهو ما لم يصلنا خلافاً للزكاة؛ كالذي اعترف به بعض الفقهاء المعاصرين ، وأن حروب الردة ظهرت تحت مبرر منع دفع الزكاة، ولم يرد ذكر الخمس ضمن هذا المبرر. وقد جاء في لسان العرب أنه تكرر في الحديث ذكر الغنيمة والمَغنم والغنائم، وهو ما أُصيب من أَموال أهل الحرب وأَوجَف عليه المسلمون الخيل والركاب. كما جاء فيه قول الأزهري في معنى الغنيمة، وهو ما أَوجَف عليه المسلمون بخيلهم وركابهم من أَموال المشركين، ويجب الخمس لمن قَسَمه الله له . وعُرّف الغنم بأنه الفوز بالشيء من غير مشقة ، او هو الفوز بالشيء من غير ترقب، وهو بذلك يختلف عن الكسب الناتج عن العمل.
ويمكن أن يستند الى هذه القاعدة ما بحثه علماء اصول الفقه حول علل الأحكام، وإن كان بعضها يعود الى غلبة الجانب المنطقي، مثل الطرد، وهو اطراد ثبوت الحكم مع وصف يفهم منه انه العلة في الحكم، ومثل الدوران، وهو دوران الحكم مع وصف وجوداً وعدماً، فيعلم انه العلة . لكن هناك قواعد اخرى، قد تتغلب فيها عوامل غير الجانب المنطقي، وربما يتداخل هذا العامل معها. لكن ميزتها أنها تشكل قواعد معقولة يغلب عليها الطابع الوجداني المعقول. ومن ذلك تخريج المناط وتنقيحه والسبر والتقسيم. فمثلاً إن تعليل تحريم الخمر استناداً الى خاصية السكر فيه يترجح على التعليل المستند الى سائر الخاصيات الاخرى، كلونه وطعمه وما الى ذلك، وهو ما يُعرف لدى الاصوليين بتخريج المناط.


3ـ معيار الوجدان الفطري
هناك نوعان من الوجدان، أحدهما شخصي والآخر فطري عام. ويتعلق الأول بالفرد كشخص، اذ يتأثر بالأحوال النفسية والظروف الخارجية وأنماط الثقافة؛ ومنها الثقافة الدينية، ويدخل ضمن هذا النوع حالات العرفان والحدوس الشخصية وما اليها.
اما الوجدان الفطري فيتعلق بعقل الانسان ونفسه من حيث انه انسان، اذ يعمل على تجريد القضايا ويحكم عليها احكامه القبلية بغض النظر عن الظروف والاحوال الشخصية. وبذلك تصبح الرؤية العقلية في هذا الوجدان لا علاقة لها بظروف الشخص واحواله. بل تترجح القضايا وتثبت او تستبعد وتنفى تبعاً لهذه الرؤية العامة.
ومع انه قد يكون من الصعب احياناً فصل الجانب الشخصي عن الجانب الفطري للوجدان، لكن في قضايا كثيرة يمكن النظر اليها بمنظارين مختلفين؛ تبعاً لتمايز الوجدانين عن بعضهما. فقد تختلف النتيجة المترتبة عنهما في القضية الواحدة. فتبعاً للوجدان الفطري تكون السرقة – مثلاً - قبيحة، مع أنها بحسب الوجدان الشخصي ليست كذلك دائماً. ففي بعض المجتمعات والاعراف قد تعبّر السرقة عن الشجاعة والرجولة. وهي رؤية متأثرة بالظروف والاحوال الخاصة، خلافاً لرؤية الوجدان الفطري الذي يجرّد القضية عن كافة ملابسات الأحوال والظروف الشخصية، ويكون الحكم فيها حكماً عقلياً؛ فيتقرر إن كانت السرقة قبيحة او حسنة او غير ذلك من الأحكام والتصورات.
وبحسب ما نحن عليه من بحث فانه لا اعتبار للوجدان الشخصي، فهو متقلب ومتأثر بالظروف، كما انه يختلف باختلاف الاشخاص وأحوالهم، وبالتالي لا قيمة له ما لم يدعم بالدليل. ومهما كان له فائدة او حجة معرفية فإنها لا تتجاوز الحد الشخصي للفرد، وهي ليست بشيء اذا ما كانت معارضة برؤية وجدانية اخرى يدّعيها الغير. فمثلاً لا يخلو الذوق العرفاني لدى الصوفية من التأثر أحياناً بالأحوال الشخصية والمذهبية، مما يفسر جملة من تعارضاتهم الكشفية، كتلك الحاصلة بين محي الدين بن عربي وحيدر الآملي حول الولايتين العامة والخاصة، على ما جاء بحثه في (مدخل الى فهم الاسلام) .
اذاً تنحصر الأهمية بالوجدان الفطري، وميزته هو انه يقوم باصدار احكام قبلية لا تستمد من الموضوع الخارجي، سواء كان هذا الموضوع عبارة عن نص او واقع. والقاعدة العامة لهذا المعيار تنص بأنه كلما كان فهم الخطاب متسقاً مع الوجدان الفطري؛ كلما كان أشد قبولاً وموافقة. مع أخذ اعتبار تراوح درجات الظن والميل المعرفي لدى هذا الوجدان، وقد تصل الى الإحساس بالقطع أحياناً. فمن القضايا الوجدانية الإقرار بعدم تكليف ما لا يطاق، وبالعدالة في الحساب، وبعصمة الأنبياء ...الخ. والملاحظ في القضية الأخيرة إنه كلما اتخذ الإقرار المعرفي بالعصمة صورة شمولية مطلقة؛ كلما قلّ وضعف الإحساس الوجداني بها، مقارنة مع الأشكال المحدودة لها. وهو أمر منطقي، فالحكم على الجزء ضمن الكل أكثر دقة من الحكم على الكل. وقد نحكم على الجزء بالقطع واليقين لاعتبارات معينة؛ كالتجربة والاختبار، لكن ذلك لا يخولنا بالضرورة ان نحكم على الكل بنفس الحكم السابق، اذ لو كانت بقية اجزاء الكل غير مختبرة - مثلاً - فإن من الصعب تعميم الحكم عليها. او ان الحكم على الكل سيكون أقلّ قوة وأضعف درجة من الحكم على الجزء. مع هذا فيمكن القول ان الحكم على العصمة المطلقة او الشاملة رغم انها اضعف درجة من الحكم على العصمة المحدودة، الا انها من الامور المظنونة الحدس وجداناً. فمن الناحية القبلية يميل الانسان الى الاعتقاد بالعصمة التامة للرسل المبعثين من قبل الله تعالى، بل ويميل الى أن يكونوا من غير البشر، كالملائكة وما اليهم، لكن هذا الميل لا يصل الى درجة القطع واليقين.
ومثل ذلك الميل الوجداني للوصية على الخلافة بعد النبي (ص)، فمن الناحية القبلية من المتوقع للوجدان ترجيح أن يكون النبي وصى على غيره للخلافة من بعده. لكن هذا التوقع لا يصمد قبال الدراية بأن معظم القرائن المتعلقة بهذه القضية تدل بما لا شك فيه على العدم . وبالتالي فالقاعدة العامة هي أن الدراية تترجح على التوقعات القبلية الوجدانية، مثلما تترجح الدراية على الرواية .
وعموماً، يتضمن المعيار السابق القواعد الاربع الآنفة الذكر، فقد يتخذ قاعدة التأييد ليطبقها على النسق او النظرية، بغض النظر عن اي اعتبار اخر، مثل تأييد الوجدان للعصمة الشاملة. وفي القبال قد يطبق قاعدة الاستبعاد على مضمون النسق، ومن ذلك استبعاده للعذاب الجسمي في الآخرة.
كما قد يتخذ المعيار المشار اليه قاعدة الاثبات الوجداني، وهو ان يكون الوجدان العقلي مثبتاً لما عليه النسق او النظرية، مثل القول بأن الله لا يختار الكاذبين والأشرار رسلاً مبلغين عنه، كحد ادنى. ويندرج ضمن هذه القاعدة ما يتعلق بالفهم المقصدي للدين قبال الفهم التعبدي. حيث يميل الوجدان الى أن للأحكام مقاصد واغراضاً من اجلها تتصحح عملية التشريع. وكذا يمكن ان يتخذ هذا المعيار قاعدة النفي الوجداني، وهو ان يكون الوجدان العقلي نافياً لما عليه النسق او النظرية، كنفيه لتكليف ما لا يطاق، باعتباره غير معقول، ونفيه للنسق الاشعري حول حسن الافعال الالهية حتى لو كانت معارضة للقيم العقلية من الحسن والقبح؛ كإن يعذب الله الأطفال والمؤمنين الاخيار بالنار، وينعم الكافرين الأشرار بالجنة، بلا حكمة ولا غرض.

تابع..



#يحيى_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فهم النص ومعايير التحقيق (1)
- نظرية الاحتمال ووجهة النظر الجديدة (5)
- نظرية الاحتمال ووجهة النظر الجديدة (4)
- نظرية الاحتمال ووجهة النظر الجديدة (3)
- نظرية الاحتمال ووجهة النظر الجديدة (2)
- نظرية الاحتمال ووجهة النظر الجديدة (1)
- موقف الفلاسفة التقليديين من فهم النص
- نظرية المقاصد ونقدها
- موقف الخطاب الديني من غير المسلمين
- عقل: عربي أم إسلامي؟
- الخطاب الديني والتفكير الوقائعي
- التراث المعياري وصراع الأصول المولّدة
- الاصول المولدة في علم الكلام
- كيف نقرأ التراث؟
- أربعة مواقف للفلاسفة والعرفاء من النص الديني
- بين الفهم المجمل والمفصل للدين
- ديفيد هيوم ومشكلة الاستقراء
- الوضعية المنطقية وقضايا المعرفة
- إشكالية تغيير الأحكام الشرعية
- التشريع الديني وتغايراته


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يحيى محمد - فهم النص ومعايير التحقيق (2)