أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - المدن في غيها














المزيد.....

المدن في غيها


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3107 - 2010 / 8 / 27 - 03:15
المحور: الادب والفن
    


المُدُنُ في غِيِّها

لم أرَ سيِّدَةً خارجَ سياقِ المكانْ، كلهنَّ يعبثنَ بالنارِ الخارجةِ توّاً من سيفينِ مُقاتِلَينْ، يحمِلنَ العصافيرَ في جيوبِهِنَّ ليغيّرنَ وجهَ المدينةِ صباحاً، أما الأرصِفةُ ـ في تواطؤٍ لا يُرى ـ تكملُ الأغنياتِ التي سقطَتْ من علبةِ المساءِ كثمرةٍ ناضجةٍ في حقلٍ لا ينتهي ولا يبدأُ.

في آخرِ البحرِ من جهةِ القلبِ، تنامُ على طريقةِ الأميراتِ، تخبئُ عشّاقاً كثيرين في طريقٍ محفوفٍ بالشجرْ، لها لغةٌ لا تنامُ حينَ تنامُ، جهاتُها خيولُها وصدرُها بيتُها، تغارُ من ذكرياتِ المدنِ وتسحبُ من أوزِ البحيرةِ ذاكرةً لتعمّرَ بها آلاتِها المسكونةَ بعَرَقِ الموسيقى.

كأنني تركتُ قلبي معبّأً في علبةِ الحلم على طرفِ فستانٍ أبيضَ موشى بالأزرقِ في صباحٍ يحملُ الوداعَ على صينيةٍ من صمتْ، ويتردّدُ البكاءُ في البكاءِ ليلملمَ الخَرَسُ بقيّةَ الفواصلِ ويسكبُ أنهاراً من الرحيلٍ في أوديةٍ من رقّةٍ ما زالتْ تغازلُ شبّاكَ الطائرة.

ترتدي نجمةً صافيةً وتسبحُ في نورٍ لا ينتهي، وعلى مهلٍ تخفي نساءها في ظلِّها القصير، يمرُّ في جيوبِها رجلٌ لم يعرف اسمها من قبلُ، يصبُّ زيتَ قلبِهِ في طرقاتِها، يقطعُها على قدمٍ واحدةٍ ليكتشفَ أنَّ شوارعَها تؤدي إلى جفنيهِ وأنَّ أشجارَها صورتَهُ في الماءِ، وأنَّ غيابَهُ وحضوره لم يغيّرا نوارسَ المدينةِ البيضاء في الأماسي البيضاء.

تنحتُ المدينةُ ظلَّهُ على الظلِّ، وتودّعُهُ حمائمُ ودوريّاتٍ شمّتْ رائحةَ الغربةِ في معطفِهِ، فتوسّلَتْ إلى يديهِ أن يخبئَ أجنحتَها في ذاكرتِهِ، أتمَّ عامَهُ الأخير في فتنةِ الزوارقِ الذاهبةِ دائماً إلى مجهولٍ كثيفِ الحضورِ، لكنّهُ لم ينسَ لحظةً أن نساءَ المدينةِ حينََ غِبنَ عن فارقٍ صغيرٍ بين عالمين، لم يقُلنَ أبَداً، ولم يعرفنَ أبداً، كيفَ أكلَ الليلُ صوتَهُ وآلةَ عشقِهِ، ليتعوَّدَ على نومِ المدينةِ... فينامْ.

وحيداً
يخلو المقعدُ المقابلُ من فكرةٍ أو أساورَ من كلامِ الريحِ، تتساقطُ المدنُ في ذاكرتي كحبِّ فستُقٍ في كيسٍ مزَّقتْهُ ذكرى عابرةْ.

ينبتُ الرحيلُ بينَ عينيه فجأةً كمخلبٍ خرافيٍّ يساومُ الوقتَ والوحدةَ والفراغَ كي يعطيْ المكانَ شاعريَّتَهُ الحزينةَ، وتجلسُ في قلبه عصافيرُ الحنينِ تملأُها الناياتُ والكلماتُ التي لا يمكنُ قولُها، والحمائمُ تهدي هديلَها مزوّقاً لعابرٍ أحسَّ فجأةً أنَّه لم يربحْ روحَ المكانِ ولم تعترِف بِهِ الزوايا المعتمة في الحدائقِ المرشوشةِ في الطرقات، لم يعد للكلماتِ أظافر لتخربشَ ظَهرَ المسافرِ وتخبِرُهُ بما لم يعرفه طواعيةً: أنت ابنُ الطرقاتِ البعيدةِ، وسائحٌ لا ينتمي حتى حين يعشقُ الأمكنة... يفركُهُ الحزنُ ويلوي روحَهُ المكان، وحين يخبرُ امرأةً أنه يحبُّها، ينبعُ الدمعُ من شفتيه متشبِّهاً بالكلامْ، يعرفُ حينَها أن الأمنياتِ ليستْ خارطةً وأنَّ العاشقَ أكبرُ من مضامين الكلام.

11 آب 2010



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمس أغنيات للخريف السادس
- كأنّكِ هنا
- كأنك هنا
- ومضى وحيداً
- قلتُ... أقولُ
- ما سيأتي لم يأت بعد
- أما كرمي فلم أنطره
- هل قلت إني لا أحب القدس؟
- حقل موسيقى
- فجر أزرق حزين
- كيف تحتمل روحك كل هذا الجمال
- الشق
- اعتذارات
- أو هكذا قالت الغيمات
- أعتقتها فمت مرتين
- بنتٌ في كتابِ الرّملْ
- هل تريدون معرفة ما حدث في غزة؟
- أبحث عن المدينة التي أعرفها
- وجوه أليفة
- معلمة الكمنجة


المزيد.....




- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - المدن في غيها