أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خالص عزمي - من فيض مشاعري















المزيد.....

من فيض مشاعري


خالص عزمي

الحوار المتمدن-العدد: 3096 - 2010 / 8 / 16 - 08:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



ألاعظمية .. وذاك قرص الشمس يتحاور معها مودعا والصبية الذين ما زالوا يمرحون في ازقتها يلوحون لها وهي ترسل حرير خيوطها الذهبية ردا على تحيتهم
لقد تعود اطفال راس الحواش ؛ والسفينة ؛ والحارة ؛وراغبة خاتون ؛ والنصة ؛ والشيوخ .........
ان يحتفلوا باللعب ؛ والتقافز ؛ والصراخ احيانا ؛ بينما سماعات جامع ابي حنيفة النعمان تنقل حفل المولود النبوي الى ابناء الاعظمية وظيوفهم . اما العوائل القريبة من ساحل دجلة فقد اتخذت اماكنها على كورتيشها الهاديءمن زاوية الجسر الخشبي القديم في محلة السفينة حتى نادي النداء الاجتماعي الذي لايبعد كثيرا عن المقبرة الملكية . بينما تتولى عوائل البيوت القائمة على ذلك الكتف الأنيس من تلك المحلة ؛ بتقديم ما يتناسب وكرم الظيافة الى ذلك الحشد من الاسر الزائرة التي تنصت بخشوع الى المنشدين وهم يصعدون اصواتهم عاليا باشعار تمجد وتشيد بهذه السيرة العطرة . اما الطقس فرقيق المطلع ؛ ونث الشواطيء يزيده عذوبة وميسرة في الجلوس لساعات متأخرة ؛ ذلك ان الامان والأطمئنان وصيغة اللقاء وما به من حميمية تضفي كلها على الحاضرين حالة من الرغبة الملحة بالتواصل مع تلك السويعات السخية بالود والهناءة .

في الاماسي القمرية الصيفية : تنطلق عادة زوارق الشباب بألوانها الزاهية من جسر الاعظمية حتى جسر الصرافية وبالعكس وعلى جنبات أكثرها هواة العزف وقراءة المقامات المناسبة : كالاوشار ؛ والبهيرزاوي ؛ والجمال ؛ والخنبات ؛ واللامي الخ في حين تكون ضفاف دجلة عامرة بالجراديغ التي تحتشد عندها موائد عشاق السهر والطرب والحوارات الأنيسة ؛ من الذين يتلقفون ما يجود به مغنو تلك الزوارق من فصيح الشعر و بعض الزهيريات : ليرددوا بعد تسليم المقام ما تنطلق به حناجرهم من بستات تتلائم وتلك المقامات مثل ( يازارع البزرنكوش ؛ وعسنك ؛ وعلى شواطي دجلة مر ؛ وغنية يا غنية ؛ ويانبعة الريحان ؛وخيه لوصي المار ؛ والليلة حلوه وجميله ... وغيرها )

لقد كانت الاعظمية موئلا لمختلف طوائف العراق وملله ونحله ؛ وقد سكنها عدد كبير من اعاظم الشخصيات البارزة آنذاك في الطب والادب والفن والهندسة والقانون والعلوم والوعظ و أقطاب السياسة ( رؤساء وزراء ؛ ووزراء ؛ وسفراء ؛ وقادة احزاب ومحافظون وقضاة وغيرهم ) ؛ بالاضافة الىانها كانت مصيفا يعتد به لكثير من العوائل التي لم يكن يطيب لها السفر الى مسافات بعيدة بغية الاصطياف ؛ لهذا كنت تجد في تلك الفترة الزمنية مقاهيها ونواديها تجمعا لعدد وفير من فئات النــــــــاس ( وعلى مختلف الاهواء والمشارب ) حيث تلتقي كلها في جو من المحبة وصفاء الروح . اما المجالس فقد كانت هي الاخرى ملتقى كبار رجال الفكر والادب والشعر والفن والقانون ... الخ حيث تتلاقح بها الافكار وتنشد القصائد ؛ وتلقى المحاضرات وتتواصل المناقلة في الحوارت الهادئة وغيرها ؛ وعلى ذات المستوى ايضا كانت تقام معارض الفن التشكيلي لتتدفق بالوانها أو تزهو بمنحوتاتها وخزفها في اركان عدة من هذه المدينة الخلابة .كما كان للمسرح في بعض قاعات المدارس والمعاهد والنوادي الاجتماعية حضور واضح وتأثير مباشر على رواده الكثر

ومع ان اسواق الاعظمية على تلك الايام ؛ كانت بسيطة في مظهرها الا انها في ذات الوقت ؛ كانت غنية بموادها التي تعطي صورة حقيقية عن خيرها العميم ورخص اسعارها ؛ لذا فقد كنت ترى المتبضعين وهم يمثلون مختلف سكان المحلات وكأنهم في كرنفال عفوي لاتقف أمام تواصل عطائه اية عوائق او موانع ؛ لقد كانت تلك اللقاءات قريبة جدا من صورة واقعية لتجمع اسري واحد

في الصباح الباكر ايضا ؛ ترى افواج التلاميذ والطلبة وهي تتوجه الى مدارسها او كلياتها او معاهدها ؛ ولم اشاهد طيلة مكوثي هناك ان اما راحت توصل طفلها الى مدرسته خوفا عليه مما قد يتربص به ؛ ذلك لان مثل هذا الخوف لم يكن له اساس اصلا ؛وعليه فقد كان اعتماد الاطفال على أنفسهم مغروسا في طباعهم ؛ ولم يكن ذلك الاعتماد المباشر على النفس عفويا بل كان نتيجة للشعور بالامان والاطمئنان

اما حديقة النعمان فمع كونها صغيرة بمساحتها ؛ الا انها كانت متنزها عامرا تملأ حواشيه واركانه العوائل عصرا مع كل متطلبات النزهة والترفيه الاجتماعي ؛كما كانت السينما الوحيدة المجاورة لها هي الاخرى موضع اقبال جمهرة من الناس على عروضها المتواصلة . اما النادي الاولمبي في ساحة عنتر والذي اشتهر بأبهته واناقته وهيبته ؛ فقد كان موقعا متميزا من المواقع الرياضية والاجتماعية والترفيهيه ؛و قد كان لاعضائه دور هام في تفعيل الحركة الرياضية والثقافية والاجتماعية لا على مستوى مدينة الاعظمية وحسب بل على مستوى القطر بعامة .

لقد سقت تلك النبذة المتواضعة المشرقة ـــ وهي غيض من فيض ـــ لانتقل منها الى عرض لقطات سيئة سجلتها عدسة الوقائع اليومية لما حل بالاعظمية ؛ تلك الزهرة اليانعة العطرة ؛ من لحظة نزول قوات الاحتلال الغاشم على تربة الوطن الغالي مرورا بمآسي السنوات السبع العجاف وحتى يومنا هذا :

* جدران عازلة وفاصلة للمحلات والازقة والبيوت ؛ بطول خمس كيلو مترات وارتفاع ثلاث امتار ونصف المتر على الاقل .
*اهمال كامل للمدينة ؛ حيث ترى الازبال والنفايات مكدسة بشكل مقزز في الازقة والطرق العامة .
* انقطاع كبير في التيار الكهربائي ؛ وتوقف المولدات الخاصة عن التغذية لنفاد الوقود .
* انقطاع ماء الشرب عن البيوت لايام كثيرة دون اية معالجة فورية لذلك
*منع التجوال اولا ؛ ومن ثم مداهمات واعتقالات عشوائية تطال الاسر كافة صباح ومساء
* أعمال عنف مبرمجة و مدمرة تستهدف البيوت والمحلات ودور العبادة في مختلف بقاع الاعظمية .
*تعمد احداث نقص كبير في الاغذية والادوية وفرض حصار يومي خانق بطرق واساليب مختلفة .
* صعوبة التنقل من والى الاعظمية ؛ لانقطاع المواصلات وتوقف وسائط النقل
* انهيار تام لاقسام الطواريء في المستشفيات والمراكز الصحية في الاعظمية والتوقف عن قبول الحالات المرضية العاجلة ؛ مما اضطر العيادات الخاصة كافة لاستقبال المراجعات الطارئة كخدمة انسانية لتلافي تلك الازمة الحادة .

ان كل حرف في هذه الكلمة ينزف ألما مدمى من فرط ما اصاب مشاعري من احباط غمره الحزن على ما حل بتلك المدينة الوديعة النبيلة المتسامحة من أذى وحشي مدمر؛ ولقد سبق لي ان أتيت على وصف لجزيئات من شروره في مقالين سابقين نشرا لي على نطاق واسع (+) .

ان الاعظمية التي عرفت بشكيمتها وعلو مكانتهاعلى المستويين التأريخي والمعاصر ؛ سوف تنفض ــ لاشك ــ عنها غبار الظلم الهمجي الذي اصابها ؛ وستعانق شمس الحرية ثانية ؛ كما فعلت في كل ادوار مسيرتها الشجاعة ا الشماء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(+ ) شارع عمر بن عبد العزيز ـ نشر بتاريخ 24/4 / 2006 ؛ ومحلة السفينة والاجتياح الاخيرنشر بتاريخ 17 /5 / 2006



#خالص_عزمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آثارنا التي تدمر وتنهب يوميا
- 14 تموز ونزاهة الزعيم عبد الكريم قاسم
- تقديم ديوان احلام الورد
- موجز لما نشرت عام 2009 ( 3 )
- موجز لما نشرت عام 2009 (2 )
- موجز لما نشرت عام 2009 (1)
- المهجرون وقانون الانتخاب
- أهمية الوثائق في صفحة تأريخية من التشريع العراقي ( 3 )
- أهمية الوثائق في صفحة تأريخية من التشريع العراقي ( 2 )
- أهمية الوثائق في صفحة تأريخية من التشريع العراقي (1) *
- في الفن التشكيلي / بين نوري مصطفى بهجت وخالص عزمي
- نوح القمرية من على نخلة الصالحية
- الاعدادية المركزية ( الشرقية ) في الموصل
- المتوازن
- السينما العراقية وسبل تطويرها في الذكرى الستين لبدء انتاجها
- يا لعناء الممثل
- كيف أنسى الطيب صالح
- ليس الحل في تمثيل المرأة نسبيا
- غزة ليست بنت اليوم
- موجز لما نشرت عام 2008 (4)


المزيد.....




- Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
- خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت ...
- رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد ...
- مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
- عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة ...
- وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب ...
- مخاطر تقلبات الضغط الجوي
- -حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف ...
- محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته ...
- -شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خالص عزمي - من فيض مشاعري