|
المنفى والحنين في شعر المنفى العراقي
مهدي الحسناوي
الحوار المتمدن-العدد: 3096 - 2010 / 8 / 16 - 01:01
المحور:
الادب والفن
الشعر هو الفن الأول في المنظومة الثقافية والأدبية العربية تاريخا، وربما الى الربع الأول من هذا القرن ،وقد اعتبره بعضهم ذات يوم امتياز العرب الأدبي وفخرهم الثقافي ، حتى إن النقلة والمترجمين العرب في العصر العباسي لم يترجموا شعر اليونان والفرس مع ما ترجموا من فلسفة وآداب هذه الشعوب،وذلك لاعتقادهم بعدم إمكانية وجود شعر أخر يضاهي أو يماثل الشعر العربي. أذن الشعر قديم في الثقافة العربية ،مثلما هو مستمر اذ عايش العرب هذا الجنس الأدبي وألفوه، وربما انه محايث للعرب وجوداً وزماناً ، انه موجود معهم وفيهم ،مثلما هو دلالة عليهم وعلى ثقافتهم ،فلقد كانوا يحتفلون لدى نبوغ شاعر في القبيلة ،لا بل علقوا قصائدهم المفضلة وهي عيون الشعر العربي في بيت المقدس ،والكعبة بعد ما كتبوها بماء الذهب . وبعد هذه المقدمة نتناول في هذه الفصل مفردة المنفى من منظور إبداعي متألق في شعر المنفى أو شعر المهجر العراقي والجدير ذكره إن الفترة ما قبل عام 2003 أدت الى هجرت معظم رموز الثقافة العراقية صوب المنفى والبلدان المجاورة ،فالعقود الثلاثة (السبعينات،الثمانينات،التسعينات) من القرن الماضي شهدت هجرة واسعة لأقلام وأصوات أدبية عراقية معروفة في الوسط الثقافي العراقي والعربي . إن ابتعاد الشاعر العراقي عن وطنه كان له التأثير المباشر على إحساسه المرهف ،مما طغت لغة شعرية جديدة على كتابة وقصائده ،فالمنفى والحنين وكذالك البكائية الحادة هما ثلاثية الحزن العراقي والتي نراها بارزة على عموم شعر المنفى العراقي كما في هذا المقطع للشاعر بدر شاكر السياب .
بين القرى المتهيبات خطاي والمدن الغريبة غنية تربتك الحبيبة فانا المسيح يجر في المنفى صليبه
وفي هذا الفصل اخترنا كلمة المنفى والحنين من هذه الثلاثية ،لما لهذه المفردات من اثر على قصائد شعر المنفى ،فهذا الشاعر الكبير محمد مهدي ألجواهري نراه كيف يتغنى بأنهار وبساتين وادي الرافدين إذ يقول...
حييت سفحك عن بعد فحييني يا دجلة الخير يا أم البساتين حييت سفحك ضمانا ألوذ به لوذ الحمائم بين الماء والطين
إن المنفى لم يزعزع عزيمة الشاعر العراقي ،بل زاده تألقا وإبداعا مما كشف عن طاقات موهوبة منتمية الى جيلين ،الأصيل التراثي ،والمعاصر الحداثة كما وبقي الشعراء الرواد راعين لمشاريع وجوائز شعرية حملت أسماءهم تشجيعا واحتفاء بالشعراء الشباب ، ومن بين هذه الجوائز جائزة الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي الذي سئم المنفى و الترحال القسري حتى غيبه الموت وهو يكتب القصيدة ،إذ يقول في قصيدة (الطريد)
علمت – إني هارب طريد في غابة في وطن بعيد تتبعني الذئاب عبر البراري السود والهضاب حلمت – والفراق يا حبيبتي عذاب – إني بلا وطن أموت في مدينة مجهولة أموت يا حبيبتي وحدي بلا وطن إن حيرة الشاعر العراقي المنفي إمام ماض مكتمل وحاضر في طور التشكيل أفرزت حيرة مقابلة أسلوبه الشعري أيضا ،إذ ينفلت من مدار القصيدة الكلاسيكية داخل فضاء قصيدة النثر،ثم يعود سريعا الى قصيدة الوزن و القافية والشعر العراقي في المنفى استطاع ان يؤسس لمنظومة أدبية و مدرسة شعرية خاصة، فهذا الشاعر المعروف سعدي يوسف يقول في قصيدة (تفاؤل)
لمن سوف نترك تلك البلاد ومن قال إنا سنتركها... سوف نأتي إليها ،لنأتي إليها لنسحبها من ضفائرها قبل إن تختفي بدم البئر أو قبل إن تختفي في سرها البلاد التي أوجعتنا طويلا7..
لعل هجرة الشعراء العراقيين خلال فترة الثلاثة عقود الماضية لم تكن مألوفة في التاريخ العراقي وإنما كانت حالة غريبة واستثنائية وربما هي امتداد لشعب عرف الهجرة وأدرك مرارتها عبر الصحارى والوديان ، فهذا الشاعر الدكتور مصطفى جمال الدين يصور هذا الشيء في قصيدته الشهيرة (يقظان)
نبؤني يا من ب(رفحاء)بانوا كيف يغفوا بليلها اليقظان كيف هزت عواصف الرمل مهدا ضجرت من بكائه الأوطان ضاق فيه حضن الفراتين ذرعا فتلقفته هذه الكثبان فرشت جمرها مهج البيد ،وجاءت بشوكها السعدان وتولته بالرضاعة أثداء السواقي وهدهدته الرعان ثم غطاه من لظى القيظ لفح أريحي يغار منه الحنان
بينما نرى الشاعر الساخر احمد مطر يصور المنفى بلغة تهكمية لاذعة في لافتاته الشعرية فهذا الشاعر نراه دائما ينتقد الأوضاع والقضايا التي عصفت بوطنه من حروب كارثية الى موت بالمجان فيقول في لافتاته الشعرية مصورا المنفى بلغة مغايرة... حدثني القمر اخبرني بكل خوف وحذر اخبرني بأنني مسافر بلا حقائب ولا جواز للسفر
ثمة ملاحظة هامة على شعر المنفى العراقي فهو تراه لا يتقيد بالكشف عن إسرار البلاد وما حل بها من ظلم وجور والشاعر مهمته هي حمل رسالة الأمة وهموم الشعب والغور في تفاصيل الجرح العراقي وهذا الشاعر المعروف مظفر النواب يثير هذا الشيء دائما في قصائده ونصوصه الشعرية والنثرية ،إذ يقول في قصيدة (قراءة في دفتر المطر)
وأيقظني ريح الشباك على وطني يا وطني وكأنك في غربة وكأنك تبحث في قلبي عن وطن أنت لياويك نحن الاثنان بلا وطن يا وطني كالبارحة اشتقت ومرت في قلبي طرقات مدينتنا تبكي الدمع على أرصفتنا تبكي ومدينة أيامي باعوها في الساحة تبكي يا امرأة الليل إنا رجل باعوا في الليل باعو مدينة أيامي باعوني ككتاب يطبع ثانية باعوا أحلامي ومن يتصفح الشعر العراقي الذي طبع في المنفى يرى حالة الشجن هي التي تؤطر مفهوم القصائد ومعانيها والشاعر هو الكائن الأكثر إحساسا ورهافة ، وهو الذي يمتلك القدرة الفائقة في تصوير الأشياء بلغة خيالية موسيقية رائعة ، والشاعر العراقي أبدع في تصوير ماساته عبر قصائده المنشورة هنا وهناك فهذا فوزي كريم يصور المنفى بلغة الشوق والحنين..
يكفينا شوقا عراقيين أضاعوا الشوق ولم يصلوا وأقول هنا في منحدرك أعلنت صباي وسأعلن فيه نفاذ الصبر،نفاذ الصبر على إثرك سأعود إليك فانشب اضفاري في إحزانك واحني الكف بأطيانك وأقول هنا تسكرني قهوتك المرة يسكرني الأمل ولو مرة ربما يحار المرء كيف تصور التراجيديا العراقية المعاصرة ولكن الشاعر العراقي في المنفى جعل من نتاجه الشعري صورة للواقع اليومي المعاش ،وهذه الصورة هي المرآة الحقيقية التي نطل من خلالها على الجرح العراقي والمنفى بالنسبة للشاعر هو الرئة والمتنفس للحرية والكرامة ورسم الصورة الواقعية للوطن بكل تجلياتها وإبعادها المختلفة ،فهذا الشاعر سركون بولص يصور المنفى من منظور أخر ،اذ يقول في قصيدة (ملاحظات الى السند باد من شيخ البحر)...
هل تعبت إذا ونحن لم نكد نبدأ المسير انس البحر،لا تفكر بالمراكب ،قل لا وداعا للتجارة أنا أخر رحلاتك وكانت أنا أولاها كل الطريق سرت عليها عبدها من أجلك بيدي ؟ كل سبيل أوصلك إلي وها أنت ذا تشكو ثقيل على كتفيك يا سندباد
لعل الحروب ومخلفاتها الكارثية تركت بصماتها وأثارها الواضحة على الشعر العراقي المهجري ،فالشاعر العراقي في المنفى استطاع ان يكون لسان حال شعبه ووطنه ،فهذا الشاعر عبد الرزاق الربيعي يتناول المنفى برؤى إبداعية ولغة شعرية بعيدة عن الرمزية اذ يقول في قصيدة (رعود)..
ماذا ستفعل بعد هرست أيامك في حربين ضروسين وجبت مدنا ودروبا عجاف وسوده العديد من الأورام و...و... شهدت موت ملك
لقد أصبح الشاعر العراقي في المنفى سندباد زمانه يجوب العالم من أقصاه الى أقصاه وما من بلد في العالم اليوم إلا وتسمع فيه صدى لشاعر عراقي وكان هذا الكائن سفيرا للثقافة والشعر العراقي المعاصر كما استطاع إن يكون بمثابة النهر ألفراتي الشعري الثالث الذي لا ينضب أو يجف رغم عطش المنفى ،وهذا الشاعر وديع ألعبيدي يقول في قصيدة (شجرة ادم)..
قرأتنا الغربة بالمقلوب قرأتنا الغربة من أخر سطر حتى أول حرف وكان على غصن الزهرة طير ووراء الزهرة نهر وغناء الطير حزين أينوء هذا الطير المتقلب في الهجرات بكل الحزن
لم تكن قصص عبور المهاجر أو المواطن العراقي الى المنافي عبر البحار والوديان والجبال والصحارى قصص أو أساطير خيال كما نراها في الدراما أو السينما الهندية ،بل هي قصص واقعيه نابعة من المحنة العراقية ولعل هذه الحكايا تفاعل مع مفرداتها المتعددة الشاعر العراقي المنفي فلم تكن عبور قافلة عبر البحار قصة فحسب ،وإنما هي الهروب نحو الحرية عبر مسالك الموت الوعرة ولا هي سيرة عائلة وقعت في حقول الألغام شمال الوطن ولا موت طفل ظامئ في الصحراء فحسب وإنما كانت مدى البكائية العراقية التي وصلت ذروتها الى الغرق ،فهذا الشاعر جمال مصطفى يقول في قصيدة (من قمر الراوي)..
وأجمل الغرقى الذي خدع الدلافين القريبة مذ تفرد بالقرار فلم تكن دلمون يابسة ليهبط من يشاء وحين يرغب في ظلال نعيمها يتسنم الأمواج لكن لم تكن دلمون وهما خالصا ويكون كن كان الفرات ليستعير الله كوثره ونخلا حول الفرات يجفل طائر ألتم العراقي المهاجر (وهو في الفردوس)
وهذا الشيء رواه معظم الشعراء العراقيين في الخارج أو المنفى، ولكن لكل شاعر لغته الشعرية الخاصة به ، ولكن هذه القصائد هي هموم لشعب سئم البكاء ،فهذا الشاعر احمد عبد الحسين يتناول هذا الموت المهجري في قصيدة (عقائد موجعة)..
مثل غياب يصفد الغرقى وينشرهم في أخر العبارة مثل حدائق سامة ترتجف إمام الصحراء مثل نواقيس تذبل في نهار أصم مثل هذا وذاك أشير بإصبع مبتورة الى عزلتي
كما للثورية الحماسية خصوصية بارزة في شعر المنفى العراقي فيبقى الشاعر يعزف من منفاه أنشودة الرفض وشعراء العراق المنفيين وقفوا مع شعبهم في محنتهم ،فهذا شريف الربيعي يقول في قصيدة (في دائرة الخوف الذي يفضي الى وطن)..
سأسميك الرصاصة فرحا يكتب للعمر خلاصة لن اسميك العطش ،أو سياط المعرفة حين هذا الشوق ينواوتشب العاطفة سأسميك لهم العمر في المنفى صباح
إن الشعراء العراقيين الذين هاجروا الوطن كثيرون ومن أجيال مختلفة ومدارس متعددة لكنهم جميعا حملوا العراق في قصائدهم وقلوبهم ، وأصبحت نصوصهم أناشيد كتبت بالدموع أخر الليل ،فهذا الشاعر طارق حربي صاحب موقع سومريون يقول في قصيدة(حصتي من النفط).. الهي كل نخلة تلد شاعرا كما يقولون يهرول الى البار كما أقول يجادل في الكتابة والاستعارة والقناع أي مستقبل والعراق أكلة الجراد ؟ ولكنني كنت أحبو فوق حقول الحنطة والشعير ولي دمعتان اسمها دجلة والفرات
لقد كان المنفى بالنسبة للشاعر العراقي المعاصر ليس بقعة نائية عن وطنه فحسب وإنما جعل الشاعر العراقي منفاه مكانا ملائما يطلق فيه صرخاته الموجعة عبر بثها في نصوصه الشعرية والتي هي شهادة تاريخية في مسيرة الشعر الصادق النابع من قريحة الشعراء العراقيين المعاصرين وهذا الشاعر خالد المعالي يقول في قصيدة(الحياة هي الذكرى)... الليل هنا والكلمات تدور تركت لنا أثارها وعادت الى المنفى ،الليل يلوح حوالينا ونحن يمسكنا خيط من الذكرى أعادونا كثيرا، أيا دنيا شدت بخيط والذكرى تلوح كنجم من بعيد كانت الدنيا عن الأعتاب تنأى ونحن كموتى على جانب الدرب نلوح اللقيا أخذناها ،سددنا بها الحبال ونمنا خلف أشجار بلا ظل
لقد بقي الشاعر العراقي في منفاه يعزف سيمفونية الحنين فهو عندما يفتح نافذته كل صباح يحلم عبر هذه النافذة انه يرى وطنه الذي مزقته الحروب وأصبحت حدوده وسمائه مباحة للموت والدمار ،يصف تلك اللحظة الشعرية هذا الحنين بهذه اللغة كما يقول الشاعر عدنان الصائغ في قصيدة (العراق) ..
العراق الذي يبتعد كلما اتسعت في المنافي خطاه والعراق الذي يتئد كلما انفتحت نصف نافذة قلت آه والعراق الذي يرتعد كلما مر ظل تخيلت فوهة تترصدني أو متاه
ولعل لغة الشاعرة العراقية المغتربة أكثر حنينا وعذوبة،فهي عندما تكتب الشعر في منفاها يراودها الشوق الى حبيبها الوطن أو التربة الأولى فالوطن بالنسبة لها ، الهوية التي حملتها في منفاها وعاشت ألغربة من اجلها ،فهذه الشاعرة بلقيس حمد السنيد ابنة قضاء سوق الشيوخ التي تحن الى ضفاف النخيل والى نهرها الخالد الفرات الذي يتوسط سوق الشيوخ . فيشطرها الى نصفين نصفها الشمالي يسكنه الصابئة ونصفها الجنوبي يسكنه اغلب أبناء هذا القضاء من ديانات وأقوام مختلفة، فنرى بلقيس حمد السنيد يأخذها الشوق الى تلك الربوع إذ تقول في قصيدة (التربة الأولى)... أخذتك الريح مني لا مطارات السفر ورمتك الريح في درب مسافر أنت مني كنت لا كاليوم أحلاما ومنية ترتأى بخيالي كمرايات جميلة وكأيام الطفولة وتنام في رؤى يوم حبيب بساتين الوطن وأردت الصوت يعلو فوق صوت الحب للأرض والحنين كنت أشدو وأنادي فرحي حين يلاقيني قليلا وأردت الصوت يعلو هل ترى عند حدود العشق يا قلب تقف وجميل إنني اعشق لكن لي حبيب لاكما يهون إني لاكما يعشق كل الكون إني طائر جرده الكل الجناحين غريب لا رسائل من ترى يسأل عني وانأ مذبوحة الشواطئ والنخيل كما أبدع الشاعر العراقي المنفي في استخدام بعض المشاهد والمفردات التي تحتفظ بها ذاكرته في المنفى ف(الفرات – النخيل-الهور-جلجامش ) لم تفارق الشاعر العراقي في شعره ولعل هذه الميزة إنما تعني هي الارتباط بالتراب القديم ومهما ابتعد الشاعر زمكانيا فان التمسك بالتراث والتاريخ ما هو إلا رسالته التي يرغب في إيصالها عبر نتاجه الشعري وهذا الشاعر مسلم الطعان يقول في قصيدة (مطالب أعبيد في السويد)... أعبيد بغناء رضعت خفاياه من أثداء حنين أهدته إليك صبايا أوروك غني في مسرحك – المنفى فالجمرة هذا السر المحمول بصدرك ستكتب أنشودتها فوق وجوه الثلج سيخبرك الوالد كيف تكون الجمرة مفتاحا لولادة هور أخر في المنفى
ربما يحار المرء كيف يصف سنوات المنفى بالنسبة للشاعر العراقي ، لكن هذا الكائن يستعين بأسماء شعراء ورموز عالمية لإبراز عظم الفاجعة المؤلمة التي حلت بالوطن،كما يرى الشاعر عدنان محسن الذي يصور في قصيدته (خبر عراقي) هذه البكائية بأسلوب أكثر وقعا على نفسية المتلقي اذ يقول..
سأستعين برامبوا ولن اقبل بغيره كي القي القبض على ظلي لعلني امسك تلك الدمعة التي ولدت معي ذات وطن وظلت تردد في المنافي يا توأمي أنت الأهل بي وانأ أهل لك فكن جديرا بهذا البكاء لقد عاش البعض من الشعراء في المنفى وما زالوا يعيشون ما يقارب أربعة عقود متتالية لهجرتهم المبكرة الى هذه المنافي إلا ان هولاء ما زالوا يحنون الى مدنهم وأزقتهم ويستذكرونها في قصائدهم رغم هذا الفاصل الزمني والمكاني إلا ان قلوبهم وخيالهم يجوب الوطن وأمكنته ، فهذا الدكتور الشاعر صلاح نيازي يقول في هذه القصيدة مستذكرا مدينته الناصرية المولود فيها ..
حتى إنا – الموقع أدناه- لا اصدق هل حقا – أنا المدعو صلاح نيازي من مواليد الناصرية الفقراء جدا ومن سكنه الشواكة ببغداد لاحقا والمغترب حاليا منذ أربعين عاما بلندن
ان لحظات العبور الى البلدان والمنافي البعيدة قد رسمت في مخيلة الشاعر العراقي رؤى حول تلك المنافي وأدرك بان الابتعاد عن الوطن لم يكن شيئا عابرا في ذاكرته لأنها كانت بحد ذاتها لحظات الحياة أو الموت كما يصف الشاعر محمد طالب في قصيدة (هواجس)..
علمتني البلاد البعيدة ا ن أهب مع الريح اسري مع النجم أضلع في غيمة عابرة علمتني المعابر إن ازجر الذاكرة
وهذا الشئ راود الشاعر علي صبيح أيضا ، فهو يخاطب في قصائد ة المنفيين من أبناء شعبه بأسلوب إبداعي وأحيانا يخاطب ذاته باستخدام الرموز والأقنعة في نصوصه ،ولكن قصائد هذا الشاعر ذات لغة واضحة بعيده عن الإبهام كما في قصيدة (خطاب الى المنفيين العراقيين) اذ يقول :-
أيها الناس انتم في المنفى هل تعلمتم شيئا قراءة التاريخ ،حب الوطن ،مدرسة الاغتراب
لقد استطاع الشاعر العراقي المنفي حمل قضية شعبه في منفاه، مما طفحت لغة إبداعية في كتاباته واسهم بشكل فعال في إعادة كتابه التاريخ والوقوف الى جانب الحرية والنضال من اجلها ، وهذه ميزة خاصة امتاز بها الشاعر العراقي في المنفى،وهذا كريم عبد يقول في قصيدة (هدهد الشتاء والصيف)
لم يتعاقد معك احد على حمل الشجرة الى أبواب المسجد سوف تحملها وحيدا على ظهرك وفي باحة هذا المساء المجروح لن يزور احد أحدا سيظل المشهد على الرف
لقد أيقظت قصائد الشعراء العراقيين المنفيين الضمير الإنساني. ،مما حدا .بالمثقف إن يعيد تصوراته تجاه الأوضاع السياسية في بلاد مابين النهرين ،والشاعر العراقي وحده القادر على ان يكون الوجه الحقيقي للشعر والثقافة ، وهذا جان دمو احد صعاليك بغداد الذي توفى في منفاه الاسترالي يقول في قصيدة (أسمال الملوك)... وحده القادر على إعادة التوازن لقلبي قامر مع الشمس قامر مع الحقيقة كما تقامر مع الزمن مع الأنهار التي بلا نهاية هكذا ، بإمكانك العودة الى النقطة الأصلية
لقد توزعت الأقلام الشعرية العراقية على خرائط ومنافي وغصت بهم البلدان والمهاجر،وهذا الشاعر محمد سعيد الأمجد يصرخ في مهجره،تراوده صورة إلام ، الوطن المدينة ،فيقول في قصيدة (مكالمة هاتفيه)
أماه.. أطُلقها..فينكسر الصدى طقس أقمناهُ التياعا فوق موج الذبذبات طيف الرذاذ يمازج اللغة القتيلة والمواجع والسنين الصفر ..يحملنا لغابات التشرد حيث يغرق في مدائننا القمر أماه.. أطلقها ...فتحترق الصور
لم يعد المنفى يأوي الشعراء العراقيين العرب فحسب،وإنما مأوى أيضا للشعراء العراقيين الكورد ،وقد غصت بهم مهاجر العالم،ولاقوا الاضطهاد والقسوة،فحلبجة والأنفال ما هما إلا مشاهد مؤلمة دفعت بشعراء الشمال الى الهجرة صوب المنافي ،ومن ابرز هؤلاء الشعراء وأكثرهم شهرة هو الشاعر.شيركو بي كس الذي يصور منفاه في قصيدة(كرنفال لونه احمر) أنا وأنت نسير في طريق الموت في غياهب المجهول!! نحاكي بعضنا بعضا ونرنو من بعيد..بعيد الى كرنفال لونه احمر ولكن إي كرنفال.. هذا الذي لونه احمر!؟ لقد حمل المنفى بين طياته هموم الشعراء العراقيين،ولكن لم يعوضهم المنفى عن تراب وطنهم فهو مأوى أحلامهم وأمالهم،والمنفى هو الغربة،والموت القسري أيضا،وهذا الشيء تجسد في قصيدة الشاعر مصطفى المهاجر في قصيدة (وجع الحبيبة)...
اشتاق.. آه انظر ألان في وجه أمي أحدثها عن همومي واسألها.. ما الذي كنت افعله.. حينما كنت طفلا..؟! وهل كنت ابكي كثيرا كما افعل الان..؟ إني أعاني من الوجد والشوق والغربة القاتلة
لقد تمكن الشاعر العراقي المنفي ان يصوغ من قصائده وطنا،لكن هذا الوطن من ورق القصائد،التي. يكتبها في مقاهي المنفى و ..فوق أرصفة الغربة القاتلة،كما يقول الشاعر مصطفى عبد الله في قصيدة(الأجنبي الجميل)..
إنا الأجنبي عرفت حدودي فرتبت لي وطنا من ورق انه علبة للسجائر وحين يباغتني في المقاهي القلق ويتبعني مثل عود..الثقاب الم متاعي وأشعل سيجارتي ثم امضي، خفيفا، بما يحترق
إن المنجز الشعري العراقي المهجري منجز إبداعي بحد ذاته ،ولعل قصيدة الأجنبي الجميل لمصطفى عبد الله هي من أجمل القصائد المهجرية المكتوبة في المنفى،وان استخدام المضادات والرموز ،فهي من سمات الشعر الحديث ،ولعل نتاج المنفى الشعري تناول الموروثات والرموز التاريخية بلغة إبداعية جميلة ،والبعض من شعراء المنفى العراقيين ترجموا لشعراء عالميين ،بل وأتقنوا الشعر بلغات عالمية أخرى ،كما فاز البعض منهم بجوائز عالمية مهمة،كالشاعر حسن ألنصار الذي يكتب الشعر باللغتين العربية والايطالية ،وفاز بجائزة الدولة المقيم فيها ، كما فاز الشاعر عدنان الصايغ بجائزتين عالميتين هما جائزة هليمات هاميت hellman mammett العالمية للإبداع وحرية الفكر في نيويورك،وجائزة الشعر العالمية في روتردام award Peotry interationai والتي تضم أسماء الشعراء الذين فازوا خلال السنوات الماضية من أقطار العالم. لقد أسهمت ترجمات الشعر العراقي في المنفى الى اللغات العالمية ، الى إبراز الريادة العراقية...الأولى في الشعر العربي ،وأضافت سمة إبداعية أخرى في سعة انتشاره في الأوساط الأدبية العالمية ،وكتبت . عنه دراسات وأطروحات متعددة فلم يكن شعرا زمكانيا فقط ،وإنما كان يمثل تراث وثقافة وأدب بلاد مابين النهرين .
#مهدي_الحسناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيوب يرحل مرتين
-
ناطحات الخراب لعلي شبيب ورد , نصوص الحرب بلغة ساخرة
-
شاهد عيان على جريمتين عالميتين.
-
أبو حسن بهلول سوق الشيوخ (مات مجولا)/مهدي الحسناوي/
-
من هو الصحفي
-
رحلتي إلى نقابة الصحفيين(المقر العام)
المزيد.....
-
اضبط تردد قناة روتانا سينما عبر الأقمار الصناعية لمتابعة أجد
...
-
سكونية الثقافة وقلق الشعب والوطن
-
العُثَّةُ… رواية جديدة للكاتب يوسف أبو الفوز
-
موسيقى الاحد: هندل وثيودورا
-
-فكيف ليلُ فتى الفتيان في حلبِ؟-.. مختارات القصيد من أشعار ا
...
-
إشارة بث قوية.. تردد قناة وناسة كيدز 2025 لمتابعة أهم القنوا
...
-
لافروف ينتقد منظم حوار -منتدى الدوحة- بسبب مقاطعته له بشكل م
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل طائر الرفراف الحلقة 86 مترجمة للعربية d
...
-
دورة ثانية لمعرض كتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء بمشاركة 2
...
-
كاظم الساهر وجورج وسوف يفتتحان مهرجان -دبي للتسوق- برسالة سل
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|