نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3093 - 2010 / 8 / 13 - 14:49
المحور:
كتابات ساخرة
دور الحلم في الحياة خطير جدا ومهم، كلما كان الحلم كبيراً كان الانجاز على قدر الحلم وكان الإنسان عظيماً، وكلما صغر الحلم وتهافت كلما صغر صاحبه وتصاغر وانزوى وهوى إلى القيعان.
في الغرب هناك عالم كامل ومتكامل من الإنتاج الفني يناجي المستقبل ويقدم تصورات قد تبدو مستحيلة لطبيعة الحياة المستقبلية للبشر. وقد ازدهر هذا اللون أيضاً في الأدب والإنتاج النثري الأوروبي مع بدايات الثورة الصناعية فيما عرف روايات الخيال العلمي. وتقدّم مثل هذه الأعمال والمسلسلات والأفلام خيارات وآفاقاً واسعة أمام المتلقي ولاسيما صغار السن والأطفال الذين سيحاولون عندما يكبرون تجسيد تلك التصورات والحياة كما قدمت لهم في تلك القصص والأعمال. وما نراه اليوم من تقدم تكنولوجي هائل في الغرب، طائرات، موبايلات، إنترنت، فضائيات وأقمار صناعية...إلخ، ما هي إلا ثمرة لتلك الأفكار والتصورات التي قدمت في تلك الأعمال. وم الرجل الآلي الروبوتات ومركبات الفضاء من أبولو إلى سيوز، إلى المكوك ديسكفري وتشالنجر الذي انفجر ذات مرة وبكل أسف وحسرة برواده الثمانية بعد لحيظات من إطلاقه من كيب كانيفيرال على ما أذكر...إلخ، ما هي إلاً ثمرة طيبة، ونتيجة حتمية، لذاك الخيال الخصب لكتاب التنوير ورسل تحرير العقل الغربي الذي فتح آفاق العقل أمام الناشئة والصغار. ولقد كان للروايات الأدبية أثر كبير في نشوء وارتقاء قصص الخيال العلمي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر and Jules Verne s A Journey to the Centre of the Earth لجولز فيرن. وكتاب Twenty Thousand Leagues Under the ، والرواية الشهيرة Gulliver s Travels لجوناثان سويفت، وكتب إدغار ألان بو Edgar Allan Poe قصة مؤثرة حول رحلة خيالية إلى القمر، جسدها واقعاً في بداية سبعينات القرن الماضي نيل أرمسترونغ، بصعوده إلى القمر، وكانت قدمه أول قدم تطأ سطح هذا الكوكب الذي ارتبط بالقداسة، أحياناً، لدى بعض الشعوب. ويعتبر H. G. Wells واحداً من رواد هذا الاتجاه الأدبي والعلمي في كتابه الأشهر The War of the Worlds الذي يصف فيه احتلال إنكلترا في آخر العصر الفيكتوري من قبل أناس من المريخ، يستخدمون فيها أسلحة متطورة ثلاثية القوائم او العجلات. والقائمة تطول بهذا الصدد، وهي ليست موضوع مقالنا بأي حال. المهم وما نريد قوله، أن هذه الأعمال الأدبية والتحف الفنية الخصبة والمؤثرة المحفزة للعقل كانت وراء تلك الانطلاقة الهائلة والخارقة للمخترعات العلمية والعسكرية والتكنولوجية التي تفوق بها علينا الغرب، وأصبحنا بعد ذلك كعصف مأكول ومجرد كائنات منقرضة تتفرج بدهشة وغرابة على معجزات الغير، وتحوقل، وتبسمل، وتتعوذ من شيطان العقل الغربي العجيب، ضاربة أخماس بأسداس.
والآن لو حاولنا البحث والتساؤل ما هي حصة ونصيب مسلسلات الخيال العلمي من الإنتاج الفني والأدبي والسينمائي في المنطقة الناطقة باللغة العربية؟ إن النتيجة تكاد تكون صفراً تماماً، ومعدومة، بكل أسف، ويكاد هذا اللون الأدبي والفني والسينمائي والفكري نادراً في أوطاننا، ولا يذكر والفرق بيننا وبينهم أننا ما زلنا نعيش في الماضي الدفين المنقرض بكل شخوصه وأوهامه وخرافاته من خلال ما يفرض علينا، بينما هم يعيشون في المستقبل وأزمنة ضوئية قادمة. بل على العكس من ذلك هناك تركيز مهلك وقاتل على قصص الخيال السلفي، والماضوي، والبدوي، وكأن التاريخ وسقف العقل والإبداع والإنتاج والتطور الإنساني قد توقف عند "كم" بدوي في الصحراء في ما يسمى بجزيرة العرب في القرن السابع الميلادي. وحين ترى "قصص الخيال" البدوي تصاب بالألم والقشعريرة والغضب على حجم الترثيث والتبخيس وتحطيط العقل واغتيال الروح والحلم في المسلسلات البدوية المكلفة أولاً وأخيراً بإخضاع عقل إنسان المنطقة وإبقائه بتلك القدرة المعرفية الضحلة الهشة والسطحية التي لم تثمر إلا عن أوطان ممزقة وشعوب متفككة وضعيفة وعاجزة ينخر فيها الفساد والجهل والأمية، وتقف وجهاً لوجه أمام الغيب والمجهول والعدم والفراغ. لا بل تقلب تلك الأعمال البدوية القيم والمفاهيم وتشوه التصورات السليمة، فكم من مسلسل بدوي يقدم سفاحين، وقتلة، ومجرمي حرب كبار في التاريخ البدوي على أنهم أبطال، وفاتحون، ورجال أساطير، فيما أيديهم ملوثة بدماء الأبرياء، وكم من القصص المؤلمة تقدم بقالب قدسي رومانسي تخدع وتزيف عقل المتابع، وخاصة الطفل القاصر، ما يؤدي إلى نشوء وتطور تشوه عقلي ظاهر لديه، وإعاقة مفاهيمة دائمة يعاني منها في مختلف مراحله الحياتية، يعجز فيها عن التكيف والتأقلم مع الغير، فاضطهاد المرأة، مثلاً، واحتقارها في هذه المسلسلات وقصص الخيال السلفي البدوي وتسليعها وتبضيعها، وربط ذلك بالمقدس والتقاليد وتقديس اللصوص والسباة والغزاة والزناة الكبار واعتبار ذلك بطولات و"فتوحات" كبرى، ما هو إلا غيض من فيض التأثير السلبي الذي سيخلق، ولاشك، مفاهيم مشوهة ومغلوطة عن هذا الكائن الإنساني تؤدي إلى جرائم الشرف، واغتصاب القاصرات، وتعدد الزوجات، والطلاق...إلخ، وما إلى هناك من جرائم اجتماعية وكله دون أن يرف لمرتكبه أي جفن، وسيأتي لنا بتلك الطوابير الهمجية والجراد المتوحش المنفلت من أي عقال. ورأينا كيف أفضت المسلسلات البدوية التي كانت تنتجها الدول الثورية والجماهيرية والاشتراكية والتقدمية إلى ولادة أجيال الطالبان في مجتمعات، هؤلاء الذين لا يفكرون في اختراق الفضاء، أو الخروج من كهوف القرن السابع الميلادي، بل يفكرون، وطبقاً للثقافة البدوية، في كيفية سبي ونهب والسطو على وغزو المجتمعات. وأسامة ابن لادن، والظواهر، والزرقاوي، وكل فصيلة الواوي، حين كبرت وشبت ونمت، على قصص الخيال السلفي البدوي، لم تفكر إلا بتقليد الغزاة، فقط، وتنفيذ غزوتي واشنطون ونيويورك، لأن هناك من رباهم على "مسلسلات" وثقافة الغزو، والسبي، والسطو وحشاها في دماغه منذ الصغر وبدأ خياله "السلفي" يداعب تلك الغزوات التاريخية ويتلذذ بعمليات القتل والإبادة الجماعية المشرعنة. وأطفالنا غداً، أطفال المستقبل، سيجسدون ما يرونه اليوم في مسلسلات البدو التي تطفح بها الشاشة، حارة، وغيره من المسلسلات البدوية، وسيقلدون أبا عصام، والعقيد، وسيصبحون جزءاً من حارة الضبع في خيالهم البدوي ويتقبلون الواقع على أساس من مقدس ورومانسي، تلك الأعمال التي تفتك بالعقل والإنسان، وتجعل الإنسان يحيا فقط في الماضي السحيق، ويتخلف ويتقهقر إلى الوراء.
هل يعلم القائمون على مسلسلات الخيال البدوي بماذا بات يحلم صغارنا؟ لننتظر ونرى حصيلة مسلسلات الخيال البدوي الرافضة للحياة والقاتلة للقلب والحب والحياة، في العقود القليلة الماضية، التي ستهدد، وأول ما ستهدد عروش من يمولها، وتقوضها، وعندها يصح القول: على نفسها جنت براقش.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟