أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - هل تموت الأمم بموت قادتها؟















المزيد.....

هل تموت الأمم بموت قادتها؟


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3088 - 2010 / 8 / 8 - 20:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ظل القرآن الكريم يوجه الذين آمنوا واتبعوا النبي محمد عليه الصلاة والسلام منذ اليوم الأول لبعثته عليه الصلاة والسلام إلى تعميق الفصل التام في نفوسهم بين حياة أو موت شخص النبي عليه الصلاة والسلام وبين فكرة ووجود وبقاء الإسلام كدين، ما يعني أن وجود أو غياب أو حياة أو موت شخص النبي عليه الصلاة والسلام لا يمثل عاملا أساسيا في وجود وبقاء الإسلام كدين، لذلك ظلت التوجيهات الربانية تتوالى في هذا الصدد لتربية الفرد المؤمن على تنمية الشعور بحريته واستقلالية كيانه الآدمي وتعويده على أن يكون مسئولا وحده وبمفرده عن كل أفعاله وقناعاته واختياراته، وكذلك تعويده وتربيته على ألا يربط مصيره وحياته وتصوراته وفكره ومعتقداته وخياراته بشخص ما أو قائد ما حتى ولو كان ذلك الشخص أو ذلك القائد هو شخص النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

فقد أمر الحق سبحانه رسوله بأن يعلن للناس جميعا أنه بشر مثلهم لا فضل له ولا تفضل عليهم رغم تكليفه بمهمة إبلاغ الوحي، بل طالب من آمن بما جاء به الوحي أن يلتزم بمسئولية وبمحض اختياره بمقتضيات هذا الوحي من عمل صالح ونبذ الخضوع والعبودية لأحد إلا الله وحده، فقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (110_ الكهف).

بل زاد الله لهم في تأكيد ذلك الفصل بين شخص النبي وبين الدين كدين حين أخبر أن ما يقوله محمد عليه الصلاة والسلام لكم من وحي ودين ما كان له أن يتقوله من تلقاء نفسه أو يكذب عليكم أو يخادعكم ولو فعل ذلك لكان جزاؤه كالتالي: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ(44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ(46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) (47_ الحاقة). بل أكد لهم الحق سبحانه ذلك الفصل التام بين شخص نبيه وبين الرسالة التي يقوم بتبليغها للناس حين أمره سبحانه أن يخبر الناس بأنه مكلف مثلهم بما يقوله لهم وبما يأمرهم به وأنه ليس استثناء في أن يخالف ما يدعو الناس إليه وليست له مزية في أن يقول شيئا ويفعل خلافه بل لو فعل وخالف ما يدعو إليه سيناله من العقوبة أضعاف ما سيناله غيره من الناس، فقال: (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (15_ الأنعام).

بل قرر لهم الحق سبحانه حقيقة كبرى وهي أن اختيارنا لمحمد عليه الصلاة والسلام للقيام بأداء هذه المهمة وبتبليغ تلك الرسالة لا يعني له أن يكون وصيا على الناس أو وكيلا عليهم أو حفيظا، فقال: (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) (107_ الأنعام). وقال: (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (80_ النساء).

بل لقد زاد الله لهم الأمر فصلا وتفريقا بين شخص النبي وبين ما يدعو إليه من دين وما يقوم بتبليغه للناس من رسالة، وأن حياته عليه الصلاة والسلام ليست مرتبطة ارتباطا عضويا بإقامة هذا الدين، وكذلك حياته عليه الصلاة والسلام ليست ضرورية لوجودكم كأمة آمنت بهذا الدين، وليست ضرورية لبقاء هذا الدين واستمراره، فأعلنها الحق سبحانه صريحة مدوية: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) (30_ الزمر)، يا لها من توجيهات وحقائق وتربية تطيح بكل صور وأشكال الخضوع والتبعية وربط مصائر الأمم بالأشخاص والقادة حتى ولو كان ذلك الشخص أو ذاك القائد هو شخص النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فكيف بمن هو دونه؟؟.
وقد يسأل سائل ويقول: وهل أثمرت التوجيهات الربانية العظيمة هذه والتربية القيمة تلك شيئا ملموسا في نفوس الذين تربوا على هذه التوجيهات من أتباعه عليه الصلاة والسلام؟. أقول نعم، بل كانت لهذه التوجيهات وهذه الحقائق الربانية وهذا الفصل التام بين شخص النبي محمد وبين الرسالة التي يقوم بمهمة تبليغها للناس أهمية قصوى لا يدركها إلا الراسخون في العلم، تبرز هذه الأهمية في تكوين أمة حية حرة فعالة تشعر بكيانها وتقوم بمسئولياتها في شتى الظروف ولا تربط مصائرها وحاضرها ومستقبلها بشخص تحيى بحياته وتموت بموته، ولقد أينعت ثمار ذلك التوجيه الرباني في نفس الصحابي الحر المسئول أنس بن النضر حين فشت شائعة مقتل النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد، فماذا حدث؟؟

أخرج ابن جرير عن السدي قال: فشا في الناس يوم أحد أن رسول الله قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي، فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان. يا قوم إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلونكم. قال أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد، اللهم إني أعتذر إليك ممَّا يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء. فشد بسيفه فقاتل حتى قتل. فأنزل الله قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (144_ آل عمران). يا لها من تعاليم ربانية تعلم الأمة إن هي أرادت أن تتعلم كيف تقود مصيرها بنفسها فردا فردا حتى وإن مات قائدها أو قتل في ساحات الوغى.

وكذلك قد تمثلت معالم هذه التربية الربانية العظيمة في الصديق أبي بكر، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ، فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ الله فَقَبَّلَهُ، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، وَقَالَ: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ). (رواه البخاري: كتاب المناقب).

ونعود لنجيب على سؤال عنوان المقال (هل تموت الأمم بموت قادتها؟)، أقول: نعم تموت الأمم حين يموت قادتها، وتمرض الأمم حين يمرض قادتها، ذلك حين تخلو الأمم من فكر يجمع الشعوب والقادة في ظلاله، فإن وجد الفكر ومات القادة يبقى الفكر تستظل به الشعوب وتلتف حوله، فالأفكار لا تموت بموت القادة ولا بموت الشعوب، أما إذا خلت الشعوب من الفكر وأوكلت أمرها إلى قادتها يعبثون بمصائرها وحاضرها ومستقبلها فحتما تموت الشعوب حين يموت قادتها، وتمرض حين يمرض قادتها، إن الأمة التي تربط حياتها ومصيرها وحاضرها ومستقبلها بحياة القائد وبقائه لهي أمة لا تستحق الحياة، بل عار على الحياة أن يكون على قيدها أمة كهذه.

نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر_ أسيوط
موبايل/ 0164355385_ 002
إيميل: [email protected]



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منى الشاذلي وتبرير الخروج على القانون
- الإعلام الديني يروج المخدرات بين مشاهديه
- شهوة التدين
- دعاة الدين الكنتاكي
- انغلاق الإعلام الديني وجنايته على الدين والناس
- عبثية الإعلام الديني وغياب المنهج وتعدد المرجعيات
- الإعلام الديني وخطيئة احتكار الدين
- هل صوت المرأة عورة ؟؟
- الدين بين استقذار الجنس وازدراء المرأة
- البابا شنودة يتهم القضاء المصري باضطهاد المسيحيين
- حق الزوج على زوجته كذبة كبرى لاستعباد الزوجة
- إلزام الزوجة بخدمة زوجها عبودية ورق
- قناة الجزيرة نبي هذا الزمان
- الإعلام المصري والرئيس مبارك
- الإعلام المصري بين إهدار دم الأقباط وازدراء المسلمين
- الجهل السياسي لحركة حماس هو سر مأزقها
- جماعة تكفير الأنبياء
- أعلن مبايعتي لجمال مبارك رغم أنف إبراهيم عيسى، ولكن..
- هل جمع الله القرآن الكريم؟؟
- لا حرمة في مصر لمن يفكر في الاقتراب من كرسي الرئاسة


المزيد.....




- حبس رئيس الأساقفة في أرمينيا بتهمة تنفيذ محاولة انقلاب
- الجيش الإسرائيلي كان يريد قتل خامنئي خلال الحرب لكن المرشد ا ...
- قائد الثورة: الكيان الصهيوني انهار وسحق تقريباً تحت ضربات ال ...
- السيد الحوثي: نبارك لأمتنا الإسلامية بانتصار إيران العظيم عل ...
- الجهاد الاسلامي تنعى القائد الإيراني محمد سعيد إيزادي
- ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعرب سات وتا ...
- شاهد.. المرشد الأعلى في إيران يعلن النصر على إسرائيل
- إسرائيل ترفض فتح المسجد الإبراهيمي كاملا للمسلمين برأس السنة ...
- فنزويلا: المعارضة خططت لهجوم على معبد يهودي في كراكاس لاتهام ...
- الجيش اللبناني يعلن توقيف أحد أبرز قياديي تنظيم الدولة الإسل ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - هل تموت الأمم بموت قادتها؟