أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - الإعلام الديني وخطيئة احتكار الدين















المزيد.....

الإعلام الديني وخطيئة احتكار الدين


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3053 - 2010 / 7 / 4 - 21:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تظن الغالبية العظمى من الناس أن الإعلام الديني قاصر وحسب على القنوات الدينية الفضائية المتخصصة التي تقدم المادة الدينية في كل برامجها، وأن البرنامج الديني هو البرنامج الذي يقوم بتقديمه شيخ من شيوخ المؤسسات الدينية الرسمية، كالأزهر ووزارة الأوقاف، أو متخصص في علوم الدين من خارج المؤسسات الدينية الرسمية. إلا إنني أرى أن الإعلام الديني لا يقتصر وحسب على القنوات التلفزيونية ذات الصبغة الدينية ولا البرامج الدينية في القنوات غير الدينية كالقنوات الرسمية والخاصة (المستقلة)، سواء كانت قنوات منوعات أو أخبار أو اقتصاد أو غيرها، فالإعلام الديني هو: كل وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة تحوي مادتها الكاملة أو بعضها على الدين، وكذلك كل برنامج أو مقال مرئي أو مسموع أو مقروء سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو فكري أو ترفيهي يحوي في بعض مادته أي إشارة بالإرشاد والتوجيه إلى أي فكرة أو عقيدة أو حكم أو شريعة أو نسك ديني، حتى ولو في جملة واحدة سواء بالنقد أو التأييد أو الاعتراض أو التحليل أو المناقشة فهو إعلام ديني.

وكذلك الإعلام الديني ليس قاصرا في تقديمه على المتخصصين دينيا كشيوخ المؤسسات الدينية الرسمية، إنما يشمل كل شخص يقوم بتقديم مادة إعلامية دينية مرئية أو مسموعة أو مقروءة، حتى ولو كان من خارج المؤسسات الدينية الرسمية، فالدين تحديدا يمتاز عن غيره من الموضوعات باهتمام بالغ من جميع أفراد المجتمعات البشرية، لما له من هيبة وقدسية في قلوب الناس، كل الناس، وكذلك لأن الدين هو المصدر الوحيد الذي يجد فيه الإنسان الإجابة على كثير من التساؤلات القديمة الجديدة، التي لم يتصدى للجواب عنها حتى الآن سواه وحده، كالعلاقة بين الإنسان وبين هذا الكون الذي يعيش فيه حينا من الدهر ثم يتركه إلى عالم الغيب والمجهول.

فوجود الإنسان في هذه الحياة ومجيئه إليها وخروجه منها يثير لديه العديد من التساؤلات المزمنة والملحة حول ما الغاية من وجوده في هذه الدنيا؟؟، وما كيفية مجيئه إليها؟؟، ومن أتى به؟؟، ولماذا أتى؟؟ وماذا بعد الموت؟؟، كل هذه الأسئلة المزمنة والملحة تخالج كل نفس بشرية واعية مدركة على مدار التاريخ الإنساني كله، وإن كان بعضنا لا يبوح بهذا، فكان الدين هو المجيب الأول والوحيد عليها حتى هذه اللحظة، فكل الأديان سواء ما تسمى بالوضعية أو ما تسمى بالسماوية، حملت بين طيات نصوصها إجابات شبه موحدة على هذه الأسئلة، مهما اختلفت تصورات هذه الديانات أو تلك للحقيقة الإلهية، إلا أن جميعها اجتمعت على إجابة واحدة، تلخصت تلك الإجابة في أن هناك قوة قاهرة هي التي أوجدت هذا الكون وأوجدتنا فيه لاختبارنا، وأننا مهما عملنا من خير أو شر سنجازى عليه بعد الموت في الدار الآخرة.

لقد شغل الدين البشرية وانشغلت به طوال تاريخها الطويل، ولا تزال تنشغل به حتى هذه اللحظة, بل ظل يشغل حتى المناوئين له، فمناوئة الدين ونبذه والتحريض عليه من أكبر البراهين على مدى أثر المعتقدات الدينية وثورتها في نفوس هؤلاء المناوئين للدين. وأرى أن هؤلاء لا يعانون سوى أرقا مضنيا واضطرابا مقلقا في فهم المعتقدات الدينية بشكل صحيح مما يشعل بداخلهم توترا نفسيا صارخا أو حيرة حارة تأخذ شكل الثورة على الدين والعداء له. بل إنني أرى أن هؤلاء من أكثر الناس إيمانا وولعا بالدين وانشغالا به لولا الفهم الديني الخاطئ المضطرب المتناقض المشوه لحقيقة الدين الذي رسخه مرتزقة الأديان من رجال الدين الحمقى غير الأمناء في نفوس الناس منذ نعومة أظفارهم.

فقد لازم الدين كل المجتمعات البشرية منذ وجود الإنسان على ظهر هذا الكوكب, وسيظل يلازمها حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فما من جماعة بشرية وجدت في التاريخ إلا وكان لها دين ما من الأديان، له صورة ما من الصور، رغم اختلاف الجماعات البشرية في ألسنتها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها الاجتماعية ونظمها السياسية والاقتصادية وتباعد مواقعها الجغرافية، وسيظل الدين يحتل مكانة مركزية ومحورية بين كل الجماعات البشرية إلى النفس الأخير لآخر أدمي يغادر هذه الدنيا. فهل بعد إدراك هذه الأهمية الكبرى للدين ومكانته ومركزيته في حياة الناس أفرادا وجماعات هل يمكن قصر وحصر القيام به والقيام عليه على فئة بعينها أو شخص بعينه من دون الناس جميعا؟؟

أقول: نظرا لأهمية الدين عند بني الإنسان سواء كانوا أفرادا أو جماعات، أصبح من العسير بل ومن الخطير في الوقت ذاته قصر وحصر القيام بالدين والقيام على الدين على طائفة بعينها، أو شخص بعينه، لما ينطوي عليه ذلك الاحتكار من أخطاء وخطايا بل وجرائم ليس في حق الدين وحسب، بل وفي حق الجماهير كذلك، حيث يقوم الإعلام الديني اليوم بكل أشكاله ومرجعياته الفكرية، حتى التابع منه للمؤسسات الرسمية كالأزهر والكنيسة عن طريق التكرار والإلحاح على مسامع الناس أن فهم الدين قاصر وحسب على طائفة أو فئة بعينها من دون الناس جميعا، فقاموا بإطلاق الألقاب ذات القداسة والصبغة الدينية الاحتكارية على بعض الأشخاص ليرسخوا في نفوس الناس مشروعية ودينية احتكار الدين واحتكار فهمه والتحدث باسمه وفرض الوصاية الفكرية والدينية عليهم من خلال تلك الألقاب، وهي: (أسقف، شيخ، عالم، فقيه، راهب، مفتي، إمام، بابا، كاهن، داعية، مرجع، آية الله، حجة الله)، مما رسخ في وعي الناس وثبت في قناعاتهم أن من لم يحظ بموافقة ومباركة نيل أي من هذه الألقاب من قبل هذه الفئة فليس له الحق في فهم الدين أو التحدث فيه أو عنه.

وكفى بهذه الخطيئة من جرم في حق الناس، إذ في احتكار الدين واحتكار فهمه والتحدث فيه وعنه هو عملية سلب مقصودة لحق الجماهير في التفكير في أهم وأقدس وأخطر خصوصية تهم إنسانيتهم في حياتهم وبعد مماتهم وهي خصوصية الدين، بل والأشنع هو إخراج الجماهير من الخطاب الإلهي الذي خاطب به الناس جميعا، وكأن الله لم يخاطب بدينه ورسالاته سوى فئة بعينها من الناس، أما بقية الجماهير فما هم إلا قطعان من الغنم يسوقهم الرعاة، وكذلك حرمانهم من أقدس حقوقهم الدينية والإنسانية على الإطلاق، وهي المسئولية الفردية للشخص المؤمن عن معتقداته وأفعاله وسلوكياته واختياراته وطريقة عيشه أيا كان دينه، وأنه هو وحده دون غيره المسئول بمفرده عن كل قناعاته الإيمانية وكل سلوكياته الدينية والدنيوية، وأنه هو وحده وبمفرده من سيقع عليه تبعة قناعاته تلك وكذلك تبعة سلوكياته الدينية والدنيوية أمام الله يوم يقوم الناس لرب العالمين. فكيف يمارس الإنسان هذا الحق الفردي وهذا التكليف الذاتي وكيف يستشعر هذه المسئولية الفردية وقد حرمته منها فئة بعينها قامت باحتكار وسلب واغتصاب أقدس وأخص حقوقه بل وإعفائه منها. وتحويله إلى شاة يقودها راع ينعق بها لتسير حيث يريد هو منها لا حيث تريد هي أن تسير.

ويمكن القول إن الاحتكار الديني هو الأب الروحي والشرعي الذي فرخ كل ألوان الاحتكارات الأخرى، فالاحتكار الديني الذي عشش وفرخ في رؤوس الناس منذ طفولتهم تسبب في ميلاد احتكارات أخرى لا تقل بشاعة عن الاحتكار الديني، فالاحتكار الديني قد أدى إلى احتكار فئات بعينها لجميع مناحي وشئون الحياة الأخرى، وهو ما نعاني منه جميعا الآن، فما احتكار الحقيقة السياسية والحقيقة الاقتصادية والحقيقة الفكرية والحقيقة الإعلامية وحق التفرد بالسلطة والوظيفة والمنصب وحق التفرد بالصلاحية القيادية إلا إفراز للاحتكار الديني، فنحن شئنا أم أبينا مجتمعات تعتاش وتقتات على الدين، والدين هو إكسير حياتنا، سواء كان دينا حقيقيا أم توليفة عطار، والغالب الأعم أن من نراهم اليوم في الإعلام الديني لأي دين ليسوا بدعاة دين ولا رجال دين بل هم مجموعة عطارين يرتزقون من آلام الناس وأوجاعهم وجهالاتهم وحماقاتهم.

فثقافة الاحتكار الديني التي يبثها القائمون على الإعلام الديني اليوم بكافة توجهاتهم الفكرية والدينية على مسامع الناس ليل نهار وأنهم هم وحدهم ملاك الحقيقة الدينية وهم وحدهم ملاك الفهم الحق للدين من دون الناس جميعا قد أدى وبشكل واقعي وحقيقي أليم إلى فقدان الجماهير الثقة في ذواتهم وفي عقولهم وفي أفكارهم وفي دينهم بل وفي ربهم و في إمكانية تحملهم للمسئولية الفردية عن أي شيء، بل كادوا أن يصلوا إلى فقدانهم الثقة في صلاحيتهم للحياة، مما جعل من يحتكرون حقائق الأشياء لا يجدون كثير عناء في استغفال الجماهير واستحمارهم وامتطاء ظهورهم، مع أن عظمة الدين أي دين وخاصة الدين الإسلامي وقمة عدالته وواقعيته أن نوه وأكد في عشرات المواضع من القرآن الكريم على أهمية مسئولية الفرد وحده ليس فقط عن أعماله وسلوكياته واختياراته بل حتى عن فهمه وفكره ومعتقداته وأكد هذه الحقيقة في عدد من المواضع قائلا: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ). (38- المدثر). (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ* وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ). (26- الفجر). (وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا). (164- الأنعام). (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا). (111- النحل). (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً). (48- البقرة). (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ). (34: 37- عبس).
فخطيئة الاحتكار الديني للدين وقصر فهمه والتحدث باسمه على فئة بعينها أو أشخاص بعينهم يجعل هذه النصوص هي والعبث سواء.


نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر_ أسيوط
موبايل/ 0164355385_ 002
إيميل: [email protected]



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل صوت المرأة عورة ؟؟
- الدين بين استقذار الجنس وازدراء المرأة
- البابا شنودة يتهم القضاء المصري باضطهاد المسيحيين
- حق الزوج على زوجته كذبة كبرى لاستعباد الزوجة
- إلزام الزوجة بخدمة زوجها عبودية ورق
- قناة الجزيرة نبي هذا الزمان
- الإعلام المصري والرئيس مبارك
- الإعلام المصري بين إهدار دم الأقباط وازدراء المسلمين
- الجهل السياسي لحركة حماس هو سر مأزقها
- جماعة تكفير الأنبياء
- أعلن مبايعتي لجمال مبارك رغم أنف إبراهيم عيسى، ولكن..
- هل جمع الله القرآن الكريم؟؟
- لا حرمة في مصر لمن يفكر في الاقتراب من كرسي الرئاسة
- هل أصبحت هيفاء وهبي رمز وطني مصري؟؟
- نعم إن العرب يكرهون مصر والمصريين
- هل القرآن كلام الله؟ تعليقات وردود _ الجزء الرابع والأخير
- هل القرآن كلام الله؟ تعليقات وردود _ الجزء الثالث
- هل القرآن كلام الله؟ تعليقات وردود _ الجزء الثاني
- هل القرآن كلام الله؟ تعليقات وردود _ الجزء الأول
- منع الاختلاط بين الرجال والنساء جريمة


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - الإعلام الديني وخطيئة احتكار الدين