أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم تايه - في الطريق إلى اللّبلبي !














المزيد.....

في الطريق إلى اللّبلبي !


هاشم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 3067 - 2010 / 7 / 18 - 15:03
المحور: الادب والفن
    


بدلاً من أن يأخذنا السّائق في الكوستر التي تحملنا إلى دائرة عملنا في الطريق المعتادة يوميّاً، قلب وجهته فجأةً بانعطافة غير متوقعة، وقاد كوستره في الطريق إلى كورنيش شطّ العرب، وبهذا خرق نظام رحلتنا إلى الوظيفة ليس تفادياً لزحام في الطريق التي نكرّرها يومياً، ولكن ربّما رغب في تفادي لعنة التكرار بمنحنا طريقاً جديدة نمرّ خلالها مروراً عابراً بتحفة الطبيعة في البصرة، كورنيش شطّ العرب، ثمّ نتحوّل عنها إلى العمل..
هكذا بدا لي الأمر.. حتى أنني كدت أصفق للسّائق الذي اخترع لنا نزهة قصيرة، وسياحة عابرة لم نكن نتوقعهما..
كنا مجموعة موظفات جلسن في المقدمة وراء السائق، وموظفين استقروا على المقاعد وراءهن، وكانت الطبيعة خارج السيارة قد أيقظت عيون المجموعتين وسرحت بها في مداها الملوّن المتحرّك.
وعبر الزجاج كنا نرى الشطّ أبدَيّاً كما عهدناه دوماً، وغير عابئ بشيء، لكنّ السّماء كانت باهتة الزرقة فوقه ومشوّشة، وكأنّ قلبها المضطرب كان يستطلع، بنفاد صبر، ما ينتظر إطلالته في تلك السّاعة من صباح ذلك اليوم التشريني البارد.
ما أن اجتازت بنا السيارة شيراتون العظيم حتى شرع السائق يخفف من سرعتها، ويميل بها إلى الرصيف المطلّ على الشطّ، ثم لم يلبث أن أوقفها تماماً، وأطفأ المحرّك.
وكما لو أنّ الأمر قد جرى التخطيط له فتح باب السيارة عن آخره، وحملت إحدى زميلاتنا قدراً معدنياً وترجلت، وتبعتها قريناتها هابطات بأكياس من النايلون ممتلئة لم أتبين أنا الجالس في آخر مقعد ما كانت تحتويه. وسرعان ما نزلنا مترجلين واحداً بعد آخر مأخوذين بما تعتزم زميلاتنا القيام به على الشطّ...
وفي سقيفة مطلة على النهر جذورها الإسمنتية غائصة في المياه، ورأسها طائر في الهواء، حشرنا أجسادنا جميعاً... وفوراً تذكّرتُ الجنة!
فبخفة انحنت زميلاتنا على القدر المعدني وأكياس النايلون، ولم يطل الأمر كثيراً، إذ سرعان ما طفن علينا بكاسات من البلاستيك ممتلئة بحبّات اللبلبي الساخن، ومعها صمون حار، وقطع من ثمار الليمون الطرية.. وحتى أولئك الذين أجفلوا من اللبلبي بسبب معاناتهم من السّكّري، لم يتنازلوا عن أيّ حبّة من حبّاته لسواهم!
وإذا كان أبونا آدم قد خرج من الجنة بسبب تفاحة، فنحن، بسبب الحياة، لا بسبب اللبلبي، خرجنا من جنة الكورنيش إلى أرض الوظيفة في دائرة عملنا التي بلغناها في الثامنة وعشر دقائق!
خلال ذلك اليوم عرفت أن وجبة اللبلبي على الكورنيش كانت مجرّد وفاء لنذر تقدّمت به إحدى زميلاتنا إلى أحد أوليائنا المحبوبين، وحصلت على مرادها منه.
أتذكّر أنني أكلتُ اللّبلبي أوّل مرّة حين كنت تلميذاً في الابتدائية.. كنا نحصل عليه من فرّاش المدرسة في صمّونة ساخنة (سندويج لبلبي)!
وأكلته خلال مراهقتي من العربات أمام بوابات السينمات التي رحلت..
وكمادة أساسيّة في الفلافل التي كنّا نأكلها ليل نهار، بسبب رخصها، طيلة سنوات حصارنا اللّعين..
وأيضاً، أيّام حصلنا على وظيفة في دولتنا الشقيّة، وعلى راتب شهري محسود، كنا نطلب اللبلبي، ونتنافس على هرس حبّاته خلال اعتكافنا اللّيليّ على الأنبذة العجيبة التي صنعتها الحضارات العظيمة.
واليوم يكتسب اللبلبي جدارة أخرى، فقد أضحى من بين النذور التي يتقدّم بها معذبو زماننا العجيب إلى أوليائهم، طلباً لقضاء حوائجهم...
هكذا غدا اللبلبي يعيش في تعددية مهمات وأغراض ووظائف شتى في أيّامنا الحائرة القلقة..
لكنني سأظل أعتبر محافظة اللبلبي على تعدديته هذه، واحترامنا لها في كلّ أغراضه من دون استثناء، علامة على انتصار الديمقراطية في بصرتنا الطيبة، وفي بلادنا الحالمة كلّها!



#هاشم_تايه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحبّ كلّ أربعٍ وعشرِ
- عالية
- عابر استثنائي... وعي العين وشقاء الرؤية
- الرّسّام سارداً تشكيليّاً
- قصائد
- جدل حول قصيدة النثر في بيئة مُسرْطَنة
- سليلة الملائكة
- عصفور آب
- معرض أطفال العراق في حفل زواج
- الشعراء العراقيّون يغزون أمريكا
- كيسُ القُبَل
- نُزهة قاتلة
- على مفرق الحجر
- سياحة عمياء
- بعيداً عن الوحل خذني
- حوار مع الفنان العراقي هاشم تايه
- ميثولوجيا عراقية
- مصالحة في الهواء الطلق
- ذُعْر لا يقوى على حمله الهاتف
- كلاسيك


المزيد.....




- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم تايه - في الطريق إلى اللّبلبي !