أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الرسام - الكرسي – قصة قصيرة















المزيد.....

الكرسي – قصة قصيرة


سمير الرسام

الحوار المتمدن-العدد: 3054 - 2010 / 7 / 5 - 02:51
المحور: الادب والفن
    


كبقية الكراسي أنا ، أعاني أمراض الشيخوخة ، فتضحك من مفاصلي المسامير ، التي شاخت هي الأخرى ، لكنها تتصابى . الفرق بيننا وبين المسامير ، أنهم يعاودون استخدام المسامير في تثبيت الكراسي الكبيرة ،يسحبون من أجسادنا المسامير ليقووا بها الكراسي الكبيرة ، ويتركوننا هنا في هذه القاعة . . القاعة التي تضج بالكراسي التي تحتاج لبعض العناية لتعاود نشاطها .
حتى الكراسي التي وصلت إلى الجامعة حديثاً هي الأخرى ناقمة من سوء المعاملة . فقد تحدث كرسيٌ لي ، كان في القاعة المجاورة للتي كنت فيها ، تحدث عن معاناته مع طالبة كانت تجلس عليه دوماً ، هجرته قبل أيام ثلاث لأنه مزق نورتها دون قصد ، بسبب مسمار ضاق به مكانه ، فبدأ بالخروج شيئاً فشيئاً حتى لامس نورتها فمزقها . وتحدث كرسي آخر عن طالب مجتهد كان يجلس عليه . هجره هو الآخر لان مفاصله لم تتحمل ثقل الطالب بسبب شيخوخته المبكرة . وتحدث كرسي آخر ثم آخر . . حتى ضجت القاعة بأصوات الكراسي التي طالبت بأبسط حقوقها ، ألا وهي تقويم مفاصلها ببضع مسامير كي تستطيع مواصلة حياتها .
توسطتُ الحشد الذي ملئ القاعة ، وأدرت جسدي للحائط متأملاً ، فعرف الكل بان لي بضع كلمات أود قولها ، فبدأ الهدوء يسود القاعة :
" طوال حياتنا التي قضيناها في هذه الجامعة ونحن نخدم طلابها ، عشنا مع الطلبة بكل تفاصيلهم ، بمثابرتهم ، بكسلهم ونومهم علينا ، بحبهم الذي تبادلوه على ظهورنا ، بكتابتهم علينا كي يغشوا ، تحملنا ثقلهم وأوزانهم ، وجاء دورهم كي يقدمون لنا ما نستحق ، لا أن نُرمى في قاعة يأكلنا الزمن والتراب ، ا وان نكون حطباً " .
ضج كل من في القاعة مؤيدين الكلام ، وتقرب الكل مني وهم يطلبون المزيد ، لكنني صمتُ لبرهة ، وتحركتُ باتجاه باب القاعة ، واستدرت :
" الشكوى والتذمر لا يُثَبتُ المسامير في أجسادنا كي يعيد تماسكها ، ولن يعيد الكلام الشباب لأجسادنا التي شاخت هنا . . هنا وهي تخدم طلاب الجامعة ، والحل . . هي أن ننتفض " .
الكل نادى بأعلى الصوت : أذاً فلننتفض .

كنت أول من خرج من باب القاعة ، وخلفي كل من كان في القاعة . الكراسي التي كانت في القاعات الأخرى سمعت بخبر انتفاضتنا . لهذا خرجت هي الأخرى في الممر المؤدي إلى الغرفة التي فيها كرسي رئيس القسم . كنت أمام الباب ومن خلفي كل إخوتي الكراسي ، وقف قربي كرسي حارس القسم فقال :
_ قطعت سلك الاتصالات ، انتفاضتنا يجب ان تستمر .
ركلت بقدمي باب الغرفة التي يقبع بها كرسي رئيس القسم . وكنت أول الداخلين . جسد كرسي رئيس القسم كان يختلف عن أجسادنا ، فهو مصنوع من الجلد ، وعلى صدره أربعة أزرار دائرية تُحكم بُنيته ، ويداه كانت هي الأخرى مفتولة بالجلد ، وقدمه كانت مختلفة عن أرجلنا لأنها مصنوعةٌ ومن الحديد . سار بين حشدنا متبختراً ، وبدأ بالنظر ألينا الواحد تلو الآخر ، فوقفت أمامه ، وباغته بالكلام :
_ هل أنت معنا في انتفاضتنا ؟
_ ما تفعلونه تهور ، ألا تعلمون ما عاقبة الشيء الذي . .
صرخت به :
_ هل أنت معنا ؟
سكت لثلاث ثوان ثم عاود الحديث :
_ ما هي مطالبكم ؟

****************************

خرجت كل الكراسي إلى باحة الجامعة ، في تظاهرة عارمة ، وبرفقة كل قسم من الأقسام كرسي رئيس قسمها ، جاء طوعاً أو كرهاً ، لكنه وصل إلى الممر المؤدي إلى البناية التي فيها كرسي رئيس الجامعة . كنت أسير جنباً إلى جنب مع كرسي رئيس القسم ، كان مزهواً بجسده ، وكنت مزهواً بروحي التي أبت أن تصمت على الظلم . سرتُ في الممر وكل الكراسي تشجعني على الانتفاضة ، وهذا ما جعلني أفكر بما سأقول لو قابلنا كرسي رئيس الجامعة .
بناية رئاسة الجامعة كانت قريبة من الباب الرئيسي ، تتقدمها أربع درجات حتى تستطيع الدخول إليها . أمام باب البناية وبخط مستقيم ، وعلى بعد ستة أمتار شاهدت نصباً لم يكتمل بعد . كان النصب مخروطيا ، قاعدته الدائرية على الأرض ، ولا تستطيع مشاهدة القاعدة ، لان صانع النصب وضع أحجاراً ، تجعلك تشعر بأن المخروط قد خرج من الأرض . نهاية المخروط لم تكن مستدقة . بل كانت على شكل دائرة ، وقد حفر صانع النصب داخل الدائر أربع حفر، أخذت شكلا مربعاً .
اللغط كان مستمراً ، فأعداد الكراسي بدأت تزداد ، وكلنا كنا ننتظر حضور كرسي رئيس الجامعة . فكرت أن اشد من أزر المنتفضين ، فقررت أن القي بضع كلمات ، اُسمعها للحاضرين ، وأُسمعها لكرسي رئيس الجامعة أيضا . وأنا متأكد انه يسمعنا . تقدمت إلى البناية ، وصعدت الدرجات الأربع ، واستدرت لأخوتي المنتفضين . فسحة الصمت التي منحها إياي الحاضرين شجعتني على الكلام :
" أحبتي . . في انتفاضتنا اليوم ضد من سلبنا حقوقنا ، تأريخ يجب أن لا ننساه ، وعلينا أن نتعلم من هذه الانتفاضة أن لا كبير بعد اليوم إلا الحق . لن نُرمى بعد اليوم في القاعات المغلقة . لن نحترق بعد اليوم كي نُدفئ غيرنا . سيشكرنا من سيأتي بعدنا على وقفتنا هذه "

شعرت في آخر كلماتي إن الصف الأول من المنتفضين قد انسحب إلى الخلف خطوتين ، شعرت أن شيئاً خلفي . . وفعلاً ، لقد كان كرسي رئيس الجامعة . كان جسده منتفخاً ، مصنوعاً من الجلد ، على صدره ست أزرار دائرية ، ويداه منتفخة هي الأخرى ، وعلى كل يد زرين دائريين . رجله من الحديد ، ويدور حول نفسه استدارة كاملة . على محياه علامات الغضب ، وهو ينظر للمنتفضين تارة ، وللسماء تارة أخرى . نظرت إلى الصف الأول فرأيت حارس القسم ، غمز لي بعينه ، فعرفت سبب غضب كرسي رئيس الجامعة .

امتدت الانتفاضة إلى كل شوارع المدينة . وكل كراسي المنازل والدوائر الرسمية والغير رسمية قد خرجت هي الأخرى . شاهدت كراسي لم أشاهدها من قبل ، لكنني أحسست بالألفة تجمعني على الرغم من اختلاف أنواعنا وإشكالنا إلا أننا بالهم كرسيٌ واحد . أصواتُ المنتفضين كانت تشدوا بنشيد الحرية ، وهي تسير قدماً إلى القصر الجمهوري .

بعد سنوات من الانتفاضة ، تم وضعي على النصب الذي كان أمام رئاسة الجامعة . فالحفر الأربع التي وضعها صانع النصب هي لأرجلي . انتفاضة لن ينساها الجيل بأسره ، السابق واللاحق ، لأنها علمتنا الكثير .



#سمير_الرسام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من مذكرات طفل عراقي
- قمر ليس للموت . . باللغة الفرنسية للشاعر العراقي حسن رحيم ال ...
- أيدني الدكتور حسين الأنصاري.. وسرقني الدكتور لميس كاظم
- تجربتي في الفلم الوثائقي
- كيف غير جيمس كاميرون بفلمه الثلاثي الابعاد وجه السينما ؟
- المظلة - قصة قصيرة
- بداية النهاية ام نهاية البداية ؟
- المخرج ُ العراقي سمير ُ الرسام، بين ألوان الذاكرة ..ومن باب ...
- الفلم الوثائقي (لوعة وطن) قضية اللاجئ العراقي في السويد


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الرسام - الكرسي – قصة قصيرة