أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - سمير أمين - الإدارة المستحيلة لليورو أوروبا إما أن تكون يسارية أو لا تكون















المزيد.....

الإدارة المستحيلة لليورو أوروبا إما أن تكون يسارية أو لا تكون


سمير أمين

الحوار المتمدن-العدد: 3045 - 2010 / 6 / 26 - 09:07
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


تتعرض العملة الاوروبية الموحدة «اليورو» للانخفاض بصورة منتظمة أمام العملات الأخري وهنا يحلل المفكر الاقتصادي الدكتور سمير أمين هذه الظاهرة في نقاط محددة:
أولاً:لا توجد نقود بدون دولة، فالدولة والنقود معاً يكونان في إطار الرأسمالية، الأداة لتحقيق المصلحة العامة للرأسمالية التي تتجاوز مصالح قطاعات الرأسمالية المتنافسة.
وتتخيل الأفكار الدوجماطيقية السائدة اليوم رأسمالية يديرها "السوق" حتي بدون دولة، (أو دولة في دورها الأدني وهو الحفاظ علي الأمن)، وهو خيال لا يقوم علي قراءة فاهمة لتاريخ الرأسمالية الحقيقية، ولا علي نظرية تدعي أنها علمية تثبت أن إدارة السوق تستطيع - أو حتي تتجه - لإقامة توازن من أي نوع (ومن باب أولي التوازن "الأفضل").
ولكن اليورو خُلق في غياب دولة أوروبية تحل محل الدول الوطنية التي كانت وظائفها الأساسية كمديرة للمصالح العامة للرأسمالية في طريقها للاضمحلال. وقيام اليورو كنقد "مستقل" هو التعبير عن هذه النظرية الدوجماطيقية غير المنطقية.
و"أوروبا" السياسية لا وجود لها، فعلي الرغم من الخيال الساذج المنادي بتجاوز مبدأ السيادة فإن الدول الوطنية هي وحدها التي تتمتع يالشرعية. والنضج السياسي لم يصل لجعل أي من الشعوب التاريخية التي تتكون منها أوروبا يتقبل "قراراً برلمانياً أوروبياً". وقد يتمني المرء ذلك، ولكن زمناً طويلاً سيمر قبل أن تظهر شرعية أوروبية.
كذلك لا وجود لأوروبا اقتصادية واجتماعية، فأوروبا التي تضم 25 أو 30 دولة تبقي متفاوتة جداُ في تطورها الاقتصادي. والمجموعات الاحتكارية التي تسيطر حالياً علي مجموع الاقتصاد (وبالتالي علي السياسة السائدة والفكر السياسي) لها "قومية" تعود لكبار مديريها، فهي مجموعات بريطانية أو ألمانية أو فرنسية، وبدرجة أقل هولندية أو سويدية أو إسبانية أو إيطالية. والعلاقات بين بلدان أوروبا الشرقية، وجزئياً الجنوبية وبين بلدان غرب أوروبا ووسطها، تماثل العلاقات بين أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية. وفي ظل هذه الظروف لا تعدو أوروبا أن تكون مجرد سوق مشتركة، أو وحيدة، تكون جزءاً من السوق العالمي للرأسمالية الحالية للاحتكارات المعممة والمعولمة والمؤمولة. ومن هذه الحقيقة التي يدعمها غياب أوروبا سياسية، ينتج التفاوت في مستوي الأجور الحقيقية والتضامن الاجتماعي وكذلك الضرائب، وهو تفاوت لا يمكن إلغاؤه في ظل المؤسسات الأوروبية بشكلها الحالي.
ثانياً: وهكذا أدي خلق اليورو لوضع المحراث أمام الثيران! وقد اعترف السياسيون الذين قاموا بذلك أحياناً بهذه الحقيقة بادعائهم بأن هذه العملية ستفرض علي "أوروبا" أن تخترع الدولة المتعدية القومية ويذلك تعيد وضع الثيران أمام المحراث. ولكن هذه المعجزة لم تتحقق، والمتوقع ألا تتحقق، وكنت قد عبرت عن ذلك منذ تسعينيات القرن الماضي. وقد تبني أحد المسئولين عن إصدار اليورو مؤخراً تعبيري: "وضع المحراث أمام الثيران" رغم أنه كان قد وصف تقديري للموضوع في حينه بأنه متشائم بلا مبرر. وقد كتبت أن مثل هذا النظام غير المنطقي لا يمكن أن يعطي مظهر الانتظام الطبيعي دون مشاكل إلا في ظروف أحوال عامة مستقرة ومواتية. ولذلك فبمجرد حدوث أزمة للنظام (حتي لو كانت في الظاهر مالية) فستظهر استحالة إدارة اليورو، وفشله في إيجاد الإجابات المتماسكة والفعالة.
والأزمة القائمة مرشحة للاستمرار بل والتعمق، ونتائجها تختلف وتتفاوت بين بلد أوروبي وآخر. والإجابات الاجتماعية والسياسية للتحديات التي تواجه الطبقات الشعبية والمتوسطة والسلطات السياسية ستختلف لهذا السبب من بلد لآخر. وتستحيل إدارة هذه الصراعات المقدر لها أن تتفاقم بدون وجود دولة أوروبية حقيقية وشرعية، كما تغيب الأداة النقدية لهذه الإدارة.
ولذلك فالإجابات علي الأزمة (اليونانية مثلاً) التي تقدمها السلطات الأوروبية (بما فيها البنك الأوروبي) غير منطقية ومرشحة للفشل، وهي تتركز في تعبير واحد: التقشف للجميع وفي كل اتجاه. وهي تماثل تلك التي وضعتها الحكومات القائمة في السنوات 1929/1930. وكما فاقمت إجابات الحكومات في الثلاثينيات من الأزمة الحقيقية فستؤدي إجابات بروكسل لذات النتائج.
ثالثاً: والأمر الذي كان من الممكن عمله في تسعينيات القرن الماضي هو إنشاء "ثعبان نقدي أوروبي"، وفيه تدير كل حكومة أوروبية محتفظة بسيادتها شئونها الاقتصادية والنقدية طبقاُ لإمكانياتها واحتياجاتها رغم تحديد حريتها بسبب الانفتاح التجاري (السوق المشتركة). وسيحدد الثعبان النقدي التفاعل المشترك بشكل مؤسسي، فسيجري تبادل العملات الوطنية بمعدلات ثابتة (أو شبه ثابتة) ويجري مراجعتها من آن لآخر عن طريق التفاوض (بخفض العملة أو رفعها).
وهذا كان سيسمح علي المدي الطويل بتثبيت أو تجميد الثعبان (ربما للتمهيد لقيام العملة الموحدة). وكان التقدم في هذا الاتجاه سيساعد علي التقارب - البطيء والتدريجي - لكفاءة نظم الإنتاج، ومستويات الأجور الحقيقية والمزايا الاجتماعية. وبعبارة أخرة كان الثعبان سيساعد علي إحداث تقدم تدريجي للأعلي ولا يعرقله. وهذا كان سيقتضي سياسات وطنية مختلفة تعمل جميعاً في هذا الاتجاه ومن بينها التحكم في التدفقات المالية بما يعني رفض الانفتاح المالي المطلق دون قيود وعبر الحدود.
رابعاً: والأزمة الحالية لليورو قد تكون الفرصة للتخلي عن الأسلوب غير المنطقي لإدارة هذه العملة الخيالية وقيام ثعبان نقدي أوروبي يتناسب مع الإمكانيات الحقيقية للبلدان المعنية.
ويمكن لليونان وإسبانيا أن تبدآ العملية بإعلان: 1) الخروج (مؤقتاً) من نظام اليورو؛ 2)تخفيض العملة؛ 3) إعادة التحكم في نظام تبادل العملة علي الأقل بالنسبة للتحركات المالية. وهنا سيكون البلدان في وضع قوة عند التفاوض علي جدولة ديونهما يعد مراجعتها حسابياً واستبعاد تلك المرتبطة بعمليات فساد أو مضاربة التي شاركت فيها الاحتكارات الأجنبية (بل وحققت منها مكاسب كبيرة!). وسيعطي مثل هذا الإجراء درساً للجميع.
خامساً: ومع الأسف فاحتمال لجوء السلطات الأوروبية إلي الوسائل المذكورة أعلاه للخروج من الأزمة يفترب من الصفر.
فاختيار إدارة اليورو "المستقل عن الدول"، والتقديس الكامل لقانون السوق المالي، ليس خياراً ناتجاً عن فكر نظري غير منطقي. إنه اختيار يتفق تماماً مع بقاء الاحتكارات المعممة في موقع القيادة، فهو جزء من البناء الأوروبي العام الذي صمم لمنع أي طعن في السلطة الاقتصادية والسياسية التي تمارسها هذه الاحتكارات لمصلحتها الخاصة.
وفي مقال نشر علي عدة مواقع للشبكة العنكبوتية تحت العنوان: "خطاب مفتوح من جورج بابندريو إلي أنجيلا ميركل" يتحدث مؤلفو الخطاب المفترض اليونانيون عن صلف ألمانيا بالأمس واليوم. فقد حاولت الطبقات الحاكمة في هذا البلد مرتين خلال القرن العشرين أن تغير شكل أوروبا بوسائلها العسكرية التي غالوا في تقديرها. ومحاولتهم الحالية لقيادة أوروبا علي شكل "منطقة مارك" موسعة لا تعدو أن تكون مغالاة في تقدير القوة الاقتصادية الألمانية مع أنها قوة نسبية وهشة.
والخروج من الأزمة غير ممكن إلا بشرط وبقدر ما يتجرأ اليسار الأوروبي الراديكالي علي اتخاذ المبادرة السياسية لإنشاء جبهات تاريخية بديلة "ضد الاحتكارات". وكما كتبت من قبل، فأوروبا إما أن تكون يسارية أو لا تكون. أما التفاف اليسار الأوروبي البرلماني حول الشعار بأن أوروبا بشكلها الحالي أفضل من عدم وجودها، فلن يسمح بالخروج من المأزق، وهذا يعني ضرورة إعادة بناء المؤسسات والمعاهدات الأوروبية. وفي غياب هذا التغيير فإن نظام اليورو، ومن خلفه نظام أوروبا كما هو سيتعرض للفوضي التي لا يمكن التنبؤ بمداها. وفي هذه الحالة تصير جميع السيناريوهات ممكنة بما فيها إعادة مشروعات اليمين المتطرف والتي يدعون أنهم يحاولون تجنبها. وفي هذه الحالة، فإن بقاء اتحاد أوروبي مشلول أو تفجره بالكامل لن يضير الولايات المتحدة في شيء، أما فكرة قيام أوروبا قوية وقادرة علي إرغام الولايات المتحدة علي مراعاة وحهات نظرها ومصالحها فهي من قبيل الخيال.
سادساً: لقد اكتفيت بهذا العرض الموجز لعدم التكرار فقد تعرضت لعدد من جوانب الأزمة الأوروبية في كتابات سابقة لي منها:
سيادة الولايات المتحدة وتواري المشروع الأوروبي، جزء 2، عام 2000؛ ما بعد الرأسمالية المتهالكة، الفصل السادس، 2002؛الفيروس الليبرالي، الفصل 5، 2003؛
من أجل عالم متعدد الأقطاب، الفصل الأول، 2005؛ الأزمة: الخروج من أزمة الرأسمالية أو الخروج من الرأسمالية المتأزمة؟



#سمير_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة لمسألة الانتقال الاشتراكي
- الإسلام السياسي، الوجه الآخر للرأسمالية المتوحشة
- رهان الصراع الأيديولوجي : التوفيق بين الإيمان والعقل والفصل ...
- انا ماركسي ، اشتراكي ، شيوعي ، أممي
- الانهيار المالي، أزمة نظام؟
- هزيمة مشروع الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما على الخط الأ ...
- الفجوة بين الفقراء والأغنياء
- العولمة وقضية مستقبل مجتمعات الفلاحين
- الأسباب الموضوعية لفشل الثورات الإشتراكية الأولى
- الإسلام السياسي في خدمة الإمبريالية
- الإسلام السياسي
- هل تمثل آسيا الصاعدة تحديا للنظام الإمبريالي؟
- حول مفهوم القومية
- في إطار الرؤية التاريخية للتوسع الرأسمالي ألامبريالية الامري ...
- تبدأ بالعنف وتنتهي بالهيمنة الأمريكية د. سمير أمين يحدد 3 مل ...


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - سمير أمين - الإدارة المستحيلة لليورو أوروبا إما أن تكون يسارية أو لا تكون