أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد سامي نادر - يوميات هولندية-8 - سوبرانو الحي الذي لا يطرب -















المزيد.....

يوميات هولندية-8 - سوبرانو الحي الذي لا يطرب -


سعد سامي نادر

الحوار المتمدن-العدد: 3034 - 2010 / 6 / 14 - 01:08
المحور: الادب والفن
    



1- غربان "خولبن"* المبدعة

"خولبن"-"أوفَريم"- في يومياتي رقم 7 ذكرت الكثير عن صباحات "أوفرم" الجميلة وفرقها الاوكسبرالية. غير إن أحداث الساعة السابعة من هذا الصباح، لم تجر كعادتها. فبعدان أكملت تنظيف وترتيب جناح إقامتنا ((bumgalow* الصغير. جهزت كيس النفايات وركنته في زاوية من حديقتنا الواسعة. آملاً، وحسب المهام الموزعة بيننا، ان يرميه من بعدي أحد الشباب الذين يشاركوني البيت. شباننا، تعودوا التجوال والسهر ليلا والاستيقاظ ظهرا، هكذا حال ليل الحياة الهانئة الآمنة. لم تمض دقائق وأنا أهم بتحضير الفطور، حتى شق سكون المكان أصواتٌ مخنوقة ثكلى وخربشة مخالب وصدى طقطقات معدنية وزجاجية راحت تتصاعد من حول البيت. من خلال بابنا الزجاجي المطل على الحديقة، هالني بشاعة المنظر المروع. ما هذا يا الهي!: عرض سريالي مشوش بالألوان لفوارغ وعلب معدنية وكارتونية وقناني زجاج وأكياس ورق ونايلون ومخلفات طعام غطـّت بشكل جنوني بساط الحديقة الأخضر بالكامل. وهناك استقرت فوقها أسراب من غربان سود لا حصر لها. راحت تتقاسم مخلفاتنا الدسمة بنهم وشراسة. رفيف أجنحتها وتـَطاير بقايا الاوراق وعلب الفوارغ يحرك المنظر باستمرار يذكرني بأحد مشاهد الرعب لفلم "هتشكوك"،، "الطيور".. الغريب!، انها رَسَمت لوحتها الواسعة المنبسطة أمامي، دون أيّ نعيب يذكر!. بقدر ما هالني الامر، تندري خفف الأمر عليّ: بكم سيشتري مني هذه اللوحة، مهووس بسخافات "سلفادور دالي" الخَرِف ؟؟.. بالملايين؟. يقينا سيفعل، بحجة تجريد إبداعي لما بعد الحداثة. يميـَّزه، جنوح بدعة، في لحظة تجلي حيواني...ليس هناك ما يمنع ذلك في عالم مضاربات الفن الحديث. عليه اللعنة، سحبني المشهد من "هتشكوك"، الى مزابلنا و"غربان" الوطن. نفس الشكل بالتمام، يحملون قبح الملامح عينها، ويرتدون نفس السواد.. يا الهي! حتى نشيدُهم، كان نعيبَ شؤم. من منا لا يذكر كيف رسم غربانننا مشاهد بانورامية بثلاث أبعاد، جُسِّمت في هول ذاكرتنا، لا تقبل الرحيل عن البال.. لوحات حيّة ناطقة رُسِمت بفسوة في دهاليز مظلمة، كانت اكثر تجريدا وسريالية من هذا العبث الممتد امامي الآن..
أين مهووسوا الماركات؟.. من يشتري مني" لوحة العولمة "؟.
اغراء مجاني لأشهر ماركات كبرى شركات التجهيزات الغذائية والاطعمة. ها هي:(Lidl, Coop, ALDI, C1000 (…….. في عرض جماعي اقتصادي غير مكلف ..يا لفخامة فنطازيا نفايات اللاجئين. ابتكار غربان "فان كوخ" النبيل..
__________________________
*- خولبن: مدينة تابعة الى "ماسترخت" في جنوب هولندا.
**-".. منح لكل ستة لاجئين جناح((bungalow صغير يحوي كل الخدمات والمستلزمات الضرورية لمعيشة 6 سواح عصريين!!. يحيطه بساط اخضر وحديقة تعادل مساحتها تسع مرات قدر مساحة الجناح. قبل تخصيصه لللاجئين، كان منتجعاً سياحيا باجر 70 يورو يوميا للفرد!!.
*****

2- تساؤلات!!

حيـّرني ما يجري هنا. وما شاهدته خلال شهر من إقامتي في هولندا. رأيت أن معظم الغربيون يحبون الغربان. بسوادها، بعضا منها تعيش في شرفات منازلهم. يطعمونها بايديهم في الحدائق. بل يتفاءلون بشكلها ورؤيتها، بالرغم من انهم قرؤوا التوراة والكتاب المقدس، وتأثروا باسطورة الغراب الشؤم الذي علـَّم قابيل الفلاح، كيف يدفن جريمته بأخيه هابيل الراعي المسكين. وهي ذات القصة التي جعلت من الغراب في موروثنا "الديني" والشعبي، أقبح مخلوق يجلب لنا النحس على وجه الخليقة؟. لا أظنه، حس انساني غربي لاغير، على اعتباره شريكا لهم في الحياة والخلق والابداع أيضا!. أظن إن هناك خللا في عقل أحد منا. لا أدري، ربما في المعرفة أو زيف المفاهيم!!.. فالموروث هو ذاته!!. من نتاج نفس المنبع : بابلنا العظيمة!. عليّ أن أتخطى هذا المضمار الخطر والمتاهة العقيمة. لكني! أتساءل : ماذا لو!! هاجم هذا العدد من أسراب الغربان عاصمتي الحبيبة بغداد ؟؟..ماذا سيحدث؟.. طالع وفال سيء ونحس للغاية لأعضاء الحكومة..تذكروا!! ارثنا الديني، (خط أحمر) يُمْنع تخطيه!!. والشؤم في المنطقة الخضراء بوجود الأمريكان، شؤمين! فأين المفر. سيلتزم جميع الساسة الأسلاميون بيوتهم. كذلك برلمانيونا الشجعان!!.. عصيان مدني شامل سيشل الدولة، ستضم الحكومة والمعارضة!! للعصيان . ستسقط الحكومة لا محالة!. وستكون فرصتنا السانحة الاخيرة لاستلام السلطة.. يا علمانيين العراق اتحدوا!!..وتفاءلوا!. جاء فرجنا الأسود الموعود!!.. تفاءلوا بأماني زمن المشمش!!.
*****

3- غراب "أوفرم" الشجاع

تركت بؤس يأسي ووجع أحلام عالمي المنهار، وعدت، حيث جنتي "أوفرم".افكر مع نفسي أن هناك خطأ ما!. هل هاجرت غريان "فان كوخ" النبيل المسالمة حقل "القمح الذهبي"*؟.
أم غيرت العولمة طباعها،
وبدلت أطباقها الذهبية النقية؟ ام انه جرم خباثـتـنا الوطنية مقصود!!..جائز!!. أظن، ثمة فيروس شرهٍِ عاقٍ معدٍ علق في أسمال مهاجر عراقي هرب من "عربان" (نقطة الغين لم تسقط سهوا) مزابلنا الوحشية، نقل عدوى "حب القمامة" لغربان "فان كوخ" الشجاعة!. بالتأكيد ثمة من سبب هذه الفوضى. يا الهي.. كم يحمل شكسبير، من الحكمة.. حقاً:" إن الأعمال القبيحة تـُنحت على الصخر" والأفئدة أيضاً..
ما دام شكسير حاضرا هنا يمنحني الحكمة والشجاعة، فالأبادر إذن بالهجوم مستغلا لحظاتي الحاسمة،. حملت مكنستي وصحت بأعلى صوتي:"أيها الربْ، آزر أولاد الحلال" ولو لمرة واحدة يا إلهي!!..
طار الجميع قاق قاق قاق..
دونهم!! عرّابهم الكبير. وقف متحديا غباءَ هذا المهاجر الهرم الخرف المعتوه الذي لم يتعرف بعد، على قوانين البيئة وتبادل المنفعة بين الاحياء . بكبرياء رفع أحد جناحيه عاليا واتكأ على جناحه الآخر المفروش على مسطرة من شرائح جبن أصفر علامة الطاحونه الحمراء. بعدها، عَكف رأسه جانبا وراح ينظر لي بعين واحدة نظرة تحدي يقظة. في الوقت الذي راح منقاره يسحب بصلافة وحذر قطعة من الجبن. متهيئً للفرار بالغنيمة..
اتكأت أنا الآخر على عود المكنسة أراقب صلافـَة عيناه التي لا تؤكد عزمه الاكتفاء بقطعة واحدة من الجبن!!. تسمرت في مكاني متحيرا من وقاحته. آسف، من شجاعته الجسورة. تأكدت منه، إن الحرية خلّاقة لا تصنع ممسوخا جبان.. يا لبؤسنا..إن الهوة تكبر وتتسع بيننا وبين أبشع المخلوقات!!.
عليّ الحذر!.. وأن لا ارفع فرشاتي بوجه هذا القبيح. ربما سأحاسب بتهمة الاخلال بالتوازن الطبيعي والبايولوجي.. وعليّ ان لا أنسى، أن هذا المخلوق، دوننا! نحن، دخل التأريخ ذات يوم، لا نكرة. بل مُعرَّفْ بلونه. ضربات سودٍ من فرشاة الساحر " فان كوخ" العظيم.
لكني،على أقل تقدير، يجب ان أفعل شيء أزيح به هذا اللون المفروش أمامي لأعيد نضارة حديقتي .
حركت مكنستي برفق نحوه كي أخيفه ولو قليلا. لكنه هجم عليّ فاتحا كلا جناحيه. صلافته جمَّدت عروقي. بهدوء وحسرة قلت :" حتى أنت يا.. لا تخافـَني!!.. يا لسعادتي.
أليس من سخرية الألوان، يدعون الأسود، هنا،، سيد الألوان بوون الكبرياء الارستقراطي!!. مؤخرا، أعترف إني صرت أخاف كل شيء أسود، حتى أنيسيَ الليل. لديّ "فوبيا اللون الأسود". لقد هدَّ عزيمتي وشجاعتي ومضجعي. سرق كل ما هو جميل لديّ في الحياة. والمحزن، ما تبقى، يغلب عليه السواد!. لا شك ان قـُبح شكل هذا الهولندي المشاكس وتطابق تصرفاته المشينة مع لون الضلالة المنحوت في حجر ذاكرتي، عكر مزاجي الصباحي لهذا اليوم. وخلط عليّ كل ألوان زهور وزنابق ربيع هولندا الخلابة التي تحيط بي ويملئ الدنيا شذاها.. عليه اللعنة لون الكبرياء حوّل المكان في رؤياي، الى رمادي قاتم. وبقدر ما التبس علي َّ اللون. التبس الصوت على "أبا العلاء"** وأنشد:
"صاح الغراب وصاح الشيخ فالتبست....مسالك الأمر أي منهما نعبا"
وخلطت مقاربته اللاذعة الأمر عليّ بالتمام. رفعت مكنستي عاليا وهجمت: ايها الوغـد ارحل عن عالمنا الجميل..
طار سوبرانو الحي الذي لا يطرب: قاق..قاق..قاق.. نشازاً دون الجميع. فالتبس الأمر عليَّ فعلاً!!.
*****
*- حقل القمح الذهبي: لوحة لفنست فان كوخ تعد نقلة للفن الحديث. تظهر بها غربان سود!.
**- الشاعر والفيلسوف الكفيف: ابا العلاء المعري.



#سعد_سامي_نادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الى أخي..- شيخ العارفين -
- يوميات هولندية-7
- قصة قصيرة- اعتداد -
- نوافذ الفنار
- يوميات هولندية -5: - نحيب من الجنة -
- يوميات هولندية- 6 - دون كيخوت وطواحين الدم -
- يوميات هولندية -4 : - حديث في السياسة والنار -
- - هُبَليات -
- - حلم -
- يوميات هولندية 2 (آنزهايمر )
- يوميات هولندية- 1 (إرثٌ وحقيبة )


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد سامي نادر - يوميات هولندية-8 - سوبرانو الحي الذي لا يطرب -