أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد سامي نادر - يوميات هولندية-7














المزيد.....

يوميات هولندية-7


سعد سامي نادر

الحوار المتمدن-العدد: 3031 - 2010 / 6 / 11 - 08:42
المحور: الادب والفن
    


1- مخيم "أوفـَرِم"* لسياحة اللاجئين

( أوفَرِم ) قرية سياحية تتناثر بيوتها القرميدية الحمر على سفحي تلين متناظرين يسيران معاً ليرتبطا من الأعلى بمجرى ماء عذب راح يقسمها كشطري سيدة عذراء تدير ظهرها الأخضر البكر للشمس، وتفتح ساقيها دوماً ً للنور والندى لتنعم بالخصوبة.
هناك من ملتقى شطريها، من مجرى نهرها المتدفق، تشرق شمس "أوفرم". ومن مدخل عشاقها القادمين من "خولبن"، يبزغ خيط شعاع الفجر الأول ليزاول لمسات ريشته الساحرة، ليفصلهما من جديد. شطر في عتمة الظل ينيره دخان مدا فيء أبيض. وآخر راح الفجر بدقائقه يطرزه ويعيد تغيير وترتيب الألوان فيه ليوزعها حسب الظل من جديد، كصورة أخرى هي حتماً غير ما كانت عليه البارحة.
في حزيران. في الخامسة فجراً ، يبدأ فجر "أوفرم" على أنغام زقزقة وأغاريد عصافير وبلابل لا حصر لها. ضجيج جميل كهذا لم تكن أذن عراقي مشرد لتعتاد على سماعه. كما لم يخطر ببال مهاجر مشدود الأعصاب مثلي، أن ينعم باسترخاء تام على كرسي بلاج من الكتان وسط بساط أخضر تحتضنه الزهور وتحيط به شتى ألوان الشجر. حُلم كهذا مع لسعة برد ندية أرخت توتري ومنحتني إغفاءة ندية نقلتني لعالم آخر أنساني دون مقاربة، حرارة جهنمي الوطني.
بعد إغفاءة دقائق أزاحت عني تعب كوابيس ليل قصير كئيب. تعود بلابل أوفرم تنط حولي بلا خوف لتوقظني من جديد، على مرأى مشهد يختلف بالتمام، عن ما كان عليه قبل قليل.
بلبل "خولبن" وديع وشجاع، يقفز قربك دون خوف. ريشه أسود كحلي لامع، يضيئه منقار أحمر قاني. ومثل ورود سود، راحت مجاميعها تحرك برفق ألوان اللوحة الممتدة أمامي لتملأني بهجة. وأنا مسترخياً أتأمل سحر الطبيعة والانبهار بتناغم الاصوات مع المشهد الرائع، لا أعرف كيف أمكن للون هذا المخلوق المغرد الوديع أن يعيد لي لبرهة ودون استئذان إطلالة مرّه على ماضٍ قريب، رحت فيها أسترجع وأقلب بقسوة ذاكرة نسج هذا اللون من خيوطه فيها راياتا وقمصانا سوداً وصوراَ لمشاهد مشوهة موحشة أبت أن تمحى من الذاكرة.
لكن! فتنة ونضارة عالمي الاخضر الجديد وسحر أنغام فرقه الصباحية، سرعان ما عادت تلهيني وتفك أسري لتعيدني حيث أنا، متنعّماً بجنتي الساحرة "أوفرم".
هناك في فجر جنتي، ثمّة أصوات أخرى توحدني مع المكان. صيحات جهورية ثكلى تثير القشعريرة. تملأ سكون الفجر رهبة. صيحات من حولي راحت تتصاعد وتتداخل بتناغم هارموني مع أغاريد بلابلي المفرحة، شكلا معا أوبرا صباحية رائعة بامتياز. حقيقة الأمر، أنا لا أميز بين جوار بقرة متألمة من حلب أثدائها الثرية، وبين صدى خوار ثور راح يستجدي ويتوسل بألم، إحدى عشيقاته الكثر. دعوة شبقي منه لممارسة الحب أمام الملأ، كوظيفة لا يعرف سواها.. هل يختلف عن أحد قادتنا العظام المتسمرين بالكراسي؟.. ليس هناك من إنجاز يتباهى به، سوى فحولته وخصب خصيتيه وصدى هدير " خوار" بطولاته الكاذبة..
وبقى يشدني فجر "أفريم" النديّ.. ويثير لديّ الدهشة والغرابة والقشعريرة ، بؤس ذاك الخوار الجهوري الرهيب!!.
*****
*- مخيم أوفرم: منتجع سياحي يقع في قرية سياحية بنفس الاسم .. تتبع اداريا لمدينة "خولبن". جنوب هولندا. تبعد 8 كلم عن حدود بلجيكا.

2- "خوار" لاجئون

يقول المثل: "لا تجادل (تحاور) أحمق..يصعب التمييز بينكما".موعظة لها مُضْحكاتها
في سماء "أوفرم". لقد اختلطت عليّ "الخوارات" . وتاهت عليّ الأصوات.. فلم أعد أميز، من هو ااثور!!..
لكن المبكي والأكثر حزناً هنا في مخيم اللاجئين في "أوفرم". ان هناك بعض ال (خوارات ) تتصاعد نشازاً من بيننا. (خوارات) تسمم الروح والبدن حد العظم. غلو مكابرتها، تزيد يأسنا بؤساً. وافتخارها بماض توقف قبل ألف عام، وحاضر يحتضر، تشطرك وتميتك. "خوارات" ما زالت
تمجد خيبة آمال قادتها العظام!. وتتباهى بانجازاتهم. يا لخيبة المقارنة!!. بماذا؟ بنتاج سفالة قادة طوائفنا الجدد. متندرين بـ(أمنية شاوسيسكو الاخيرة)*. معلقين كل مآسينا وشرور مسببي انهياراتنا المتلاحقة، على شماعة الغرب الكافر ومؤامراته. متهمين كل من (يخاورهم) بالتخوين والعمالة..( لم أتـّعظ بالمثل!).
كم من ألم!، سماع مقارنات ساذجة حد الهبل. مقارنة ما بين رخاءنا السابق المزعوم!، مع مجرى الحياة هنا في هولندا!!.
كيف، وبأي حق؟.. مقارنة تجارب تتقاذفها الأقدار، وتسيّرها وهم الأساطير، وتقودها الى الجحيم، أهواء رموزنا الأبطال العظام!!. مع نتاج مجتمع إنساني متحضر منظم راقي. عالم وضع مشيئته ولمسات موهبته بكل صغيرة وكبيرة من تفاصيل ما يجري ويحيط به. تسير الحياة فيه بدقة مكوك الساعة، وعلى وقعها تتناغم حركة الطبيعة وحياة البشر وصولا لأصغر الأشياء والكائنات!!. عالم غني زاخر بالعلم وله تجربة ومعرفة وأعراف ومنجزات انسانية ثرية شاخصة للعيان تمجد قدرة الانسان على خلق الأرض!! لصنع حياته الزاهرة.
إنهم يضحكون على ذقونهم. بائسون حتى اليأس. لا تصح ولا توجد حتى ادني مقاربة.لكنهم جُبلوا هكذا، مكابرين!!..تعساً لقدرِ الحساد الخائبين!!!.
لا تستغربوا كل ما أقوله عن هذه الجنة، كلنا سَمَّرنا الحسد!. يقينا إننا نمارس حسدا باطنيا مذهولين أمام سحر نتاج الغرب الكافر! سارق ثرواتنا ومفقر شعوبنا!!. لكن، ضمن هذه الحقائق، يتربص الوهم. والمكابرين بالوهم .. ولهم صوت أعلى منـّا!!. ذرائعيون، سيفهم خشب لا يصدأ: شماعة "أماني الامتناع" الضالة ( لو.. لولا.. لوإن.. لــ..كنا في أمان ورخاء و...!!).ولم يسألوا انفسهم: لِمَ..لماذا؟ نحن لاجئون هنا. وكأن وضعنا البائس الذي نحن فيه، نتاج خيانة صدف!! تاريخية، لأماني قادتنا الطيبة!.. وليس من شرور أعمالهم!.. المفجع!! ماذا (لـو) لم يخنا القدر!؟؟.

******
*- يقال ان أمنية شاوسيشكو الأخيرة: "عسى،، بعد عشرين عام من موتي، أن تتمكنوا من إعادة صبغ منجازاتي التي شيدتها!!"...





#سعد_سامي_نادر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة- اعتداد -
- نوافذ الفنار
- يوميات هولندية -5: - نحيب من الجنة -
- يوميات هولندية- 6 - دون كيخوت وطواحين الدم -
- يوميات هولندية -4 : - حديث في السياسة والنار -
- - هُبَليات -
- - حلم -
- يوميات هولندية 2 (آنزهايمر )
- يوميات هولندية- 1 (إرثٌ وحقيبة )


المزيد.....




- وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا ...
- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...
- وزير الثقافة والاتصال الموريتاني يوضّح موقف نواكشوط من من مق ...
- جودة خرافية للمباريات.. تعرف على أحدث تردد قناة MBC أكشن 202 ...
- -الدين المعرفي-.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى -عكاز- يعيق ...
- هوليود تنبش في أرشيفها.. أجزاء جديدة مرتقبة لأشهر أفلام الأل ...
- رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار: التعاون الثقافي مع روسيا ...
- -بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر ...
- عودة الأدب إلى الشاشة.. موجة جديدة من الأعمال المستوحاة من ا ...
- يجمع بين الأصالة والحداثة.. متحف الإرميتاج و-VK- يطلقان مشرو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد سامي نادر - يوميات هولندية-7