وفاء سلطان
الحوار المتمدن-العدد: 3018 - 2010 / 5 / 29 - 08:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يحكى أن نجارا اشتغل في شركة مقاولات لمدة ثلاثين عاما، ولكنه قرر أن يستقيل كي يقضي ما تبقى من حياته في راحة واسترخاء.
أخبر رئيسه بقراره، فشعر الرئيس بالحزن ووافق مقابل أن يبني لهم آخر بيت، فالشركة بحاجة ماسة إلى بيت آخر.
رضخ الرجل لطلب الرئيس مكرها وبدأ ببناء البيت، لكنه لم يكن مستقيما ولا متقنا، ولم يهمه الأمر مادام سيستقيل.
انصب جلّ جهده على إنهاء البيت بأية طريقة، وكان ذلك على حساب جودته.
لما انتهى من عمله ذهب إلى رئيسه وناوله المفتاح.
رد الرئيس: لا إنه مفتاحك، وهذا البيت هدية الشركة لك!
لم يشعر بالصدمة وحسب، بل شعر بالعار!
...................
هكذا هي الحياة تهدينا بيوتا من صنعنا...
كلنا نجّارون، وكلنا نعيش في البيت الذي بنيناه لأنفسنا، كل يوم ندق مسمارا أو نرفع حائطا أو نمهد تربة أو نزرع شجرة....
صدقنا واستقامتنا يحددا جودة البيت الذي بنيناها لنعيش فيه إلى آخر يوم في حياتنا، ثم نموت ونترك ذلك البيت ليبقى شاهدا حيّا على مدى استقامتنا ومدى صدقنا.
.........
استقامتي هي درعي، وهي التي حددت جودة بيتي.
منذ أن بدأت بوضع الأساس والخائبون يرشقونني بالحجارة، أملا في هدمه فوق رأسي.
تهدمت بيوتهم، وظل بيتي شامخا!
**************************************
يقول الدكتور طارق حجيّ، الأكاديمي المعروف محليّا وعالميّا ـ بناء على ماجاء في تعريفه لنفسه ـ،:
“... احيانا اشعر وانا اقرأ تلك الأدبيات التحقيرية ان بصدور كاتبيها (من الجنسين) من المشاكل والمعضلات السيكوباتية ما يحتاج بالفعل لترياق"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=216706
..........
ماذا يعرف الدكتور الحجي عن الـ Psychopathic، حتى يقفز إلى اتهام غيره بالسايكوباتية لمجرد أن يشعر بذلك (على حدّ تعبيره)؟!
السياكوباثلوجي، يا حضرة ـ الأكاديمي ـ هي علم دراسة الأمراض العقلية، وليس الإضطرابات النفسية، ولا يُسمح إلا للطبيب المختص بعلم الـ Psychiatry، أن يقوم بالتشخيص، وإلا لكان الأمر اتهاما وشتيمة وليس تشخيصا!
بينما يُدعى علم الإضطرابات النفسية بـ Abnormal Psychology، وكذلك لا يُسمح بالتشخيص إلا للمختص في ذلك المجال.
كلمة Pathetic، تعني بأن سبب المرض عضوي، تشريحي و فيزيولوجي، وليس مجرد اضطراب نفسي أو سلوكي، كما قصدته حضرتك.
ليس من حقك أن تستخدم تلك العبارة للحطّ من شأن أحد، لأنها مرض ونحن ملزمون أخلاقيا وقانونيا بأن نحترم كل مريض.
الاسلوب الذي استخدمته لا يليق بـ "أكاديمي معروف"، أولا لأن المعضلات السايكوباتية لا توجد في الصدور، وإنما هي خلل عضوي في الجهاز العصبي عند الإنسان، ينعكس على ملكاته العقلية Cognitive Skills and activities.
هذا من جهة ومن جهة أخرى، ماهي المؤهلات العلميّة التي تمكّن السيد الحجي من تشخيص الأمراض العقلية ووصف ترياق لها؟!!
لقد حشر نفسه في مكان ليس مكانه، مع جلّ احترامي له!
كيف تسمح له أمانته الأكاديمية بأن يتطفل على علم لا علاقة له به؟!
بينما، وفي الوقت نفسه، يجرّدنا من إدراكنا العامCommon sense ، والذي هو كل ما نحتاج إليه لقراءة الإسلام قراءة صحيحة، وذلك بقوله:
فان غالبية كتبة هذه المقالات التحقيرية هم من اصحاب التكوين المعرفي الهزيل ، ومعرفتهم بالأديان المقارنة وتاريخ الأديان معرفة ضئيلة ونحيلة غاية الضآلة والنحالة...
هل يقتصر التكوين المعرفي على معرفة الأديان المقارنة وتاريخ الأديان؟!
هل نحتاج إلى شهادة دكتوراه في علم مقارنة الأديان، كي نعي البعد الأخلاقي لنكاح محمد من زوجة ابنه؟!!
لو احتاج الإنسان إلى عبقرية فذة لكي يميّز بين الخطأ والصح، لكان الجنس البشري قد انقرض منذ آلاف السنين!
ولو اقتصرت حركات التغيير في تاريخ العالم على الحاملين شهادات الدكتور حجيّ في مقارنة الأديان، لبقينا نراوح في العصر الحجري!
لكنها كانت في معظمها ثمرة جهود لقادة ومفكرين، خرجوا من عامة الناس وعاشوا بين الناس.
يقول المفكر والكاتب الأمريكي: Doug Larson
Some of the world s greatest feats were accomplished by people not smart enough to know they were impossible.
"إن بعض أعظم إنجازات البشرية قد حققها أناس، لم يمتلكوا من الذكاء ما يكفي ليعرفوا بأنه كان من المستحيل إنجازها"
إن حاسة الإدارك Common Sense، والتي هي موجودة حتى في أكثر البشر افتقارا للملكات العقلية، كافية وحدها لأن تميز بين الخطأ والصح.
لا أحتاج إلى عبقرية الدكتور طارق حجيّ ولا إلى شهاداته، كي أميّز بين الزواج كمؤسسة إجتماعية، تشكل الأساس لأي مجتمع بشري، وبين نكاح ماطاب وما ملكت اليمين!
هل يعرف الأكاديمي الدكتور حجيّ بأن انشتاين وبيل غيت واسحق نيوتن وهمنغواي وغيرهم كثيرين كانوا مصابين بالمرض العقلي Autism؟!!
هل يحق لنا أخلاقيا وأكاديميا بأن نتهمهم بالسايكوباتية ـ وهم فعلا مصابون بها وليس لديهم من الشهادات ما ذكره الحجي في مدونته ـ كي نحطّ من قدرهم ونتغاضى عن إنجازاتهم؟!!
نقطة أخرى أود أن أثيرها هنا، أملا في أن يعيد الدكتور حجيّ النظر في مفرداته، عندما يتم تشخيص أحد الأمراض السايكوباتية لا نقول عن المريض بأنه سايكوباتي، احتراما للمريض وكي لا نوصمه بتلك الصفة، فالمرض ليس صفة، بل الأجدر أن نقول: مصاب بكذا وكذا....، أي لا نستخدم المرض كصفة.
على سبيل المثال: لا يجوز أن نقول فلان Schizophrenic، بل نقول:
مصاب بالشزوفرينيا، He’s diagnosed with Schizophrenia
وإلاّ كيف نميّز بين الأكاديمي طارق حجيّ وبين صاحب هذه الرسالة؟!!
-----Original Message-----
From: Salem elkotamy
to: [email protected]
Sent: Fri, Aug 7, 2009 3:31 pm
Subject: RE: والعاهرة الكافرة السايكوباتية و فاء سرطان
....................................
يقول فولتير:To hold a pen is to be at war، أي:
أن تكون كاتبا يعني أنك في حرب!
نعم الكتابة حرب، وهي حرب ضد كل أشكال الظلم والإضطهاد والقهر والجهل، ومن المستحيل أن يخوض كاتب تلك الحرب مالم يكن مسلحا بفضيلة الصدق.
ليس من السهل أن يكون الكاتب صادقا حيال دين لا ينطوي إلا على الكذب، ولا يملك في يده إلا السيف!
الخوف قد يمنع الكاتب من مواجهة الإسلام بالحديّة المطلوبة، ولكن هذا لا يبرر له أن يتهم غيره بالسايكوباتية على الطريقة "الحجيّة"، لمجرد أنه لا يستطيع أن يفعل ما يفعل ذلك الغير!
الحجة الوحيدة التي يظن السيد الحجي أنه يملكها ليدعم اتهامه الباطل هذا، هو أننا ـوعلى حدّ تعبيره ـ نسيء لمشاعر مليار ونصف المليار من المسلمين!
فهل التزم السيد الحجي بفضيلة الصدق عندما راح يكرر على مسامعنا تلك الاسطوانة المكسورة، والتي مللنا سماعها؟!!
نعم أنا اؤذي مشاعر المسلمين، وأذيتي تمتد حتى نخاع عظمهم، لا أملك حلا آخر، فهي الطريقة الوحيدة كي أستأصل سرطاناتهم، والطبيب الذي يستأصل عينا مسرطنة هو على حق!
الحقيقة هي أقدس مقدساتي، ولن أساوم على مقدساتي في محاولة لتقديس خرافات الآخرين.
الإنسان الذي لا يسمح لي أن أرتفع بالحقيقة فوق مستوى مشاعره، هو منافق لا يهمني تقييمه لي.
لم أستخدم سيفا بل كلمات، وكلماتي دوما تشتعل غضبا، فمن لا يغضب عندما يقرأ بأن نبيّا غرز السيف في صدر أمّ مرضع لأنها هجته، لا يمكن أن يغضب عندما يقطع ديكتاتور رؤوس شعب بكامله.
يمتلك المنافقون المحترفون دوما القدرة على الخلط بين الحقيقة والكذب، عندما يبرقعون نواياهم الخبيثة بنسيج حاكوه من خيوط الحقيقة.
في تلك الحالة لا أستطيع، ككاتبة ملتزمة بفضيلة الصدق، أن أفصل بين اللب والقشرة إلا عندما أكون حادة كنصل السكين.
هم يقولون بأنني اُؤذي مشاعر المسلمين، وتلك حقيقة تكفي لتبرقع نواياها الخبيثة، تلك النوايا التي تتغاضى عمّا فعلته عندما أذيتُ مشاعرهم.
يقول منافق محترف: لقد اتهمت وفاء سلطان نبيّ المسلمين بأنه مغتصب، وبذلك أذت مشاعر مليار ونصف المليار من المسلمين الذين يؤمنون بذلك النبي.
هذه صحيح! ليس بمقدوري ـ وليست غايتي ـ أن أنفيه!
لكن الحقيقة التي يخفيها ذلك المنافق هي أنني كطبيبة، والتزاما بأمانتي العلمية، لا أستطيع أن أمنح شهادة حسن سلوك لرجل في خمسينياته يفترس طفلة في عامها التاسع، وخصوصا عندما يكون ذلك الرجل نبيا ومرشدا أخلاقيا لمليار ونصف المليار من البشر في القرن الواحد والعشرين!
هذا المنافق المحترف يتغاضى عن هدفي النبيل، وهو إقناع رجال المسلمين بأن نكاح طفلة ليس زواجا، بل هو جريمة!
لو أذيت بكتاباتي مشاعر مليار ونصف المليار من البشر، واستطعت أن اُقنع رجلا مسلما واحدا بشيطانية ذلك العمل، أكون قد حققت هدفا نبيا.
تزداد خطورة هذا النفاق عندما يُناطح صاحبه كي يحشر نفسه في صفوف الكتاب التنويرين، وهو لا يملك سوى قرنيه!!
يقول المطرب وعازف الغيتار الأمريكي Dave Van Ronk،
Honesty is the cruellest game of all, because not only can you hurt someone – and hurt them to the bone – you can feel self-righteous about it at the same time.
"الصدق لعبة فظة للغاية، ليس لأنها تؤذي الآخرين وحسب، بل لأنها تؤذيهم حتى العظم، ومع هذا تحس بأنك كنت على حق في نفس الوقت"
نعم أنا فظة وتمتد فظاظتي لتثقب نخاع العظم، ولكنني على حق في نفس الوقت! فالصدق هو الفضيلة الوحيدة التي لا تعطي ثمارا مالم تكن بالمطلق.
قد نكون أنصاف كرماء، أنصاف شجعان، أنصاف متسامحين، أنصاف حكماء، أنصاف متعلمين، ونكون في الوقت نفسه قادرين على أن نثمر ولو بعضا من فجّ الثمر، لكننا لا نستطيع أن نكون أنصاف صادقين وقادرين في الوقت نفسه على أن نزهر، ناهيك على أن نثمر!
نعم تستطيعون أن تقولوا بأنني أذيت مشاعر المسلمين، ولكنكم عاجزون على أن تثبتوا بأنني كذبت فيما قلت، وهنا يرزح ضعفكم وتشرأب قوتي!
أنتم صادقون في قولكم بأنني أذيت مشاعركم، ولكننكم لستم سوى أنصاف صادقين، مادمتم لم تعترفوا بأنني أذيتكم في محاولة جادة وصادقة لإنقاذ حياتكم.
تقول الكاتبة الصينية هان سويين:
Truth, like surgery, may hurt, but it cures
الحقيقة كمبضع الجرّاح تؤذي، ولكنها تشفي!
أنا أذيتكم بمبضعي في محاولة جادة لشفائكم، وأنتم تناولتم نصف القصة بينما تجاهلتم نصفها الآخر!
................................
يقول الفيلسوف ورجل الدين الفرنسي John Calvin:
You must submit to supreme suffering in order to discover the completion of joy.
"يجب أن تستسلم لذروة الألم كي تكتشف ذروة الفرح"
النقد هو الخطوة الأولى باتجاه التغيير، وكلّ نقد يسبب ألما!
الإنسان يشعر بالأمان مع المألوف، ويخاف دوما من التغيير مهما كان المألوف قبيحا،
ولذلك لا بدّ وأن تتأذى مشاعره عند إلزامه بضرورة تجاوز ذلك المألوف!
أعتقد بأن السبب الرئيسي لتخلف المسلمين هو محاولاتهم تجنب الألم، ولقد علمتني السنين بأنه كلما حاولنا تجنب الألم كلما تألمنا أكثر!
على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن حاول المسلمون جاهدين أن يتجنبوا الألم، الذي يسببه الإطلاع على حقيقة تعاليمهم، وتجنبهم لذلك الألم أوقعهم في مغبة ألم أقسى وأشد، وهو الألم الذي سببه ـ وما زال يسببه ـ إلتزامهم بتلك التعاليم.
فمواجهة المألوف وتغييره هي عملية في غاية الفظاظة والقسوة، ولا يستطيع أن يقوم بها من لا يملك القدرة على أن يقسو ويكون فظا.
من أقسى مهام المرشد النفسي عندما يواجه مريضا نفسيّا يعيش داخل بيئة موبؤة تزيد من حدّة أمراضه، هي إقناعه بضرورة التخلي عن تلك البيئة.
هذا المريض ألف عذاباته وألف الحياة مع أناس يمارسون عليه تلك العذابات، وليس سهلا أن تقطع ـ كمرشد نفسي ـ رباط الألفة الذي تشكل بين المريض وبيئته خلال سنوات.
المسلمون محاصرون داخل سجن ضيق للغاية، ورباط الألفة الذي يشدهم إلى سجنهم رباط قوي جدا، وتشكل على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن.
لا تستطيع أن تشدهم خارج سجنهم إلا إذا طبقت قوة تفوق قوة ذلك الرباط، وتطبيق تلك القوة لا شك يسبب ألما مبرحا، ولكن لا خيار سواه!
............
لست أول من اعتبر نكاح الكهل من قاصر جريمة في تاريخ الإسلام، وليس لديّ أدنى شك من أن ملايين المصلحين عبر التاريخ الإسلامي أدركوا أبعاد تلك الجريمة، وحاولوا أن يقنعوا أتباعهم بضرورة تجاوزها، ويبقى السؤال: لماذا لم ينجحوا في محاولاتهم؟!!
لا لأنه من الصعب أن تقنع المسلم بأنها جريمة، ولكن لأنه من الصعب أن تقنع المسلم بأن نبيه ارتكب تلك الجريمة!
لا يتألم المسلم عندما يعترف بأنها جريمة، ولكن يتلوى ألما عندما يواجه الحقيقة المرّة بأن نبيه قد ارتكبها!
ولأن المصلحين تجنبوا ـ وما زالوا يتجنبون ـ خلخلة الرباط الذي يشد المسلم إلى نبيه، لم ـ ولن ـ ينجحوا في محاولة إقناعه بالأبعاد السلبية لتلك الجريمة.
التاريخ الإسلامي يعجّ بالناس الذين حاولوا أن يلفوا ويدورا على طريقة السيد حجيّ، ولكنهم جميعا فشلوا لأنهم كانوا أنصاف صادقين، كانوا يتظاهرون بحسن نواياهم وينافقون في سعيهم لإثبات تلك النوايا!
لذلك ـ وعلى عادة أنصاف الصادقين ـ انتهوا إلى الفشل ولم تثمر محاولاتهم.
من خلال قرائتي لردود المسلمين على جرائم اغتصاب ونكاح القاصرات، أعرف بأن الأغلبية العظمى من رجال المسلمين مقتنعون بقباحة تلك الجريمة، ولكن البعض لا يتورع عن ارتكابها مادام النبي قد فعلها!
وقس على ذلك!
...........................
أخيرا، وبعد أن حشرنا السيد الدكتور طارق حجيّ بخبطة قلم تحت لواء "السايكوباتية"، صار سهلا عليه أن ينفش ريشه أمام شلة من "السايكوباتيين"، فراح يتبجح كيف اختاروه ليكون واحدا من عشرة مثقفين قابلوا السيدة رايس في مصر، قائلا:
فى شهر فبراير 2006 زارت وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية كونداليزا رايس القاهرة والتقت بعشرة من مثقفيها (كنت احدهم) . فى هذا اللقاء (وهذا منشور على نطاق واسع على شبكة الانتيرنيت) قلت للسيدة رايس ان التعامل مع الاسلاميين ينبغي ان يلتزم بالآتي : (1) احترام معتقدات الجميع....
...........
ليست السيدة رايس بحاجة لإنسان مسلم كي يعلمها كيف تحترم عقائد الآخرين، لأنها تربت كي تفعل ذلك.
كان الأحرى بالدكتور حجيّ أن يمسك شيوخ الأزهر من ذيولهم ويصرخ بهم: توقفوا عن النباح، لأنه لا يحترم عقائد الآخرين!!
لقد تبجّح بأنه اختار أن يعيش في وطنه ولم يفر إلى الغرب من أجل إصلاح ذلك الوطن، ولكنني لم أراه مرّة واحدة يواجه شيخا مسعورا ويصرخ في وجه: يافلان، اليهود ليسوا أحفاد القردة والخنازير، والنصارى ليسوا كفارا ومشركين!
رأيته مرّة في مقابلة تلفزيونية، وتصببت عرقا من شدّة الخجل من الورطة التي وضع نفسها فيها، راح يلف ويدور والمذيع يحاصره دون جدوى، إذ لم يأخذ منه حقا أو باطلا!
منذ أن قرر الدكتور حجيّ أن يستقر بوطنه وعصابات التحريض على القتل في أزهره "الشريف" تفقس كالجراد!
لقاؤه مع السيدة رايس لا يمنحه أية مصداقية، فهي مخوّلة أن تلتقي مع الشياطين لتنفذ مهمتها وتخدم مصلحة بلدها، فهل نعطي الشيطان مصداقية لمجرد أنه قابلها؟!!
الشهرة لا تكفي وحدها لتمنح مصداقية، وإلا لامتلك الزرقاوي ومرشده القرضاوي ما يؤهلهما لنيل جائزة نوبل!
لم أشعر يوما بالحاجة لأن أذكر لقرائي من أقابل ومع من أتناول طعام الغداء.
لم أشعر يوما بحاجتي لأن اُخبر قرائي بأنني قابلت أكبر سياسيّ العالم، وأهم رجالاته ونسائه.
لم أشعر يوما بحاجتي لأن اُخبر قرائي بأنني تلقيت دعوة شخصية من أهم رجل في تاريخ الإعلام السيد Rupert Murdock ممهورة بتوقيعه، وبأنني تناولت معه طعام الغداء، وتناقشت حول أمور الساعة لمدة ساعتين.
كان ذلك منذ ثلاثة أعوام، ومنذ ذلك الحين لم أشعر يوما بضرورة أن أكتب عن ذلك اللقاء، فمصداقيتي تأتي من أفكاري وليس من شهرة الناس الذين ألتقي بهم، علما بأن السيد مورداك هو من يعيّن ويخلع السيدة رايس وأمثالها، فأبو الإعلام في الغرب هو صانع السياسة بلا منازع، صانعها لأنه يساهم في خلق الوعي الجمعي!
لم أحتفظ حتى تاريخ تلك اللحظة بصورة واحدة تجمعني مع أحد المشاهير، فلقد كتمت الأمر عن أولادي، كي لا تقف شهرة أمهم في طريق صعودهم لتحقيق أنفسهم، فمن المعروف أن شهرة الآباء تساهم دوما في تحطيم الأولاد.
قبيل يومين من موعدي للقاء السيد Warren Buffet، أغنى وأهم رجل اقتصاد في تاريخ العالم، جلس ابني يروي لي حكاية نجاح السيد بوفيت بإعجاب منقطع النظير، وأنا أصغي وأتظاهر بأنني لم أسمع بذلك الرجل من قبل، ودون أن أنبث بكلمة واحدة بخصوص لقائي معه.
لم أشأ أن أخبره، لأنني أريد أن أبقى في نظره أمه التي صنعت له السندويشة، ورتبت له السرير، ومسحت له الحذاء، ووبخته على تقصيره، وتشقلبت على الأرض فرحا بفوز فريقه المفضل، علما بأنني لا أعرف حارس المرمى من لاعب الوسط!
أريد أن يظل يحتفظ بصورتي التي أحبني من خلالها، ولا أريده أن يعجب بي من خلال معرفتي بالمشاهير.
لا أريده أن يكتفي بنجاح أمه، فيتخذ نجاحها مبررا لتقصيره، أريده أن يصل بنفسه وليس أن يتوهم بأن وصولي يعني وصوله.
لنفس السبب لم أشأ أن أخبر قرائي بمن قابلت ومع من تحادثت.
قد أكون الكاتبة الوحيدة التي لا يوجد لها صفحة تعريف في أي موقع تنشر فيه، إذ لا أريد أن يعرفني الناس من خلال صفحة تعرّف بي لأنها الطريقة الأكثر تضليلا، بل أريدهم أن يعرفوني من خلال كتاباتي، ومن خلال كتاباتي فقط.
لا يهمني أن يعرف الناس شهاداتي....كتبي....محاضراتي.....أصدقائي...
بل يهمني أن يعرفوا بماذا أفكر، فالإنسان ناتج أفكاره.
أردتهم أن يشعروا بأنني واحدة منهم، خرجت من أزقة حيّهم، وتشاطرت معهم الفلافل والحمص والفول، وشربت القهوة على شرفاتهم، وحضرت أعراسهم، وبكيت لأتراحهم.
كيف يتجرأ الشاب أحمد أن يراسلني ويناديني ماما وفاء، وهو مجرّد أجير في محل لبيع القماش في سوق جادة الخندق بحلب ـ سوريا، لو علم بأنني تناولت طعام الغداء مع الرئيس بيل كلينتون، ومع رئيس وزاء بريطانيا طوني بلير، ومع رئيس وزراء اسبانيا هوسيه زباتيرو، ومع آخرين لا يقلون شهرة؟!!!
دخلت عالمه بدون شهادات وبدون امتيازات وبدون فروق، فأنس لي وبكى على كتفي، ومازال يبكي!
ترك المدرسة في بداية عامه الدراسي السادس، ليعيل أمه وأخوته الستة بعد أن تركهم والده لينكح ما طاب له، لكنني أحسسته بأنه يملك من الكفاءات مالا يقل قيمة عن شهاداتي.
ولم أبالغ.....!
فالطفل الذي يشعر بمسؤوليته أمام أمه وأخوته، ويقوم بتلك المسؤولية على أتمّ وجه هو أصدق وأشرف من كل شهادات الأرض، وخصوصا عندما يحملها أناس ليسوا أهلا لها!
العلم بلا قيم لا قيمة له، والحياة أفضل من أية جامعة!
القائد الناجح هو من يزرع في نفوس أتباعه ثقتهم بأنفسهم، قبل أن يقنعهم بضرورة أن يثقوا به.
كيف أستطيع أن أقود رجل الشارع الذي يصارع طيلة اليوم لجني رغيفه، عندما أقول له قابلت اليوم فلانا وتناولت طعام الغداء مع فلان...؟!!
وإذ أذكر اليوم المشاهير الذين قابلتهم، أذكرهم أولا: لأن المناسبة قد فرضت عليّ ذلك، وثانيا: لأنني على يقين من أن ذكرهم لن يغير بعد اليوم صورتي في مخيلة من أحبني من قرائي، فلقد استتبت تلك الصورة ولا أخاف أن تتغير.
لقد بنيت جسورا بيني وبين قرائي، بينما لم يستطع هؤلاء المغرورين الأجلاف إلا أن يزيدوا الهوة اتساعا.
عندما أقول قرائي لا أقصد من أحبني منهم، بل أشمل من شتمني أيضا!
والدليل على ذلك، بأنني لم أحرمهم يوما من حقهم في أن يعلقوا على مقالاتي، أو يساهموا في تقييمها، علما بأن بعض التعليقات تتناولني شخصيا وباسلوب سوقي ودنيء للغاية!
أما الكاتب الذي يحرم قرائه من حقهم في التعبير عن رأيهم بكتاباته، فهو ـ بلا شكّ ـ كاتب مشكوك في صدقه وفي قدرته على مواجهة الحقيقة!
أشار السيد حجيّ في مقالته الآنفة الذكر بأنه يكتب في موقع للماركسيين، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: طالما يكتب لرفاقه، لماذا يمنعهم من حق التعليق والتصويت؟!!
يقولون: لغاية في نفس يعقوب!!!
والغاية، بلا شك، هي محاولة يائسة لتجنب الألم الذي يسببه التعليق والتقييم!
هناك مثل يوناني يقول: الذي يتألم أكثر يتعلم أكثر.
الكاتب الصادق لا يحاول أن يتجنب الألم، بل يرتفع فوق مستوى آلامه، ويتعلم من تجاربه المؤلمة!
...................
وصلتني مرّة رسالة الكترونية من كاتب "ليبرالي" يهتم جدا بمن قابل وماذا قال لهم، حملت الرسالة عنوان Invitation، أي دعوة.
ظننت للوهلة الأولى بأنه أرسل لي دعوة لحضور مؤتمر يسعى لإستضافته، وإذ بي اُفاجئ بأنها دعوة وجهتها له إحدى الجامعات في بريطانيا ليعطي محاضرة، وكل ما هناك يريدني أن أعرف بأنه يحاضر في جامعات بريطانيا.
أدركت يومها بأننا قد دخلنا حربا ضروسا، حربا ليست مع خفافيش الظلام من شيوخ الإسلام وحسب، وإنما مع شرذمة مهووسة بالشهرة والألقاب، لا تتورع أن تتاجر بنا رغبة في إشباع ذلك الهوس، وهذا ما حدث!
...........................
أرسطو نفسه قال: الصدق، في معظم الأحيان، أقل ربحا من الكذب!
لا أتفق مع أرسطو إلا من ناحية واحدة، وهو أن الكذب يدرّ ربحا فوريّا لكنه مؤقتا وخلبيّا، بينما الربح الذي يدرّه الصدق يأتي متأخرا، لكنه أكثر وفرة ودواما.
عندما تكون صادقا إلى حدّ الفظاظة سيكرهك معظم الناس، لكن ـ من المؤكد ـ سيحترمونك مع الزمن.
لولا تلك الحقيقة لما بقى فولتير حيّا في ضمائر الناس، وانقبر كل من شتمه في مزابل التاريخ!
لقد بات من المؤكد أن هناك صفة مشتركة بين جميع القادة العظام، وهو أنهم جميعا قد امتلكوا القدرة على المواجهة، والمواجهة بحدّ ذاتها لا بدّ وأن تسبب بعض الألم.
لقد سببتُ ألما وسببَ لي الآخرون ألما!
تعلمت من آلامي ولم أحاول يوما أن أتجنبها، بل أن أترفع فوقها...
لقد نلتُ من الإساءات الشخصية مالم ينله كاتب عربي في العصر الحديث، ولكنها جميعها لم تستطع أن تخدش كبريائي، فعندما يجف السيل تبقى الصخور شامخة في مكانها!
لقد صبّوا عليّ سيل شتائمهم واتهاماتهم بلا رحمة، لكن سيلهم قد جفّ وبقيت شامخة.
كم مقالة، كم تعليق كُتب حتى الآن وتناولني شخصيا ـ سواء بالاسم أم بالإشارة ـ وتناول عائلتي بأبشع الألفاظ!
أين هي هذه المقالات والتعليقات اليوم، أين هي من قدرتي على الإستمرار في فضح تعاليم، لم تعد تصلح لتكون نفايات قابلة لإعادة التصنيع!
لست وحدي ـ وهذا ما يشجعني ـ فالأقلام الحرّة كثيرة وتزداد كل يوم، ولي فيها خير عزاء.
سنبقى جميعا، على حد قول أشهر شعراء ايطاليا في القرون الوسطى، والذي يلقب بـ "شاعر الألوهية" Dante:
Be as a tower firmly set; Shakes not its top for any blast that blows
كالبرج الذي يقف شامخا، لا تهزه الضربات ولا تثنيه الصدمات.
***********************************************
#وفاء_سلطان (هاشتاغ)