أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - فؤاد خطيب - أليسار العربي: واقع مرّ وعظمة غابرة















المزيد.....

أليسار العربي: واقع مرّ وعظمة غابرة


فؤاد خطيب

الحوار المتمدن-العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 11:48
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


قبل الولوج في وصف واقع اليسار العربي الراهن لا بد لنا ان نذكر اليسار العالمي الذي يعيش مرحلة جديدة ربما مرحلة جزر اخيرة وربما تتبعها مرحلة مد تغطي سواحل الفكر الانساني المعاصر المعقول واللامعقول.
لا شك في ان اليسار العالمي بمفهومه السياسي الثوري يعيش اليوم عصر ردة وانغلاق وانكفاء على الذات امام الهجمة الامبريالية العالمية التي تسمي نفسها مجازا بالنيوليبرالية وسياسة العولمة وتصدير مفاهيم المجتمع الرأسمالي بصيغته الراهنة المتوحشة الى شعوب المعمورة . هذا الاستعمار الذي تمارسه في العقود الاخيرة الدول الرأسمالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية مرة بالاغراء والمداهنة واخرى بالتشويق وبالرشوة واحيانا كثيرة بالغزو العسكري المباشر. هذا كله والثورة التقنية الهائلة وغزارة الانتاج ومجتمع الوفرة الذي خلقته هذه الثورة وسقوط التجربة الاشتراكية الاكبر في التاريخ ادت معا الى استفحال الرأسمالية وتوحشها وادت في ذات الوقت الى غياب اليسار الذي وقف لها بالمرصاد في عقر دارها . نقصد هنا اولا الاحزاب الشيوعية القوية التي كانت في ايطاليا وفرنسا واسبانيا والبرتغال واليونان وحتى في امريكا نفسها التي صارعت الوحش الرأسمالي في عقر داره ولجمته سنينا طوالا، قبل ان ينفلت من عقاله كلية على دوله تلك ويفترسها ومن ثم يعولم هجومه الكاسح في العقود الاخيرة على معظم بلدان المعمورة .
نعني باليسار ايضا النقابات العمالية القوية التي قادت ملايين العمال بشجاعة وايضا الحركة الطلابية التي كانت احد، الحراب الثورية القوية والفعالة والمقاتلة في وجه الرأسمال الاستهلاكي الجشع . نذكر هنا بالذات الهبة- الثورة الطلابية عام 1968 التي بدات في فرنسا وبعثت شرارتها الى معظم الدول الرأسمالية المتطورة آنذاك، واجبرت حكومات تلك الدول ان تغير وتحسن ظروف حياة ملايين العمال والطلاب هناك ولو لوقت محدد وبالقدر المستطاع .
بنظرنا تعيش المجتمعات العربية من المحيط الى الخليج مرحلة فكرية سياسية اجتماعية كتلك التي عاشتها الشعوب الاوروبية في القرن السابع والثامن عشر . أي مرحلة انغلاق تلك المجتمعات تحت احكام ملوك وامراء استبدادية واقطاعية فردية مع دعم ومباركة الكنيسة الكاثوليكية في اوروبا في ذاك الحين التي عملت ومازالت تعمل على ابقاء الحال على ما كانت عليه في القرون الغابرة وكان الفقر والعوز وشظف العيش آت من السماء ولا حيلة للانسان أمامه بل انه عاجز وغير قادر على تغييره . الفقر والعوز والجهل والتفرقة العنصرية وظلم الفقراء ورضوخهم لقوانين جائرة تعسفية كانت التربة الخصبة حينذاك لبقاء اللاهوتية الكنسية سيفا مصلتا قرونا طويلة على رقاب المعذبين في الارض الذين لم يملكوا في احيان كثيرة رغيفهم كفاف يومهم . بؤس الواقع هناك في ذاك الحين اثار ضمائر الكتاب والمفكرين والفلاسفة الذين عملوا وبحثوا وخلقوا ثورة في المفاهيم ادت الى الثوراث الاجتماعية السياسية التي قلبت تلك المجتمعات رأسا على عقب.
أحدهم وأصدقهم وأقربهم الى واقع البؤس الذي عاشته المجتمعات الاوروبية آنذاك كان كارل ماركس صاحب كتاب "رأس المال" الذي يلقى الآن في اوروبا وامريكا رواجا في المبيعات لم يعهده حتى صاحبه عندما كتبه، وخاصة بعد الازمة المالية العقارية التي اجتاحت مؤخرا الولايات المتحدة وكادت تعصف بالنظام الرأسمالي برمته وازمة اليورو التي تعيشها اوروبا بعد افلاس اليونان والتي نعيش وقائعها لحظة بعد اخرى . مما حدا بامريكا ام رأس المال ان تؤمم بعض البنوك العقارية الضخمة حتى لا يفقد النظام الرأسمالي هناك البوصلة التي تدور الآن في اتجاهات مختلفة. نقد ماركس آنذاك الفكر الديني بصورة راديكالية غير مسبوقة وبعبقرية فذة نرى نتائجها اليوم. وصف الفكر الديني في كتابه المشهور الذي اهداه الى صديق فكره انجلز "نقد فلسفة الحق عند هيجل " بما يأتي:
"الدين هو التحقق الخيالي لكينونة الانسان لان كينونة ذاك الانسان لم تتحقق في الواقع فالشقاء الديني تعبير عن الشقاء الواقعي وهو من جهة اخرى احتجاج عليه. الدين زفرة الانسان المقموع قلب عالم لا قلب له روح اجتماعية لاروح فيها.. انه افيون الشعوب ".
هبة الفكر الثوري الاوروبي خلقت ثورة في المفاهيم كلها وطفرة في البحوت والعلوم التي بدورها خلقت ثورة صناعية- تقنية جبارة نقلت تلك المجتمعات الى مرحلة ارقى بما لايقاس في تركيبتها الاجتماعية السياسية . تلك الافكار الثورية اوصلت تلك المجتمعات الى ثورات هائلة سياسية واجتماعية قلبت ظهر المجن للقديم ونقلت المجتمعات نقلة هائلة الى الامام لم يعرف التاريخ مثلها بعد. نقصد الثورة البرجوازية الفرنسية عام1787 وثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917.
بلفتة خاطفة يسمح بها هنا المقال يمكننا ان نوجز ان اهم ما فعلته تلك الثورات هو القضاء التام على طريقة الحكم الاستبدادية من ناحية ومن الاخرى وضع الحد مرة واحدة والى الابد لتمادي الكنيسة هناك، وارجاعها غصبا عن ارادتها الى داخل اروقتها واقبيتها المظلمة بعد ان صالت وجالت قرونا رهيبة خلقت فيها جحيما على الارض كواقع محسوس وملموس. حاولت ان تخلق نقيضا غيبيا ابعد من الخيال لتمتص نقمة المظلومين والمغضوب عليهم الذين خدموها بدمائهم ودموعهم وحياتهم مرحلة شقية من الزمن الارضي الشقي.
حقق اليسار الغر بي حتى الآن منجزات ادت الى هذه الثورة النهضوية الكاسحة في كل المجالات التي نراها هناك. اوجد ذاك اليسار الديمقراطية الحقيقية وحرية الفرد وحرية المرأة والضمانات الاجتماعية الاساس المتين الذي يجب ان تقوم عليها المجتمعات الحداثية المعاصرة. لكنه في ذات الوقت لم يفلح بالقضاء على الاستغلال الطبقي ولم يوصل الى مجتمع العدالة الاجتماعية بعد الذي تصبو له البشرية ومنذ ان وجدت والتي لا تتحقق الا بالملكية الجماعية لوسائل الانتاج.
أليسار العربي خطا خطوات وئيدة منذ بدايته مع تبلور الامبراطورية العربية-الاسلامية. انشقت شيعة علي عن النظام الرسمي لاسباب شخصية بالاساس وحاولت تغيير النظام بالقوة . كانت معركة الجمل التي قادتها عائشة زوجة الرسول "صلعم " و معركة كربلاء ولكنهم أي الشيعة خسروا المعركتين أمام بطش الامويين الذين اسسوا حكما مركزيا ارستقراطيا قويا وجعلوا دمشق عاصمة الخلافة العربية الاسلامية بلا منازع . واصل هذا اليسار اذا جاز لنا هذا التعبير هنا حربه ومقاومته ضد الارستقراطية القرشية. تطور وتنوع عبرالسنين واصبح احيانا كثير قوة ذات شأن هددت وارهبت عواصم الخلافة في دمشق الاموية وبغداد العباسية بعدها. اشهر الفرق الشيعية التي طالبت بالحرية السياسية وحرية الاختيار وحرية العبادة وحرية الفرد وحرية المرأة والعدالة الاجتماعية ونادت بضرورة مشاعية وسائل الانتاج هما القرامطة والمعتزلة الذين طرحوا افكارا تكاد تكون في بعض مناحيها متطابقة للفكر الماركسي قبل ثورة اكتوبر الاشتراكية بحوالي 800-900عام. كانت هذه ثورة اليسار الاولى في تاريخ العرب انكفأت بعدها مئات السنين. عادت الى الظهور بصورة منظمة وواعية في بدايات القرن العشرين بتأسيس الاحزاب الشيوعية اثر ثورة اكتوبر في روسيا وتأسيس الدولة الاشتراكية الاولى بالتاريخ . ظهرت في العراق اولا ثم في باقي اقطار المشرق العربي . تبلورت الحركة اليسارية في العصر الحديث بقوة قادرة على الفعل والتغيير مع ثورة الضباط الاحرار في مصر في يوليو سنة 1952 بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذي اعلنها وفعلها حربا على الاستعمار الغربي المعادي ابدا للطموحات القومية العربية . باشر ببناء دولة عصرية بعد ان امم قنال السويس وبنى السد العالي في اسوان واسس الآف المصانع الحديثة العصرية وخاصة صناعة الصلب في حلوان التي غيرت وجه مصر في ذاك الحين. كان لتك الدولة ان تتطور لخلق العدالة الاجتماعية المرجوة ولكن الاحداث العاصفة بعد وفاة عبد الناصر المفاجئة وردّة السادات الخيانية التي مازالت مصر والامة العربية والقضية الفسلطينية على وجه الخصوص تدفع ثمنها دما وحرمانا، والتي اودت بمكاسب ثورة يوليو كلها في مهب الريح. سرعان ما انكفأ اليسار العربي بعدها وغفا غفوته الثانية حتى لحظاتنا هذه. فلو بحثنا عن المعارضة اليسارية في العالم العربي اليوم ونقصد الاحزاب الشيوعية والحركات الطلابية والاكاديمية اليسارية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات النسائية التي تطالب منذ الازل بمساواة المرأة العربية مع الرجل لوجدناها منزوية في دياجير مظلمة عاجزة تماما وغير قادرة للظهور على الملا، فما بالك بقيادة الجماهير المعذبة نحو
ثورة يسارية شاملة تنهي نظام الاستبداد في العالم العربي كتلك التي فعلته المجتمعات الاوروبية قبل قرون. النظام العربي الحالي هو سبب تخلف شعوبنا في الركب الانساني العظيم الذي نشاهد وقائعه كل يوم وبالبث الحي في بيوتنا. نرى ونعيش الآن في عالمنا العربي الظواهر المعوقة للتقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والقبلية والاستبداد وتصادم الهويات الاثنية والمذهبية الامور التي فتتت المجتمعات العربية ومنعتها من التحول الى مجتمعات حديثة ومتطورة.
كتب نايف حواتمة وهو احد رموز اليسار العربي المعاصر في كتابه " اليسار العربي: رؤيا النهوض الكبير "ما يلي ".. الشارع العربي شارع احتجاجي بالدرجة الاولى والاحتجاج لا يمكنه ان يغير الواقع دون مشروع سياسي غير موجود". بنظرنا ان الرفيق حواتمة قد اصاب كبد الحقيقة اذ اننا فعلا ما زلنا نتخبط فكريا وسياسيا في عصر القبائل والعشائر والافخاذ والحمائل ولم نستوعب بعد اصول الحداثة بمفهومها الواسع اللهم اذا استثنينا وقوعنا غصبا عنا تحت سيطرة العالم الاستهلاكي التعيس. هذا العالم الذي جعلنا وبحق وبالرغم عن ارادتنا ارقاما استهلاكية تستهلك ما ينتجه الآخرون . بقاؤنا كأحفاد حضارة عربية- اسلامية كبيرة اعطت العالم كثيرا مرهونا بدمقرطة نظامنا السياسي وفصل الدين عن الدولة وتحرير المرأة العربية نصف مجتمعنا وبناء ثور صناعية تقنية حديثة وهائلة تنتج غذاءنا وسلاحنا.
مدعاة تفاؤل حواتمة وامثاله من اليساريين العرب المخلصين لمستقبل هذه الامة والماركسيين خاصة هو صعود تجارب اليسار في العالم وخاصة في امريكا اللاتينية منذ عقدين مثل تشافيز في فنزويلا وايفو موراليس في بوليفيا واورتيغا والحركة الساندينية في نيكارغوا والرئيس لولا في البرازيل والتظاهرات الاحتجاجية لعشرات الملايين في اوروبا وامريكا ضد العولمة الرأسمالية وضد الغزو الامريكي للعراق وافغانستان وتضامنا مع الشعب العربي الفلسطيني في مأساته الابدية. ما دمنا نقدس النصوص ونكفر التفكير ونخاف الكتب مثل "الف ليلة وليلة " و "كليلة ودمنة " التي كتبت فبل الف عام لن تقوم لنا قائمة لا في المشرق ولا في المغرب وسنبقى على حافة هذا العالم نزحف الى زوالنا او بقائنا في الغالب على حافة هذا العرس الحضاري الكبير الذي تشهده الدنيا في طريقها الى الأمام.



#فؤاد_خطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المؤسسة اللاهوتية والأصولية والسياسة العالمية
- عولمة الامبريالية وحروب العقائد
- رسالة حب من سفينة العمر
- الدين لله والارض وما في داخلها لشعوبها ألبابا بنديكتوس ال 16 ...
- سرق النظام المصري الشعب المصري حقا من حقوقه : رحيل محفوظ وال ...
- دافنشي كود - الفيلم الذي هز عرش البابوية
- ألماركسية والحدث الانساني المعاصر


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - فؤاد خطيب - أليسار العربي: واقع مرّ وعظمة غابرة