أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قاسم أمين الهيتي - ضوء على عتمة نفق الانتخابات















المزيد.....

ضوء على عتمة نفق الانتخابات


قاسم أمين الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3006 - 2010 / 5 / 16 - 02:54
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ليس من الإنصاف نقد مرحلة معينة تعيشها وأنت جزءاً منها دون انحياز كما انه ليس من الدقة أن تنقد تلك المرحلة بعد مرور زمن طويل عليها. لذا يتحتم أن يجري النقد بعد زمن مناسب من نهايتها. مما يجعل النقد قادراً على محاكاة الأحداث الكبرى ويضعها في الإطار الذي انتهت إليها نتائجها. ومن هذه الأحداث هي مجريات الوضع العراقي على ضوء انتخابات2010 .
ما يثير الانتباه في مرحلة ما بعد الاحتلال هو خطاب اليمين المتوافق لحد كبير مع خطاب اليسار. فهما يحتفلان "بالحرية وبالمساواة وبالعهد الديمقراطي "المجيد" ولم يعد الصراع حول قيم ومبادئ التقدم يحتوي على مراهنة سياسية حقيقية ولا على ضغط نفسي ثقيل على أي من الطرفين. ومرد ذلك إلى أن الصراع السياسي قد انتقل من الصراع الطبقي لدى اليسار إلى اتفاق " شكلي" حول المستقبل لتقاسم الميراث. إن هذه المرونة التي رأيناها في إحياء ذكرى ثورة العشرين مثلاً، التي لم يكف الشعور الوطني بالاعتزاز بها والتي جعلت من التاريخ النضالي للعراق معياراً خاصاً للسلوك الوطني المناهض للامبريالية والغزو والاحتلال ، ليس لأن تلك الثورة كانت بحق حقلاً للقضايا المتميزة فحسب بل لأنها كانت خاضعة لعملية تبني الحدث ذاته بعيداً عن المزايدات السياسية. لكن هذا التوافق بين الطرفين هو نتاج معقد بين طائفية الشخوص وخوف الإقصاء. كما أن هذه "العقلنة" غير موجودة في مؤلفات ماركس حسبما أتصور. عاماً بأن تحول في الفكر الثوري إلى مفاهيم أخرى يبدأ بنقد فكر قادته. وطالما غاب هذا النقد فإن أي بيان إعلامي سياسي أو اجتماعي لا يغير من الواقع شيئاُ. والجمود في الوسط الاجتماعي والسياسي لا يبرر باللف والدوران أو بإدعاء معضلات المرحلة. فالمأزق الغريب إذن أن ينتهي اليمين الطائفي في مجلس النواب ليضع تاريخاً واحداً للمرحلة مع عامل السكك. والمفارقة العجيبة فعلاً هو عندما ينبري احد النواب الرجعيين في المجلس مستنكراً الزيادة في ارتفاع مرتباتهم الشهرية ويصمت الماركسيون حتى عن الذبح اليومي للشعب. إن الماركسيين الحاليين يريدون التغيير من داخل العملية السياسية وتحت مضلة ومباركة الطائفيين مبتعدين عن تفسير لماذا هذا الخلل الذي يجري في عقولهم وعن الدور التاريخي الذي يجب أن يلعبوه .متحججين بدعاوى شتى أقلها وطأة هي"الشفافية" التي لا وجود لها في مؤلفات ماركس. هذه "الشفافية" التي اخفت قيم الشعب وأضافت غشاوة عالية على النضال الوطني في صفوف المتعبين. ولا ندري فيما اذا جاء هذا القصور نتيجة لخلط وخطل فاحش في عملية نقد النظم الماركسية التي نقدت من قبل تلك النظم ذاتها بصورة موضوعية وعدم فهم الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تفتت الاتحاد السوفيتي وهل هو المضمون أم التطبيق؟
إنا لا أريد أن أومئ إيماءً بل أريد أن أقول أن التفسير الماركسي للفكر الثوري يفترض تقطيعاً زمنيا، يتناول التغيير كشلال من الإحداث التي ينبغي أن تحلل وتنقد وتتفاعل مع آمال المتعبين لتظهر منسجمة مع ما هو مطلب من التقدميين في تلك المرحلة. لقد كان دارجاً لفترة طويلة عند رجال جيلي المؤمنين بالفكر الماركسي أن اللبس في مفهومي الستراتيج والتكتيك أو العمل على احدهما على حساب الآخر يقود إلى مهاوى خطيرة، اثبت التاريخ صحة ذلك من نتائجها. ففي نهاية الخمسينات تغلب الستراتيج على التكتيك وكانت النتيجة مجزرة رمضان وفي بداية السبعينات تغلب التكتيك على الستراتيج وكانت النتيجة ذبح الماركسيين وتشريدهم وتشتيتهم في بقاع العالم الرأسمالي واستهوتهم الأيام وتركوا أو بدأ أفضلهم إن تحدث فحديثه من موقع البطر السياسي. لذا فإن الفرز الدقيق بين الستراتيج والتكتيك مهمة كبيرة وركيزة أساسية في عمل الماركسيين. والقطع الزمني ليس مرهوناً بالزمن فحسب بل بفداحة الأحداث أيضا. فلا يصح أن تكون أحداث 2003 أحداثا مطلقة، تمثل ما قبل الاحتلال وما فيه من "أتراح "وما بعد الاحتلال وما فيه من "أفراح" ونطوي أحداث الزرقة أو أحداث تفجير الإمامين العسكريين أو التفجيرات الدامية يوم الأحد والاثنين والأربعاء وعلى عدد أيام الأسبوع وكأنها نسياً منسيا . فالماضي القريب أيضا هو حقل يتضمن في داخله ما حدث لتحديد مستقبل ذلك الحدث. لقد أفرز الاحتلال تكوينات سياسية توالت عل سدة الحكم ولكن ليس من الحكمة اعتمادها مستقبل لكل الماضي والاستسلام للوعود المتلبدة بقدوم عصر ديمقراطي وسط ضجيج الأميين وجنون الطائفية التي أحدثت الشرخ الدامي في لحمة نسيج الشعب. وهذا ما نلاحظه من الخطاب المضطرب للقادة "السياسيين" المتسلقين الذي يشير إلى ترجيح عامل القطع الجذري لكل ما بعد الاحتلال عن كل ما قبله. وأدت المغالاة في التصور إلى رؤيا تتلخص في رجعية لنظام قديم يعتبره النظام الجديد "التقدمي" وجهه المعاكس مئة بالمائة. وكأنما الوضع الجديد هو انتصار لغيبية مادته وغيبية حتميته التي ما بعدها من قول ولا عمل. هذه المغالاة أدت إلى صمت الماركسيين جملة وتفصيلاً وغاب عنهم في أن يكون الحدث المؤثر نقطة ارتكاز، كحلقات سلسة تدعم الحاضر وترسم المستقبل. وإلا أي تبرير مقنع عند ما تحصل فئة سياسية لا يزيد عمر تكوينها بضعة عقود على 40 مقعداً في البرلمان ولا يحصل حزب ثوري على أي مقعد ،كان قد سار معه في أول أيار قبل ستة عقود نصف الشعب بمظاهرة واحدة وما يزيد في الطين بلة ظهور قيادة للطبقة العاملة العراقية في" طربكة وردة العنق" بأول أيار 2010. هل الجواب القاتل هو لو كانت القيادة غير مهادنة للطائفية لما حصل ما حصل؟ فإن صح هذا التفسير بان الأحزاب الثورية انضوت تحت خيمة الطائفية ذات "العماد العالية "، فالله في عون المتعبين عندما يصبح "حاكمي خصمي”. أما إذا أمست مفاهيم الثورية الحالية تتطابق قلبا وقالبا مع المفهوم الغالب للكتل السياسة الطائفية من أجل" الدخول بالعملية السياسية" وان المبادئ قناعاً تختبئ تحت خيمته ضرورة الحدث ومرارة الانكسار الزمني في الماضي البعيد وذلك من عمل العناية الالهاية ، فالمصيبة أعظم ؟ إن هذا ما يتقاطع كلياً مع المجتمع المدني والجموع العراقية المنهكة والمسحوقة من قبل قوى وتكتلات جامحة حتى عن خطاباتها،وميليشيات ظالمة تعمل كتيار مضاد وناشط ضد التطور وضد كل ما هو خير وصالح للمعدمين. ولم تعدّ أفعالها تبرر كردود فعل لما وقع في الماضي من ظلم بل أنها تقمصت النبل واستحوذت على المال العام وارتدى أبناء آوى العمامة. وما يسمى بالتغيير "المبجل" الآتي كيوم ربيعي لم يتعدى إلا تنديد بالنظام السياسي السابق وهذا لم يغني الفقراء ولم يسمن الجياع، وخطاب " القضاء "على الدكتاتورية في المجتمع جذر الارستقراطية و الطائفية الأكثر نخراً.
لقد أدى التصور العام لمناضلي الأعوام الثورية لهذين المحورين المتناقضين ايدولوجياً "المتكاتفين"سياسياً، إلى شديد الامتعاض ولم يعد في الواقع سوى ملجأ واحد حتمي يتضمن الجمود والخنوع. وبالتالي إلى انتصار مبدأ التعتيم على مبدأ التنوير ومزيداً من القهر على مبدأ الحرية ومزيداً من الامتيازات الفردية على مبدأ المساواة. وعادت الدكتاتورية كتحصيل حاصل لفقر مدقع يوازي ثراء فاحش. إن الأمر في جميع الأحوال لم يتعدى طحناً لفراغ كان من السهل ملأه حتى من قبل الماركسيين غير المنتمين بالاستفادة من المتناقضات التي كانت تحملها تلك الكتل في السنين السبع العجاف الماضية وتطويره نحو مستقبل على قدر اكبر من النقد والانفتاح لو لم يكن هناك تنظيم حزبي"ماركسي" مماثل شلّ عمل ورغبة هؤلاء التقدميون. ولأن آمن من آمن بأن أمريكا هي التي تصنع التاريخ فعليهم أن يعلموا أنها لا تعرف نتائج ذلك التاريخ الذي تصنعه أو الذي ستصنعه لأن النتائج خاضعة لعوامل غير متماثلة في كافة المواقع. صحيح أن أحداث الاحتلال قلبت الحالة السابقة لكنها لم تؤسس لأسلوب جديد ينعم فيه الأغلبية بالأمن والرفاهية، بقدر ما خلقت أزمات تمت بتمحور التجمعات السياسية التي نشأ عنها التكالب على السلطة نتيجة "شغور" الكراسي وغياب الموسساتية، تبعها قمع ورعب وأزمات اقتصادية وبطالة. وأكثر من ذلك لم يعدّ شيء يشبه المجتمع العراقي بعد تلك الأحداث لا من قريب ولا من بعيد. فإذا كانت تلك الأحداث "استيراداً" أو "اختراعاً" واختلال توازن ودخول قوى كانت قد عطلتها الآلية السياسية السابقة ووجدت هذه القوى ذاتها في فسحة فارغة جعلتها تتكتل بدوائر كانت محرمة عليها وعلى حين غرة ودون وجود فترة تمهيدية غزت السلطة أو بالأحرى أن السلطة غزتها ورفعت الشعارات الهمجية ومارست التقتيل الفتاك ، إن ذلك لا يعفي البديل المخلص من ملأ الفراغ المطلوب منه تاريخياّ.
هذا التحول السريع أدى إلى أن تصبح جميع المشاكل الفردية والمسائل الأخلاقية والعلمية والفكرية مسائل سياسية ، ولم يعد ممكناً تبرئة أي مأساة إنسانية في العراق من قرار أو منحى سياسي. إنه منطق ومنطلق يعيد النظر بالكبت النفسي الذي أصبحت السياسة هي موطن الحق والباطل والخير والشر ضمن المعتقدات الدينية الطائفية. فلم يعد الفكر يصادف نقاشاً جاداً بقدر ما يلاقي خصوماً جاهزين منحازين وان المفكرين هم كبوش الفداء. وهكذا أصبحت "الديمقراطية" الحالية لا تمثل مجموعة قواعد معتقدات أو معطيات تهدف إلى تنظيم آلية السلطات الثلاث بل ترمز إلى أسلوب للتالفات الجديدة التي تظهر وتختفي. فلكي يقيم الشعب الحرية والعدالة ينبغي على اليسار فضح تلك المفاهيم إعلاميا، على الرغم من دفع الثمن ، وذلك بالاعتماد على المثقفين والأغلبية من اجل للنفوذ إلى الحل الصحيح لبناء الديمقراطية، لا أن ترفع لافتات التيارات اليمينية . إن اختلاط الأدوار واعتلاء الخطباء الجهلة في المناصب كان له صدى واضح على تردي الوضع العام. فقد استبدلوا المبادئ والقيم النبيلة بتوازن المصالح للحصول على السلطة. وهكذا نجد المجتمع الحالي عالماً مبنياً على اساس الفردية ولم يعد عالماً مبنياً على أساس المجموعات المجتمعية التي تعتمد على ما يدور في الشارع العراقي ومقاهيه وتجمعاته، وجمدّت الجهود الرامية إلى تطور النظام السياسي. فالبرلمان بشكل أو بآخر جزءاً من السلطة التنفيذية فهو يغتصب التمثيل النيابي أكثر مما يمارسه. بل انه يستلهم بشكل ما مفاهيم السلطة التنفيذية ويغازلها وأصبح النائب يستجدي رضاء الحكومة خوفاً من عقابها واتقاء شرورها بالرغم من " المفترض" أنها نشأت من رحم البرلمان. قد يتحدث أحد النواب أحيانا "بصمت" أو بذل بلغة الشعب لكنه لم يخرج عن دائرة"الخطوط" الحمر التي تصنعها السلطة التنفيذية.
بعد انتخابات عام2005 وتلقف "كرة" السلطة من قبل رئيس الوزراء الحالي من تحت أقدام الصقور ووضعها في "رنك" السلة بالالتفاف على إرادة رجال كتلته ، فرض عليهم "بمكر" نوعا من الصمت المؤقت الذي تلاه الإقصاء وتصور انه هو وحده اللاعب الأوحد ببطولة "السلة". وعندما اعتلى قمة الهرم أراد أن يخضع خطابه " بمشروعية السلطة " من خلال منابر الدولة على مجموع الكتل ومن ثم على الشعب " باستعمال" "شعار دولة القانون" وهكذا بدت للبعض خطوات محمودة. فمن لا يريد تطبيق القانون في تلك الظروف اللعينة من الإرهاب؟ ثم من يعترض على الدستور الذي "صوت " عليه "الشعب"؟ واختلط مفهوم القانون بمفهوم الدستور. وهكذا توالت قوانين القانون ومارست الحكومة الخروق القانونية تحت يافطة سلطة "او سَلَطة "القانون واتخذت القرارات الفئوية. قد تكمن المشكلة بحالة نفسية لذاتية فردية عقدتها مطاردة معارضة قفزت على قمة هرم، فإن لم تنتقم لماضي مؤلم قاسي فإنها على الأقل لن تسلم مستقبلاً قمة هرم عالي ولن تعود إلى الحضيض أو للوراء وماضيه الرديء. لقد قدست هذه الخطى الشلة المحيطة التي كانت لها ذات المعاناة. ونفرت هذه السلوكية حتى شخوص كتلته وانفصلت عنه وكره الناس الفردية الجديدة كما كرهها من قبل. ولم يجد الخطاب عن المساواة والفضيلة أساسا في المنهج العام للدولة ولا في المردود الفعلي للجانب الأمني والاقتصادي للفئة العامة للمتعبين وهكذا ملأت السجون . وان لم يكن الإرهاب الذي مارسته الحكومة ذا مرض نفسي لكن الوعظ بمطاردة المنافسين له الأثر الأكبر في ملأ السجون. فمن العبث أن تجعل من وحش اغتصاب رئيساً وزراء دولة ومن الدكتاتوري ديمقراطيا، لكن عدوى الحاضر من ذلك الماضي. إن السنوات الأربعة التي رأس بها عبد الكريم قاسم الوزارة جعلت منه وجهاً خالداً في ضمير الشعب لأنه كان الأكثر نقاءً وتعبيراً عن طموحات المعدمين.
لقد أولى الحكم جلّ اهتمامه في السنوات الأربع الماضية إلى إبعاد الكتل الأخرى عن أية سلطة مؤثرة في الأحداث وظهر الصراع البرلماني بين النائب والوزير بتوتر سياسي غير معقول وبالريبة التي وصلت حد الاتهام بالخيانة الجماعية للوزارة. مما زاد في غي السلطة التنفيذية بدل تقليم أظافر السارقين وفعلاً مارست ما اتهمت فيه وأصبحت فاسدة ومفسدة ومنفصلة عن الشعب ولا تتمتع بالمشروعية الحقة. ولكن كيف يسمع من في داخل الماكينة أصوات المعدمين وآراء الحكماء. لذا تجد أن خطاب السلطة يكمن في أيادي المتحدثين باسمها ،سواء المتحدث الرسمي أو العسكري، وكذا الوعاظ المرتزقة وهؤلاء متواجدون في الكلمات المستمرة التي تكشف عن ما يراد إبقاؤه خافيا لأنه ممقوتاُ وغدت خطابات الفضائيات صراعاً تبريرياً لنيل المشروعية لا مسارح للنشاط الوطني. وبدا وكأن حتى من يلتحق بخدمة مدنية رسمية مستعداً للكلام بلسانين وقد يصبح خائناً لمبادئه التي ارتبط بها ردحاً من الزمن.
وإذا ما استعرضنا الاعتراض المستمد من " الظروف" التي هي بمثابة التخفيف لمجريات ما جرى، فإن ما يشرحه "منظرّي"رئيس الحكومة المجبرين بحكم امتيازات الموقع كي يقبل الشعب بيسر القمع الدامي الذي اتسمت فيه مرحلته ، يكره الشعب على غض الطرف عن حقوقه المشروعة بحجة "الظروف المخففة". فإلى أي حدّ تنوع ذلك القمع من الحرب الطائفية إلى الجرائم الفردية ومن المذابح الجماعية التي ارتكبتها القوى الحكومية إلى الإرهاب المنظم في السجون المعروفة رسمياً والمخفية على المستوى العام لكي تعدّ ظروفاً استثنائية. وهل تقاس كل هذه الجرائم بميزان أرباحنا التي حصلت من دولة "القانون"؟ إن "الظروف" تمثل فقط عداء للشعب ودسائس وعاظ السلاطين لشخوص ربطوا مصيرهم بمصالح وشعارات خانوا بها ذواتهم ووطنهم. إذ إن "الظروف" المزعومة تنقل مصالح العموم لصالح القوى المتغطرسة وإنه الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب لبراءة الحكم فيما يتعلق بالإرهاب والفساد. وباعتقادي أنه لم تكن هناك ظروف غذّت الإرهاب بل كان إرهاب غذّته الظروف.وهكذا آلت الأمور إلى أن السلطة لم تعد تعير اهتماماً بحاجتها للرأي العام ولا إلى احترام الشرعية ولن تستطيع أبواقها تغيير طبيعتها نتيجة مفاجأتها المتكررة المنكرة المتلبسة بالجرائم المشهودة. وانتقلت مفاهيمها من الحالة المبدئية إلى الحالة التبعية والدعاية الفردية الوحدانية. وما زاد من حرج الحالة أن كثير من الناس ما زالوا ينشدون أنشودة تمجيد السلطة ولم يحصلوا على الوقت الكافي للتحرر من عقدة استحكامات رمزية الدولة أو أطيعوا أولي الأمر منكم.
أما رؤساء الكتل السياسية فهم يقضون أوقاتهم بإبداء رغباتهم للتفاهم ولكن كل حسب مصلحته وعكس مصلحة جاره. وأصبح خطاب الائتلاف مجرد مزايدات "ومناورات ودسائس ظاهرها حق وباطنها باطل” تهدف إلى السيطرة أو الاحتفاظ بالسيطرة "أو وصلاً بليلى" وقطع دابر الشركاء في العملية السياسية. إن من واجب الخطاب السياسي الوطني أن لا يخفي الدسائس، بل أن يعكس القيم كالمرآة لأن الشعب لا يمكن أن يغفل طويلاً عن حقوقه لمصالح خاصة. لقد أدت هذه الأفعال إلى ردة فعل جماهيرية تظهر وكأن العراق يقطنه بشر هبط من كوكب آخر في جزيرة موحشة. ولم يعد مجالاً للتصور بأن شخوص الحكومة لا تمثل مطالب الشعب ولا تعني الدولة ولا تعني العراق. وقد يعزى السبب إلى أن السلطة السابقة كانت تسير وفق معايير يلزم عدم تجاوزها ، بغض النظر عن ماهية تلك المعايير، وفجأة أصبح المجموع دون ما معيار محدد بل فصّل كل من هدب ودب معياراً "وطنياً "على مقاسه يرغم فيه قسراً تطبيقه انطلاقا من مبدأ " التعددية ". وهكذا أودت التعددية مضمونها وأصبح توازن القوى بديلاً لإرادة الشعب في التمثيل الانتخابي وبات المجموع المتعب في تناقضات محورها من يرأس الحكومة؟ "لا ما هو برنامج الحكومة"؟ هذا المحور الرمزي الثانوي في الظروف المريرة للبلد.
إذن هناك سلطة متنازعاً عليها من جهة ومن جهة أخرى هناك أناس يتصارعون ليستحوذوا عليها وبين البينين غابت الايدولوجيا الوطنية التي تقتضي غربلة الرجال المخلصين لاعتلاء سدة الحكم. ولكي تختفي ذيول الهمجية والإرهاب وتندثر الشرور ويظهر نظام اجتماعي متطور يتطلب تواجد سلطة فاعلة تتخلى عن سلطة التسلط التقليدي وتحقق آمال الناس بلسان صادق وعمل مخلص في الفحوى والمضمون وفي التنظير والتطبيق. لكن السؤال المطروح : كيف انتخب الشعب هؤلاء الذين لا يمثلوه؟ للإجابة على هذا يتطلب ديمقراطية عالية وفكراً يستوعب معاني الجواب لا يصح قوله في الوقت الراهن. ولكن بعضاً من تلك الأسباب يمكن ان تقال مثلا: لا يوجد غير هذه "البضاعة" والناس بحاجة "للتبضع" أملاً أن تكون أفضل مما هو موجود "و كما يقال بالعراق هذا الموجود بالأفريقية" ، أو هناك من يحسب أن الانتخاب الطائفي "خيمة" وجود لأن تكون أو أن لا تكون على قيد الحياة؟. ولا يفوتني أن اذكر أن الذين انتخبوا الطائفيين من العلمانيين فإنهم خونة لذواتهم ولقيمهم ولشعبهم .أما المسلمون منهم فتنطبق عليهم الآية القرآنية من سورة الأحزاب ( يوم تقلب وجوههم في النار، يقولون ياليتنا اطعنا الله واطعنا الرسول، وقالوا ربنا إنا اطعنا سادتنا وكبرائنا فأظلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا).
وأخيراً إن فكرة التآمر هي من نسيج التغيير الذي حدث وهي قادرة أن تحدث إذا لزم الأمر وأضرب الشعب ،لأنها مقدوراً عليها ضمن الجو الحالي ولم تعد العملية محظورة كما سبق. فالمؤامرة هي كإرادة الشعب ما دامت رد فعل لاختلاف مع سلطة تغفل الديمقراطية ولا يمكن تبديلها سلمياً، ولأن الديمقراطية هي مرحلة تاريخية ضرورية في التنظيم الاجتماعي ينبغي أن تتجاوز بمراحل لكي يمكن أن تتجاوزها مراحل مستقبلية أخرى.



#قاسم_أمين_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق الإنسان
- الصناعات النووية: هلع أم قلق مشروع؟
- الديمقراطية والانتخابات البرلمانية
- مسيرة حقوق المرأة ..الجزء الثاني
- مسيرة حقوق المرأة
- سجن الحوت .. معسكر التاجي
- التأثير البايولوجي والوقاية من الأشعة السينية.
- البيئة الإشعاعية
- حين يرحل الكبار
- هل حسمت القنبلة النيوترونية معارك الجيش العراقي؟
- استنساخ لبنة بناء الأحياء
- تساؤلات حول لبنة بناء الكون
- النفط مستعبد الشعوب في سيرته الذاتية


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قاسم أمين الهيتي - ضوء على عتمة نفق الانتخابات