أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - قاسم أمين الهيتي - النفط مستعبد الشعوب في سيرته الذاتية















المزيد.....



النفط مستعبد الشعوب في سيرته الذاتية


قاسم أمين الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1923 - 2007 / 5 / 22 - 10:53
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


تحتدم المناقشات حول النفط في هذه الأيام ليس في أوساط الخبراء وقادة الفكر والسياسة والاقتصاد فقط، وانما في كل مكان، في الصرائف كما في القصور، وبين أوساط الأحرار كما في أوساط الخونة ، وبين المتخصصين كما في أوساط البسطاء.

وهذا مؤشر لا يُنكر ودون جهد للاشارة الى أهمية النفط في حياة الناس كل الناس، وفي هذه (الكولبه) بلغة شمران الياسري (أبو كاطع) وجدت حاجة من جانبي الى تتبع مسيرة هذه المادة شديدة الأهمية والاشتعال، ومصدر الفقر والغنى في ذات الوقت.

1-1 تمهيد

بدأ التغلغل البريطاني في المناطق العربية، بدافع تجاري، في القرن السابع عشر عن طريق البحار الشرقية والخليج العربي. وقد دخلت بريطانيا صراعا كبيرا ضد القوى الأوربية المتنافسة، فضلا عن القوى الإقليمية. وهكذا اتخذ الانكليز ميناء بندر عباس مستقرا لشركتهم المسماة شركة الهند الشرقية للحصول على امتيازات تجارية في ايران في سنة 1600 . أما في سنة 1763 فقد اتخذوا البصرة مركزا استراتيجيا لأغراض تجارتهم في منطقة الخليج. وبدأ وصول مبعوثيهم ومستكشفيهم وخبرائهم لأغراض شتى إلى العراق خلال القرن التاسع عشر مثل بعثة جسني سنة 1830 وبيت لنج سنة 1861 . مما زاد من أهمية العراق الدولية حتى قبل استكشاف النفط أو نشوب الحرب العالمية الأولى ، و وصل عدد الشركات التجارية البريطانية في العراق، أواخر القرن التاسع عشر 16 شركة. سيطرت هذه الشركات على قرابة 90% من تجارة العراق الخارجية.
بدأت بريطانيا تسعى للحصول على امتيازات للتنقيب عن النفط من الدولة العثمانية أواخر القرن التاسع عشر. و تم تأسيس البنك الأهلي العثماني برأسمال بريطاني مائة بالمائة سنة 1910. كما أتفق الانكليز والألمان بجبهة اقتصادية ضد المحاولات الأمريكية للدخول في المنطقة. فضلاَ عن ذلك فقد تم الاتفاق بين البنك الأهلي العثماني والبنك الألماني على تأسيس شركة سميت باسم شركة النفط التركية التي عرفت فيما بعد بشركة نفط العراق. لقد فاوضت الدولة العثمانية للحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في ولايتي الموصل وبغداد. ومن ثم في كركوك ، اذ تدفق من حقل بابا كركر في الساعة الثالثة من صباح يوم تشرين أول 1927على حساب هذه الشركة.
اندلعت الحرب العالمية الأولى سنة 1914، و كان مقتل ولي عهد النمسا في العاصمة البوسنية بمثابة عود الثقاب لتلك الحرب الضروس. إذ كانت أول أكبر حرب استعمارية توسعية ضروس شهدتها الانسانية، تمخضت عن التناقضات العميقة التي كانت تمزق الدول القوية انذاك وراح ضحيتها مئات آلاف البشر. وتبلورت تلك التناقضات بخندقين هما ؛ جبهة الحلفاء التي قادتها انكلترا وفرنسا وروسيا والجبهة الثانية التي عرفت بدول الوسط التي قادتها كل من ألمانيا والنمسا والمجر. أما أهم الأسباب الواقعية لنشوب الحرب فتتلخص بما يلي :
1) التغير والتخلخل في ميزان القوى الاقتصادية بين هذه الدول .
2) الصراع حول المستعمرات من اجل إيجاد مناطق نفوذ جديدة .
3) سياسة إقامة الأحلاف الثنائية التي ازدادت انذاك بسبب التناقضات بين الدول .
4) نمو الروح العسكرية الذي يرتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع سياسة إقامة الأحلاف .
5) تصادم المصالح الاقتصادية للدول الاستعمارية و التهافت للحصول على سوق لفائض الانتاج .
وّقَعت ألمانيا مع الدولة العثمانية معاهدة تحالف في آب من نفس السنة (1914) التي تضمنت مساعدة ألمانيا لتركيا في حالة مهاجمتها من دولة أخرى مقابل دخول تركيا الحرب إلى جانب ألمانيا. ودخلت تركيا الحرب بعد شهرين فقط من التوقيع على هذه المعاهدة. كما دخلت القوات البريطانية العراق عن طريق البحر من منطقة الفاو ليلة الثامن من شهر تشرين الثاني 1914 . وما ان انتهت الحرب آلا وأعيد توزيع الدول التي كانت خاضعة لألمانيا والدولة العثمانية، المهزومتين، لتصبح ضمن مناطق نفوذ انكلترا وفرنسا، المنتصرتين. وعندها دخلت دول العالم في دوامّة من الأحلاف الثنائية ومعاهدات الصلح والتالفات التي لها أول وليس لها آخر. وأصبحت تلك الصيغ أساسا للعلاقات الدولية على حساب مصالح الدول الصغيرة التي خرجت من سيطرة أجنبية ضعيفة لتدخل تحت سيطرة أجنبية جديدة عاتية .
تمَ التوقيع على معاهدة لوزان سنة 1923 التي بموجبها تخلت الحكومة التركية عن الجزيرة العربية وسوريا وفلسطين ومصر والسودان وقبرص والعراق. ووفقا لمبادئ عصبة الأمم وضعت هذه الدول، في بداية سنة 1920 ، تحت وصاية هذه المنظمة الدولية. وبموجب أحد بنود المنظمة الخاص بالانتداب رزحت هذه الشعوب تحت نير أطماع واضطهاد الدول الكبرى. وصنف العراق في مجموعة الفئة (أ) ... ووضع تحت الانتداب البريطاني في 25 نيسان 1920 .
تعاظمت خسائر بريطانيا بسبب الاضطراب المالي والاقتصادي الذي رافق الحرب كما هو الحال في كافة الحروب. وظلت تتخبط في مشاكلها الاقتصادية. ولم تستطع تحسين تلك الظروف لأكثر من عقد من السنين. كما انها لم تنجح في التخلص من البطالة والعودة إلى الوضع السوي حتى عام 1931، إذ امتص نظام التجنيد العسكري تلك البطالة. كما واجه البريطانيون بعد الحرب مشاكل معقدة وكثيرة في العراق. فقد اندلعت ثورة العشرين المجيدة (سنة 1920) التي نادت باستقلال البلاد وطرد الاحتلال بشتى صوره. وكانت ولا تزال تلك الثورة مفخرة رائعة للنضال الانساني على مدى العقود التي مرَت. إذ قابلت- الفالة والمكور- الطائرات التي استخدمت القنابل لقصف قرى الفلاحين في المنتفك والناصرية والكوت وباقي محافظات العراق. وهكذا أبرز الشعب العراقي هويته، كما هو الحال في كل الشعوب المناضلة، وسطر بالدم رفضه للاحتلال.

1-2 غزو العراق

أثناء اندلاع الحرب العالمية شعرت بريطانيا بأهمية النفط . فقد اصبح مادة عسكرية استراتيجية حيوية للنقل الميكانيكي الأرضي وكذلك للطيران و للبحرية. وصارت السيطرة المحكمة على منابع النفط مهمة ملحة تستدعى التحكم في المنطقة كلها مهما كانت الظروف وتحت أية مبررات أو مسميات أو أسباب. وعندها ارتبطت السياسة الدولية بمبدأ الحصول على حق التنقيب عن النفط ، وتمسكت بريطانيا: بان الامتيازات القائمة في العهد العثماني سارية المفعول بالرغم من عدم التصديق على تلك الامتيازات. وكان التزام بريطانيا الخادع للعراق بالاستقلال والحرية والإعتاق، أسوء ممارسات الإمبريالية.
لقد حددت المصالح البترولية شكل خريطة الشرق الأوسط، والتي ما تزال تلك الخريطة قائمة حتى وقتنا الحاضر. فقد أعطت بريطانيا 25% من اسهم شركة البترول التركية إلى فرنسا، مقابل ان تكون الموصل تحت الأشراف البريطاني المباشر دون أي اكتراث لنتائج تمزيق الوطن الواحد،( تحت شعار النفط أو الانفصال ). ولذا تحداها الشعب الاعزل وناضل بتصميم لنيل استقلاله الوطني. وغطت الانتفاضة الوطنية مدن العراق كافة من سهله إلى الجبل ومن جبله إلى الهضبة. وتبلورت تلك الوحدة في مظاهر شتى منها ان "ثويني السعدون" كان الساعد الأيمن لسماحة آية الله "محسن الحكيم" في ملحمة الشعيبة في الجنوب. و قائد الثورة في الشمال كان الشيخ"محمود الحفيد" الذي كان يانف من حتى ملامسة كف الانكليز. فقد لف كمَ ردن قميص يده اليمنى على كفه عندما اضطر ذات مرة لمدَ للتباحث مع الحاكم الانكليزي ( وما كان ليقبله القبلة الثلاثية ). أما في الهضبة فرفع الشيخ "ضاري" (شيخ زوبع) بسيفه رأس "لجمن" (القائد العسكري البريطاني) من على جسده ثم دحرجه برجله أرضا وهكذا.... (هزَ لندن ضاري وبجاها .(
لذا احتاجت بريطانيا إلى ملك يساعدها لتهدئة الأمور ولتمام أحكام السيطرة الدائمة . وهكذا رتبت (استفتاء) لانتقال السلطة لتتويجَ "فيصل" ملكا على العراق في يوم 18 آب 1921، بعد ان رفضته فرنسا في دمشق ،وتم التتويج بعد خمسة أيام من(الاستفتاء). وتم اخرج سيناريو الانتداب على شكل معاهدة ( تعاون ) بين بريطانيا وحكومة العراق (المستقل). و هكذا اجتاحت البلاد مظاهرات صاخبة أجبرت الحكومة على الاستقالة، وتولى المندوب السامي البريطاني صلاحيات وسلطات دكتاتورية واسعة استمرت عدة سنوات .
عين المندوب السامي سنة1924 حكومة برآسة"ياسين الهاشمي"، كانت مهمتها هو اعتماد المعاهدة فقط ، فكانت بمثابة حكومة مؤقتة، وقد أدت(بشرف) تلك المهمة، ووقعت المعاهدة في14 آذار 1925 . ثم (انتخب) مجلس (وطني) لاعتماد المعاهدة وذلك سنة 1925 ، لكن المظاهرات العارمة تكررت و أجلت المصادقة على المعاهدة مرة أخرى. ولم تجري المصادقة عليها إلا بعد ان اصدر المندوب السامي قانونا يعطي بموجبه للملك صلاحية إصدار قرار حلَ المجلس الوطني متى ما شاء. مما اجبر المجلس على المصادقة خشية الحلَ. وبالرغم من كل ذلك فكانت المصادقة عسيرة وصعبة، إذ كان عدد الموافقون 37 عضوا، وعدد المعارضين 28 عضوا معارضا، وامتنع 8 أعضاء عن التصويت .
لقد ارتأت بريطانيا ان تقوم بمفاوضة الملك، الذي جاءت به، من أجل تنقية الاتفاقيات السابقة من أية شوائب و التخلص من أية منغصات في الفترة القادمة. وبناء على ذلك طلبت منه ان تصادق وزارته على اتفاقية الامتيازات البترولية قبل المعاهدة، وعلى إصدار دستور للبلاد (حتى وان كان مؤقتا ) وتم لبريطانيا ما أرادت. ولكن ما كان غريبا، حتى انذاك، انه لم يستقل من الوزارة احتجاجا على المصادقة سوى وزيرين هما "محمد الشبيبي" وزير العدل و"رشيد عالي الكيلاني" وزير التعليم. واستمر تفاقم النضال الشعبي المناهض للإمبريالية في رحاب العراق مما حدى ببريطانيا بالتهديد بإلحاق الموصل بالأراضي التركية، ما لم يوافق العراق على حق الامتيازات حتى القديمة منها وغير المصادق عليها. وهكذا كانت منذ ذلك الوقت، سياسة فصل الأراضي الحدودية (تحت أية أعذار) والمساومة عليها إحدى ألعن الوسائل التي تستعملها لإجهاض المعارضة الوطنية لدى الشعوب فما بالك ان كانت تلك الأراضي تقطنها أقليات أو أثنيات.
لقد أدى ظهور صناعة السيارات في العالم إلى اعتماد الاقتصاد المحلي في العراق بصورة رئيسية على البترول ومنتجاته، كما أدى إلى حدوث مواجهة بين المصالح الأمريكية والبريطانية. إذ كانت بريطانيا تستعمل نفوذها المباشر لضمان السيطرة على موارد البلاد لانها القوة المنتدبة. وبدأت المناوشات والخطابات بين لندن وواشنطن حول مسؤولية الانتداب وسياسة الباب المفتوح ،تلك السياسة التي تمنع أي إجراء يحول دون الاستثمارات التجارية الأمريكية لا في العراق فحسب بل في دول الشرق الأوسط كافة. ولم تنتهي تلك الخلافات إلا باتفاق سنة 1921 الذي نص على مزيد من التعاون والتنسيق والتآلف والائتلاف في الأهداف والوسائل بينهما، من أجل خير الطرفين المتنازعين على النفط.

1-3 التنافس البريطاني الامريكي

الاهتمام الأمريكى بالبترول، قبل الحرب العالمية الأولى كان ضئيلا لحد كبير. والصناعة النفطية في البلاد كانت مقتصرة على النفط المحلي وعلى المناطق القريبة مثل المكسيك وفنزويلا و محتكرة من قبل شركة واحدة هي شركة" ستاندرد نيوجرسي". ولم تستطع المحكمة العليا ان تفعل شيئا فيما يتعلق بخصصة وتوزيع حصص الوضع الاقتصادي الحقيقي فيما بين الشركات. أما أعمال شركات"روكفلر" فلم تكن لتتعدى وسائل التنقيب والتسويق. ومع ذلك فقد زودت الولايات المتحدة الحلفاء بما يعادل 80% من احتياجاتهم للبترول أثناء الحرب الأولى، وعلى الرغم من تحول الأسطول الأمريكى إلى استخدام البترول بدل الفحم قبيل تلك الحرب بقليل.
وبخصوص الجانب العسكري فان الأسطول الأمريكى بدأ يظهر تفوقه على الأسطول البريطاني عام 1920. لكن بريطانيا كانت متقدمة عليها فيما يتعلق بالامتيازات النفطية التي حصلت عليها في بلدان الشرق الأوسط عموما وفي العراق بالخصوص. واستمر هذا التنافس أثناء الحرب الأولى وبعدها نتيجة لتطور صناعة النفط، بعيد الحرب أيضاً. هذه الصناعة التي بدلت وجهة النظر السياسية الانكليزية نحو العراق ففي القرن التاسع عشر، ساهم التصنيع السريع في انتشار الاستعمار الغربي في سائر انحاء العالم ودفع ببريطانيا لبسط نفوذها الاستعماري على الشرق العربي لحماية خطوط المواصلات البرية والبحرية نحو الشرق الأقصى وكان العراق هو بوابة هذا التوسع*. هذه الحقيقية تطورت في القرن العشرين ولم يعدّ العراق مجرد وسيلة أو بوابة نحو الشرق فحسب بل اصبح هدفا رئيسا بحد ذاته لامتلاكه على أحد اكبر احتياطي النفط في العالم .
زيادة حدّة التنافس بين بريطانيا وأميركا خلق ظرفا مناسبا لرجال الأعمال الأمريكيين الذين كانوا أصلا متحمسين للتعاون الجاد مع حكومتهم لتحقيق الأهداف والمصالح المشتركة بين الطرفين "الشركات والحكومة". إذ كان أمام رجال الأعمال، انذاك عقبتين غاية في الصعوبة تحتاج إلى شريك قوي يعينهم لتذليلهما وهما؛
أولا:حماية مواقع الاستثمار في الشرق الأوسط وذلك لن يتم إلا بإقناع الحكومة بضرورة التعاون الجدي على الصعيد العسكري لتبني هذا الموضوع.
ثانيا: الحدّ من توسع وهيمنة واحتكار البريطانيون في التنقيب في هذه المواقع، من اجل إتاحة الفرصة لحصولهم على امتيازات غير منافسة أو على الأٌقل الدخول معهم في شراكات .
هاتان المشكلتان تتطلبان جهودا واسعة وباتجاهات متعددة و متوازية من قبل رجال الأعمال لإقناع حكومتهم من جانب ولإيجاد سبل مجدية للتفاهم والاتفاق مع الشركات البريطانية من جانب آخر.
وهكذا بدأت الشركات الأمريكية من تنظيم نفسها وتكوين اتحادا مستقلا يعني بدراسة مشكلاتها. وأصبحت لجنة شؤون النفط في هذا الاتحاد نواة"المعهد الأمريكي للبترول" واصبح وزير الخارجية "هود جر" فيما بعد رئيساٌ لهذا المعهد،كما انظم إليه "هو فر".
تقدم المعهد باقتراحين إلى الكونغرس؛ أولهما يدعو لوضع شروط لتصدير النفط ومنتجاته، والثاني انشاء مؤسسة رسمية اتحادية للبترول. وكان الهدف من ذلك هو ان تحصل الشركات على امتيازات اكثر من الموارد الخارجية وانشاء نقابة للشركات ذات اهتمام في نفط العراق بدعم شرعي رسمي من الحكومة الأميركية. وهكذا تأسست "المجموعة البترولية الأمريكية". وقد لعب "هوفر" وزير التجارة دورا بارزا في إدخال النفوذ الأميركى إلى شركة بترول العراق في بداية العشرينات من القرن الماضي. ودعى مستشار الدولة للتجارة سنة1922 لكيفية الاستفادة من قوة وإمكانات هذه المجموعة البترولية.
تمّخضت جهود رجال النفط الأميركيين الملّحة بطلب من "كإدمان" رئيس إدارة الشركة الانكلو فارسية يرمي إلى دمج المصالح الأمريكية والانكليزية من اجل تعزيز وجهة النظر السياسية والمالية والتقنية للشركات كافة. وتوجّت تلك الجهود بعقد "مؤتمر البحرية" في واشنطن لتخفيف التنافس بين القوة البحرية للبلدين، وتم قيام اتفاق بين الشركات الأمريكية من جانب وكل من شركة " شل" و"الانكلو فارسية" البريطانيتين من الجانب الآخر.

1-4 الشركات الأمريكية والنفط

ولغرض المحافظة على موارد النفط و خفض الأسعار من وقت لآخر تكونت "الهيئة الاتحادية لصيانة الموارد الطبيعية" في أميركا من كل من وزير الداخلية ووزير الحرب ووزير البحرية. وفي تقريرها عام 1929 أكدت الهيئة على الأهمية الاستراتيجية للنفط والخطط ذات المدى البعيد، وركزت على صناعة النفط وأهمية تعاون الدولة فيما يتعلق بالموارد الخارجية لاحتياطي النفط. وأوصت بضرورة زيادة استيراده والتوسع في الاستثمارات الأمريكية بالخارج. وتم الاتفاق بعدم قيام شركات الهيئة الاتحادية بنشاطات منفردة للبحث عن البترول في العراق إلا عن طريق شركة بترول العراق. وتضمن الاتفاق الذي سمي فيما بعد باتفاق "الخط الأحمر" بوضع قيود على الانتاج والتسويق البترولي حسب الاحتياج العالمي بنسب الخصّصة، بحيث لا تتوسع شركة على حساب الأخرى. وهكذا انضمت الشركات إلى اتحاد المنتجين دون أي اعتراض من طرف الحكومة الأمريكية.
أدت حاجة السعودية إلى دخول مالية، نتيجة هبوط دخول ضرائب الحج إلى إعلان استعداد الحكومة لبيع امتيازات البحث عن النفط في أراضيها. وتم الاتفاق سنة 1933 بينها وبين شركة "ستاندرد" الأميركية حصلت بموجبه الشركة على امتياز يغطي معظم الأراضي الشرقية للمملكة ولمدة ستين عاما مقابل خمسة آلاف جنيه إسترلينى سنوياً. وتقاسمت الشركة الغنيمة مع شركة" تكس اكو". وفي هذا العقد امتلكت الشركتان أغنى امتياز بترولي في العالم.
في منطقة الخليج حصل "هو لمز" رجل أعمال أميركي، على أول امتياز في البحرين للتنقيب عن النفط في العشرينات من القرن الماضي. وباع الامتياز لشركة نفط الخليج الأميركية لكنها كانت، انذاك تفاوض لحصولها على موقع في العراق أسوة بالشركات البريطانية. لذا باعت الامتياز إلى شركة" ستاندرد" التي بدورها انشأت شركة كندية باسم شركة "البحرين". وفي بداية العقد الثالث من القرن العشرين وجد البترول في البحرين بكميات اقتصادية مما نّبه رجل الأعمال "هو لمز" للحصول على امتيازات في الكويت أيضا. وتدخلت الحكومة الأميركية للضغط على بريطانيا لتطبيق سياسة "الباب المفتوح"،الذي سبق ان أشرنا إليه في الجزء الأول، من اجل إتمام العقد في الكويت. وتم العقد بالتشارك بين شركة الخليج الأميركية والشركة الانكلو فارسية في الامتياز رغبة منهما في استقرار السوق النفطي العالمي على مرام ما يريده "الاخوة الأعداء"، عملا بمبدأ ليس هناك عدا وات دائمة ولا صداقات دائمة هناك مصالح مشتركة.

1-5 التنقيب في إيران

في ايرانكان الوضع اكثر تعقيدا، إذ لم تبدأ الشركات البريطانية الاتفاق المباشر مع الحكومة الإيرانية. بل انها حصلت عليه بوساطة أحد عملائها الذي تستر بزي راهب تمكن من إقناع المهندس البريطاني"دارسي"الذي عمل في قصر الشاه مستشاراً وحصل من الشاه على مكافأة حق التنقيب عن النفط. وتم التنازل على متن إحدى البواخر المتجهة من ميناء الإسكندرية إلى بريطانيا التي كان يستقلها"دارسي". إذ تنازل المهندس عن العقد للداعية المسيحي من اجل الكنيسة والأطفال المسيحيون الفقراء كما ادعى "الراهب المزعوم"، و ذلك بداية القرن الماضي. وبدأ البريطانيون بالتنقيب في المناطق الجنوبية الغربية لإيران.
في العقد الثالث من القرن العشرين كان استراتيجيون السياسة الأمريكية يرون ان احتياطات النفط يجب ان تكون تحت سيطرة الشركات الأميركية. وقد رأوا انه من الحكمة ان يحافظ عليه في باطن الأرض . وذلك لعدم إمكان تخزينه في أميركا لمشاكل مالية تتعلق بظروف أدوات التخزين غير الجيدة ووسائل النقل غير الآمنة انذاك. ومن هذا المنطلق ينبغي ان تتم السيطرة التامة والدقيقة على اكبر قدر من مناطق احتياطي النفط في العالم. لقد زاد هذا التوجه من قوة موقف الشركات النفطية على الصعيد السياسي. ولذا شهد العقد الثالث فترة نمو وتكامل شركات البترول الأميركية العملاقة التي ضمنت ما يقارب 42% من احتياطي بترول الشرق الأوسط أبعدت عنها شبح المنافسة. وظهر جلياً قبيل الحرب العالمية الثانية ان البترول العالمي تمتلكه سبع شركات كبرى هي؛ جيرس ستاندرد وموبيل والخليج وسو كال وتكاسكو وانجلو برشان ورو سيال دوت شن سيل.
نتيجة الحرب الأولى عمت الصعوبات الاقتصادية والتضخم النقدي والبطالة والاضطرابات بعض دول العالم، ونتيجة لذلك بدأ التوجّهات في هذه الدول وغيرها من دول العالم تدعو إلى أهمية القيادات القوية لتخرج الشعوب من هذه المآزق. مما كان السبب الرئيس في نشوء عدة نظم دكتاتورية في العالم، مثل النظام الفاشستي في إيطاليا عام 1920 والنظام النازي في ألمانيا عام 1930 . اللذان تركزت السلطة فيهما بيد فرد واحد وكانه يستمد سلطته من السماء. ولم تعد لمبادئ عصبة الأمم أي اعتبار في هذه الدول ولا حتى على الصعيد العالمي. وهكذا غزت إيطاليا الحبشة وتفاقم خطر ألمانيا على بولندا. وغزت اليابان مقاطعة منشوريا وغزت الصين أيضا. ونشبت الحرب الأهلية في إسبانيا. كما ان هذا العقد"الثالث" لم يخلو من اتفاقات بين هذه الدول الدكتاتورية مما زاد من حدة التوتر العالمي. إذ تم الاتفاق الألماني- الياباني عام 1935 والألماني-الإيطالي عام 1936 والاتفاق الثلاثي بين هذه الدول في نهاية ذلك العقد.
في العراق في ذلك العقد قويت المشاعر الوطنية والقومية بين قطاعات العمال والطلبة للنضال ضد قوات الاحتلال، وكان ذلك امتدادا لزخم ثورة العشرين. وترافق مع تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار"مارس" 1933. الذي تغلل في صفوف الفلاحين وفي صفوف عمال شركات النفط وبروليتاريا المدن باعتباره المدافع عن مصالح هاتين الشريحتين. وكان ذلك تهديدا كبيرا للمصالح الأميركية في المنطقة من وجهة النظر الأميركية.
أما في انكلترا وفرنسا فكانت الأمور صعبة للغاية في هذه الحقبة، نتيجة ما لحق بهما من دمار وخسائر بشرية ومادية من جانب ومن الجانب الآخر تنامي مشاكل "هتلر" مع جيرانه وبث الذعر في أوربا كلها. وبعد ان فشلت الدولتان في عقد معاهدة صلح مع ألمانيا حاولتا تشكيل تحالف مع روسيا. على الرغم من انهما ترحبان فيما لو تعرضت روسيا لهجوم من قبل الألمان ولكن للسياسة "أحكام ". في هذا الظرف بالذات تواردت انباء عن عقد اتفاق عدم اعتداء بين ألمانيا – وروسيا، وتسربت أخبار عن كيفية توزيع دول البلطيق بين الدولتين فيما لو حدث تغيير على الخريطة السياسية الأوربية لسبب أو لآخر. مما استشاط غضب الانكليز والفرنسيين، واذهل أميركا.


1-6 الحرب العالمية والنفط
في هذا الجو الملتهب احتل الألمان بولندا في ايلول1939 ويعدّ هذا الاحتلال بمثابة فتيل الحرب العالمية الثانية. وهكذا نرى ان مآسي الحرب العالمية الأولى كانت أهم عوامل قيام الحرب العالمية الثانية. "فكما ان الحزن يولّد الحزن فان الحرب تولد الحرب". إذ أعلنت الحليفتان فرنسا وانكلترا الحرب على ألمانيا. أما أميركا فأعلنت" ظاهريا" الحياد وبقيت تتغطى تحت هذا الستار إلى السابع من كانون أول عام 1941 عندما انقضت القنابل اليابانية على الأسطول الأميركى في "هاواي" . إذ أعلنت في اليوم الذي تلا ه الحرب على اليابان وفي نفس اليوم تمت الحلقة الأخيرة من المسلسل "المضحك المبكي" عندما أعلنت ألمانيا وإيطاليا الحرب على أميركا. وهكذا توسعت الحرب الأوربية لتشمل العالم كله ولتطحن ما تطحن ا إشباعا لسادية الدكتاتوريين.
استسلمت ألمانيا في ايارعام1945 واستسلمت اليابان إلى أميركا في أيلول من العام نفسه، بعد ان أهدت لليابانيين قنبلتين نوويتين "مسلفتين بالديمقراطية" ضربتا مدينتي "هيروشيما" و"ناكازاكي" في السابع والتاسع من أيلول في تلك السنة.
وهكذا سجلت أميركا السبق في التاريخ الانساني لاستخدام أسلحة الدمار الشامل لتثبت على مرّ العصور"محاربتها للإرهاب" أينما كان ولتنشر"القيم الأميركية العظيمة" للأجيال القادمة. إذ قتلت آلاف البشر ودمرت البيوت والحقول والمعامل والمدارس والمستشفيات ووسائل النقل ولم تسلم حتى دور العبادة.
أذاع " ترومان "من البيت الأبيض ان القنبلة التي "أهديت" إلى هيروشيما ما هي إلا إحدى قنابل كثيرة في طريقها لتدمير اليابان، وما فيها من مصانع وقواعد حربية، وفي اليوم الثاني لإلقاء القنبلة أذاعت طوكيو: ان هذا الاعتداء الإجرامي غير المسوغ هو عمل ضد الانسانية؛ إذ دُمّرت هيروشيما تدميراً كاملاً؟، وقد هلك أهلها حرقاً وخنقاً تحت الانقاض، وأمتدّ الدمار إلى مسافات بعيدة جداً. وبعد ذلك أذاع اليابانيون ان مائة ألف نسمة قتلوا في الحال عدا الجرحى والمصابين. بعد ثلاثة أيام من إلقاء القنبلة علي هيروشيما، كررت أمريكا الجريمة، وألقت قنبلة أخرى علي مدينة ناكازاكي. وبعد أسبوع واحد، استسلمت اليابان دون قيد أو شرط، وخسرت الحرب كما قلنا .
وهكذا انتهت الحرب وبدأت المحاكمات على الجرائم التي اقترفت بحق الشعوب، والتي سميت بـ"جرائم ضد الانسانية" في كل من ألمانيا واليابان ودول أخرى.
أدت الحرب العالمية الثانية إلى تشريد 21 مليون شخص في أوربا وحدهاْ، وشمل التدمير مديات واسعة، لم تعرف سابقا، وصلت حتى انكلترا، بسبب الغارات الجوية عليها. وأزيلت معالم التقدم التي اغتنمت في فترة الثلاثينيات، وخرج العديد من الدول ينؤ بأعباء ديون الحرب.

1-7 مطامع الشركات

أما مطامع الشركات النفطية فلم تثنها مآسي الحرب ولم توقفها طواحينها بل زادتها غياً. ففي سنة 1944 شرعت شركة"ارامكو" في مباحثات مع شركتي"جيرس ستاندرد" و"موبيل"من أجل إشراكها في امتيازهما، وهذا يعني مزيدا من السيطرة الأميركية على النفط والتغلغل في منطقة الشرق الأوسط . ولقى هذا التوجه ترحيبا قويا من لدن واشنطن وخصوصا في وزارة الخارجية. إذ كان الكثير من مفاتيح السلطة هي بأيادى رجال شركات النفط. فالمشرف على إدارة البترول من اجل الحرب" رالف ديفيس" استمر يحصل على مبلغ سبعة و أربعون ألف دولار من شركة "سو كال"التي سبق وان عمل بها، إضافة إلى مرتبه الحكومي،كذلك استمر المستشار البترولي في وزارة الخارجية" تورنيورج" في تقاضي تسعة وعشرون آلف دولار من الشركة نفسها إضافة إلى مرتبه الشهري. الذي اصبح فيما بعد مصمما لخطط الانماء في إيران. إما الادميرال"كارتر رئيس لجنة القوات البحرية للبترول" فاصبح رئيسا لمؤسسة ناقلات النفط عبر البحار في شركة" كالتيكس". لقد شغلت المناصب العليا في وزارت الدفاع والخارجية والمؤسسات التنفيذية من قبل أفراد مصرفيون وتجار وقانونيون تلتقي وجهات نظرهم مع رجال شركات النفط ان لم يكن هم شركاء .
غداة انتهاء تهديد دول المحور لبترول الشرق الأوسط عكف الستراتيجيون الأميركيون على وضع خطط لتنفيذ السياسة النفطية الأميركية مع رؤساء شركات النفط. إذ كان هدف أميركا أثناء الحرب هو إيقاف بريطانيا من التوسع في التنقيب إلا بقدر ما يخدم الجانب الحربي على ان لا يضر بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
لقد تجلت هذه السياسة مع ايران. ففي نهاية سنة 1950 تكونت لجنة في البرلمان الإيراني برئاسة الدكتور مصدق لدراسة موضوع تأميم النفط الإيراني على اثر رفض طلب الامتياز الروسي. ولدى سماع الشركة الانكلوفارسية بهذا الموضوع ، تقدمت للحكومة باقتراح مفاده ان تكون الأرباح مناصفة بينها وبين الحكومة الإيرانية. لكن الاقتراح كان متأخرا وان لجنة مصدق كانت قد اتخذت مقترحاَ هو تأميم النفط الإيراني. في بداية 1951 أقر البرلمان قرار التأميم وفي مايس 1951 جاء الدكتور مصدق رئيساَ للوزارة،فما كان منه إلا ان أعلن التأميم.
لم تستطع بريطانية القيام بهجوم عسكري على إيران، بسبب معارضة أمريكا لاستخدام القوة خوفاَ من المقاومة الشعبية المسلحة للشعب الإيراني، فضلا عن التخوف من تدخل روسيا المجاورة التي كانت الند انذاك، سيما وان الدكتور مصدق كان على دفة الحكم. وهكذا لجأت بريطانيا إلى فرض الحصار الاقتصادى على إيران، وزبدة ذلك الحصار تتمثل في منع تصدير النفط. وتحول ثقل عمل الشركة الانكلوفارسية إلى العراق والكويت. كانت أمريكا منذ الحرب تعدّ الخطط لافتعال مثل هكذا أزمة بين ايرانوانكلترا، بطريق غير مباشر، لكي تكون حليف ايرانبديل بريطانيا. لقد سرّ قرار الـتأميم أمريكا استفادت ايرانمن مساعدات النقطة الرابعة الأمريكية. ومن الطرف الآخر ظن الدكتور مصدق ان تأييد أمريكا سيساعده في مواجهة الغطرسة البريطانية. صحيح ان التأميم وضع حداَ لنشاط الشركة الانككلو فارسية في إيران،الا ان أمريكا نظرت إلى الأزمة على انها فرصة، للاستفراد بالاقتصاد الإيراني وتركيع الشعب الإيراني. إذ أعلنت ان التأميم حق من حقوق الشعوب، ولكن على هذه الشعوب ان تعلن ان التجارة العالمية تقوم على التجارة الحرة والاستثمار الخاص، وهكذا اصبح قرار التأميم بين كفي عفريت. و تضامنت شركات الاحتكار النفطية الأمريكية مع شركة البترول الانكلوفارسية في مقاطعة ايران وهبط انتاج البترول الإيراني من 234 مليون برميل سنة 1950 إلى 8.5 ملايين برميل سنة 1951، بينما قفز انتاج الشركة الانكلوفارسية إلى 189 مليون برميل من نفط العراق في ذلك العام. ورغم ان حكومة الدكتور مصدق حظيت بتأييد شعبي عارم وحصل على إجماع في التصويت على الثقة بحكومته سنة1951، الا ان الوضع الاقتصادي المعتمد على البترول اخذ بالهبوط.
على اثر هذا التأييد وضحت معارضة البرلمان ومن ورائها حكومة الدكتور مصدق للشاه، مما حدى بالشاه إلى حلّ البرلمان. ولمعالجة الوضع الاقنصادي قامت حكومة الدكتور مصدق بتشكيل لجنة لاستحصال الضرائب المتراكمة بذمة الأغنياء والاستيلاء على أملاك من لا يدفع الضربة. كما عملت الحكومة على قطع جزء من مخصصات الشاه وضباط الجيش والشرطة. علماَ بان الجيش كان بشكل أو بآخر تحت وصاية الجيش الأمريكي. وهكذا قامت المخابرات الأمريكية، بعد استلام ايزنهاور رئاسة الولايات المتحدة، بإبعاد الدكتور مصدق في انقلاب أعاد الشاه إلى واجهة الأحداث. لقد أعطى الانقلاب للأمريكان أولوية تسويق وتكرير النفط الإيراني من اجل توفير الاحتياجات المالية لحكومة الشاه"الصديقة". وفي الحقيقة لم تحصل إيران عل أية فائدة من تصنيع النفط بل وضعت ايران كلها في خدمة الشركات الأمريكية.
لقد كان هاجس أمريكا من قرار التأميم يأخذ جوانب عدة، إضافة لما سبق ذكره انفا ، الخوف من استخدام روسيا للنفط من اجل تطور الصين وبلدان أخرى قي الشرق الأوسط. وكان من الصعوبة ان يرى الاستعمار الغربي ان بترول الشرق الأوسط تحت تصرف روسيا، سواء أكان ذلك مباشرة أو كان غير مباشرة بسبب التأميم. لقد كان هاجس أمريكا في ان تصبح روسيا اقوى دول العالم عند تصنيعها جزء كبير من آسيا حيث توفر الأيدي العاملة، عندما يتوفر البترول القريب الرخيص. ولو تسنى ذلك لبرزت روسيا في أقصر وقت كقوة عسكرية هائلة لا تقهر، سيما أن الشعوب ستكون مساندة لحكوماتها، ولتحقق مبدأ لنين في انتصار الشيوعية في العالم.
فالحقيقة "المطلقة" التي ينبغي الإيمان بها ان الصراع العالمي على بترول الشعوب الفقيرة هو بين البلدان الرأسمالية والبلدان الاشتراكية. ولكن لا الشعوب الفقيرة تجاوزت محنة الجهل والتخلف والشعارات الدينية في بلدانها ضد الدول الاشتراكية، ولا الدول الاشتراكية حزمت أمورها بقوة السلاح لمواجهة التغلغل الإمبريالى في أراضى تلك الشعوب. وهكذا ضاعت فرصة البشرية نحو الغد الأفضل المنشود الذي كان له أن يتحقق بأقل الخسائر، إذ بقيت معظم شعوب البترول تأن تحت وطأة الفقر، كما انهار الاتحاد السوفيتي أيضاً. وتفتت جبهة الدول غير المنحازة، واستفرد الاستعمار في العالم، وتكونت فئات ردود فعل مقاومة ضعيفة هنا وهناك رفع قسم منها بالضرورة والشرعية الاجتماعية شعارات دينية، ودخل العالم فيما يسمى برزخ الإرهاب،" وكأننا يا ناس لا رحنا ولا عدنا" سوى ببحور دماء شهداؤنا وفقر شعوبنا.

1-8 السياسة الأمريكية إزاء النفط

يمكن تلخيص تلك السياسة في بداية الأربعينات من القرن الماضي بالآتي:
التنظيم الدقيق في إنتاج بترول الشرق الأوسط وتسويقه لتغطية حاجة نصف الكرة الأرضية الغربي وبالتحديد أوربا بديلا عن بترول الآبار الأميركية.
- المحافظة على تطوير وتوزيع بترول الشرق الأوسط بمساعدة بريطانيا من خلال تفاهم رسمي معها.
- ضمان الكيفية التي تحمي هذه المصالح ضد التعقيدات السياسية التي تنشب في شعوب هذه المنطقة.
أما الآلية التي اتبعت لتنفيذ هذه الأيدلوجيات فتّمت من خلال:
- اعتماد الاتفاقات الطويلة الأمد بغض النظر عن تأثير ذلك على المصالح الوطنية للشعوب.
- أن تحل الولايات المتحدة محل بريطانيا اقتصاديا والإبقاء على التواجد البريطاني عسكريا للحفاظ على "الأمن" والضغط على بريطانيا بهذا الاتجاه من خلال المساعدات المالية والامتيازات الاقتصادية.
شراء ذمم حكام الدول النفطية لقاء مبالغ نقدية تدفع لهم وللساسة الكبار في الداخل.
- تواجد الأسطول الأميركي في المياه القريبة مثل البحر الأبيض المتوسط للتدخل عند الحاجة.
ونشطت الدبلوماسية الأميركية بهذا الاتجاه. فقدم وزير الحربية الأميركي إلى وزير الخارجية مذكرة خلاصتها؛ أن مكانة أميركا وتأثيرها في العالم يعتمدان على غناها من مصادر الطاقة سواء من الخارج. وان من مصلحة البحرية أن تتم المحافظة على احتياطي الامتيازات الحالية للنفط وضرورة التوسع في هذا الجانب.
أما وزارة الداخلية فقد تشاورت مع بريطانيا ونجم عن تلك المشاورات اتفاقا عسكريا أميركيا بريطانيا حول البترول، تراعي بموجبه الشركات الإنكليزية"بما لا لبس فيه" المصالح الأمريكية، وعدم تكرار الخلافات التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى حول تطوير موارد النفط.
وتم التفاهم على الجانب الأمنى الذي أسفر عن قيام بريطانيا بنقل خمسة عشر ألف جندي سنة 1946 من الهند إلى البصرة لأغراض حماية مناطق البترول و أرواح العاملين فيها لقاء المساعدات التي تتلقاها من أميركا.
وعلى الصعيد الأمني أيضا عقدت اتفاقات سرية بين شركات النفط الأمريكية والحكومة الأمريكية تم بموجبه تحويل" مساعدات" مالية من قبل الشركات بواسطة الحكومة إلى خزائن حكام الدول النفطية في الشرق الأوسط للعمل على حفظ أمن المنشآت البترولية والأفراد العاملين فيها. وكان لطلب السعودية من الشركة الموحدة مبلغا من المال أثره البالغ في تكبيل المملكة وتثبيت المصالح الأميركية فيها. فقد طلبت الحكومة السعودية من "ستاندرد وتكساكو" العاملتين في شرق المملكة مبلغا قدره ستة ملايين دولار لتغطية احتياجات ضرورية. ولم يكن بمقدور الشركتان دفع هذا المبلغ آنذاك. مما دفع الشركة الموحدة بالاستنجاد بالرئيس روزفلت وأوضحت له الآتى:
-إن الاستقرار في السعودية يبشر بمستقبل واعد لأميركا واقتصادها.
- إن هذا الاستقرار منوط ببقاء الأسرة السعودية على دفة الحكم.
-لا يتم ذلك ألا بتوفير الأموال الكافية التي تمكن الملك ان يستمر بالدفع لرؤساء القبائل المؤثرين.
-ليس للشركة القدرة على تلبية هذا المبلغ.
وافق "روزفلت" على تغطية المبلغ لقاء تزويد البحرية الأمريكية بما يعادل المبلغ من النفط. لقد قوى هذا الاتفاق التعاون بين الشركات وبين الحكومة الأميركية فضلا عن انه زاد بطريق غير مباشر من التعاون بين لندن وواشنطن نتيجة تعهد بريطانيا لدفع المبلغ للسعوديين وحسمه من القروض الأميركية لبريطانيا.
أعقب ذلك قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الأمم المتحدة سنة 1947 الذي كان له الأثر البالغ في توتر منطقة الشرق الأوسط. وكانت أميركا أكثر توجسا في الاعتراف بإسرائيل تحسبا لوقوع فوضى واضطرابات قد لا تحمدّ عقباها. إلا أن الطمأنة التي أسدتها لها سرا بعض الحكومات العربية، إذ وصلت تلك الطمأنة إلى حدّ مقاطعة الدول التي تقاطع أميركا. لقد فضح هذا السرّ رئيس وزراء العراق آنذاك صالح جبر أمام مجلس النواب العراقي. إن هذه الطمأنة دفعت أميركا إلى الاعتراف الفوري بإسرائيل في مايو 1948. علما بان الاهتمام الأميركي في إسرائيل آنذاك لم يكن ليتعدى كون أن خط أنابيب النفط ومصنع التكرير كانا هدفاً قريباً لعمليات الكوماندوز الصهيوني مما يتطلب استرضاء إسرائيل.
على الجهة الشرقية للعراق طلب الاتحاد السوفيتي من ايران حق الامتياز للبحث عن النفط في المحافظات الشمالية المتاخمة لحدوده. وكان ذلك بهدف سياسي استراتيجي لحماية حدوده اكثر من كونه هدفا اقتصاديا. لقد حضى الطلب بموافقة الانكليز لتثبيت مواقعهم في المنطقة الجنوبية الغربية ليس إلا. لكن هذا الطلب غاض الأميركيون" بصمت" رغم ادعائهم بالوقوف على الحياد إزاء هذه المسألة. ففي أقبية السياسة ساندت أميركا موقف التيار البرلماني الإيراني المعارض للسوفيت وضغطت على الحكومة لوضع شروط تعجيزية لا يتمكن السوفيت من الإيفاء بها. وعلى الرغم من البلاغة التي يتمتع بها الساسة الأميركيون في التشدق بالحرية والديمقراطية والعدالة والسيادة الكاملة وما إلى ذلك إلا انهم أرغموا رئيس وزراء ايرانإلى تأجيل البت بالموضوع"كتكتيك" من اجل إتمام خطتهم في تقوية التيار المضاد للسوفيت داخل البرلمان. لذا نرى ان أميركا لعبت على اكثر من وتر"حبل كالمعتاد"، ففي الوقت الذي ترغب في الحصول على مواقع أوسع في ايرانكانت تعارض استخدام الإنكليز للقوة بحجة احتمال التدخل العسكري الروسي. وفي الكواليس تألب الشاه ضدّ الإنكليز لخلق أزمة لتحويل نشاط شركة البترول الانكلو فارسية إلى الكويت والعراق لأجل أن تكون هي" الحليف" الوحيد في الساحة الإيرانية.. وفي ذات الوقت يقوم كبار ساستهم بالتفاوض مع البريطانيين وكأنهم وسطاء بين طهران ولندن. لله درهم ،انهم ينظرون للأزمات أينما كانت ومهما كانت كأنها فرص ذهبية ينبغي استغلالها الاستغلال الأمثل ولمخ العظم وبشتى الاتجاهات وليكن الطوفان.

1-9 نبض الشارع العراقي

تجدد التوتر والحنق الشعبي في العراق و أعلن عمال نفط كركوك في 3 يوليو "تموز" 1946 إضرابهم عن العمل وتجمعوا في اليوم التالي في محلة" كاورباغي " بالمدينة وتوجهت المظاهرات إلى سراي الحكومة. تجددت المظاهرات في 7 تموز وأصروا على الاستجابة لمطالبهم العمالية شرطا لانهاء الإضراب. و في 12 تموز تجمع ثلاث آلاف منهم في محلة كاورباغي، إذ أطلقت الشرطة النار عليهم و أسفر ذلك عن استشهاد 6 مواطنين وجرح 14منهم. كان ابرز رموز الاضراب عبد الرحمن الزهيري وهو قائد شيوعي معروف. واستمر الإضراب إلى ان استجابت شركة النفط لتلك المطالب التي لم تكن تتعدى ضروف الاقتصادية البسيطة.

في 23 نيسان"أبريل سنة 1948 أعلن عمال نفط شركة A.B.C. في منطقة حديثة مواقع H3 ,H2, H1 و K2, K1 وعددهم 7 آلاف عامل الإضراب عن العمل بعد ان رفضت الشركة إجابة مطالبهم المتعلقة بالآجر والسكن والطعام. واستمر الإضراب إلى يوم 15 أيار "مايس". بعدها قرر المضربون التوجه إلى بغداد مشيا على الاقدام"250 كيلومتر" عبر محافظة الانبار لمقابلة رئيس الوزراء والأحزاب السياسية وعرض مطالبهم عليهم. وعند ورود انباء بدء المسيرة العمالية من حديثة باتجاه هيت خرج سكان أهالي مدينة هيت لاستقبالهم في منطقة تسمى البغدادي "30 كيلومترا " شمال غرب المدينة. وتم نقلهم بالشاحنات انذاك إلى مدينة هيت حيث وصلوا عصرا. وترجلوا في سوق المدينة متظاهرين قبالة سراي الحكومة مرددين "هوسة" لا زلت اذكرها وهي "الله واكبر يا عرب وحكوكنا غدروها =ما صارت بكل الدول وآى بي سي سووها" وكان ابرز قادتها " شنور" الذي سمي الإضراب باسمه. استضافتهم المدينة خير استضافة وجمعت لهم المعونات الغذائية وأمتعة للسفر بأكوام بطريقة لم يشهد لها سابقة. واذكر ان المرحوم كامل الحاج سبتي دعا أطفال الشارع لحمل مؤونة بيتهم وكان من نصيبي ان احمل "باطية الخبز" وهذا ما كان يفعل الآخرون في وقتها. عرضوا أهإلى المدينة على المضربين نقلهم عن طريق النهر إلى الفلوجة لكن السلطات منعت ذلك، وهددت بإغراق واسطة النقل. استمر ت المسيرة إلى مدينة الرمادي باتجاه بغداد لكنها منعت من الاستمرار بحجة الأحكام العرفية التي كانت معلنة بسبب القضية الفلسطينية. وبعد ان وصل نبأ احتجازهم في الرمادي تضامنت نقابات العمال معهم في بغداد والبصرة، وأعلنت إضرابات وتجمعات تأييدا لمطالبهم في مدن عديدة في العراق.

ففي الوقت الذي كان المرض والفقر والجهل والإضرابات تجتاح شعوب الدول النفطية، شهد العقد الرابع من القرن الماضي تفوقا كبيرا للولايات المتحدة وبرزت قوة كبرى في العالم. ففي الجانب الاقتصادي ضمنت اكثر من 50% من احتياطي العالم من النفط. وعلى الصعيد العلمي استقطبت الكثير من علماء العالم الهاربين بعيداً من النظم القمعية الدكتاتورية، مما عزز من قدراتها العسكرية أيضا وحصولها على شتى انواع أسلحة الدمار الشامل. فضلا عن انها لم تعاني من ويلات الحروب التي عانت منها الشعوب الأخرى كونها بعيدة عن مناطق التوتر والتهديدات الحدودية في القارة الأوربية، ولذا لم تكن أراضيها ساحة حرب مباشرة. إضافة لما تقدم فان أراضيها شاسعة ولديها ثروات نفطية ومعدنية "مخبئة " لم تكن قد استعملت. وأدى اعتبار روزفلت ان الدفاع عن السعودية أمر حيوي للدفاع الأميركى إلى حصول السعودية على ما يقرب من مائة مليون دولار عام 1948 وانفردت أميركا في الساحة السعودية من اجل الاستقرار ومن اجل المصالح المتبادلة. وفتح الباب على مصراعيه لدخول الشركات السبع العملاقة عصرها الذهبي.

المصادر

1- تاريخ العالم الحديث بين 1914 إلى 1945 تأليف الدكتور عبد الوهاب القيسي ،الدكتور عبد الجبار عطيوي والدكتور طارق نافع الحمداني . الطبعة الأولى سنة 1983 وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، بغداد.
2 -تكوين العرب الحديث بين 1516و 1916 تأليف الدكتور سيّار كوكب
علي الجميل . الطبعة الأولى 1991 جامعة الموصل – العراق.
3- الدكتور غسان متعب عبد الكريم الهيتي ¬– اتصال شخصي مباشر.
4-تاريخ الوزارات العراقية تأليف عبد الرزاق الحسني ،دار الشؤون الثقافية ، بغداد 1988
5-تاريخ القرن العشرين تأليف"بيير رونوفن" ترجمة نور الدين حاطوم الطبعة الثانية دار الفكر 1980.
6 -أمريكا والعرب ، تمام البرازي ، دار الفكر 1990.
7-ايران بين الحلفاء والمحور، 1939-1942، د. آمال السبكي ، مكتبة النهضة المصرية 1990.
8-التطورات السياسية في العراق1941 - 1953 ،جعفر عباس حميدي، مطبعة النعمان 1976 ،النجف ، العراق.
9- اقتصاديات النفط ، ،1977الدكتور طارق الجبوري، مطبعة الاخلاص ، بغداد.



#قاسم_أمين_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - قاسم أمين الهيتي - النفط مستعبد الشعوب في سيرته الذاتية