|
وهبوني الموت ورحلوا......
مشيرة جمال أبو شماس
الحوار المتمدن-العدد: 3005 - 2010 / 5 / 15 - 13:35
المحور:
الادب والفن
آخر مرة لامس جسدي بشرا ، كنت في الخامسة من عمري ،لم أنسَ ذاك الرجل الضخم ، كثيف اللحية ،كان يقرأ صلوات ويتلوا على جسدي آيات مقدسة ،في بداية الأمر اعتقدت أنني مريضة ،ولكن جدتي التي كانت تفعل ذلك دائما..؟؟؟!!!! ، كان حولي الكثير من الناس لم اعرف منهم سوى أبي الذي كان يصرخ ويبكي ويضرب التراب حد الانهيار: "حبيبتي يا با ،حبيبتي يابا،تعالى لحضني يابا وين رايحة " أفزعني .! أنا أيضا أحبه ولكنه لم يسمعني كنت أهذى وأهذى ،رددت كثيرا عليه أغضبني فهو لم يشعرني بأنه مهتم لكلامي ويصمت قليلا ليسمعني أرد عليه، عله كالعادة سئم كثرة طلباتي ولكنني خائفة ،جمعت فزعي و صرخت بأعلى صوت كان لدي حينها: " بابا بدي اروح ع الدار ،بدي امي ،انا خايفة يا بابا" لم يلتفت إلي،يبدوا أنني لازلت لا أجيد الحديث، حينها تذكرت أختي التي كانت تترجم هفواتي لهم ،أين هي لماذا لم تحضر معهم "طيب هاتولي أختي خليها تقعد معي " لم يسمعني احد، كانوا كثر في كل الاتجاهات ،لم يكن باستطاعتي رؤية أي شيء إلا بصيصا من السماء وعصفورا يجوب الفضاء حولي يغني لي ،نعم لقد كان يوسعني تحديقا وكأنه يرحب بي ،سمعت ذلك الغناء من قبل : "فتنت روحي يا شهيد علمتها معني الحياة "
في ذلك الحين كنت استغرب غياب أمي ،كنت على أمل كبير أن حضورها سوف ينهى الخوف الذي يقتلعني ،وفجأة تفرقت الجموع بحركة بطيئة ولكن لم يزل الرجل الضخم يحملني ،وبدا الأصوات تتعالى: "هاتوها وسعوا امها بدها تشوفها " كانت عيناها متضخمة وحمراء ،آه أمي لماذا كل هذا البكاء ...؟؟؟ وبسرعة صرخت لتنجدني فهي من تنجدني دوما: "ماما تعالى خديني ،ليش بتبكي انتي خايفة متلي " ولكنها كالآخرين لم تسمعني ،قبلت جبيني ،احتضنتني محاولة بجهد تمالك ما تبقي من جأشها ،وهي تردد بعض الأدعية التي بعثت قليلا من الامان الى نفسي : "روحي يما الله يسهل عليكي ،حبيبتي يما ،سامحيني علشان ما اشتريتلك العروس يما ،مكانش معي مصاري والله ما كان معي مصاري يما " فجأة بدأت بالانهيار والصراخ ،صراخ أفزعني صرت ابكي وابكي وابكي ،كان خالي هناك ضمن الجموع وعمي و أولاد عمي إنهم أقربائي وجيراني تعرفت عليهم بعد قليل من التركيز،عندما التفوا حول امي التي سقط غطاء رأسها وتهاوت علي الأرض : "لا اله الا الله وحدي الله يا مره ،وحدي الله ،شيلوها من هان ،حسبي الله وأنت نعم الوكيل" ذهبت أمي وأبي بالكاد يقف بعد أن انتهي ذلك الرجل من طقوسه، كان هناك حفرة كبيرة بحجمي ،نزل فيها رجل امسك بي وبدأا ينزلاني إلى داخل تلك الحفرة ،الخطوات تتسارع و الأصوات تبتعد والرؤية مشوهة ،ماذا يحدث ..؟؟، أين أنا..؟؟ لماذا لماذا...؟؟؟؟؟ "بابا بابا ، يا ماما يا ماما ،خالو ،عمو ،خدوني خدوني ،حرام عليكم انا خايفة " لم يسمعني احد كانوا منهمكين بالتكبير ولا اعلم لماذا تذكروا الله الآن وهم يسلمون امرى لرجلين لا اعرفهما ،أنا في داخل الحفرة والرمل بدا يتساقط ، على الرجل الخرج من الحفرة، إني وحيدة الآن ...ماذا يحدث ،فجأة بدأت الأصوات تبتعد "لاحول ولا قوة الا بالله " "الله يرحمها " "الله يعين اهلها " لحظات واختفت كل الأصوات ، أنا بالداخل وحيدة ،لا املك حتى الصراخ متشحة بقطعة قماش بيضاء تلفني جميعي ،وعلم فلسطين ،هل فعلوا بي هذا لأجل فلسطين..؟؟!! وما علاقتي أنا بكل هذا..؟؟؟ انه أمر الكبار ،فجاه سمعت وقع خطوات بالكاد تعرفت عليها كانوا أطفال يكبروني بقليل أو كثير، أنا داخل صندوق ولا أري ،علهم هاربون من المدارس أو اى شيء ، ولكن عليهم سماعي فهم في مثل عمري يجب أن يحرروني من هذا الخوف ويعيدوني إلى المنزل إذا ما صرخت ،لا صراخ ولا صوت لا املك اى منهم ،لم املك وقتها سوى انتظار فعلهم، دار بينهم حوار قصير "انا بعرفش اقرا اقرا انتا شو مكتوب هان " " قبر الشهيدة ايمان خمس سنين ،تاريخ الاستشهاد 15-5-0000"
شهيدة..؟؟!! أنا..!!؟؟ .... قبر..؟؟!! ماذا...؟؟؟!! لا يعقل...!!!! ....كيف ؟؟؟ حينها علمت لماذا لم يسمعني أبي ،ولماذا لم تستطع أمي حملي إلى المنزل ،علمت أنني لا املك صوت ،أنني عندما كنت ابكي لم تكن لدي دموع ،وسبب غناء العصفور كان روحي التي وجدها رفيقة له في السماء ،تلك الأغنية كانت لسيارة الإذاعة الواقفة في باب المقبرة ،علمت كل تلك الأشياء. منذ ذلك الحين و أنا اسمع كل يوم أصوات المارة حول قبري على استحياء،والمقيمون الجدد من الموتى والشهداء ،وصوت أمي كل خميس تصلي لي واختى التي تحضر أطفالها معها، عشرون عام و أنا لازلت في مثل هذا التاريخ اسمع كل الأشياء تتكرر الأموات، الأحياء، أولاد أختي، أمي و أبي كل الأشياء كبرت و أنا لازلت في الخامسة من عمري.
#مشيرة_جمال_أبو_شماس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غزة بدها تسافر....!!!!!
-
اكشفوا الستار فمن فعل العار يغسل العار
-
لقد صرعكم جسد تلك العاقلة شعرا .......!!!!!
المزيد.....
-
النساء والفنون القتالية: تمكين للعقل والجسد
-
الشاعر معز ماجد: اللغة منظومة تاريخية وجمالية تشكل نظرتنا لل
...
-
مشروع CAST الكوري يأسر الشرق الأوسط وتايوان ويعرض الانجذاب ا
...
-
المغرب.. مشهد من فيلم في مهرجان مراكش يثير جدلا
-
مهرجان مراكش يعلن عن المتوجين بجوائز -ورشات الأطلس-
-
معرض العراق للكتاب.. زوار يبحثون عن الغريب والجديد
-
Strategic Culture: تجاهل العقيدة النووية الروسية المحدثة يقر
...
-
اللغة الأكادية في العراق القديم تكشف ارتباط السعادة -بالكبد-
...
-
مهرجان مراكش السينمائي الدولي يستضيف الممثل والمخرج شون بن ف
...
-
المصور الأميركي روجر بالين: النوع البشري مُدمَّر!
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|