أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - توازن : قصة قصيرة















المزيد.....

توازن : قصة قصيرة


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 915 - 2004 / 8 / 4 - 12:21
المحور: الادب والفن
    


ترى من هو ذلك الرجل؟ تبدو عليه ملامح الأبهة والنفوذ! لابد أن أعرفه.. ولكن كيف؟!‏
سيادته الفارهة... سحنته المهيبة... تصرفاته... أناقته... كل شيء يؤكد أنه رجل غير عادي.‏
حدث هذا في نادي الشرق المعروف، الذي يقع في كبد مدينة دمشق.‏
هذا النادي لا يؤمه إلا علية القوم وأكابرهم، لأن تكاليف سهرة فيه تعادل راتب أو أجر موظف لعام كامل..‏
لم تكد تقف السيارة تماماً... أمام مدخل النادي، حتى كان واحدٌ من البوابين... يفتح للسيد الجليل.. باب السيارة الخلفي اليميني. إنه تقليد اعتاده كل صاحب سلطان.‏
انحنى البواب ماداً ذراعه اليسرى. باتجاه النادي... وكفه مبسوطة وهو يردد:‏
- شرفوا سيديّ... أهلاً وسهلاً ... تفضلوا.‏
وبينما البوّاب يتكلم، كان الزبون الدسم، يخرج ساقه ورأسه وجزءاً من جذعه الأيمن، لينزل من السيارة، وما كاد يكمل خروجه. حتى كانت كفه تمتد إلى البوّاب بورقة نقدية من فئة خمسمائة ليرة سورية، ويتكرّم عليه بنظرة، ومشروع ابتسامة مدروسة. حصل مقابلها على سيل من عبارات الشكر والتبجيل.‏
انضمّ بواب آخر، لمرافقة الرجل عبر المدخل... ثم اتخذ خدم آخرون أماكنهم على جانبي المدخل، كانوا أشبه بفرقة مراسم، متأهّبة لاستقبال الضيف الكبير، وراح هذا الأخير يوزع عليهم ورقات نقدية من الفئة نفسها التي قدمها للبواب الأول.. ولم ينسَ منحهم النظرات وهزات الرأس الخفيفة، ومشاريع الابتسامات غير الكاملة، والصمت.‏
بدا لي أنهم يعرفونه، وينتظرون قدومه، وما أثار دهشتي كونه وحيداً لا رفيق معه!‏
عندما أصبح داخل النادي، كان الناد لون قد أسرعوا لاستقباله والترحيب الحار به.. ومرافقته إلى أن اتخذ مجلسه الخاص المحجوز له كالعادة، كما صرح بذلك أحدهم.‏
كان الرجل قليل الكلام، والابتسام.. وكان بخيلاً بحركاته والتفاتاته. يخرج غليونه، يدخن بصمت، بينما كفّاه تنوبان عن لسانه في التعبير عما يرغب ويشتهي، وأحياناً لا يبخل باستخدام رأسه نيابه عن لسانه.‏
وكان النُّدُل -ويا للعجب- يترجمون لغته بدقة وتفوق، ويفهمونها تماماً.فهاهم يحضرون له طعامه المدروس بعناية.. إضافة إلى مقبلاته ومشروباته المفضلة؛ التي يتعامل معها برفق ولين ونعومة وبطء... كأنه يخشى أن يمسّها بسوء. هكذا يمضي سهرته وحيداً، وسط اهتمام بالغ من العاملين في النادي، الذين لا يكفون يحومون حوله كالنحل، طمعاً في رشفة رحيق من جيبه الجواد.‏
ما إن أنهى الرجل عشاءه، حتى طقطق بإصبعيه: الوسطى والإبهام... وسرعان ما قدمت له فاتورة الحساب على صحن. وسرعان ما وضع الرجل المبلغ المطلوب فيه، لكأنه درج عليه، أو لكأنه محسوب سلفاً بالنسبة إليه.. قال ولأول مرة:‏
-وزعوا الباقي فيما بينكم...‏
نهض... بينما كان أحد الندل يتبرع بتقويم سترته، والتأكد من حسن قيافته. سار الرجل بخطوات رزينة، لكأنه يمشي على البيض، بينما كان يشيّعه عدد من الشغيلة حتى غادر النادي، وأذناه تطنان بصدى عبارات الحمد والثناء والتبجيل.‏
ومرّت الأيام. وشاءت المصادفات أن ألبّي دعوة إلى مطعم العرّاد، الذي يتوسط نهر بردى، بعد قدسيّا.. غربيّ دمشق.‏
كانت دعوة إلى العشاء والسهرة على برنامج فني.‏
جلست وأصحاب الدعوة إلى طاولة، وبينما كنا نتبادل أطراف الحديث، كانت عيناي تستطلعان المكان ووجوه الزوار المتوافدين.‏
وفجأة توقفت نظراتي المترددة على وجهه. اتسعت حدقتا عينيّ، قلت في نفسي: "هل أكذب عينيّ؟!.. أنا في حلم أم في علم؟! أم هل يخلق من الشبه أربعين؟!"...‏
لاحظ صديقي الذي يجلس قبالتي، ما طرأ على وجهي من تغيّرات. سأل:‏
-مابك؟ ماذا هنالك؟‏
- لاشيء...‏
- وجهك يكذّبك!‏
- أشبّه على أحدهم...‏
- بسيطة...‏
لعله الشقيق التوءم، إنها لمفارقة لا معقولة.‏
في هذه اللحظة اقترب نادل من طاولتنا... ليسألنا حاجتنا... رأيت في النادل طرف الخيط يوصلني إلى غايتي... لن أدع هذه الفرصة التي طالما انتظرتها تفلت من بين يدي، لقد جاءني الحل على يديه وقدميه.‏
طلبت من النادل الاقتراب مني.. أعطاني أذنه وهو ينحني، سألته:‏
... من ذلك الشخص هناك؟! انظر بطرف عينك، لا تدعه يلاحظنا. وجه النادل عينيه بالاتجاه الذي أشرت إليه.. ثم نظر في وجهي وهو يبتسم ابتسامة ذات معنى. قال:‏
- هل تعرفه؟‏
- أشبه عليه..‏
- إنه سليم السرحان..‏
أحسست أن النادل يود التهرب من فضولي، فنقدته ورقة من فئة مئة ليرة، وطمأنته.‏
-لن أفشي السرّ... لا غاية لي سوى الفضول.. نيتي سليمة.‏
- هنا عرفت أن النادل قد فهم قصدي. فقال:‏
- إنه هو....هو بشحمه ولحمه...‏
- وضح أكثر...‏
- إنه الرجل نفسه الذي تشاهده في ...‏
- نادي الشرق؟‏
- نعم.. في نادي الشرق.‏
- يا للغرابة!! غير معقول...‏
- صدقني... أنا لا أكذب.‏
- شكراً لك... لا بأس..‏
واستغرقت في المفارقة، ولم أشعر بالنادل كيف ابتعد، عدت إلى مراقبة الرجل... كان نشيطاً...خفيفاً، يتجول بين الطاولات، ينحني لهذا الزبون... يقدم الطلبات، يمسح الطاولات بأدب جم... ولباقة تليق بنادل محترف حقاً‏
عاد النادل. وتلاقت نظراتنا، غمزته، فانحني برأسه إلى جوار رأسي سألته:‏
.... ولكن لماذا؟ وكيف؟...‏
- سيدي! كثيرون سألوني، وكنت أسرد لهم الحكاية نفسها، كأني أسطوانة تكرر الأغنية نفسها، هذا الرجل قصته قصة يا سيدي إنه يعمل هنا منذ زمن طويل، إنه الشيف (رئيس النادلين)، ومع ذلك يقوم أحياناً بعمل النادل،.بمحض رغبته، إنه يحب عمله ويتقنه والجميع يشهدون له بالخبرة والتفوق وحسن التدبير والتعامل مع الزُّبُن.‏
سليم السرحان لم يتزوج حتى الآن، ولم يدخر قرشاً أبيض ولا أصفر... كل ذلك بسبب تلك "السوسة" (العادة) التي تسيطر عليه، تصور يا سيدي. كل ما يجمعه خلال أسبوع ينفقه هناك في سهرة واحدة.. ينفقه على شخصيته الأخرى التي يعبدها.. ويصدقها، ويتمسك بها. إنه ممثل بارع يستأجر سيارة فخمة بسائقها، يقضي سهرة في نادي الشرق تليق بدوره كسيد آمر، هناك يتحول من خادم إلى مخدوم محترم، من رجل عادي إلى رجل غير عادي..ولو لبضع ساعات...يدفع ثمنها باهظاً.‏
رياض خليل/ دمشق/ سوريا



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاصلة الشاهدة والقبر : شعر
- رحلة الظل والتراب : شعر
- طلقة في الهواء : قصة قصيرة
- جحود : قصة قصيرة
- حالة شاذة : قصة قصيرة
- الرجل الذي فقد وزنه : قصة قصيرة
- الشارع العجوز : قصة قصيرة
- العين المعدنية البيضاء : قصة قصيرة
- مدن الذباب : شعر
- خرافة : قصة قصيرة
- الحائط : قصة قصيرة
- الطيف : قصة قصيرة
- قصائد قصيرة -3
- أفكار حول القصة القصيرة
- (2 ) قصائد قصيرة
- دعدوش : قصة قصيرة
- أنا والآخر : مقال
- الانتصار : شعر
- لم أكن أتألم
- الأمير: شعر :


المزيد.....




- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - توازن : قصة قصيرة