أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - اليوم عيد ميلادي















المزيد.....

اليوم عيد ميلادي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3002 - 2010 / 5 / 12 - 00:11
المحور: سيرة ذاتية
    


أنا لا أريدُ أن أصدق بعد عامي هذا أنني قد تجاوزت سن الأربعين وأصبحتُ إنساناً عاقلاً , لأن كل الناس سوف يقولون لي : خلص أقعد واهدأ بقديك طيش شباب ,لذلك سأبقى مثل جارتنا التي تحتفلُ منذ عشر سنوات في عيد ميلادها الأربعين , ففي كل عام تقولُ أن عمرها أربعون عاماً وأقول لها : في العام الماضي احتفلنا في عيد ميلادك الأربعين , وترد على كلامي محاولة إيهامي من أنني قد ضعفت ذاكرتي وتتهمني بالنسيان , فأقول لها فعلاً أنا آسف قبل عشر سنوات احتفلنا بعيد ميلادك الثلاثين سامحيني على ضعف ذاكرتي, لذلك سألتزم بنصيحتها وسأحتفلُ كل عام بعيد ميلادي الأربعين حتى وإن بلغت السبعين من عمري .

اليوم قد بلغتُ من العمر أربعون عاماً عشتها كلها في شقاء وتعب وصراع مع التراث والآخر, ومع الأصالة من جهة ومع المعاصرة من جهة أخرى , وكنتُ وما زلتُ مثل دون كيشوت أصارع في طواحين الهواء معتقداً أنها فرسان قوية , ويتهمني الناس من أنني أصدقُ ما يقوله المستشرقين عن العرب والإسلام والتاريخ الشرقي كله لذلك تركتُ تلك الشبهات التي حولي لأنني فعلاً لا أستطيع دحضها وتوجهتُ إلى واقع الناس المُعاش والملموس على أرض الواقع لأثبت للناس أن حارتنا وبلدتنا وقريتنا خالية من المستشرقين والذين أكتبُ عنهم هم أبناء جلدتي وأهلي وبلدتي والذين يحبونني والذين يكرهونني والذين يتمنون لي أن أموت جوعاً .

وكنتُ وما زلتُ طوال عمري أخاف من أن يبلغني سن اليأس , ومن قال أن الرجال لا يبلغون سن اليأس يكون على الأغلب مخطئاً جدا ,فقدراتي اليوم على القراءة والمثابرة ليست كما كانت قبل عشر سنين وأنا أريد الاستمرار ولا أريدُ بأن أصدق هذه الحقيقة , أريد أن أُكذبَ كل تلك الحقائق عني ولا أريد بأن أصدق بأنني أصبحت متزنا جدا في تصرفاتي, وقدراتي اليوم على الحب والعشق قد تراجعت للأبد فليس بوسعي أن أعاني من مشاكل الغرام والحنين واللوعة وأنا فعلاً لا أريد أن أصدق هذه الحقيقة , وليس بوسعي اليوم أن أحمل من الأثقال على كتفي كما كنتُ قبل عشر سنوات وليس بوسعي اليوم أن أزيد في أحلامي الاستعمارية لقلوب البشر, وأنا حقا لا أريد بأن أصدق كل تلك الاحتمالات الواقعية والحقيقية عني فعلاً, لقد كانت لي أحلام توسعية كبيرة أبلغُ بها ما بلغه جبران خليل جبران وخصوصا في امرأة تعشقني عن بعد وتتمنى أن تراني كما كانت مي زيادة تعشق جبران وتتمنى أن تلامس يداه الناعمتين وأنا أريدُ أن أبقى مع عقلي وقلبي موهوماً بكل ذلك, وليس بوسعي اليوم أن أكون (جان بول سارتر) التي عشقته (سيمون دي بوفوار) تلك المرأة التي كانت تبني نفسها كما تبني المخلوقات المثابرة أعشاشها في باطن الأرض, كنتُ وما زلتُ طوال عمري أهاب من وصولي إلى سن الأربعين لأن ذلك السن هو حلقة الوصل بين الشباب والشيخوخةأو بين الحلم والواقع , لذلك تيقنتُ اليوم بأن جارتنا كانت على حق كونها منذ عشر سنوات وأكثر ما زالت تحتفلُ كل عام بعيد ميلادها الأربعين,لذلك هي تتصرف كما تتصرف البنات في سن العشرين ما زالت تعشق وتحب وتحترق ويعاكسها الشباب في طريق عودتها من العمل في كل يوم وهذه الأمور هي التي تجعلها تشعرُ بشبابها, وكنتُ وما زلتُ أخافُ من ظهور الشعر الأبيض على أطراف رأسي وكنتُ وما زلتُ أخاف من أن يدركني الموت ولم أعش حياة رومانسية وجذابة مع امرأة قادمة من عالم السندباد أو حكايات ألف ليلة وليلة أو الخليج العربي الذي سحرني بنسائه الملتويات كأشجار النخيل, كنتُ وأنا في مقتبل العشرين مغروراً جدا جدا ولا أحد يملئ ُ لي عيني , وأريدُ أن أبقى هكذا مغرورا جدا, وكنتُ أظنُ أنني سأفتح الشرق الأوسط علميا وأدبيا حين أبلغ سن الأربعين ولا أريدُ أن أصدق بأنني كنتُ مجنونا في تلك الأفكار أريد أن أبقى حالماً في ذاك اليوم الذي أرى بت الشرق الأوسط وخصوصا بلاد الشام عالما حرا تنتشرُ فيه الحرية حتى شوارع العُراة ,ولكن ظروفنا وبيئتنا السياسية والثقافية والاقتصادية أثبتت لي أنني أعيش في بيئة غير مناسبة لنمو الأحلام الصغيرة والكبيرة وتيقنت فعلاً اليوم أنني أتراجع للوراء في كل شيء إلا في الخبرة والتجربة .

لقد تأكدتُ اليوم أنني امتلكُ خبرة في الناس عالية فأنا طوال الأربعين عاماً من عمري قد عاصرتُ الأكاديميين والعمال والشغيلة والحراثين والنصابين والدجالين والمشعوذين والصادقين والأوفياء القلائل وهؤلاء قد كسبتُ منهم الشيء الكثير وتعلمتُ منهم الشيء الكثير أكثر مما تعلمتُ من الكتب والمطالعة والقراءة وهؤلاء وحدهم هم الذين حفزوني على إتقان فن الكتابة بعد أن كنتُ لا أملكُ في الكتابة صنعةً تؤهلني من تشكيل ثقافة اتصال وتواصل مع الناس والآخر .

في مثل هذا اليوم أولد في كل عام من جديد , وفي مثل هذا اليوم من كل عام أعيد حساباتي من جديد وفي مثل هذا اليوم من كل عام أقفُ دقيقة صمتٍ على ما فات من عمري وأنا ما زلتُ بعد في طور النسيان والهلاك , وفي مثل هذا اليوم من كل عام أشعلُ الشموع وآكل الطرطة وألبس بدلة العيد وأقفُ على باب داري أنتظر أن تأتيني رسالة من المجهول أو بطاقة معايدة من امرأة تحبني من جديد وتفنى من أجلي من جديد أو تموتُ أو تحيا في حبي من جديد أريدُ بأن تبقى تصرفاتي ساذجة مثل الأطفال , في مثل هذا اليوم من كل عام يذوبُ قلبي كما يذوبُ الجليد ويحترقُ قلبي باللهيب من رمال الخليج وفي مثل هذا اليوم من كل عام أنامُ على وسادتي الخالية وفي مثل هذا اليوم من كل عام أخافُ من سن الأربعين .

وأنا لا أريدُ أن يذكرني الناس بأنني قد تجاوزت سن الأربعين لأنني أريد أن أبقى طفلاً وأريدُ أن أبقى مراهقاً , ولو تعقلتُ كثيراً فإننس سأخسر كثيرا من أوراقي وكتاباتي وأحلامي الطائشة وسوف يكرهني الذين تعودوا على فذلكاتي ,وأريد أن أبقى شاباً طائشاً وأريد أن أبقى مجازفا ومغامرا ومتسلقا للجبال ولاعب سيرك أو لاعب جمباز , أريد أن أبقى متوهماً وحالماً ولا أريدُ أن أصحو على حقيقتي أريدُ أن أبقى سكراناً لا يصحو من سكرته وأريدُ أن أبقى وردة تتفتح في أول الصباح وتغلقُ في أول الليل , وأريد أن أعيش حياتي كما أريد وأريد أن تبقى أشعة الشمس فوق رأسي وأريد أن أبقى رجلاً مشبوها جدا للأجهزة الأمنية ولا أريد أن يصفني أحد بأنني قد كبرت وعقلت وغيرتُ من وجهة نظري في الاجتماع والآداب والسياسة , أريد أن أبقى مشبوها للشيوخ ولا أريد أن أزيح غبار الجسد عن شعر رأسي وأريد أن أبقى مطاردا وجائعا ولا أريدُ من الله أن يرزقني وأريد أن أبقى أكتب وأكتبُ ثم أكتبُ وأكتبُ ولا أريد أن تتوقف أصابعي عن الكتابة ولا عيوني عن القراءة أو النظر في العيون السود وتنورة محبوبتي القصيرة جداً , أريد أن أبقى مراقباً من قبل كل الأجهزة الأمنية العربية ولا أريد أن أعيش بدون رقابة أريدهم أن يستمروا جميعهم بذبحي من المحيط إلى الخليج , أريدُ أن أدعو للمساواة بين الجنسين أو بين الثلاثة أجناس بين الإنسان والحيوان والكائنات الدقيقة , أنا لا أريد أن يقال عني من أنني قد بلغتُ سن الرشد والبلوغ أريد أن أبقى غير اشد وغير مدرك لمصلحتي الحقيقية , أنا لا أريد بأن يقال عني من أنني قد بلغت سن الأربعين وأصبحت مدركا لمصلحتي أريد أن أطير في الهواء كما يطير الأطفال , لقد أصبح عمري أربعون عاماً وما زلتُ أحلم بدخول مدينة الملاهي للركوب في السفينة والدولاب والسيارات , أصبح عمري أربعون عاماً وما زلتُ أحلم بكعكة العيد وما زلتُ أحلم بالجنون , أنا لا أريد بأن يقول لي أهلي : يا جهاد أعقل اليوم صار عمرك أربعين سنه من المفروض أن تكون إنسانا عاقلاً وبالغاً سن الرشد يجب أن تكون رجلاً ثقيلاً , أنا لا أريدُ بأن أكون رجلاً ثقيلاً أنا أريد بأن أكون خفيفا يضحك عليّ المؤرخون والأطباء , أريد أن أبقى مجنونا في قراءة الكتب والمقالات أريد أن أبقى مخبولاً برؤية العيون السود وأريد أن أبقى كما أنا دائما جاهلاً وأرعنا , لا أريد أن أتجاوز سن البلوغ فهذه مصيبة كبرى إن أصبحتُ عاقلاً فمن أين ستأتينني الوساوس إن أصبحتُ عاقلاً ؟ ومن أين ستأتينني الشبهات إن أصبحتُ عاقلاً وكيف سأتخيل نفسي وأنا أكتب بكامل قواي العقلية , أريد أن أدعو للثورة البيضاء وللتغير , أريد أن أغير معتقدات الناس ومعتقدات أريد أن أتحرر من سلطة التراث أريد أن أتحرر من الرقابة على نفسي ,إن الكتابة لا تحتاج على الأغلب إلى التعقل ومحاباة الناس والواقع إنها تحتاج إلى قلم طائش وعقل حالم غير عاقل بالمصيبة التي ستحدث لصاحب القلم,أنا لا أريد إلا أن أكون مثل جارتنا أحتفلُ كل عام بعيد ميلادي الأربعين.

سيهجرني أحبابي إن أصبحتُ عاقلاً ورزينا فكلهم يحبون طيش الشباب الذي في داخلي وكلهم يحبون مغامراتي , وكلهم يحبون ولعي بالقراءة والكتابة وكلهم يحبون أفكاري الغريبة عن المجتمع وإن عقلت فمن المؤكد جدا أنني سأصبح واقعياً جدا وأعيش حياة طبيعية جدا كالتي يعيشها أي إنسانٍ في بلدي , عندها لن أصبح مميزا أبداً , أنا لا أريد أن أعقل.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=171714

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=171430



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزوجة والخادمة
- في ناس هيك, وفي ناس هيك
- العائلة المسيحية والعائلة المسلمة
- تعليم القيم وتعلمها
- لساني
- باركني
- المثقف المبدع
- تصاعد أعمال العنف المجتمعي في الأردن
- المرأة وحرية الاختيار
- احنا وين والعالم وين!
- الدين المُحرف
- كيف تختارين زوجك؟
- مشكلة الفقر والفقراء
- إسماعيل ياسين الضاحك الباكي
- من أنت؟
- من أنا؟
- هل أنت تأكل أظافرك أم ملابسك كما يفعل بعض الناس؟
- هل أنا فعلاً حمار؟
- الإنسان حيوان ابن حيوان2
- الطلاق ظاهرة صحية


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - اليوم عيد ميلادي