جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3000 - 2010 / 5 / 10 - 11:34
المحور:
المجتمع المدني
هذا ما استنتجته من زيارتي ليلة الأمس لإحدى العائلات المسيحية , وكنتُ على الأغلب الأعم سأكتب لهم رسالة شكر فقط على حفاوتهم بي ولكن شدة ملاحظتي جعلتني أكتب عن الفارق بين العائلة المسلمة والعائلة المسيحية , فغالبية العائلات المسيحيين متعددين في أطروحاتهم الفكرية, وبعض المسلمين متعددين في النساء فقط لا غير, وبدأت وأنا في طريق عودتي أفكر في هذا الموضوع : وهو لماذا لا تسمح العائلات المسلمة بتعدد الأفكار والمذاهب والمعتقدات في منازلهم كما يسمحون بتعدد النساء؟.
وفي منزل الأسرة المسيحية أكثر من رأي ورأي آخر حيث تجد الشيوعي والعلماني والماركسي والليبرالي ولا أحد يشتم أحد أو يتهم أحد بالفتنة وبالخروج عن الملة , وتلبس نسائهم وبناتهم وأولادهم على آخر موضة ولا أحد يتهم أحد بأنه لا يغار على عرضه وماكل لحم خنزير , ولا تخاف المرأة المسيحية من أن يعشق زوجها جارته أابنة الجيران ويتزوجها عليها ثانية أو ثالثة أو رابعة , لذلك تجلس الجارات وبنات الجارات رجالهم ونساؤهم دون أن ينظر أحد لأحد نظرة زواج أو نظرة مشروع زواج مستقبلي وفي الأسرة المسلمة رأي واحد وعقيدة واحدة حتى وإن بلغت الزوجات أربعة على مقياس ما يسمح به الشرع , فالشرع يسمح بتعدد الزوجات ولا يسمح بتعدد الأفكار والمعتقدات ,ففي بعض العائلات المسلمة أكثر من زوجة للرجل الواحد حيث يُسمح للمسلم بالتعدد في الزوجات إذا كانت صحته البدنية والاقتصادية جيدة وعال العال ,ولكن لا يسمح للفرد بتعدد الأفكار والمعتقدات إذا كانت صحة الفرد العقلية والذهنية صافية ونقية 100%,ولا توجد في الأسرة المسلمة تعددية فكرية فالتعددية الفكرية كفر وخروج عن الملة والفارق الوحيد بين المسلم والكافر هو الصلاة , أما الفارق بين الإنسان المدني وغير المدني في الأسرة المسيحية وغير المدني هو فقط في قمع الآخرين وعدم السماح لإبداء الرأي والرأي الآخر ,فالتعددية هي فقط في النساء.
على كل حال دعوني يا أصدقائي أن أشكركم وأشكر المجتمع المدني الأردني الذي رأيته لأول مرة في حياتي بكم كما رأيته في أسرة وعائلة الدكتور عيسى جودة , وهذه ثاني مرة في حياتي أرى بها مجتمعا أردنيا مدنيا جدا في أسلوب طرحه ونقاشه للأفكار وللمعتقدات بعد أن عشت في قريتنا أكثر من أربعين عاماً وأنا لا أرى إلا مجتمعات العصور الوسطى ونساء قادمات من القرون الوسطى , رأيتُ ليلة الأمس وسمعتُ من عائلات متعددة ومتنوعة داخل الأسرة الواحدة فكان هنالك الرأي والرأي الآخر والكل يتقبل وجود الآخر ويتعايش معه في نظام أسري غير تسلطي لا يقمع فيه الأب البنت ولا تقمع فيه الأم البنت أو الولد , ولا أحد يطلق عبارات على الآخرين مثل كافر أو خارج عن الملة , فالكافر في نظرهم هو الذي له الحق في أن يحيا حياة مدنية وعصرية جدا , والخارج عن الملة فيهم هو الذي له الحق في إبراز معتقداته , وأنا في مجتمعنا القروي لم أر طوال حياتي إلا رجالا يرتكبون كل المخالفات الشرعية ويأكلون الربا والسُحت في قلوبهم وحين يصل النقاش معهم إلى المرأة وحريتها فورا تنتفخُ كروشهم ويعارضون كل ما هو مخالف للعادات والتقاليد والعقيدة أما أكلهم للربا فهو تجارة والتجارة شطارة أو أنها كما يقول فرانلكين (الحرب نهب , والتجارة غش) فكل ذلك عندهم شيء عادي أما حرية المرأة والتعبير والأناقة في ارتداء الثياب فهي دعارة وإلى جهنم وبأس المصير .
وطوال حياتي لم أر في قريتنا أو محافظتنا إلا مجانين جنس متعددين في النساء وما ملكت أيمانهم.
لا يمكن أن يكون الإنسان جميلاً في نظر نفسه إلا إذا شعر أولاً وقبل كل شيء أنه محبوب وجميل في نظر الناس وأصدقاءه , والإنسان الجميل يكتشف الجمال في قلوب الناس حتى وإن لم يكن الجمالُ موجوداً فإنه يكتشفه أو يتخيل وجوده ,والإنسان القبيح يكتشف القُبح في قلوب الناس حتى وإن لم يوجد بهم قُبحا ً فإنه يتخيله موجوداً, وليلة الأمس اكتشفت كم هو أنا فعلاً إنسان جميل ومهذب ومحبوب ولي معجبين وقراء ينامون الليل وهم قلقون جدا إذا لم أكتب في الحوار المتمدن مقالي اليومي , واكتشفتُ أنني دائما قد كنت على خُلق ٍ رفيع حين اكتشفت أن لي معجبين يتشابهون مع صديقي (الرحبي) المقيم في الكويت , وجميعهم أكثر مني خُلقاً وأدبا وأناقة وتواضعاً ولأول مرة أشعر أنني لا أستطيع الكتابة وعاجزٌ عن تقديم صلوات الشكر ذلك أن الموقف والمشهد كان أعظم من كل عبارات الإطراء والتثنية والاختبارات الصعبة والتمجيد فأشكركم أنا وجراحي يا أصدقائي من كل قلبي على كل كلمة إعجاب قلتموها بحقي , وأشكركم يا أصدقائي على ثقتكم بي أنتم وعائلاتكم وجيرانكم , وأشكر الطريق التي قادتني إليكم وأشكر السيارة التي حملتني إليكم وأشكر ساعي البريد وأشكر الهواتف المحمولة شركة موبايلكم وفاست لينك وكمان شركة أُمنية وكمان الهاتف الأرضي ,الذين بفضلهم قد وفّّروا لي طريقة للاتصال بكم وأشكر الحظ السعيد الذي جلبني أو رماني في أحضانكم وأشكر المقاعد التي جلستُ فيها في قلوبكم وليس على قلوبكم, وأشكر السماء التي أرسلتكم لي وأشكر ابتساماتكم وأشكر الأزهار الجميلة التي كانت تجلس في بيت مصباح جميل وهي تصافحني , وأشكركم جدا من كل قلبي على ما قدمتموه لي من حسن الضيافة والوفادة والرفادة ,جميل جدا أن تجد في هذا الزمان صداقة كالتي وجدتها في الوجوه الجميلة والقلوب الطيبة , وأنصح أي إنسان ليس له صديقاً أن يجد مثلي أصدقاء كعماد سميح ومصباح جميل وسالم النجار وأي إنسان يعاني من الملل والكآبة أنصحه أن يجد شلة كالتي وجدتها في هؤلاء العِلية من القوم ,وأنا من زمان ما سهرت سهرات حلوه وبتجنن وبتاخذ العقل مع الأصدقاء مثل سهرة الأمس مع المهندس محمد الحلو , الحلو جدا في ارتداء ألفاظه كما يرتدي ملابسه الأنيقة فهو الكاتب الأردني الشهير الذي يخلق الكلمات كما تخلقُ الأرض النباتات وكما تخلقُ السماء الأمطار,والدكتور سالم النجار الذي لا يقلُ عنه حلاوة في الطعم والذوق والرائحة الذي يجس ما بداخلك كما أنك ولو أنك عليلاً ليكتشف مواقع الألم في طفولتك وذكرياتك, والتي ظهرت لي رائحتهما أكثر في قهوة مصباح جميل حيث كانت لقهوته أيضا خفة دم وظل الكاتب والسياسي الأردني المخضرم عماد سميح الذي لا يبعد منزله عن منزل الأستاذ مصباح جميل مسافة انبعاث رائحة الياسمين من فناء داره حيث اشتم رائحة وجودي بعد عودتنا من الكوفي شوب والفندق الذي كان ينزلُ به الدكتور سالم النجار, ولأول مرة أشعر أن لي رائحة طيبة انبعثت مع رائحة الياسمين من منزل مصباح جميل إلى منزل عماد سميح , ولا أحد يستطيع أن يشتم رائحتك الجميلة إلا أُمكً أو صديقاً محبا لك ومُعجب بوجودك ,وبغض النظر عن كل التفاصيل الحلوة والجميلة كان للمكان حضور الأرواح الطائرة والمحلقة وكان للمكان هبات نسيم وجرعات ماء صافية وكان للسماء التي غطتنا لونا نسويا جميلاً يذكر الجالس معنا بجلسات فلاسفة الإغريق الذين كانوا يتنافسون على حب الحكمة والفلسفة , وكان للمكان هيبة من الجمال كالهيبة التي كانت في معابد الأثينيين الذين كانوا يتسابقون على اختراع الجمال وصنعه إن لم يوجد في بلدانهم ومع كل ذلك كان الجمال طبيعيا وكانت العيون تتفتح كما يتفتح الورد ألجوري أو كما تفتح وتغلق مغارة (افتح يا سمسم).
وكان للكوميديا والسخرية من أقدارنا جميعا نصيباً من التنافس على صناعة فن الفُكاهة وكلما أطلقت من فمي نكتة جميلة كلما تبعها الحلو من لسانه بنكتة أفضل منها , وكلما صمتنا كلما ذكر الأستاذ الكبير مصباح جميل نكتة أكثر ضحكا من نكاتنا جميعا , وكان لحضور مصباح إضاءة على قلوبنا وأرواحنا جميعنا حيث ازدادت وجوهنا إشراقا ولمعانا كلما ابتسم لنا مصباح جميل كالحظ السعيد أو كورقة اليانصيب , فكان لكلامه بهجة مثل بهجة ورق اليانصيب الخيري أو الحظ السعيد الذي يأتيك صدفة بلا ميعاد, حتى كادت دموعي أن تسقط أرضا من شدة الهزار والضحك وأحسست وقتها أن كل شيء كان في الكوفي شوب يضحك ويرقص حتى المقاعد الخشبية والبلاستيكية ضحكت وسمعتُ أصواتَ تمدد الأخشاب في نواحٍ كثيرة من جسمي وكلما اهتزت الأرض ضحكا كلما تحرك قلبي خلف القفص العظمي, وكنتُ أظن نفسي أنني الوحيد البارع في خلق النكات والطرف وإذا بهم يبتزونني جميعا وأبتزهم وكأننا في حلقة سباق أو في حلبة مصارعة للنكات والطُرف.
وحين أردنا الذهاب كنت لم أشبع بعد من جلستهم فذهبتُ مع مصباح جميل إلى مدينته (مادبا – مأدبا) وأول شيء مصباح جميل أتحفني بكثرة شرب القهوة وكأنني فعلاً لأول مرة في حياتي أشربُ القهوة الأردنية وتيقنت أن شرب القهوة بحاجة إلى نديم كما هي المشروبات الروحية وأصبحتُ في صبيحة اليوم التالي أكثر رجلٍ يدر بولاً في العاصمة عمان لكثرة ما شربتُ من قهوته السحرية وحين أخذني معه على مصنع القهوة خاصته في (الجويدة) كان في كل ربع ساعة يسقيني فنجان قهوة وأنا في كل خمسة دقائق أذهبُ للتبول , حتى مللتُ من كثرة القهوة , وقد شعر هو بذلك وبدل أن يطلب لي قهوة صار يطلب لي شاياً مع القهوة أو النسكافيه .
-تشرب قهوة ؟
-لالا خلص اشربت أكثير وولعت أكثير .
-معناته خلينا أنغير شو رأيك قهوة مع ..إلخ.
فقلت له أنت مثل شركة الكوكا كولا أول ما اشتغلوا في عمان , كانوا يحلفوا على ضيوفهم أن يشربوا ببسي ومن ثم يحضرون لهم الكولا.
أشكركم يا أصدقائي..أشكركم يا ملائكة الأرض والسماء..أشكركم على صوركم الجميلة التي خلقها الرب على شاكلته.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟