أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الإله بوحمالة - الطباخ والطنجرة














المزيد.....

الطباخ والطنجرة


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 2993 - 2010 / 5 / 2 - 17:03
المحور: الادب والفن
    


حينما تتحول مسرحية ما، رغم أنف مخرجها، من مسرحية كان يراد لها أن تكون هادفة إلى تراجيديا بكائية للنحيب والعويل والصراخ..
وحينما تنحدر بفعل الفوضى المفرطة إلى كوميديا هزلية سخيفة لا تثير إلا الشفقة والاشمئزاز..
وحينما يخرج أبطال هذه المسرحية عن النص نهائيا، ويبدؤون في تحريف الكلام عن مواضعه ويتهافتون على السطو والانتحال والارتجال وخلط الأدوار والمواقع.. وحينما تستحوذ على ذواتهم، في الأخير، حالة مرضية من العبث التام فيستسلمون للثرثرة واللجاج أمام الجمهور البئيس المغلوب على أمره..
ثم، بعد ذلك كله..
حينما يخرج مخرج تلك المسرحية من خلف كواليس المسرح وستره إلى ركح الخشبة بدعوى الإصلاح وإعادة ترتيب أوراق المسرحية وضبط فصولها، فنجده يغرم بالأضواء الكاشفة، وتستحوذ عليه أحلام الشهرة ويستهويه التمثيل والاستعراض فلا يجد من سبيل إلى ذلك إلا باحتكار المشهد برمته لنفسه..
وحينما ينساق، هذا المخرج أكثر فأكثر، فلا يجد حرجا ولا غضاضة في إسناد دور البطولة المطلقة لنفسه، ويجعل من الآخرين مجرد أكسيسوارات وكورس وظلال وهوامش باهتة..
عندما يحدث مثل هذا الأمر في أية مسرحية، مهما كان طرحها، ومهما كانت جودة مضمونها، ومهما كانت درجة نبل الهدف الذي تسعى إليه، فإن الجمهور الحاضر إن لم يلعن أبطالها من أعلاهم إلى أسفلهم، وإن لم يرمهم بحجر.. فلا شك أن هذا الجمهور ينتمي إلى نخبة المجانين وخلاصة السكيزوفرينيين وعصارة الهبل والعبط الميئوس منهم على الإطلاق.
ثم، ورغم أنه لا علاقة تذكر بين ما استعرناه من المسرح ومخرجه وبين ما سنستعيره توا من المطبخ وطاهيه، إلا على سبيل ما يجمعه المجاز الساخر بين المسرح والمطبخ وبين شيء آخر هو الذي نقصد بالتحديد..
فقد زعموا أنه كان..
كان هناك طباخ عتيد، من طهاة العصر، معروف بذكائه وذهائه، ومشهور بين ذوي حرفته بأنواع من الخلطات وألوان من الوصفات عجيبة ومتفردة لا يصنعها غيره ولا يتقنها سواه..
وقد ظل هذا الطباخ، لردح من الزمن طويل، معتكفا في مطبخه، يطبخ وينفخ، ويأتي بعمله هذا بالعجائب المعجبة والغرائب المستغربة من المأكولات العصائر والمخللات والمشروبات..
وكان في كل مرة يصنع ذلك يفلح فيه أيما فلاح، بنفس المكونات وبذات المقادير والبهارات، لا يكاد يضيف إليها شيئا ولا يكاد ينقص منها شيئا.
وكانت لهذا الطباخ طنجرة سحرية ضخمة، تظل تضج طول الوقت بالقرقرة والغرغرة والغليان، وكانت بين الفينة والفينة تتصاعد من جنباتها أبخرة ورذاذا ودخان غريب الرائحة عجيب الألوان..
وكان، بما اشتهر عنه من حذق ومهارة في المجال، يحيط طنجرته تلك بما يلزم من المراقبة والعناية.. ويتولاها بما يحسن به من التفقد والرعاية.. يتحكم في نارها ويتلاعب في درجة حرارة جمارها.. بارعا في إحكام الضغط متقنا لأسلوب التنفيس..
إلى أن مرت السنون الطوال.. وتغيرت بصاحبنا وبطنجرته الحال والأحوال..
فصارت صنائعه لا ترضي أحدا، وأصبحت بدائعه لا تبعث إلا على النفور والغثيان..
فما كان منه إلا أن جلس بينه وبين نفسه، وأخذ يفكر ويدبر، ويرسم ويخطط ويسطر.. وأخيرا هداه نبوغه الأصمعي إلى موطن الخلل، وقاده تفكيره الألمعي إلى منافذ الحل.. وأدرك بما لا مجال للشك فيه، أن العيب، لاشك ولا ريب ولابد، يوجد في الطنجرة، وأن إعادة الطعم والمذاق لتلك الكتل المتصلبة والسوائل المائعة والأبخرة، تقتضي التشمير على الساعدين وتتطلب التحسير عن الساقين وتستدعي النزول شخصيا وبكل روح وطنية وعزيمة نضالية إلى قلب الطنجرة..
وهكذا كان..
فليس من ظل خارج الطنجرة كمن دخلها.. وليس من سمع كمن لامس وشم وشاهد بالعيان.
نزل طباخنا اللبيب، إذن، إلى قعر الطنجرة.. فغاص وطفا.. ثم طفا وغاص.. وحاور وناور بالطول والعرض وعلى اليمين وفي الوسط وبالميسرة.. واستطاع، بما حباه الله من المواهب، وبما خصه من المكرمات والمناقب، أن يجمع بين المتضادات وأن يؤلف بين المتناقضات.. ولما استوى له الأمر واتضحت في ذهنه الأمور صنع مما طالت يداه، وأبدع، ما لم يبدعه غيره وما عداه.. لا في التاريخ ولا في الجغرافيا..
والآن أكيد عرفتم الطباخ.. أكيد عرفتم تلك الطبخة العجيبة.. أكيد عرفتم المخرج.. وأكيد أيضا عرفتم المهزلة..
فهل عرفتم الطنجرة؟..
ـ نعم هي تلك بالضبط..



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى لا يتسع المضيق بين المغرب وجاليته في أوربا
- 8 مارس 8 مشاهد عادية
- موت المثقف المغربي المهموم
- الأحزاب المغربية وسؤال الإصلاح
- مدونة السير: طريق السوط أصبح من اليوم سالكا
- منطق السلطة ودينامية الخطاب السياسي
- من المثقف الحزبي إلى المثقف الحزبائي
- سينما الخيال المريض
- لا حزب الله لا حزب الوطن.. لاحزب الملك
- العالم العربي: من الزعامة المصرية إلى زعامات أخرى
- أمريكا أم الأربعة والأربعين.. رئيسا
- رسالة.. إلى من لا يهمهم الأمر
- لَوْلاَ التَّشهُّدُ لكَانَتْ لاؤُهُمْ نَعَمُ
- صبْراً آلَ غزَّةَ.. فأُمُّ الجُبْنِ فِينَا مَا وَلَدَتْ غيْر ...
- إلا الأمن..(!)
- الأحزاب المغربية.. تراجيديا السقوط نحو قمة الحكومة
- انتخابات 2009 للجواب على رسالة الناخب الغاضب
- الهيبهوب ظاهرة صوتية.. لا غير
- أبا الخيزران.. إنهم يطرقون الجدران فعلا (!)
- أبا الخيزران.. هاهم يطرقون الجدران فعلا (!)


المزيد.....




- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...
- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الإله بوحمالة - الطباخ والطنجرة