أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الإله بوحمالة - سينما الخيال المريض















المزيد.....

سينما الخيال المريض


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 2581 - 2009 / 3 / 10 - 09:07
المحور: الادب والفن
    


كنت سأسمي هذا النوع من الأفلام "السينمائية" التي ظهرت مؤخرا في المغرب وأثارت جدلا إعلاميا وسخطا من قبل بعض شيوخ الدين، سينما مرحلة المراهقة، وكنت بلا شك سأكون محقا في اختيار هذه التسمية، لكنني تراجعت لكي لا أظلم هذه المرحلة الجميلة من عمر الأنسان حيث أنها لا تتميز فقط ببروز المعالم الجنسية عند المراهق وبتغير بعض سلوكاته بسبب النشاط الغريزي، ولكن لكونها أيضا مرحلة يميل فيها المراهق للرومانسية والحلم والاندفاع والثورة والتمرد بأبعادها المثالية والإيجابية، وهي أشياء غير موجودة في هذه الأعمال السينمائية التي أتحدث عنها للأسف.
ثم كنت سأدعوها "سينما المراهقة المتأخرة"، وعدلت عن هذا العنوان لأن المراهقة المتأخرة كما نعرف جميعا تأتي حتما بعد مرحلة طويلة عريضة من عمر الإنسان تحفل بالعطاء والإنتاج والخلق وتتميز بالنضج والجدية والمسؤولية، وهو ما نكاد لا نعثر له على أثر في فيلموغرافيا معظم هؤلاء المخرجين، فأغلبهم ما إن شطح حتى نطح كما يقال وكلهم تقريبا ابتدأوا قصيدتهم الركيكة من سطرها الأول كفرا.
ثم قلت ربما إن أنسب تسمية لهذه الأفلام الضحلة هي "سينما المرحلة الشرجية"، فربما هي الأكثر دقة لتوصيف ما أريد أن أقصد وما أريد أن أقوله في حق هؤلاء المخرجين الطارئين وأفلامهم، فهم يشبهون تماما ذلك الصبي الصغير الذي يستغل فرصة وجوده وحيدا بلا مراقبة لينشغل توا في اللعب ببرازه ويتمتع بهذا الفعل السري المقرف كثيرا لينتهي في الأخير بتلطيخ نفسه وتلطيخ محيطه المجاور بالقذارة والروائح الكريهة، لكني لاحظت أن هذه التسمية تفترض أن هؤلاء السينمائيين قاصرين وأبرياء وأن الضرر الناجم عن أفلامهم محدود الأثر تماما كما هو الشأن بالنسبة للعب الطفولي وهو ما ليس صحيحا لأن هؤلاء يدركون ما يفعلون ويقومون به عن تفكير وتدبير وعن سابق تخطيط وتشترك معهم في ذلك الجهات المانحة التي تصرف لهم دعما ماليا عن كل فيلم ترى أنه جذير بالدعم.
وحينما سميتها في الأخير "سينما الخيال المريض" على غرار سينما الخيال العلمي فلأن حظ هذه الأفلام للأسف من أي خيال آخر سواء كان علميا أو أدبيا أو فنيا أو حتى فانطاستيكيا فقير فقرا مدقعا، فهي مجرد نقل سطحي حرفي لواقع وقح تم انتقاؤه من مواخير المدن وخماراتها وتم التبئير فيه بشكل مفتعل وغير وظيفي على كل مظاهر الانحراف والسقم وكل مفردات العيب وألفاظ السباب والشتم لهدف واحد هو أن تقذف بمحتويات قعر المجتمع العفن إلى السطح لتنتشر القذارة وتفوح النتانة ويتلطخ الجميع وتتلاشى بالتالي من المجتمع أية قيمة أخلاقية أو دينية أو جمالية يمكن أن يتشبث بها الفرد أو أن يطمئن إليها.
إنني أتسائل كلما ظهر على الساحة السينمائية عمل سينمائي من هذه الطينة، سواء في السينما أو في التلفزيون، عن الميزة التي يمكن أن تميزه عن أفلام الإباحية وأفلام الجنس الرخيص التي عادة ما لا تكلف مخرجيها إلا وكرا مظلما وثلة من العاهرات والمنحرفين وتوليفة من المؤثرات الفنية والموسيقية التي تدغدغ العواطف وتخاطب الغرائز المكبوتة..
وأتساءل، عن القيمة المضافة التي يمكن أن يضيفها عمل مثل هذا للثقافة بالمغرب عموما وللثقافة السينمائية على وجه الخصوص، ونحن ندرك أنه ليس بمقدور أبرع هؤلاء المخرجين تقنية ولا أكثرهم جرأة ولا أوفرهم مالا مضاهاة حتى هذه الأفلام الخليعة المنحطة التي تباع على قارعة الطريق، وتعرض في الشاشات وعلى الأنترنت مجانا، في مستواها التقني والإخراجي العالي.
ما هي القضايا الاجتماعية أو السياسية التي يمكن لفيلم من هذه الأفلام، من خلال محتواه الأدبي ومعالجته الفنية، أن يطرحها للنقاش أو أن يخرق حجاب المستور الذي يغلفها، غير تلك الطروحات المتبرجزة التي يفشيها مخرجون مستلبون، لا يكفون عن شيطنة الإنسان المعوز الذي يقطن في الأحياء الهامشية ومدن الصفيح ولا يتوقفون عن التكسب بعرض صورة أوضاعه المخزية والمزرية سينمائيا بعد أن تاجروا بفقره وأميته وجهله في الواقع.
ثم أتساءل بمرارة، ألا يوجد في المغرب مثلا فضاءات أخرى أجمل وأنظف غير دهاليز الظلام وعطانة المواخير وعتمات الخمارات حيث القيء والدخان والضجيج وهستيريا الجنس والجريمة.
ألا يوجد في تاريخ المغرب القديم وحاضره الحديث بالمرة رجال أفذاذ وشخصيات سياسية أو ثقافية أو فنية أو إعلامية أو عسكرية محترمة تستحق أن نتناولها سينمائيا وأن نسلط الضوء على مناحي الإشراق والشرف في حياتها وإنجازاتها وقيمها المثلى غير عينة اللصوص والمجرمين والقوادين والشواذ والعاهرات والمنحرفين.
أليس في تاريخنا الطويل أحداث تاريخية وأمجاد وقصص بطولات يمكن أن نفتخر بالانتماء إليها وأن نؤرخ لها سينمائيا وتلفزيونيا ونربي أبناءنا على احترامها والاقتداء بها غير فتوحات العاهرات والشواذ وغزوات اللصوص النهابين والمجرمين في شوارع مدينة الدار البيضاء بعد منتصف الليل.
أليس للرجال المغاربة وللنساء المغربيات الشرفاء البسطاء أحلام جميلة ومشروعة يناضلون من أجل تحقيقها بالدم والعرق وتستحق أن تكتب كقصص وسيناريوهات وأن تنتج كأفلام، غير أحلام الثراء السهل والمتاجرة في المخذرات ونخاسة اللحوم البشرية.
هل تيبس الخيال الإبداعي عندنا وجفت ينابيعه إلى الحد الذي أصبح فيه المخرج السينمائي، من هذه الفئة ولا أقصد الجميع، يستعيض عن الفكرة الجيدة والنص المحبوك بما يرشح بسهولة من خياله المريض واستيهاماته المكبوتة من عفونة لينجز فيلما إن صادف ولم يكن من سرير بيته فمن الخمارة وإن لم يكن من الخمارة فمن الماخور ولا غير.
ألا يوجد في نصوص قصاصينا وروائيينا المبدعين ما يستحق تحويله إلى سيناريو لفيلم سينمائي أو تلفزيوني محترم بموضوع محترم ومعالجة فنية لا تستسهل نقل الواقع الوقح بوقاحة أنكر وتدخلها إلى بيوتنا عبر التلفزيون بالإكراه.
ثم في الأخير هل كتب علينا هنا في المغرب أن نهاجر سينمائيا كلما بحثنا عن الجودة والإبداع والجمال، فقط لأن الوسط السينمائي عندنا عفن وموبوء ومبتلى بثلة من المخرجين من عديمي الموهبة وميتي الضمير لا يتقنون إلا عرض ملابسهم الداخلية الوسخة عبر الشاشتين الكبيرة والصغيرة، مستعينين في ذلك بممثلات الصف العاشر ممن لا موهبة لذيهن غير موهبة التعري والتغنج وترديد الكلام الساقط، وممثلين لا يهمهم أن يفخروا بدور فيه جرأة سياسية أو حمولة فكرية أو رسالة أخلاقية، بقدر ما يفاخرون على الملإ بأدوار الشذوذ والعادة السرية والقبل المجانية مما لا يرضى به حتى الكومبارس المغمور العابر.
صحيح أمام هذا الخيال المريض المحموم لا نملك إلا أن نقول: "إن لم تستحي فاصنع ماشئت".



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا حزب الله لا حزب الوطن.. لاحزب الملك
- العالم العربي: من الزعامة المصرية إلى زعامات أخرى
- أمريكا أم الأربعة والأربعين.. رئيسا
- رسالة.. إلى من لا يهمهم الأمر
- لَوْلاَ التَّشهُّدُ لكَانَتْ لاؤُهُمْ نَعَمُ
- صبْراً آلَ غزَّةَ.. فأُمُّ الجُبْنِ فِينَا مَا وَلَدَتْ غيْر ...
- إلا الأمن..(!)
- الأحزاب المغربية.. تراجيديا السقوط نحو قمة الحكومة
- انتخابات 2009 للجواب على رسالة الناخب الغاضب
- الهيبهوب ظاهرة صوتية.. لا غير
- أبا الخيزران.. إنهم يطرقون الجدران فعلا (!)
- أبا الخيزران.. هاهم يطرقون الجدران فعلا (!)
- جرح العنوسة.. الطوق والأسئلة
- اللغة والمعنى.. القوالب التي تحكمنا
- القضية تهمنا أيضا
- الجار والمجرور والنكرة والمعرفة: درس في قواعد الاستوزار
- موسم الهجرة نحو الوسط
- في الحاجة إلى معارضة حزبية قوية
- ملاحظات على هامش انتخابات سبتمبر
- البذور المنتقاة لديمقراطية بوش


المزيد.....




- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الإله بوحمالة - سينما الخيال المريض