أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبد الإله بوحمالة - موت المثقف المغربي المهموم















المزيد.....

موت المثقف المغربي المهموم


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 2799 - 2009 / 10 / 14 - 17:46
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


أعتقد أن أكبر نكسة لحقت الساحة الثقافية المغربية في السنوات الأخيرة ـ وهذا رأي شخصي ـ جاءتها من التحولات السياسية المفاجئة التي شهدها المغرب قبل عشر سنوات وتحديدا مع بداية ما اصطلح على تسميته بمرحلة التناوب التوافقي ودخول أحزاب المعارضة الديموقراطية إلى الحكومة.
وأعتبرها بالفعل نكسة، لأن جزءا كبيرا من عشيرة المثقفين بعد أن قضوا سنوات طويلة في مواجهة الحكم وانتقاد السلطة ومناوأة الأفكار والاختيارات السياسية والاجتماعية المهيمنة، وبعد أن كانوا يجترحون من رحم معاناة الإقصاء والتهميش العام سببا للوجود وحافزا للكتابة والإبداع والنقد والتحليل، وجدوا أنفسهم فجأة، بعد أن وورب الباب قليلا، مضطرين إلى الهرولة مع المهرولين صوب مناصب السلطة والإدارة وامتيازاتها، وهكذا تغير المشهد بين يوم وليلة بطريقة دراماتيكية سريعة طغى فيها عاليا صوت السياسي على الثقافي قبل أن ترفع الأقلام وتطوى الصحف وينخرط الجميع في عرس صامت مريب.
لن أعود في حديثي، للمقارنة إلى فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي حينما كان حلم المثقف المغربي المقهور بسعة تلك الخارطة الممتدة للأمة الإسلامية وللوطن العربي، وقد راجعت مؤخرا، قبل كتابة هذا المقال، لمعات من ذلك الحلم الكبير في افتتاحيات مجلة "آفاق"، اتحاد كتاب المغرب، عند تأسيسها على سبيل المثال، وراجعت أعداد من مجلات ثقافية أخرى ذات نفحة يسارية كانت رائدة في وقتها، وحز في نفسي ألا تنتهي كل تلك الاستماتة في الدفاع عن الرأي والفكر والمعتقد والحقوق، وألا تؤول كل تلك الجرأة في الخطاب وكل ذلك الطموح المتحمس لإشاعة الفكر التنويري وإدراك ركب التحرر والتقدم والتطور والنمو، للأسف، إلا إلى كل هذا الانبطاح والهرولة والتراجع الشنيع والتشكك المحبط في كل المبادئ والقيم.
كما لن أعود، من جانب آخر، إلى مرحلة الثمانينيات ولا إلى النصف الأول من التسعينيات، حيث جردت رياح السياسة العاتية وسنوات الغبار العاصف أجنحة ما تبقى من ذلك الحلم من ريشه ليهوي ويصطدم بأرض الواقع، ودفعت به إلى أن يتحول إلى مجرد أمل بسيط في إدراك واقع مختلف كأضعف الإيمان.. واقع يتوفر فيه أقل ما يمكن من شروط الحرية، وأقل ما يمكن من شروط الكرامة الإنسانية، وشيء يسير للغاية من أسباب الحياة وإمكاناتها، ليس لصالح المثقف وحده باعتباره حامل هموم المجتمع ولكن لعامة الناس البسطاء من غير ذوي الحيلة والجاه والنفوذ. فحتى من داخل هذا الرحم الذي يبدو للملتفت المتحسر الآن أنه كان خانقا وجحيميا، ظل المثقف المغربي المنتمي إلى تلك الأجيال ينتزع من قريحته نزرا من معرفة فكرية وإشراقات جمالية وأدبية وفنية تخدم قضاياه كما كان يتصورها وكما كان يؤمن بها، قضايا مصيرية ومقدسة تستحق التضحية وتستوجب النضال، متمثلة في كل أجناس الكتابة والقول والتعبير من شعر ومسرح ورواية وقصة وأغنية.. تراث إبداعي، على قلته وشحه، خرج إلى الوجود ممهورا بحرقة الأسئلة الصعبة التي كان المثقف يطرحها على نفسه وعلى واقعه، في ظل ما كان يحس به من التزام سياسي وأدبي وأخلاقي تجاه المجتمع وتجاه المستقبل وتجاه التاريخ.
العقد الأول من هذا القرن بالذات هو المقصود بما أعتقد أنها انتكاسة حلت بالمشهد الثقافي لأنها جاءت في سياق تميز بما يلي:
أولا ـ ركون جيل الرواد الأوائل من مثقفي الستينيات والسبعينيات إلى الصمت والاعتزال بفعل عامل السن بالنسبة للبعض، وبفعل الإحساس بمرارة انهيار المشروع الثقافي أو الإيديولوجي الذي كانوا يتبنونه ويبنون صرحه لبنة لبنة بالنسبة للبعض، وبفعل الإحساس العام لدى هؤلاء جميعا بالاغتراب حيال ما أصبح يروج في الساحة الثقافية من قضايا وقيم مضادة ومفاهيم وعلاقات مخالفة، في زمن تيقنوا أنه لم يعد يشبه زمنهم الماضي بالمرة وأنهم انفصلوا عنه تاريخيا بشكل نهائي.
ثانيا ـ وقوع الجيل الذي كان من المنتظر أن يعول عليه في حمل المشعل لدخول غمار الفعل والإنتاج الثقافيين، في هذه المرحلة، تحت براثن الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية المباشرة للمعيش اليومي ولمستلزماته. فشباب هذا الجيل، وإن كنا لا نملك أن نتحامل عليهم ولا أن نجردهم نهائيا من أية استعدادات ومواهب مؤهلات ثقافية أو معرفية تخول لهم المساهمة في الفعل الثقافي، فإنهم في المقابل، أثبتوا، كعقل جمعي لجيلهم، أن الهم الثقافي لا يمكن أن يكون من أولوياتهم ماداموا لا يملكون الوقت اللازم ولا الظروف النفسية والاجتماعية ولا الإمكانات المواتية لأي مشاركة أو عطاء جديرين بالاحترام والتقدير، فقضيتهم الأولى، بالنسبة لهم، قضية وجود ومصير، وانشغالهم الأول منصب على انتزاع حقوق شخصية أساسية وجدوا أنفسهم مجبرين على النضال من أجلها صباح مساء، قبل أن تصفو أذهانهم للتفكير في أي مشروع فكري أو علمي أو أدبي أو فني يمكن أن يقدموه للمجتمع، كبصمة خاصة تشهد لحضورهم في المستقبل.
إذن فهي نكسة حقيقية لأن ما حصل من إعادة انتشار في المشهد السياسي، وما جرى من حركية انتقال من وضع إلى وضع بالنسبة للحقل الحزبي، ومن عهد إلى عهد، بالنسبة للملكية، فتحت أبواب المناصب الإدارية والدواوين والمؤسسات العمومية على مصراعيه أمام الجيل الذي كان في موقع من ينتج ثقافة ويشيعها وكان في منتصف الطريق من تجربته في الكتابة والنقد والإبداع، وبالتالي كان بمقدوره، هو الوحيد، أن يسد الفراغ الحاصل، لكنه اختار عوض ذلك، في الأغلب الأعم، أن يهجر النص وأن يلتحق بالحاشية وأن يتسنم مع الراكبين المنتفعين ظهر المرحلة.
هكذا وجد بعض المثقفين، الذين دخلوا دواليب الإدارة والسلطة كنخبة خبراء ومستشارين، يستنزفون ذواتهم في التزامات إدارية روتينية يومية، ووجدوا أنفسهم يحملون أقلاما باتت مفلولة لا تصلح إلا لتدبيج الخطب وسك الشعارات وصياغة التقارير وإرسال الرسائل، وتأبين الموتى وتهنئة الوفود. وتوارى معظمهم تماما عن الطليعة وتخلف عن الصفوف الأمامية والواجهات ليتحول معظمهم ممن كانوا بالأمس القريب قادة لحروب شعواء في سبيل الوعي والتحرر والانعتاق والمساواة والديموقراطية.. إلى مجرد أدوات لتثبيت الثابت ودق مسامير الجمود والتسبيح بحمد حياة طحلبية في زمن يسود فيه الركود.
وتخصص البعض الآخر، ممن ظل يطل بين الفينة والأخرى من على صفحات الصحف والمجلات ووسائل الإعلام السمعية والبصرية، في تجميل الواقع السياسي الذي يتحرك في فلكه وتبرير خيباته وانحرافاته، وتحللت هذه الفئة من الانتساب لأية قضية عامة كما جردت نفسها بمحض إرادتها من الارتباط أو الانحياز لأي مشروع فكري أو ثقافي لأنها أصبحت رهينة لتقلبات المناخ السياسي ومحكومة ببورصة القيم السياسية المتداولة والصراعات والمنافسات المصالحية غير النزيهة.
في حين قلص ثلة من المثقفين، الذين نأوا بأنفسهم عن أتون السياسة واستنكفوا من المشهد برمته، ـ قلصوا ـ من دائرة اهتماماتهم إلى البحث الأكاديمي الصرف، ورسموا لأنفسهم طرقا ومسارات فردية موغلة في الهدوء واللامبالاة بوتيرة بطيئة على الهامش. واختار هؤلاء الاستمرار في الكتابة والإبداع على طريقتهم بأن ظلوا يمارسونها فقط في المساحات الظليلة الباردة التي لا تحدث جدلا ولا تثير نقعا ولا تنسف غبارا، وبالتالي ظل فعلهم الثقافي أو، على الأصح ما بقي منه ذي معنى، محكوما بمحدودية الأثر، وبنخبوية الهدف لأنه مع مسه لشريحة المتعلمين والطلبة، لا يستطيع أن يتغلغل إلى الشرائح الأخرى للمجتمع وبالتالي لا يفعل فيها ولا ينفذ إلى مسارب التغيير فيها.
بطبيعة الحال لا حاجة للتذكير هنا في الأخير، أنه من الصحي، أيضا، أن تستقطب دواليب السياسة والسلطة هذه النخبة المثقفة بين الفينة والأخرى وتستفيد منها في تحسين أدائها السياسي والإداري، كما أنه من حق النخب أن تنحاز لدوائر السلطة وصنع القرار، على الأقل مرحليا، إذا كانت قادرة على الحفاظ على هامش من الحرية والاستقلال. لكن هذا لا يمنع من القول بأن ما حصل في التجربة المغربية خصوصا نهاية التسعينيات كان له تأثير سلبي، بحجم الأزمة وبحجم النكسة، على الحقل الثقافي، سواء بوعي من المثقف ورجل السياسة أو بغير وعي منهما، فاستقطاب النخبة المثقفة وتدجينها وشراء صمتها أفرغ هذا الحقل من الفاعلين فيه، وأصبحت النخبة التي انخرطت في سياق توافقات التناوب تحت السيطرة المطلقة للسياسي وبالتالي أصبحت غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها الثقافية ودورها التاريخي ورسالتها الحضارية.
وهنا تطرح الأسئلة التالية:
ـ هل يستطيع المجتمع المغربي أن يتقدم إلى الأمام بدون نخبة من المثقفين النقديين؟
ـ هل من مصلحة الدولة ـ من باب البراغماتية الصرفة ـ أن تركن النخب المثقفة في موقفها ومعايشتها ومقاربتها للواقع بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية إلى هذا الاعتزال وهذه اللامبالاة؟
ـ هل يمكن، في حالة حصول أية إعادة انتشار مقبلة أن يسترد هذا الجيل الهروبي مشعل الفعل الثقافي في الساحة من جديد؟
ـ هل يمكن أن يجد في رصيده بقية من المصداقية يمكن أن تؤهله لإنتاج خطاب ثقافي تبشيري مقنع وذي صدى كما كان الشأن قبل عقد من الزمن؟.
لا أظن..




#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحزاب المغربية وسؤال الإصلاح
- مدونة السير: طريق السوط أصبح من اليوم سالكا
- منطق السلطة ودينامية الخطاب السياسي
- من المثقف الحزبي إلى المثقف الحزبائي
- سينما الخيال المريض
- لا حزب الله لا حزب الوطن.. لاحزب الملك
- العالم العربي: من الزعامة المصرية إلى زعامات أخرى
- أمريكا أم الأربعة والأربعين.. رئيسا
- رسالة.. إلى من لا يهمهم الأمر
- لَوْلاَ التَّشهُّدُ لكَانَتْ لاؤُهُمْ نَعَمُ
- صبْراً آلَ غزَّةَ.. فأُمُّ الجُبْنِ فِينَا مَا وَلَدَتْ غيْر ...
- إلا الأمن..(!)
- الأحزاب المغربية.. تراجيديا السقوط نحو قمة الحكومة
- انتخابات 2009 للجواب على رسالة الناخب الغاضب
- الهيبهوب ظاهرة صوتية.. لا غير
- أبا الخيزران.. إنهم يطرقون الجدران فعلا (!)
- أبا الخيزران.. هاهم يطرقون الجدران فعلا (!)
- جرح العنوسة.. الطوق والأسئلة
- اللغة والمعنى.. القوالب التي تحكمنا
- القضية تهمنا أيضا


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبد الإله بوحمالة - موت المثقف المغربي المهموم