أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم















المزيد.....

محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2978 - 2010 / 4 / 17 - 12:53
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم

الإنسان يُعرّف بأنه الحيوان الوحيد الذي له تاريخ، كما يُعرّف أيضاً بأنه الحيوان الوحيد الذي يستخدم الآلة وهو ما يعني أن الآلة هي التي تكتب تاريخ البشرية. ما كانت البشرية لتحتفظ ببقائها النوعي وعدم انقراضها بغير استخدامها للآلة في إنتاج وإعادة إنتاج حياتها. فلو لم تتمكن الأجناس البشرية الخمسة المعروفة اليوم من الخروج عن ذاتها وتناول أداة من خارج جسمها من أجل إنتاج غذائها لانقرضت كما انقرضت أجناس أخرى مثيلة لها دون أن نعرف عنها شيئاً كما يقول علماء الأنثروبولوجيا. وبالمقابل لو أن في الطبيعة أنهاراً من العسل واللبن وغابات من الخبز لما انقرضت الحيوانات الشبيهة بالإنسان غير الأجناس الخمسة الحالية ولما ظهرت الإنسانية على الأرض وظل إنسان اليوم حيواناً كما الحيوانات الأخرى دون أن تتطور عقدته العصبية ويتعقلن. ومن هنا يمكن القول بأن الإنسانية إنما هي العلاقة الديالكتيكية بين الإنسان والآلة، وأن الإنسان المتأنسن هو الطرف الآخر من هذه العلاقة أو النقيض للآلة. ولأن الإنسان والآلة متلازمان في تناقض ديالكتيكي أبدي وكل منها ينتج الآخر، فلن يتغير أحدهما إلا ويتغير الآخر، فالفرق بين الفأس الحجرية والمحطة النووية هو تماماً كالفرق بين الإنسان الأول والإنسان المعاصر. قد لا يكون الفرق في التكوين الجسماني كبيراً غير أنه كبير وكبير جداً في التعقل والإدراك كما في التربية والأخلاق والتحضر بصورة عامة، كما في التكوين النفسي والسايكولوجي بصورة خاصة.

رحلة الأنسنة التي انطلقت فيها الأجناس البشرية الحالية قبل ملايين السنين ــ وليس ستة آلاف سنة كما تزعم الأديان السماوية حيث وجد المنقبون الآثاريون عظاماً بشرية عمرها أكثر من 180 ألف سنة ــ إذ كان أن بدأت هذه الأجناس تفترق عن مملكة الحيوان وتتأنسن حينما بدأت تستخدم الفأس الحجرية ولم تنتقل من مرحلة المشاعية البدائية إلى مرحلة العبودية قبل أن تطور الفأس الحجري إلى فأس حديدية استطاعت بوساطته أن تنتج غذاءها من زراعة البساتين ((Horticulture وهي وسيلة الإنتاج الرئيسة في مرحلة العبودية. وما كانت البشرية لتعبر العبودية إلى النظام الإقطاعي إلا بعد استخدام المحراث الخشبي بسكته الحديدية تجره الحيوانات وبذلك أضحت الزراعة الحقلية (Agriculture) هي الوسيلة الرئيسة في كسب العيش وتأمين أسباب الحياة. ومع اكتشاف الآلة البخارية في القرن الثامن عشر انتقل العالم إلى النظام الرأسمالي الذي يعتمد في إنتاج أسباب حياته على تشغيل المصانع الآلية بقوة ضغط البخار عن طريق إحراق الفحم الحجري. ونظراً لأن النظام الرأسمالي هو أكثر الأنظمة إثراءً حتئذٍ فقد انعكس ذلك في تطور كبير في أدوات الإنتاج فاشتغلت المصانع على احتراق البترول ثم الكهرباء المائية ثم الذرية. فكان أن انتهت أدوات الإنتاج إلى قدرات عالية وأخذت تنتج أكثر مما يحتاجه الناس المنتفعون بها. وبدل أن يكون فيض الإنتاج سبباً في رفاهية الشعوب انعكس بسبب الملكية الخاصة في أزمة طاحنة متكررة تعاني منها الشعوب، وحتى في مراكز الرأسمالية نفسها، من البطالة والجوع والحرمان. علاجاً للأزمة لجأ الرأسماليون إلى فتح أسواق لدى الشعوب الأخرى لكن ذلك لم يعفهم من تكرار الأزمة، أزمة فيض الإنتاج، لفترات طويلة!! في منتصف القرن التاسع عشر تنبه كارل ماركس إلى أزمة الإنتاج الرأسمالي، الإنتاج الفائض عن الحاجة، فرأى أن الحل الوحيد يتمثل فقط بتحطيم قيد الإنتاج الذي قيّد البشرية واستعبد الإنسان منذ ما قبل التاريخ. فنادى عمال العالم لأن يتحدوا ليحطموا قيد الإنتاج الذي يقيدهم جسماً وروحاً.

في العام 1917 نهضت البروليتاريا الأوروبية بقيادة فلاديمير لينين لتحطم قيد الإنتاج بداية من روسيا الضعيفة وأقامت الدولة الإشتراكية الأولى في التاريخ. تضامنت قوى الرجعية والبورجوازية وحتى البورجوازية الوضيعة متمثلة بأحزاب ما يسمى بالإشتراكية الديموقراطية في الأممية الثانية في شن حرب هوجاء على البروليتاريا الناهضة في ثورة اشتراكية. نجحت الرجعية في سحق دولة العمال في ألمانيا وكذلك في المجر ثم في ليتوانيا لكنها رُدّت على أعقابها خائبة أمام الجيش الأحمر السوفياتي بالرغم من أن كافة الدول الرأسمالية وتوابعها أرسلت تسعة عشر جيشاً مجهزاً لتخنق البلشفية في مهدها كما كان يعلن وزير الحرب البريطاني ونستون تشرتشل في العام 1919 وكان أن كرّس كل أعمال وزارته لهذا الغرض بالرغم من معارضة أغلبية النواب في البرلمان لسياسته.
كانت بروليتاريا العالم بقيادة البروليتاريا السوفياتية ستحطم قيد الإنتاج الذي استعبد الإنسان منذ ما قبل التاريخ، وتقيم الشيوعية حيث يتم إشباع مختلف احتياجات الإنسان دون أية قيود؛ غير أن البورجوازية الوضيعة كانت قد تسللت بين صفوف البروليتاريا إلى المقدمة وعن طريق المخادعة خانت الثورة وجرّت العالم إلى مثل هذه المحطة المنحطة مسدودة المنافذ التي تُعتقل فيها البشرية اليوم. وما يثير السخرية حقاً هو أن البورجوازية الوضيعة خانت ثورة البروليتاريا تحت راية الحرية التي يرفعها بعض الإخوة "الماركسيين" الغفل. في هذه المحطة المنحطة يدب الإنحطاط في مختلف الأنشطة الإنسانية. تتوقف تماماً رحلة التغريب، رحلة الأنسنة أو البحث في تطوير وتحسين أدوات الإنتاج، وتتقلص مساحة الحرية من خلال توهين العلاقة بين الإنسان وأدوات الإنتاج وهجر وسائل الإنتاج الكثيف الجمعية (الرأسمالية) حتى إحالة تقنياتها ومكائنها إلى الإيداع واستبدالها بوسائل الإنتاج الفردية الخدمية. وليس من رفاق لوسائل الإنتاج الفردية الخدمية سوى رفاق السوء المتمثلين بالفقر والجوع حتى الموت وبالإنحطاط القيمي والخلقي وتراجع الإنسان على طريق الأنسنة ليعود إلى أصوله الوحشية. وزيادة في المكر والخديعة تستعيض البورجوازية الوضيعة عن أدوات الإنتاج الحقيقي بأدوات قليلة الإرتباط بالإنتاج كالحواسيب وملحقاتها المعلوماتية وتدعي السبق في التقنيات لتبادلها بصورة تعسفية بأضعاف قيمتها من إنتاج البروليتاريا بالرغم من أن مساهمتها في أعمال الإنتاج لا تتعدى نسبة 10% تبعاً لمراجع في الأمم المتحدة. والسؤال الفيصل المصيري الذي يطرح نفسه على سائر المهمومين بمستقبل البشرية هنا، هو .. هل تستكين البشرية حتى النهاية في محطة الإنحطاط هذه ؟؟

من ساق البشرية جمعاء وحبسها في هذه المحطة المنحطة هو البورجوازية الوضيعة؛ وهي تُحكم سدها لكل منفذ لها بحجة أن البشرية جربت النظامين الإشتراكي والرأسمالي وعانت كثيراً في ظلهما، فليس من محطة أخرى أفضل من هذه المحطة، محطة الطبقة الوسطى أو البورجوازية الوضيعة. من المفيد هنا أن نلقي نظره سريعة وإجمالية على طبيعة نسيج طبقة البورجوازية الوضيعة. الطبقة الوسطى هي أساساً طبقة وضيعة لأن ليس لها وسائل إنتاج ذات شأن ويُعتمد عليها في أن تقيم أود المجتمع حتى وإن كان من المجتمعات الفقيرة محدودة الإستهلاك. حصتها من الإنتاج القومي هي انتاج الخدمات والخدمات ليست من أسباب الحياة الأساسية. خُلقت الطبقة الوسطى أصلاً لكي تخدم طبقة أخرى ذات انتاج مادي وحقيقي. لذلك فهي تتصف بصفات من لم يعمل إلا في خدمة سيده وهو ما يتطلب من الخادم أن يكون متلوناً بلا أية مبادئ ثابتة وبلا شخصية معروفة ومحددة. تاريخ الطبقة الوسطى في الخدمة علمها المكر والمهارة في المناورة والخداع. إنها وضيعة في الأخلاق كما في الإنتاج. حجة البورجوازية الوضيعة في سد منافذ محطة الإنحطاط، التي تحط فيها البشرية اليوم، هي شكلاً حجة مقنعة للماركسيين من ذوي الأصول البورجوازية الوضيعة طالما أنهم يدينون بكل وقاحة الإشتراكية السوفياتية بدعوى أنها قامت على القمع الدموي للحريات الذي مارسه ستالين.غير أن ثمة تناقض خطير يشكل خطرا وشيكاً وداهماً على حرس البورجوازية الوضيعة، على مشروعها، على ثقافتها وعلى مسالكها اللصوصية. هذا التناقض يتمثل بقصور "إقتصاد المعرفة" المزعوم، الإقتصاد الخدمي، عن تلبية احتياجات المجتمع المادية. مثل هذا القصور من شأنه أن يحرم قطاعات متزايدة من الطبقة الوسطى نفسها من أسباب الحياة الأساسية. وباعتبار المجتمع الأميركي في الولايات المتحدة هو الأكثر استهلاكاً بين كل المجتمعات الأخرى وأن الطبقة الوسطى فيه هي الأوسع فقد انعكس هذا القصور فيه بصورة صارخة. فبعد أن أُثقلت الولايات المتحدة بديون فلكية لا تقوى على تسديدها، أخذ ملايين الموظفين يفقدون وظائفهم ويطردون من منازلهم فلا يبقى لهم إلا مواجهة مصيرهم المحتوم أو الإملاق. لن تستطيع دولة الطبقة الوسطى الحد من انهيار طبقتها المتسارع بداية في الولايات التحدة، وهي الخزانة النقدية لكل العالم، ثم في العالم كله من بعد. دولة الطبقة الوسطى، دولة الرفاه (Welfare State) ، دولة الإقتصاد المعرفي الخدمي (Knowledge Economy)، دولة الإقتصاد أو الأحرى اللاإقتصاد الإستهلاكي (Consumerism) ، ستنهار مع انهيار طبقتها، الطبقة الوسطى. دولة الطبقة الوسطى استنفذت طاقتها في مدى جيل كامل 1975 ـ 2008 وها هي تنهار خلال 3 ـ 5 سنوات على أبعد تقدير، ولن يكون هناك أي علاج لهذا الإنهيار.

الطبقة الوسطى ليست مؤهلة بطبيعتها لأن تقوم بأي دور قيادي في المجتمع، إنها طبقة تابعة أبداً وليست متبوعة بحال من الأحوال. أما قيادتها لمختلف المجتمعات المعاصرة منذ العام 1975 ــ في الإتحاد السوفياتي منذ العام 57 ــ فإنما هو انحراف طارئ ومؤقت عن مسار التاريخ تسببت به عنوة قوى الرجعية التي تخشى من الإنتقال سريعاً إلى الشيوعية. لقد لعب هذا الإنحراف دوراً خطيراً في رجوع البشرية إلى الخلف وفي نضوب كل ثرواتها التي راكمتها خلال تاريخها الطويل وخاصة خلال الحقبة الرأسمالية. مع انهيار الطبقة الوسطى وتلاشي دولتها الوشيك يقوم السؤال الصعب والخطير، والذي يتوجب على البشرية جمعاء أن تجيب علية منذ الآن.. وماذا بعد؟؟ ماذا بعد انهيار التشكيلة المزيفة، تشكيلة الطبقة الوسطى، باعتبارها خارج التاريخ؟؟ كيف الخروج من محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم؟

في قول ذي دلالة كبرى وقاطعة قال الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أسابيع قليلة، وبحكم موقعه كمسؤول عن مواجهة الأزمة، قال .. أن لا سبيل إلى مواجهة الأزمة المالية والإقتصادية الخطيرة التي تمسك بخناق الولايات المتحدة الأميركية سوى التحوّل إلى الإنتاج البضاعي. ها هو الرئيس الأميركي يتفق معنا في أن الإقتصاد الخدمي، إقتصاد الطبقة الوسطى لا يقيم مجتمعاً. ما كانت الطبقة الوسطى لتتسيّد المجتمعات المتقدمة لجيل كامل بعمر 33 عاماً من 1975 ـ 2008 إلا من خلال سرقتها لمنتجات العمال، بمبادلة خدماتها بأضعاف مضاعفة لقيمتها، ونهبها لأموال الرأسماليين عن طريق البورصة ــ مضاربو البورصة ليسوا رأسماليين مها امتلكوا من أموال بل هم في حقيقة الأمر العدو القاتل للرأسمالية. لم يبق هناك بعد ما تسرقة فحلّ انهيارها وتلاشيها وليس ثمة ما يحول دون ذلك مهما اتخذت من إجراءات. لا نشك مطلقاً في أن الرئيس الأميركي، وبحكم مركزه على رأس الإدارة الأميركية، قد حدد بدقة العلاج الشافي للأزمة الخطيرة الماثلة، وفي نفس الوقت فإننا لا نشك أيضاً في أن الرئيس الأميركي، وقد عرف العلاج الصحيح، لا يعرف كيفية العلاج ومضاعفاته. كيف السبيل للعودة أو التحول إلى الإنتاج البضاعي، الرئيس لا يعرف. هل تعود أميركا إلى النظام الرأسمالي، ومن أين تأتي بالرأسماليين؟ الذين يملكون الأموال الطائلة من الطبقة الوسطى يفضلون الإشتغال في المضاربات المالية في البورصة وسرقة منتجات الطبقة العاملة من خلالها دون أن يتحملوا هموم التصنيع وأوساخه ناهيك عن أخطاره ومكابدة العمال واضراباتهم. ثم ماذا يستدعيهم لأن يعيدوا الحياة إلى أعدائهم العمال بعد أن جهدوا طويلاً حتى ألحقوا بهم هزيمة نكراء، في العالم الإشتراكي أولاً وفي العالم الرأسمالي من بعد؟ هذا من جهة، وأما من الجهة الأخرى فالرئيس الأميركي لا يعرف كيف ستخلي دولة الطبقة الوسطى مكانها لتحتله دولة طبقة أخرى معادية بحكم الطبيعة.

الرئيس الأميركي لا يعرف لكن ماذا عن الماركسيين المؤهلين غالباً في استشراف المستقبل؟ نحن كماركسيين مسؤولون دائما وأبداً أمام طبقتنا البروليتارية أولاً ثم أمام الجماهير الشعبية من بعد عن استشراف المستقبل وإضاءة الطريق، طريق الأنسنة وتقدم البشرية. نقوم بذلك بمنتهى الأريحية عندما تكون قوى المجتمع بكامل حيويتها، وتمارس انتاجها ضمن شروطه المعهودة. كذلك فعل ماركس برفقة إنجلز وكذلك فعل لينين. أعلن كلاهما الثورة حينما كانت البروليتاريا تتمدد وتنتج وتثري المجتمع. كان التناقض الرئيسي في المجتمع يتجسد بجلاء تام في أن العمال ينتجون كل الثروة ولا يمتلكون منها شيئاً، يصادرها الرأسماليون بحجة امتلاكهم لأدوات الإنتاج. كان حل التناقض بسيطاً وواضحاً وهو أن تستولي البروليتاريا على السلطة وتصادر أدوات الإنتاج لتجعلها كما الإنتاج ملكية عامة.

الصورة اليوم في محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية عكسها تماماً لدى صدور البيان الشيوعي في العام 1848 أو حتى لدى اقتراب الحرب العالمية الثانية على الإنتهاء وإعلان لينين الثورة عام 1917. البشرية اليوم في محطة انحطاط لا مثيل لها في تاريخ البشرية باستثناء روما، متروبول العالم القديم، في العام 476 م. كل شيء منحط لدرجة مروّعة. طبقة البروليتاريا انكمشت حتى الحدود الحرجة حتى لم يعد هناك من بضاعة تعادل الخدمات المنتجة بقيمها التعسفية، بل وحتى الحقيقية، وتوقف بذلك أي تطور لعلاقات الإنتاج المصطنعة التي تفرضها الطبقة الوسطى على المجتمع ويقوم عليها مجتمعها . في مثل هذه الشروط تغدو الثورة حازبة لازبة غير أن أية قوى ثورية ليست متواجدة. في المجتمعات اليوم طبقتان لا ثالث لهما وهما الطبقة الوسطى المدمرة ذاتياً والطبقة العاملة المنكمشة والمتراجعة والتي لم يعد لديها مشروع اجتماعي بعد أن دمرت الطبقة الوسطى السوفياتية مشروعها الإشتراكي بعد أن قدمت تضحيات لا مثيل لها في التاريخ على طريق إيصاله إلى نهاياته، إلى الشيوعية، وبعد أن حققت نجاحات هامة نحو ذلك. رب من يظن أن هناك طبقة ثالثة وهي الطبقة الرأسمالية؛ هذه الطبقة لم تعد متواجدة بصورة محسوسة في البلدان التي يمكن أن يكون لديها استعداد لأن تتقدم حركة التاريخ، وقد هاجرت من مراكز الرأسمالية الكلاسيكية وحطت في البلدان المتخلفة التي لا تمتلك أدنى فرصة في إقامة نظام عالمي كالنظام الرأسمالي. وعلى العموم فإننا نبحث في المجتمعات التي لها دور في توجيه العالم الحديث، عالم ما بعد عالم الطبقة الوسطى. وهنا يقوم التساؤل الكبير وهو .. هل بإمكاننا كماركسيين أن نحدد المسار الدقيق للتطور الإجتماعي فيما بعد انهيار الطبقة الوسطى ودولتها كما كان كل من ماركس ولينين قد فعل!؟ لا، لا يمكننا ذلك؛ ليس لأننا لسنا بسوية ماركس أو لينين فقط، بل لأن شروط الحالة مختلفة لجهة الإنحطاط أيضاً. لكن بنفس الوقت لا يجوز لنا أن نلوذ بالصمت ونتخلى عن وظيفتنا كطلائعيين في جيش البروليتاريا.


إزاحة الطبقة الوسطى من على المسرح الدولي من أجل العودة إلى وسائل الإنتاج المادي الحقيقي، الإنتاج البضاعي، كما رأى الرئيس أوباما، وإعادة البروليتاريا من جديد إلى مقدمة المسرح لتلعب الدور الرئيس في المشهد الختامي، هو المهمة الأولى والأخيرة أمام الشيوعيين الحقيقيين اليوم، وما الإنحراف للعمل لتحقيق الحرية والديموقراطية والتعددية وحقوق الإنسان إلا ذرّ للرماد في العيون وتضليل مقصود بذاته حيث لن يتحقق شيء من هذا. على الماركسيين المؤهلين بل وعلى جميع المهمومين فعلاً بحقوق الإنسان أن ينظروا جدياً بكل وسيلة تحقق رؤيا الرئيس الأميركي في انعطاف الولايات المتحدة والعالم كله إلى الإنتاج البضاعي. على الماركسيين الطلائعيين بصورة خاصة الإجابة على الأسئلة الحدية في هذا السياق وهي .. هل ثمة احتمال في أن تعود الولايات المتحدة إلى الإنتاج البضاعي؟ .. وكيف يمكنها أن تعود، أو ما هي القوى التي ستعمل على إعادتها؟.. وما هي تداعيات عودتها على بنية المجتمع الأميركي كما على بنية الدولة في الولايات المتحدة؟؟

في مواجهة هذه المسألة الخطيرة للغاية والمصيرية في العمل الشيوعي، نهيب بجميع الماركسيين العرب أن يدلوا بدلوهم في هذه البئر عله ينتشل بعض الماء القراح يطفئ غلة عطش الإنسان الشديد للإفلات من هذه المحطة المنحطة الوبيئة، محطة الطبقة الوسطى الخارجة عن مسار التاريخ، واستئناف مسيرته التحريرية نحو تحطيم قيود الإنتاج الأبدية الصدئة. إننا ونحن نهيب بجميع الماركسيين بالمشاركة في البحث في هذه المسألة الصعبة فإننا لا نعفي أنفسنا من هذا الواجب العظيم وسنكتب فيه في الأمد القريب.



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ الإنسان كتبته العبودية وليس الحرية
- تطوير العمل الفكري والثقافي للحزب الشيوعي العراقي
- هل الرأسمالية متقدمة على الإشتراكية !؟
- من يفتح ملف الإشتراكية !؟
- ليس شيوعياً من يغطي على الأعداء الفعليين للشيوعية
- القانون العام للحركة في الطبيعة (الديالكتيك)
- الوحدة العضوية للثورة في عصر الإمبريالية
- البورجوازية الوضيعة وليس الصغيرة ..
- نحو فهم أوضح للماركسية (3)
- نحو فهم أوضح للماركسية (2)
- نحو فهم أوضح للماركسية
- رسالة إلى أحد الديموقراطيين الليبراليين
- الليبرالية ليست إلاّ من مخلّفات التاريخ
- حقائق أولية في العلوم السياسية
- شيوعيون بلا شيوعية !!
- كيف نتضامن مع الشعوب السوفياتية لاسترداد فردوسها المفقود
- إنسداد دورة الإنتاج الرأسمالي وانهيار الرأسمالية
- الإنحراف المتمادي لبقايا الأحزاب الشيوعية
- محاكمات غير ماركسية لمحاكمة ماركسية
- محاكمة ماركسية


المزيد.....




- وثائق: تأييد عبد الناصر لفلسطينيي غزة أزعج بريطانيا أكثر من ...
- شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام ...
- بمناسبة ذكرى الثورة السورية، السويداء شرارة ثورة تعيد امجاد ...
- م.م.ن.ص// 138 سنة مضت والوضع يعيدنا لما مضى..
- ربيع کوردستان، تلاحم المأساة والهبات الثورية
- لماذا لا يثق العمال بقوتهم؟ حركة سلم الرواتب نموذجا
- الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل، مسرحية إجرامية عُرضتْ فوق ...
- سياسيون بحزب العمال البريطاني يدعون لتعجيل موعد الانتخابات ا ...
- بمناسبة اليوم العالمي للسلامة في أماكن العمل
- حزب العمال البريطاني يدعو لانتخابات تشريعية بعد تفوقه في الم ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم