أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الرحمن يونس - قراءة أولى في مجموعة ( عناق) القصصية للقاص جمعان الكرت قراءة محمد عبد الرحمن يونس الجزء الثاني















المزيد.....

قراءة أولى في مجموعة ( عناق) القصصية للقاص جمعان الكرت قراءة محمد عبد الرحمن يونس الجزء الثاني


محمد عبد الرحمن يونس

الحوار المتمدن-العدد: 2966 - 2010 / 4 / 5 - 14:22
المحور: الادب والفن
    


قراءة أولى في مجموعة ( عناق ) القصصية للقاص جمعان الكرت
قراءة د. محمد عبد الرحمن يونس
الحلقة الثانية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمثّل صوت الشخصية ( عمرو) الصوت المعارض لصوت سيد القبائل، الصوت الذي يرفض أن تفرض عليه شروط الحياة والإقامة في المكان الواحد، ولما لم يقتنع الصوت المركزي ( أزد) برأي صديقه عمرو ، يطلب منه أن يهاجر، إن لم يرض بالبقاء في المكان الذي ضرب فيه ( أزد) خيام قبائله، ويهاجر، غير أنه يهاجر حاقدا، وستكون هجرته في ما بعد استنفارا لعودته ، وقد كلل بالمنعة والقوة، ليعود ويحارب صديقه ( أزد) ، وهنا إشارة رمزية واضحة أيضا إلى الصراع القبلي، والاقتتال بين قبائل أزد نفسها، ولهذا الصراع خلفية تاريخية حقيقية كما تشير المصادر التاريخية، إذ عرف عن قبائل الأزد شدة خصوماتها ، وتطاحنها على الكلأ والماء، ومواضع الرعي، وذلك دفاعا عن بقائها ، واستمرارا لشروط هذا البقاء . ويشير المقطع السردي التالي إلى هذا الصراع التاريخي : (( أثناء ذلك سمعوا حوافر أقدام خيول عارمة، ولمع سيوف شاهرة.. الأرض تطويها أقدام خيولهم.. وقفوا على قمة عالية، ما إن شاهدهم أزد ورجاله حتى تناثروا في طرقات القرية، وهرعوا إلى حصونهم ومنازلهم الحجرية يستنجدون بالسيوف والرماح. إلاّ أنّ الخيول انقضّت كالصقور، وتدحرجت رؤوس الرجال قبل اختبائهم. ضرب عمرو برمحه الأرض وقال بصوت مهيب: الصخر يصلح للحياة!! وكان يلمح وجه الماء الممتقع بحمرة قانية)). ص 12.
ولا ينسى الخطاب القصصي أن يشير ـ وذلك قبل الحروب بين هذه القبائل ـ إلى أن ( أزد) وقومه ، وعندما استقروا في جبال السروات، بدأوا بتشكيل أفق جديد لحياة جديدة، قوامها الزراعة والرعي، ثم تطوّرت هذه الحياة نفسها، مع تطور هؤلاء القوم وزيادة خبراتهم الاجتماعية والمعرفية، والحضارية، ويشير الخطاب القصصي إلى رقيهم وأفراحهم ، في مراحل ازدهارهم من خلال احتفاءهم بالحياة ومسرّاتها، ورمزيا تشير عبارات وظّفها الخطاب القصصي إلى هذا الاحتفاء ، ومن هذه العبارات : (( السحب تهمي بمطرها، والقمر يضيء بوجهه، والشمس تشعل دفء الحياة .. والوادي يشدو بشفيف الماء .. وكان أزد يثني جذعه متناغما مع إيقاع الطبل, وكان الرجال خلفه يرقصون في نسيج متشابه)). ص 12.
وفي القصة الموسومة بـ (( النسبة))، يستفيد الخطاب القصصي من فرز الإيديولوجيا و خلفيتها المعرفية، لكي يدين واقع التخلف العربي، ومأساة الشباب العربي في هذا الواقع المكبّل بالإحباط والروتين، والعلاقات الإدارية المعقّدة التي تفسد طموح الشباب ، وأمله بأفق إنساني كريم , وحياة أكثر إشراقا وفرحا، وبخاصة واقع الجامعات العربية المعاصرة التي لم تستطع أن تستوعب طموح الشباب، وتواكب أفقهم المعرفي المتوثب صوب تحصيل العلم والمعرفة، فبدلا من أن تدفعهم لاستنفار قدراتهم المعرفية والعلمية لتحصيل العلم ، فإنها تحبطهم، وتمنعهم من الوصول إلى أهدافهم ، وتحرمهم من أن يختاروا الدراسة التي تلائم قدراتهم المعرفية، ورغباتهم في كسب العلوم والمعارف الحضارية، فبطل القصة شاب طموح يسميه الخطاب القصصي بـ ( علي ) ، أفنى حياته في التحصيل المعرفي، وأستنفر عزيمته وقدراته ، فقرأ وتعب، وبذل جهودا غير عادية في سنوات دراسته، وحصل على شهادة الثانوية العامة ، وبمعدل، وقدره 95 بالمائة، وهي نسبة عالية جدا، وظنّ أن هذه النسبة تخوّله لأن يدرس الاختصاص الذي يحبّه، إلا وهو الطبّ أو الهندسة. وتأبط شهادته وحلمه ، وتوقه ، ودرجاته، وتوجّه إلى الجامعة، وكله أمل في أن يقبلوه في فرع الطب، أو الهندسة. تقول القصة : (( حزمة أحلام كانت تتوسد ذهنه.. مستقبل مضيء يذيب كلّ نتوءات الحياة القاسية التي عاشها.. وظيفة جيدة تتناسب وقدراته العالية .. إذ كان يطلق عليه معلموه العبقري، وأحلام أخرى كان يحملها علي وهو يخطو خطواته الأولى على عتبة الجامعة)). ص 13.
ومنذ بداية القصة يفرز السرد القصصي خطابه المعرفي، المعادي لبنية الجامعات العربية المعقدة، والمتخّلفة، وبشكل مرمز، فبدلا من أن تكون ممراتها مضاءة، ودافئة، ومشعّة ، ومزينة جدرانها بأنواع من الزينة البهيجة التي تضفي الأمان والطمأنينة على طلاب العلم والمعرفة الجدد، فإنها هذه الممرات في المبنى الرمزي الحكائي تحيل إلى الخوف وفقدان الأمان والبهجة، لأنها طويلة وباردة ، تقول القصة : (( أثناء سيره في الممرات المستطيلة الطويلة والباردة كان يلمح العابرين، وهم يسيرون، وفي أيديهم أوراق تختزل مشقة سنين.. وعلى وجوههم علامات الترقّب.. وضع رزمة الأوراق الخاصة به على طاولة موظف.. كانت عيناه الجاحظتان تدحرجان خلف نظارة سميكة.. الملف ممهور بنسبة 95 بالمائة)) ص 13 . وفي البنية الإشارية العميقة يمكن أن يشير مفهوم النظارة السميكة إلى أن الموظف لن يفكر بإنصاف علي ، ومنذ الوهلة الأولى، فسماكة النظارات تشير إلى عقل الموظف المقفل، وتشير إلى عدم الرؤية السليمة، أو إلى التمترس خلف مكتبه محاطا بروتين صارم معقد، وقد أعمى بصره عن رؤية الحقيقة، وقد تشير إلى عقل هذا الموظف المتحجّر، أو إلى قلبه القاسي الخالي من أي شفقة أو رحمة. ويشير الخطاب القصصي إلى أنّ روتين الجامعة وفساد إداراتها، وفساد موظفيها، والظلم الذي يسود مكاتبها، سيحرم (عليا) من أن يدخل القسم الذي يريده، والذي هو أهل له ، نظرا لدرجاته المرتفعة، فالموظف صاحب النظارات السميكة عامله بجفاء وببرود، على الرغم من توسّله له أن يسجّله في الاختصاص الذي يريده، وأحبط حلمه في قراءة الاختصاص الذي يريده ، تقول القصة: (( لم تنبض أنامل ذي النظارات السميكة بأدنى أحاسيس أو مشاعر، لعلّه يقبض على سنة القلم ويغيّر التخصص.. بل ظلّت أنامله تمسّد وبهدوء سطح الطاولة الناعم)) . ص 15. ويعود الخطاب القصصي إلى الإشارة إلى بنية الجامعة الروتينية والمخالفة للوائحها نفسها، و إلى أجوائها الكابوسيّة التي تدفع طلابها إلى النفور منها، باعتبارها فضاء للإحباط واليأس من جهة، وفضاء لقتل طموح طلابها من جهة أخرى، بحيث يصبح فضاؤها فضاء طاردا ومنفرا ، وكاويا حارقا من جهة، ورطبا دبقا من جهة أخرى، أي فضاء كابوسيا خانقا للأحلام والمنى، ومعاد لما يطرحه من شعارات تحضّ على تحصيل العلم والمعرفة، والمقطع السردي التالي يشير إلى ما ذكرناه : (( أثناء خروجه ( أي خروج علي) كان يجول ببصره في الممرات، إذ تعلوها أوراق تشي بعبارات مائية.. لم يعرها كثيرا من الاهتمام.. فالكثير ممّا يكتب كما يظنّ لا يقرأ.. وإن قرئ لا يطبق.. ثمّة رطوبة فادحة شكّلت قتامة على نظارته، أزاحها بذؤابة عمامته.. الحرارة العالية والرطبة الدبقة تنشرها مدينة جدة بكرم فيّاض)). ص 14.
وتنتهي القصة ليخالف الموظف القوانين، وبدلا من أن يسجّل (عليا )في قسم الطبّ أو الهندسة فإنه يحيله إلى قسم لا يرغب بدراسته وهو قسم العلوم، وفي هذا القسم ينطفئ وهج علي المعرفي، وحلمه، ويتراجع معرفيا ، ويتعثّر في دراسته ، ويفشل فشلا ذريعا فيها ، ولا يتخرّج في هذا القسم ، بل ظلّ الفشل يلاحقه كل سنة، بالإضافة إلى سخرية مرّة جارحة تلاحقه من معارفه، الذين يستنفرونها ضدّه كلما شاهدوه : و(( أربع سنوات وهو يتغصص بمواد لا يرغبها.. أكثر ما يوجعه سؤال بريء يطرحه الناس متى تتخرج يا ذكي)). ص 15.
وفي ظلّ هذا الفضاء الجامعي الأسود والمحبط، لن يتخرج علي ، بل سيزداد نفورا من الدراسة ومقاعدها، ومن أروقة الجامعة الحارة والخانقة والموحشة، و الرطبة والدبقة في آن، بل سيلجأ للبحث عن وظيفة بسيطة تسدّ أبسط حاجاته المعيشية، ويجدها، ويقبل بها، كمعادل موضوعي بديل من خيبته في الحصول على الشهادة الجامعية، وتنتهي القصة بخطاب ساخر من الوظيفة نفسها، ومن مديره في الوظيفة، هذا المدير الذي كان زميلا لعلي أيام الدراسة الأولى ، وكان أكسل الطلاب معرفيا، وتحصيلا علميا، وها هو الآن يصبح مديرا له، وما كان من (علي) المتفوّق إلا وأن يرضى بأوامر هذا المدير الجاهل، وهذا أصعب عليه من فشله في دراسته. تقول القصة : (( صباح يوم كان يسير باهتزاز في ممر بارد، وبين يديه ملفات خضراء.. وضعها بإحكام في أدراج حديدية.. وانعطف بعدها نحو صوت يتسرب من بين مسافات باب خشبي مصقول.. يوجد بداخله موظف يعرفه تماما)). ص 15.
إن هذه الخيبة العامة في فضاءات الشخصية المركزيّة (علي) : فضاءات الجامعة، و الوظيفة الحكومية، وفضاءات اليأس والهزيمة التي أصابته على المستوى النفسي، وعلى المستوى الاجتماعي من خلال سخرية الناس به، لهي في نهاية المطاف تجسّد الخيبة العامة التي تحاصر المواطن العربي أنّى كان، وكيفما كان، وفي أي موقع مؤسساتي كان، وفي حلّه و ترحاله، وأفقه التخيلي والواقعي في الآن نفسه.
للبحث صلة



#محمد_عبد_الرحمن_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة أولى في مجموعة ( عناق) القصصية للقاص جمعان الكرت قراء ...
- الفساد هو أشد آفات المجتمعات العربية المعاصرة فتكا وتخريبا ل ...
- الإعلان عن تشكيل لجنة الأدباء والكتاب بالمجلس العالمي للصحاف ...
- ثلاثة كتاب يسرقون بحثا للدكتور محمد عبد الرحمن يونس
- الفساد والمفسدون في العالم العربي ثنائية التخلف والظلم في ج ...
- قراءة نقدية في مجموعة القاص السعودي فهد الخليوي ( رياح وأجرا ...
- مدخل في مفهوم المكان في النصّ الحكائيّ
- مدن ألف ليلة وليلة المركزية والفرعية
- بوابات المدينة قصة قصيرة
- عرض كتاب الاستبداد السلطوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة ...
- بعض الملامح السندبادية في الخطاب الشعري العربي المعاصر التوظ ...
- بعض الملامح السندبادية في الخطاب الشعري العربي المعاصر الحلق ...
- محمد عبد الرحمن يونس للثقافية: ألف ليلة وليلة لفناني العالم ...
- الأستاذ الجامعي والجامعات العربية المعاصرة
- عداوة الشعر الحديث
- شتاءات في المنفى قصة قصيرة
- السياسيون وشهادة الدكتوراه
- السرد بين النظرية والتراث
- ذكريات مع الراحل الدكتور أسد محمد
- العدد الواحد والتسعون من مجلة الكتب وجهات نظر


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الرحمن يونس - قراءة أولى في مجموعة ( عناق) القصصية للقاص جمعان الكرت قراءة محمد عبد الرحمن يونس الجزء الثاني