أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد عبد الرحمن يونس - محمد عبد الرحمن يونس للثقافية: ألف ليلة وليلة لفناني العالم كانت مكمناً للسحر والتخيّل الخصب















المزيد.....


محمد عبد الرحمن يونس للثقافية: ألف ليلة وليلة لفناني العالم كانت مكمناً للسحر والتخيّل الخصب


محمد عبد الرحمن يونس

الحوار المتمدن-العدد: 1883 - 2007 / 4 / 12 - 11:42
المحور: مقابلات و حوارات
    


حاورته: إلهام محفوظ
«الحقائق الثقافية» :- حدثنا عن بداياتك الأولى ونشأتك؟
« يونس» :- نشأت في أسرة تحب العلم والمعرفة، فجدي لوالدي وجدي لوالدتي قارئان متميزان ، وبخاصة في العلوم الإسلاميّة والدينية، أما والدي فهو أكثر منهما معرفة وإطلاعاً وقدرة على القراءة، إذ لم يكتف بهذه العلوم ، بل وسّع دائرة معارفه، فقرأ الشعر والأدب والتراث والتاريخ، والحكايات والسير العربية، وهو الذي شجّعني على القراءة ، وغرس في نفسي هذا الميل الكبير نحو القراءة من خلال تأكيده على دور القراءة الفعّال في حياة الإنسان الإنسانية والفكريّة .

«الحقائق الثقافية» :- ما هي المعاهد والمؤسسات التعليمية التي تعلمت فيها والشهادات التي حصلت عليها؟
« يونس» :- حصلت على الثانوية العامة فرع علوم ورياضيات ، ثم على معهد إعداد المعلمين، ثمّ على الثانوية العامة / الفرع الأدبي، وسافرت إلى الجزائر، وهناك في جامعة الجزائر تخرجت في قسم اللغة العربية( اختصاص الأدب والنقد ) . ثمّ سافرت إلى المغرب، وفي جامعة محمد الخامس بالرباط تخرّجت في قسم اللغة العربية ، وحصلت على دبلوم الدراسات العليا ( المعمقة ) – اختصاص الأدب الحديث . ثمّ انتقلت إلى جامعة صنعاء ، وعملت مدرسا في كلية مركز اللغات بهذه الجامعة، وبعدها عدت إلى دمشق وبيروت لأعمل مدير تحرير مجلة النافذة الأدبية، وفي الوقت نفسه قمت بتحضير شهادة الماجستير ، وكان موضوع رسالتي : (( الأسطورة في الخطاب الشعري العربي المعاصر – دراسة نقدية تحليلية )) ، في الجامعة اللبنانية – الفرع الأول – بيروت . و قد بلغ عدد صفحات الرسالة ( 433) صفحة من القطع الكبير . ثمّ حصلت في الجامعة نفسها على شهادة دكتوراه الدولة في النقد الأدبي، وكان موضوع أطروحتي : (( المدينة والسلطة في ألف ليلة وليلة )) ـ وعدد صفحاتها ( 520) صفحة . وبقيت في إعداد هذه الأطروحة ست سنوات كاملة.

«الحقائق الثقافية» :- ما هي أهم الموضوعات التي درستها في أطروحة الدكتوراه؟
« يونس» :- درست من خلال هذه الأطروحة بنية حكايات ألف ليلة وليلة : سياسياً واجتماعياً وثقافياً . وكذلك الملامح الاجتماعية والسياسية لرجال السلطة ونسائها في هذه الحكايات. كما ركّزت على بنية الفضاء المكاني ،وأوصافه وملامحه ، وعلاقات قاطنيه ودوره في نمو الحكاية، وامتدادها، وركزت على رجال السلطة المعروفين في حكايات ألف ليلة وليلية، وعلى نسائها ، وأنماط حياتهم، وبينة تفكيرهم، ودورهم في تخريب مجتمعاتهم وإحداث مزيد من الفقر والتباين الطبقي في مجتمعاتهم، كما ركزت على دور الحكاية التشويقي ، وسلطتها على المروي لهم، وعلاقتها بفضاء السلطة وسلوك هذه السلطة وأفعالها.

«الحقائق الثقافية» :- نشاطات أخرى قمت بها .
« يونس» :- عملت أيضاً مندوبا لموسوعة كشف السرقات الأدبية في الرياض ، وكتبت لهذه الموسوعة عدة أبحاث. ثمّ ذهبت إلى الصين ، وفي بكين العاصمة، ألقيت محاضرات عديدة لطلاب شعبة الماجستير ،في الأدب العباسي والقصة القصيرة والشعر الحديث والمقالة والمسرح العربي الحديث والمعاصر، وذلك في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين . هذه الجامعة التي تضمّ كلية كبيرة لعلوم اللغة العربية وآدابها، ويتخرج الطلبة فيها حاملين لشهادات الليسانس والماجستير والدكتوراه في اختصاصات الأدب العربي، ثم ألقيت محاضرات من خلال شبكة الانترنت على طلاب جامعة أهل البيت العالمية.
وسبق لي وأن كنت في عضوية المجلات والجمعيات التالية:
ـ عضو هيئة تحرير في مجلة عالم الغد الأكاديمية المحكمة، النمسا.
ـ عضو هيئة تحرير في مجلة واتا، المجلة الدولية للمترجمين والباحثين العرب المحكمة، بلجيكا.
ـ عضو في مجلس خبراء الجمعية الدولية للباحثين والمترجمين العرب، لجنة الدراسات والبحوث.

«الحقائق الثقافية» :- ما هي المواضيع التي تناولتها في دراساتك ؟ .
« يونس» :- لقد نشرت في المجلات والصحف العربيّة (180) مائة وثمانين بحثاً ودراسة نقديّة وأكاديميّة ومقالاً قصيراً، تناولت فيها موضوعات عديدة في الشعر والقصة والرواية والمسرح وألف ليلة وليلة والنقد الأدبي، والأبحاث المتعلقة بالتراث العربي، ومراجعة الكتب الأدبية والنقدية، بإلاضافة إلى حوارات عديدة مع كبار رجال الفكر في الصين والعالم العربي، ونشرت هذه البحوث والدراسات في ( 82) اثنتين مجلة وصحيفة عربية تصدران في الوطن العربي وأوروبا واسترالية والصين وأمريكا، بإلاضافة إلى عدة أبحاث منشورة على شبكات الانترنت .

«الحقائق الثقافية» :- ما هي كتبك المنشورة؟
« يونس» :-
1ـ آخر تحليقة لنورس مهاجر، دار سعاد الصباح ، الكويت ، 1991م.
ـ الطبعة الثانية ، مكتبة الأسرة القاهرة، 1996م.
2 ـ ملكية والنورس ووهران، دار المنارة، سورية، 1993م
3ـ رقص سماح على أنغام زرياب، دار النافذة، أثينا ، 1994م.
4ـ اللوتس، دار الكنوز الأدبيّة، بيروت 1995م.
5_ تأثير ألف ليلة وليلة في المسرح العربيّ الحديث و المعاصر ( بالاشتراك) مع الدكتور منذر رديف العاني ورجاء ابراهيم سليمان وعبد الكريم شعبان ، دار الكنوز الأدبية، بيروت 1955م.
6ـ ولاّدة بنت المستكفي في فاس ، دار الكنوز الأدبيّة ، بيروت 1995م.
7 ـ الجنس والسلطة في ألف ليلة وليلة ، مؤسسة الانتشار الأدبي، لندن 1998م.
8 ـ رحلة بكين ـ ملامح من الصين المعاصرة، دار السويدي، أبو ظبي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2004م.
9 ـ الاستبداد السلطوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة، الدار العربية للعلوم ـ ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى 1428 هـ /2007م.بالإضافة إلى أحد عشر مخطوطا غير منشور في الأدب والنقد والقصة والرواية والدراسات والبحوث.

«الحقائق الثقافية» :- من خلال مسيرتك في البحث والتأليف حصلت على جوائز عربية عديدة . ما هي هذه الجوائز؟
« يونس» :-
نعم لقد حصلت على الجوائز الأدبيّة التاليّة :
ـ جائزة مركز ابن خلدون الإنمائيّ والدكتورة سعاد الصباح في القصّة القصيرة في مدينة القاهرة عام 1991م.
ـ جائزة مجلة الشاهد للنقد الأدبيّ ـ قبرص ـ نيقوسيا عام 1991م.
ـ جائزة البتّاني للقصّة القصيرة ـ سوريا. عام 1993م.
ـ جائزة مركز ابن خلدون الإنمائي والدكتورة سعاد الصباح للرواية العربيّة في مدينة القاهرة عام 1993م.
ـ جائزة نادي أبها الأدبي للقصة القصيرة ـ السعوديّة. عام 1993م.
ـ جائزة نادي الطائف الأدبي للقصّة القصيرة ـ السعودية. عام 1994م.
7ـ جائزة نجلاء محرم للقصة القصيرة عام 2004 ـ القاهرة.
8 ـ جائزة نجم عكاظ للقصة القصيرة لعام 2004م.
9 ـ جائزة نادي جازان الأدبي للقصة القصيرة ـ السعودية 2005م.
10 ـ تكريم الجمعية الدولية للمترجمين العرب عام 2006م.
11 ـ جائزة ناجي نعمان الأدبية في بيروت للعام 2006م.


«الحقائق الثقافية» :- تركز في كثير من دراساتك على حكايات ألف ليلة وليلة؟ لماذا ألف ليلة وليلة تحديدا، وما سر إعجابك بها؟
« يونس» :- كنت أشعر حين قراءتي لنصوص ألف ليلة وليلة بمتعة عارمة تستوطن ذاكرتي، فقد كانت قادرة على إيقاظ جميع أحلامي الجامحة الملغاة، المتوثّبة أبداً صوب مدن نائية مسكونة بالدّهشة والغرابة. وهذه المتعة التي كنت أعايشها كانت أكبر من جميع المتع التي كنت أجدها في الخطابات الأدبيّة الأخرى، من شعر قديم و حديث وقصّة ورواية ومسرح وتراث أدبي وتاريخيّ. ومسكوناً بالدهشة والأحلام الجامحة التي لم تتحقق طوال حياتي، رحت أقرأ هذه النصوص بشغف العاشق المنبهر بجمالها، وسحرها وصدقها وكذبها في آن. ولعلّ هذه الدهشة هي السبب الرئيس الذي دفعني للقيام بأبحاثي الكثيرة في ألف ليلة وليلة، هذا. ونتيجة لإعجابي بهذا العمل ، عكفت منذ سنوات على قراءته قراءة المستمتع، ثم حاولت دراسته وفهم نصوصه، وبعد ذلك أنجزت فيه عدّة أبحاث طويلة نُشرت في المجلات العربية.
وقد لاحظت، من خلال كثير من الدراسات حول ألف ليلة وليلة، والتي استطعت الاطلاع عليها، سواء أكانت مترجمة إلى اللغة العربيّة أم مكتوبة بها، أنّ حكايات ألف ليلة وليلة بحاجة إلى مزيد الدراسات التي لم تدرس بعد وبخاصة موضوعي الفساد السلطوي والفساد الجنسي ، فما كان مني إلا وأن ألفت كتابا في هذا الموضوع . ودرست هذين الموضوعين دراسة مستقلّة ومستفيضة لم تتناولها بعد الدراسات العديدة المنجزة سابقا في ألف ليلة وليلة.

«الحقائق الثقافية» :- كيف أثرت ألف ليلة وليلة في الأدب العالمي ؟ وما هي مظاهر هذا التأثر؟
« يونس» :- إذا كان هذا السؤال على قدر كبير من الأهمية، فإنّ الإجابة عنه تطول كثيراً ،ويمكن أن تشكّل محاور رئيسة عديدة لرسالة ماجستير أو دكتوراه ، لأنّ لألف ليلة وليلة تأثيراً كبيراً في آداب الأمم والشعوب وفنونها العديدة ، فقد أثّرت في آداب هذه الأمم وما تزال تؤثر حتّى الآن ، ويمكن القول بشيء من الاختصار : إنّ كتاب ألف ليلة وليلة ترجم إلى معظم لغات العالم الرئيسة ، وتأثّر به كبار رجال الفكر والأدب في العالم، واستلهموا منه أجمل ما كتبوه من نصوص إبداعية ، فقد أكّد فولتير أهمية كتاب ألف ليلة وليلة قائلاً : (( لم أصبح قاصاً إلا بعد أن قرأت ألف ليلة وليلة أربع عشر مرة )). أمّا الناقد الفرنسي ستندال فقد أعجب به إعجاباً شديداً وتمنى أن يصاب بفقدان الذاكرة حتى يعيد قراءة حكايات ألف ليلة وليلة ، ويستمتع بها ، كما استمتع بها في أول قراءة لها . أمّا أناتول فرانس فقد أكّد أنّه تتلمذ على حكايات ألف ليلة وليلة قبل أن يكون أديباً .
وتقول الناقدة الألمانية أردموتة هللر عن ألف ليلة وليلة : (( أسهمت حكايات ألف ليلة وليلة في خلق الصور الرومانسية الخيالية عن الشرق ، إذ حملته معها ونقلته إلى الغرب . وتسنّى للغرب من خلال حكايات شهرزاد اكتشاف الشرق . ولا يوجد مؤلف شرقي ( بفتح اللام ) أثّر تأثيراً قويا في الأدب الأوروبي مثل تلك الحكايات الرائعة والجذابة . وبين ليلة وضحاها أصبح هذا الكتاب جزءاً لا يتجزأ من الأدب العالمي تماماً مثل إلياذة هوميروس ، وآينيز، وفرجيل ،وديكاميرونة ، وبوكاتشيو ، والملحمة الألمانية القديمة المسماة ( nibelungenlied) .)) . أمّا الباحث والناقد الإنكليزي كولريدج ، فيقول عن ألف ليلة وليلة : (( إنّ قصص شهرزاد شبيهة بالأحلام ، إذ أنها لا تبعدنا عن الواقع ولكنها تعطينا صورة مغايرة له ، تلك الصورة التي لا يدركها العقل )).أما الباحث والناقد جون جو لميير فيقول : (( إنّ شخصية شهرزاد أثّرت تأثيراً حاسماً في تاريخ المرأة الأوروبية، وجعلت القرن الثامن عشر أعظم القرون في حياتها، وكان لجمالها وثقتها بنفسها ، وتصديها وحدها لشهريار الذي عجز كلّ الرجال عن أن يوقفوه، واستخدامها لسلاح الأنوثة والمعرفة معاً، كان لهذا كله أثر كبير في تكوين شخصية المرأة الأوروبية )) .
لقد أثرت ألف ليلة وليلة في جميع الأجناس الأدبية الأجنبية ، وفي الفنون أيضاً ، وقد كان تأثيرها واضحاً في الكتابات القصصية التي ظهرت في فرنسا وانجلترا وإيطاليا خلال القرن الثامن عشر ، والتي ظهرت في أمريكا خلال القرن التاسع عشر ، ومن النصوص الأجنبية التي تأثرت بهذه الحكايات : ( فاثيك ، لبكفورد 1786م) ، و( لالا روخ ، لتوم مور 1817م)، وقصائد بيرون المطولة ، ومنها : ( رحلة الفارس هارولد ) ، و مجموعة قصائده الموسومة بـ ( حكايات تركية ) . ونشر توماس هوب في عام 1819م رواية بعنوان : ( أنا ستازيس : مذكرات يوناني ) ، وفيها استقى عوالم ألف ليلة وليلة السحريّة والغرائبيّة . وكتب جيمس جوستنين موريي ( 1780 ـ 1849م) رواية بعنوان : ( مغامرات حاجي بابا ) ، ذكر في مقدمة طويلة لها علاقة روايته بحكايات ألف ليلة وليلة ، ثمّ عاد ونسج من عوالم ألف ليلة وليلة عدة روايات أخرى ، وهي على التوالي : ( الرهين زهراب ، 1832م) ، (عائشة ، 1834)، ( ميرزا ، 1841م)،( مسلمة: قصة فارسية، 1847م).
وكتب كنج ليك عملا بعنوان: ( إيثون: إي من الشرق، 1844) ، وهو عبارة عن رحلة عبر تركيا وسورية وفلسطين ومصر، استدعى من خلال عمله الإلياذة لهوميروس، وكذلك حكايات ألف ليلة وليلة ، وفي عمله هذا عبّر عن كراهيته الشديدة للمسلمين والعرب، ووصف الرجل منهم بأنّه جثّة هامدة جافة، وأنّ عقله محنّط كالمومياء.
وتأثّر الأديب والفيلسوف مونتسكيو في كتابه : ( الخطابات الفارسية ، 1721م)، بحكايات ألف ليلة وليلة حين تصويره للولائم ، ولعادات الشرق، ولحريمه وعلاقاتهنّ. أمّا فولتير فقد كان من أكثر الأدباء الذين تأثروا بهذه الحكايات، ويظهر هذا التأثير واضحاً في رواياته: ( صادق ، 1747م) ، ( سمير أميس، 1748م)،( أميرة بابل،1768م)، وقصة: ( العالم كيفما يسير،1747م).وقد حاول أنطوني هاملتون ( 1646 ـ 1720م) في روايتيه : ( حكاية الحمل) ، و:( قصة زهرة الشوك) ، أن يقلّد شخوص ألف ليلة وليلة في مغامراتهم، وعلاقاتهم بالجان . أمّا اللورد وليم بيكفورد، فقد أبدى إعجاباً شديداً بهذه الحكايات ، وكتب قصّة بعنوان: ( الخليفة الواثق بالله، 1782م)، مستوحياً أحداثها وعلاقات قصورها من أحداث حكايات ألف ليلة وليلة وفضاءاتها المكانية . أمّا الفرنسي تيوفيل جوتييه فقد كان عاشقاً لمدينة القاهرة التي تعدّ من أهم مدن ألف ليلة وليلة، وقد وصف شوارعها وأسواقها المزدحمة، وحوانيتها التجاريّة العامرة بجميع أنواع البضائع، ومن خلال عشقه لهذه المدينة الجميلة التي قرأ عنها كثيراً، وسمع أخبارها العجيبة من أصدقائه الرحالة، ثمّ زارها في ما بعد، وقد كتب عنها في رواياته المليئة بموتيفات ألف ليلة وليلة وصورها ، وهذه الروايات : ( وجبة في صحراء مصر، 1831م)، (ليلة من ليالي كليوباترة،1838م)، (قدم المومياء 1840م)، ( رواية المومياء ،1858م). أمّا قصة روبنسون كروسو ، ورحلات كاليفرز الإنكليزية فهما مأخوذتان، في بنية أحداثها وخيالاتها من بنية حكايات السندباد البحري ورحلاته السبع صوب جزر العالم البعيدة ومرافئه.
وقد أخبرني صديقي المستشرق الصيني الأستاذ الدكتور شريف شي سي تونغ أنّ بعضاً من حكايات ألف ليلة وليلة يدرس في المدارس الابتدائية والثانوية الصينية، بالإضافة إلى الجامعات، وبخاصة كليات الآداب والتاريخ والعلوم الإنسانية في الصين، وقد قمت وبنفسي، بتدريس حكايات السندباد البحري وأسفاره لطلابي في شعبة الماجستير بجامعة الدراسات الأجنبية في بكين، وقد أبدى هؤلاء الطلاب إعجاباً شديداً بهذه الحكايات.
ولم يقتصر تأثير ألف ليلة وليلة على القصة والرواية فحسب، بل تعداه إلى أنواع الفنون كافة، ففي المسرح نجد أن المسرحيتين الأوروبيتين: ( علاء الدين ) , و : ( حلاق اشبيلية) تتناصان بشكل واضح وكبير مع حكايتين من حكايات ألف ليلة وليلة ، وهما : ( مزين بغداد) ، و ( علاء الدين والمصباح السحري) .أمّا المسرحي الأسباني لوبي دي فيجا (lepe de vega)، فقد كان أهمّ المسرحيين الأسبان الذين تأثّروا بحكايات ألف ليلة وليلة ، وبخاصّة حكاية ( تودد الجارية مع الخليفة هارون الرشيد) ، وقد سميت إحدى مسرحياته المتأثرة بشكل مباشر بهذه الحكاية بـ : ( الجارية تيودور ) .
لقد كانت حكايات ألف ليلة وليلة بالنسبة لفناني العالم مكمناً للسحر والتخيّل الخصب ، وكانت شهرزاد بالنسبة لهم مثالاً للمرأة المتمردة على علاقات مقاصير الحريم ونظمها وقوانينها وضوابطها، ومثالاً للمرأة الشهوانية والمثيرة التي تفضح وتعري بنات جنسها، وتصف أدقّ خصوصيات المرأة في علاقاتها مع عالم الرجال،وفي الوقت نفسه مثالا للجمال الشرقي الأخّاذ ، والمعرفة والحكمة ، والذكاء الذي استطاع أن يردع شهريار عن استمراره في قتل بنات مدينته في كل ليلة. هذا الجمال الذي بدا لهم أقرب إلى الأسطورة، فاستوحوا من شخصيتها أجمل اللوحات الفنيّة، وكانت رحلات السندباد البحري، بعوالمها الغرائبية و السحريّة الموشومة بالعفاريت والجنّ والسحرة، معيناً لا ينضب، وقادرا على أن يشكّل مزيداً من اللوحات الفنيّة . وقد كان لترجمة ( أنطوان جالان ) لكتاب ألف ليلة وليلة إلى اللغة الفرنسية أثر كبير على أدباء الغرب، لأنّ هذه الترجمة تعدّ من أوائل الترجمات ، وأكثرها قرباً إلى نفوس الفرنسيين، وأكثرها جاذبية سحريّة لهؤلاء الفرنسيين. ومن أجواء ألف ليلة وليلة استوحى الرسامون: رينوار وماتيس وإنجر، أجمل لوحاتهم ، فرسموا الجواري وحظايا السلاطين، وجميلات القصور، أمّا الفنان ( ديلاكروا) ،فقد فتحت حكايات ألف ليلة وليلة آفاق مخيلته الرحبة ، فسافر إلى المغرب والجزائر، وأقام فيهما، وبدأ يرسم النساء العربيات الغارقات في نعيم القصور وعزّها، ورسم من وحي ألف ليلة وليلة لوحته المشهورة ( نساء الجزائر)، أمّا الفنان ( فان دونجن) ، فقد استوحى لوحته المعروفة ( راقصة شرقية) من حكايات ألف ليلة وليلة. وشكّل الفنان ( أنج تيسييه) من شخصية شهرزاد لوحات فنية زيتية مشعّة بالجمال والأنوثة.
لقد نال كتاب ألف ليلة وليلة اهتماماً من مفكري الأدب العالمي وأعلامه، لم ينله أي كتاب آخر ، هذا إذا استثنينا القرآن الكريم، فظهرت فيه دراسات كثيرة تناولت حكاياته ، بالتحليل والدراسة والمقارنة, والمؤثرات الداخلة فيها، ويصعب على أيّ دارس أدبي ، مهما كان واسع الإطلاع والمعرفة، أن يحيط بجميع دارسي هذه الحكايات، إلاّ أنه يمكن القول: إنّ من أهم الكتاب الأجانب الذين درسوا حكاياته، وحللوها: د. ب. ماكدونالد ( 1863 ـ 1943م) ،ج. أويسترب ( 1867 ـ 1938م)، إينو ليتمان( 1875 ـ 1938م) ، يوسف فون هامر، وليم لين، دي غويه ، نولدكه، تسيبولد، كريمسكي، هرمان زوتنبرغ، شوفان، رينيه باسيه، فون شليكل، أوغست ميلر، إميل كالتييه، فون لولمرنيك، هـ . ريتر، وليم بوبر، سلفستر دي ساسي، هوروفتز،
كالتييه، باتريك رسل، سيتزن، رودري باريت، وليم جونز، كوسكان وبرزيلسكي، كرونباوم، هـ . كريكوار، ر. كوسنس.
ولم تتوقف الدراسات الأجنبية في حكايات ألف ليلة وليلة عند هؤلاء الأسماء، بل ظهرت دراسات جديدة معاصرة استكملت الدراسات السابقة، وأتت بنتائج جديدة ومهمّة، ولعلّ أهمّ الدارسين المعاصرين لهذا العمل الأدبي الخالد: هنري فارمر، أندريه ميكيل، تزيفيتان تودوروف، فردريش فون ديرلاين، هو جوفون هوفمنستال، ميشيل جاك، إدجار ويبر، دايفيد بينولت، جيروم كلينتون، ، برتف بوراتاف، خورخي لويس بورخيس،أندرياس حاموري، جيرهار فيشر،إليوت كولا، سيلفيا بافلن وآخرون ، ومن لصينيين المعاصرين الذين ألتقيت بهم في بكين ، والذين كتبوا عن ألف ليلة وليلة ، الأساتذة الدكاترة : شريف تشي بو هاو ، و صاعد تشونغ جيكون، و لي تشين تشونغ.
ولا نغالي إذا قلنا إنّ ألف ليلة وليلة شكّلت لدى الغربيين حافزا مثيراً وقويا د فعهم إلى التطلع إلى الشرق، ومدنه وفضاءاته المكانيّة التي أسهمت في بناء هذه الحكايات. ولقد كان لهذا الكتاب في ما بعد دور كبير في دفع حركة الاستشراق وانتشارها بقوة، لأنّ الأوروبيين أحبّوا هذا العمل، وافتتنوا به، واعتبروه المسرود الثاني بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، القرآن الكريم، فما كان من أدبائهم ومستشرقيهم إلاّ وأن تاقوا لزيارة بلدان الشرق وعوالمها السحريّة، فرحلوا إلى هذا الشرق باحثين، وراغبين في معرفة سرّ غوامضه، ثمّ في ما بعد دوّنوا مشاهداتهم وانطباعاتهم عن هذا الشرق في كتب عديدة.
لقد دخلت حكايات ألف ليلة وليلة في نسيج التركيب المعرفيّ للثقافة الأجنبية، على اتساعها الزماني والمكاني، وأثّرت فيها تأثيراً شديداً، ولا تزال تؤثّر حتى الآن، ويصعب على أيّ باحث، مهما كان واسع الإطلاع والمعرفة، أن يكشف عن جميع جوانب هذا التأثير، في جميع الأجناس الأدبيّة، سواء أكانت أوروبية أم أمريكية، أم آسيوية، أم غير ذلك.

«الحقائق الثقافية» :- ما هي الجامعات التي تدرّس اللغة العربية في الصين ؟ وكيف تنظر إلى آفاق تعليم اللغة العربية في الصين في ظلّ سياستها الجديدة؟ .
« يونس» :- يوجد في الصين عدة جامعات تدرّس مواد الأدب واللغة العربية، ففي مدينة بكين العاصمة وحدها يوجد خمس جامعات، وهي:
1ـ جامعة بكين.
2ـ جامعة الدراسات الأجنبية.
3ـ جامعة اللغات والثقافة.
4ـ جامعة الدراسات الأجنبية الثانية.
5ـ جامعة الاقتصاد والتجارة الخارجية.
أمّا بقية الجامعات الأخرى في أنحاء الصين التي تدرّس اللغة العربية فهي:
ـ جامعة الدراسات الأجنبية في شانغهاي.
ـ الجامعة العسكرية في مدينة لويان.
ـ الجامعة المتكاملة في مقاطعة يونان.
ويوجد جامعة أخرى في مقاطعة ( شينجيانغ) الويغوريّة المسلمة، ذات الحكم الذاتي، وهي تختصّ بتعليم الطلاب المشتغلين بالحقل الديني، حتى يستطيعوا أن يؤمّوا المساجد، ويقرأوا القرآن باللغة العربية، ويعلموه للراغبين بذلك من أبناء مقاطعتهم. بالإضافة إلى أكثر من عشرة معاهد حكومية وأهليّة تقوم بتدريس اللغة العربية لأبناء المسلمين، ولأيّ صيني يرغب بدراسة اللغة العربية.

«الحقائق الثقافية» :- ما هي أهم الأسباب التي تدفع الحكومة الصينية إلى افتتاح أقسام اللغة العربية في جامعاتها؟ وما هي أهم الأسباب التي تدفع الطلاب الصينيين إلى تعلم اللغة العربية؟
« يونس» :- لقد كانت الصين في عهد ماو تسي تونغ ، تولي أهمية كبيرة لتعلّم اللغة العربية وتدريسها في الجامعات الصينيّة، لأنّ الحكومة الصينيّة كانت طموحة في إقامة علاقات وطيدة ـ تجارياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً ـ مع دول الوطن العربي أكبر من طموحها في أن تقيم مثل هذه العلاقات مع أمريكا وأوروبا، لأنّ السياسيين الصينيين في عهد ماو تسي تونغ، كانوا ميّالين إلى العرب أكثر من ميلهم إلى أمريكا وأوروبا، وكان الطالب الصيني الذي يتخرّج في الجامعة متقناً اللغة العربية يجد عملاً وبسهولة بعد تخرّجه، ويتدرّج في عمله حتى يستلم مناصب مهمّة في الدولة. أمّا اليوم فقد تراجع تعليم اللغة العربيّة في الجامعات الصينية بشكل واضح، وصار الطلاب الصينيون ميالين إلى تعلّم اللغات الأجنبيّة الأخرى كالإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطاليّة والأسبانية واليا بانية والكورية والروسيّة وغيرها، لأنّ الحكومة الصينية الحاليّة لم تعد تولي أهمية لطلاب الأقسام العربية. ويجد خريجو هذه الأقسام صعوبة بالغة في الحصول على وظيفة، سواء أكانت في شركات القطاع العام أم الخاص، وقد وعى الطلاب الصينيون دارسو اللغة العربيّة ذلك، فأخذوا يتعلّمون في جامعتين في الوقت نفسه، في جامعة يدرسون اللغة العربيّة ، وفي جامعة أخرى يدرسون السياسة والتجارة والاقتصاد أو اللغة الإنكليزية، وغير ذلك.
إنّ الحكومة الصينية المعاصرة ، في هذه الأيام، تعمل على توطيد علاقاتها مع أمريكا والغرب الأوروبي والعالم الصناعي، أكثر من ميلها إلى مثل هذا التوطيد مع دول الوطن العربي، لأنّها ترى أنّ مصالحها الكبرى تتجسّد بانفتاحها نحو أمريكا وأوروبا، ومن هنا فقد بدأت الجامعات الصينيّة التي تدرّس اللغة العربية في تقليص عدد الطلاب الذين تقبلهم، حتى أنّنا نجد أنّ بعض هذه الجامعات تخلو من صف من الصفوف، فعلى سبيل المثال نجد أنّ جامعة بكين في العام 2001م، تخلو تماماً من طلاب الصف الثالث/ السنة الثالثة، ونجد أن جامعة اللغات والثقافة ببكين تخلو تماماً من طلاب السنة الأولى في العام نفسه، وفي جامعة أخرى لا نجد أيّ طالب من طلاب السنة الأولى أو الرابعة، وهكذا. وإذا ما بقيت الحكومة الصينيّة مستمرة في اندفاعها السريع صوب إقامة المزيد من علاقات الانفتاح نحو أمريكا والغرب الأوروبي وإسرائيل، فإنّ مستقبل اللغة العربية في الجامعات الصينية ـ بلا شكّ ـ سيتراجع تدريجياً .

«الحقائق الثقافية» :- هل لك أن تقول كلمة أخيرة .
« يونس» :- أشكرك على تكرمك بإتاحتك لي هذه الفرصة ، وأشكر جريدتك والقائمين عليها.،



#محمد_عبد_الرحمن_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأستاذ الجامعي والجامعات العربية المعاصرة
- عداوة الشعر الحديث
- شتاءات في المنفى قصة قصيرة
- السياسيون وشهادة الدكتوراه
- السرد بين النظرية والتراث
- ذكريات مع الراحل الدكتور أسد محمد
- العدد الواحد والتسعون من مجلة الكتب وجهات نظر
- العدد الجديد من مجلة الكويت عدد حزيران يونيو 2006م
- لمحة تاريخية عن مدينة القاهرة
- الفضاء الروائي و المرأة في الرواية اليمنية المعاصرة
- حوار مع القاص والروائي والباحث د. محمد عبد الرحمن يونس
- في حوار حول الثقافة والأدب والسياسية في الصين
- سفر قصة قصيرة
- الشعر العربي المعاصر بين الوطن و المنفى
- مدخل في الأسطورة و أهميتها
- الأسطورة في الشعر والفكر
- كوابيس
- العلاقة بين الكاتب العربي والناشر العربي
- الواقعي والتخيلي في ألف ليلة وليلة
- العدد الثاني من مجلة عالم الغد ـ النمسا


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد عبد الرحمن يونس - محمد عبد الرحمن يونس للثقافية: ألف ليلة وليلة لفناني العالم كانت مكمناً للسحر والتخيّل الخصب