أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إيمان أحمد ونوس - باقة حب وياسمين لروح أبي














المزيد.....

باقة حب وياسمين لروح أبي


إيمان أحمد ونوس

الحوار المتمدن-العدد: 2957 - 2010 / 3 / 27 - 11:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



ما زالت صورتك ترافق مخيلتي كلَّ فجر وأنت تستعد لرحلتك اليومية...
ما زالت رائحة الشاي تعبق في أرجاء ذاكرتي وأنت ترشف قطراته كلّ صباح...
ما زال وقع خطاك يرنُّ في مسمعي معلناً ولادة يوم جديد...
إيذاناً لرحلة عمل نشاطرك فيها الأعباء...
ما غبت يوماً عن حياتنا رغم سفرك الطويل...
حضورك بيننا أزلي رغم امتداد الفراق...
حاضر بحنانك الذي افتقدناه.. وبدفء روحك الذي خسرناه...
لم أشعر بك أباً بقدر ما كنت صديقاً مستترة صداقته بتلافيف عباءة الأبوّة، لتغدو أبوّةً نادرةً في زمنٍ لديك فيه من الإناث عشرٌ، وبيتٌ خالٍ من ذَكَرٍ يحمل اسمك ويخلد ذكراك...
لم نشعر يوماً أننا عبء ثقيل يرهق كاهلك... ولم نحس بالأسى لأن لا أخ لنا كما باقي البنات...
فكنت الأخ، والأب والصديق... ولأنك كذلك آثرت في عيد الأم أن أقدّم لروحك الطاهرة بطاقة حب وعرفان ووفاء.
هو ذا أبي الذي لا يشبه آباء جيله سوى لجهة القراءة والكتابة اللتين كان يلمُّ بهما بعض الشيء، غير أنه في باقي قضايا الحياة والتربية كان منفتحاً بشكل يلفت الانتباه ويثير الاستغراب في ذلك الزمان، خصوصاً أنه عسكري في الجيش، وأننا عشر بنات لا ذكر بيننا يحمل اسم العائلة ويخلّد ذكراه حينئذٍ، في زمنٍ كانت كثرة البنات في بيت ما، تستدعي الشفقة والأسى، لكنه كان دائماً يُفاخر بنا ويُصّر على تعليمنا- في حين كانت معظم البنات لا يكملن تعليمهن -، رغم الوضع المادي الضيّق الذي كنّا نعاني منه، فقد كان مؤمناً أن لا حصانة ولا حماية للفتاة سوى شهادتها العلمية التي تحملها، لأنها تفتح لها آفاق المستقبل والحياة، وتحميها من غدر القدر، وفعلاً كان له وللوالدة ما أرادا، إذ تخرجت البنات العشر من التعليم العالي والمتوسط( كانت الثانوية في السبعينات شيئاً عظيماً، وهدفاً غير قليل).
رفض أن يتركنا لمصير أنثوي تقليدي، بل شرّع لنا أبواب الحياة على مصراعيها.. نبحر في دروبها غير هيّابات من أي شيء.. مع أن أمثاله من آباء لديهم هذا العدد الكبير من البنات يساورهم الشك والقلق الدائم من ذلك، ويسعون دائماً للخلاص من همّ البنات بتزويجهنَّ باكراً.
بينما اتبع هو قاعدة مفادها رفض حضور أيُّ خاطب للبيت قبل أن تحصل الواحدة منّا على الثانوية العامة. وهو بذلك إنما يفتح آفاق الدراسة أولاً، ومن ثمَّ يجعل شخصيّاتنا قوية نتيجة خوض غمار الحياة ودروبها التي تعطينا قوّة وعزيمة.
لا أنسى ما حييت يوم قررتُ عدم التقدّم لامتحان الثانوية العامة، لأنني غير متمكنة من دراستي التي قلّصت مساحتها أعباء البيت والدكان... ورعاية الأخوات...
لا أنسى كيف حاول إقناعي بمنتهى الحنان والأمان.. ولما كابرت على عنادي... صرخ بي قائلاً: لا يمكن أن أدعك تدمّرين مستقبلك.. رغماً عنك ستتقدمين للامتحان.
وهكذا كان بأن أنقذني من دمار محتّم في ظل زواج عاثر.
بعد تقاعده من الجيش افتتح دكان خضار اقتناه على شكل(كولبة كتلك المخصصة لبيع الخبز الآن) لأنه لا يملك ثمن محل تجاري، كنّا نساعده في عمله رغم أن وجود الفتاة في هكذا محل أمر غير مرغوب فيه حينئذ، لكنه تعامل معه ببساطة من منطلق قدرة الفتاة على القيام بما يقوم به الفتى، وإذا راودنا الخوف يوماً من موقف ما، أو تهيّبنا من شيء ما، كان يدفعنا بقوة للابتعاد عن الهزيمة والشعور بالانكسار، فكنّا من أوائل الفتيات اللواتي امتطين الدراجة الهوائية مثلاً لتلبية احتياجات المحل والبيت.
لم يشعرنا يوماً بفراغ حياتنا من أخ ذكر، بل على العكس تماماً، كان حنوناً، دافئ الروح والقلب، طيّب المعشر، نقي السريرة نحونا على وجه الخصوص ونحو الآخرين عموماً.
إضافة إلى أنه كان من الطراز الديمقراطي المحاور لنا في قضايانا المصيرية كالزواج مثلاً، كان مؤمنٌ بحقنا في الحب واختيار الشريك فلم يقف في وجه خياراتنا، ولم يفرض علينا خياراً لا نريده، كلنا تزوجنا حسب رغبتنا، لأنه كان يحترم خياراتنا ويثق بها، إضافة إلى أنه تعامل مع مسألة المهر بكل موضوعية، فلم يشأ أن يقايض علينا أو على شهاداتنا كما هو سائد اليوم وفي ذلك الزمان، وإنما كان يترك الخيار لنا وللشّاب حسب استطاعته، لأنه كان يعرف أن المغالاة بالمهر تعني ديوناً مستقبلية تُضّر بحياتنا.
ويمكنني أن أضيف أمراً غاية في الأهمية قياساً لذلك الزمان، وهو مسألة الانتماء السياسي، وهو بهذا الجانب كان قدوةً لنا، ومحاوراً إيجابياً وفعّال رغم أن بعضنا يختلف عنه في الانتماء، كان يحترم ذلك ويناقشنا بكثير من القضايا السياسية الهامة في ذلك الوقت.
وإذا أردت أن أراه بمنظار الزوج، فقد كان مع الوالدة أروع مما كان معنا لجهة الحب والاحترام والتقدير، مع أنه يوم تزوجا لم يكن يعرفها أو رآها من قبل، كان زواجاً تقليدياً بكل معنى الكلمة، لكنه تعامل معها على أساس المساواة بينهما في كل مناحي الحياة، كان يثق بها ثقة لا محدودة
لم يقيّدها يوماً بأوامر أو أفكار، وإنما كانت لها الحرية المطلقة في بيتها وتربيتها للأولاد،
لم ينظر لها يوماً أنها لم تنجب له الذكر، بل كان يشعرها بكل الدفء والمودة عندما تضع مولدة أنثى. والمفارقة أنه لمّا جاء المولود الذكر بعد عشر بنات تعامل معها ببساطة لا متناهية، فلم يشأ أن يشعرنا أو يشعر والدتي بأهمية الحدث ولو ظاهرياً، كما تعامل مع أخي عندما بدأ يكبر تعاملاً أرى اليوم أن يحمل بعض القسوة في بعض النواحي، فلم يشعره يوماً أنه وحيد، أو أن له حقوقاً تميّزه عنّا نحن البنات، كان عادلاً تماماً بيننا وبين باقي إخوتي الذكور(صاروا خمسة ذكور) بعد البنات.
فإذا أردنا أن نجري مقارنة بينه وبين بعض الآباء والأزواج في وقتنا الراهن لوجدنا أنه أكثر رقيّاً وتحضّراً، إضافة لتلك التربية البعيدة عن التمييز بين الذكور والإناث خصوصاً لجهة الاحتفاء بالإناث على طريقته العفوية والحضارية تلك.
كم كنت وأنا مراهقة أحلم بأن يكون زوج المستقبل شبيهاً لوالدي في تعامله وحنانه ورقيّه، لكن هيهات للأحلام أن تتحقق...



#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضايا المرأة بين الواقع الاجتماعي والتشريعات
- وزارة الإدارة المحلية تسحق الشرائح الأكثر استحقاقاً في المجت ...
- مواكباً للقتل بداعي الشرف ضرب المرأة بات ظاهرة تستدعي التصدي ...
- رغبت بمساعدته على تكاليف الحياة فقتلها بدافع الشك
- صراحة الأزواج...مغامرة أم ضرورة..؟
- كيف يرى الرجل صداقتها له
- كان عامٌ حافلاً بقضايا المرأة
- عندما يصبح الغدر مكافأةً كبرى
- شموع أنارت ليل دمشق...فهل تنير دروب التائهات عن حقوقهن..؟
- مرّة أخرى الدعم لمستحقيه... ما عدا المطلّقات
- المشروع الجديد للأحوال الشخصية... تهميش للسورين عموماً وللجه ...
- هل تكفي الأيادي البيضاء لمعالجة الحالة...؟
- هل ما زال الاتحاد النسائي معني بحقوق المرأة بعد رفضه حكم قضا ...
- الجلد... أثمن هدية للمرأة العربية..!
- عيد بأي حال عدت يا عيد
- راتب الزوجة... استقلال أم إذلال..؟
- مخطوبة لأكثر من مرة...يعني أنك ستوك..!
- إلى متى تظلُّ فتياتنا قرابين على مذبح جرائم الشرف..؟ مشروع ا ...
- نساء العالم تقتحم حصون البرلمانات
- نظرات تربوية في العلاقة الزوجية


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إيمان أحمد ونوس - باقة حب وياسمين لروح أبي