أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرمد السرمدي - التكامل التقني في العرض المسرحي















المزيد.....


التكامل التقني في العرض المسرحي


سرمد السرمدي

الحوار المتمدن-العدد: 2960 - 2010 / 3 / 30 - 10:22
المحور: الادب والفن
    


حول التقنيات المسرحية


شهد المسرح الحديث في العقود الاخيرة تطورا كبيرا في مجال التكنولوجيا، وقد شمل هذا التطور ميادين معمار المسرح والسينيوغرافيا(الفضاء والمناظر المسرحية) والضؤ والصوت والازياء.

ومما لاشك فيه ان هذا التطور أدى بشكل مباشرالى خلق آفاق جديدة امام المخرجين والمؤلفين والممثلين بإكتشاف سبل وأدوات وإمكانيات جديدة في التجسيد الإبداعي والخلق الفني، ناهيك عن تحسين ظروف التلقي، حيث أصبح بإمكان المتلقي أن يشاهد العرض في ظروف انسانية أفضل في ظل إمكانيات وتجهيزات حديثه على كل الاصعدة: الصوت والصورة والمسافة والراحة، مما يتناسب وروح العصر.

وتجدر الاشارة الى ان هذا التطور لم ينبثق فجاءة في هذه المرحلة من تاريخ المسرح، فالتكنولوجيا المسرحية، كانت قائمة منذ العصر الاغريقي، بماكنتها البسيطة وحلولها السهلة في تجسيد مشاهد المسرحية، وقد تطورت هذه التكنولوجيا على مرّ العصور المسرحية.

لكن التكنولوجيا المسرحية قديما كانت في مجملها سهل التنفيذ وذات وظيفة مجازية في معظم الأحيان.

(( ويدرج بعض الباحثين التقنيات التكنولوجية التي شهدها المسرح في العصور الاولى من تطوره، ضمن التقنيات السهلة او البسيطة، اما ماجرى من تطور تكنولوجي للمسرح الحديث فيندرج ضمن النوع المعقد ذي سرعة وإيقاع شديدين، حتى انه بات من الصعب مواكبته من قبل المسارح ذات الامكانات المتواضعة.

فمثلا في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية كان صوت الرعد ينفذ حتى الخمسينات من القرن المنصرم بإستخدام صفيحة معدنية، وصوت حافر الخيل كان ينفذ عن طريق إستخدام قشرة جوز الهند الجافة. وكانت ثمة ماكنة بسيطة تستخدم لإحداث صوت الرياح بفعل قماش من الخيش. أما صوت سقوط المطر فقد كان يتم عن طريق تحريك البازلاء الجافة في أنابيب. أما ما حدث من تطور في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية في العقود الاخيرة، خصوصا بعد ظهور الكومبيوتر فتعد قفزة لم يشهدها تطور المسرح من قبل كما ونوعا وسرعة.

ومن الباحثين من يطلق على التطور الحاصل في مجال تقنيات المسرح ثورة داخل ثورة المسرح الحديث، ثورة مهّد لها روّاد المسرح الحديث من أمثال مييرهولد، كريغ، آبيا ونيهر ببدايات وإنجازات متمثلة بالخطوات الاولى في تغيير بنية المسرح معمارا وفضاء وأضاءة و تقنيات في الصوت.

كانت تصورات الرواد حول تغيير المسرح تغييرا جذريا تبدو حينها ضربا من الحلم والرؤى المستقبلية، لكن رؤى الرواد وتصوراتهم كشفت امام المسرح المعاصر عن آفاق وأفضية شاسعة ربما لم يكن تصورها سهلا إلا لمخيلة مبدعين من امثال مييرهولد وكريغ وآبيا.

ويمكن القول ان هذا التطور الهائل الذي بلغ أوجّه في المسرح الموسيقي والأوبرا وعروض الرقص، خلَقت لغة مسرحية جديدة لغة مسرح الحداثة وما بعد الحداثة، كما هي تتجلى واضحة في اعمال كبار مخرجي عصرنا، من أمثال جورجيو ستريهلر وروبرت ويلسون وروبرت ليباج. أعمال تحقق فيه الكثير من أحلام رواد المسرح الحديث الاوائل.

وكانت التكنولوجيا الأداة الرئيسة لتحقيق الحلم الفني، ومنفذا لرؤى مخيلة الفنان المسرحي.

ومما يجدر الإشارة اليه هو ان تطور التقنيات في المسرح الحديث إستمد دوافعه وجذوره أساسا من المخرج ومخيلته وسعيه الى تجسيد رؤاه وأحلامه. فالتصورات الجديدة لإستخدام التكنولوجيا في المسرح وتطويعه في مجالات مختلفة، برزت وتبلوّرت ببروز المخرج كصاحب مهنة مستقلة ومهمة في العملية الإبداعية.

فالمخرجين الأوائل مييرهولد، كريغ، رينهاردت فعَلوا ونشَطوا دور السينوغراف والمصمم المعماري و مصصم الانارة ومهندس الصوت، وبدأ التقنيون يتبأون لأول مرة مكانة مهمة في ثورة المسرح.

ولعل من الصواب القول بأن أول قفزة في سياق التطوّر التكنولوجي بعد اختراع قوة الكهرباء كانت البنائية، التي استوجبت هندسة أخرى في الفضاء المسرحي والمعمار والماكنة المسرحية. ان التطوّر الحاصل في هيكل التقنيات المسرحية لهي إمتداد لإنجازات البنائيين في مجال إستخدام البنى الكبيرة والماكنة المعقدة على المسرح وبتقنيات غاية في البراعة والإتقان. تقنيات دخلت كجزء حيوي ضمن هيكل العرض المسرحي وليس بخاف فإن البنائية إنبثقت في المسرح كثمرة للجهد المشترك بين المخرج والفنان المعماري. وعليه فإن الأنجازات في مجال التكنولوجيا المسرحية ما هي إلا تحقيق لرؤى وتصورات الاوائل من المخرجين والرساميين والمهندسين وتعاونهم في عمل مشترك لتطوير مسرح العصر الحديث.

يقول كريستوفر بو في كتابه العرض المسرحي والتكنولوجيا كان كريغ يريد لمناظره المسرحية ان تتحرك كالصوت، مثلما الموسيقى تتحرك.

ويذكر ايضا ان احد مصصمي المناظر المسرحية في فرنسا كتب بعد لقائه كريغ في رسالة الى مدير مسرحه عام1910 يقول:

"إن كريغ يريد لمناظره ان تتطور مع سير المسرحية، لا أعرف كيف يمكن ان يتم تنفيذ مثل هذه الفكرة. ولكن الفكرة بحد ذاتها تعد من الدرجة الاولى. فلو تم تحقيق ذلك لغدا ثورة في مجال السينوغرافيا".

إن كريغ كان فنانا يدرك ضرورة الخيال وضرورة إدراك كون التكنولوجيا المسرحية إمتدادا للخيال المسرحي ذاته. فأستخدامه عند مييرهولد وطرق الاستفادة منها كان جزء من العملية المسرحية والابداع الفني.

ولعل المخرج البريطاني بيتر هول احسن من يعبّر عن الحذر من إستخدام الماكنة في المسرح من أجل الاستخدام فقط، فهو يقول: إن المسرح يحبّذ التناقض وعليه فإن الماكنة في المسرح تجب ان تستخدم كقيمة مجازية.

رؤى وأحلام دافينشي في المسرح البصري كان اكبر الحالمين بالحلول التكنولوجية المبتكرة، هو الرسام والنحات الايطالي ليوناردو دافينشي الذي على يده حصل أهم تطوّر في تأريخ التقنيات المسرحية.

كان نموذج دافينشي لأوبرا أورفيوس تطورا هائلا في مجال الأوبرا. فقد صمم دافينشي العديد من الماكنات المسرحية في ميلانو. وكان أهم تصميم جديد له هو تصميمه خشبة مسرح تقدم عليها لأوبرا أسطورة أورفيوس 1518.

كان تصميم المنظر معقدا جدا في حينة، فقد أحتوى المنظر قبة تمثل قبة الكنيسة، تتفتح شيئا فشيئا على شكل جبل، لتكشف عن مشهد آخر، ثم تسحب الجبال عن المسرح من الجانبين. الى جانب هذا كان المشهد الأكثر غرابة هو المشهد الذي كان يرفع من تحت الارض كمصعد الى مستوى المسرح.

ماذا لو عاش دافينشي في عصر مييرهولد و كريغ!،لكانت إنجازاتة بلغت العصر الحديث بفاعلية خارقة.

ففي الخمسينات من القرن المنصرم فقط بدأت المسارح تستخدم الاصوات المسجلة على الاسطوانات الكبيرة، وقد كان الاعتراض على أستخدام الصوت المسجّل شديدا في حينه.

إن المسرح البريطاني يعد من أهم المسارح الذي أختبر وحقق مختلف التقنيات الحديثة، وكان الى جانب المسرح الاميركي السبّاق في التجريب على كافة أنماط التقنيات الحديثة، فعروض الويست إيند وعروض برودواي حملت في مجال التقنيات الحديثة دهشة وانبهارا لمشاهدها لم يكن متاحا قبل ذلك. وكانت العروض الموسيقية لمسرحيات من أمثال الشعر 1957 و مسرحية يا لها من حياة حلوة 1963 السبَاقة في كشوفاتها التقنية.

وعلى الرغم من ان المسرح البريطاني لم يشهد نهضة تقنية تستحق الاشارة الى نهاية حرب العالمية الثانية، لكن بعد ذلك استمد كبار المصمين في المسرح والأوبرا الإلهام في خلق وإبتكار تقنيات جديدة أستخدمت من قبل المخرجين الشباب في الستينات من أمثال بيتر هول وتريفور نان وجون كاريد.


إن التتقينات الحديثة تمثل في جوهرها تحقيقا لخيالات ورؤى المسرحيين الاوائل ممن كانوا يسعون الى تجديد المسرح شكلا ومضمونا.

على المخرج ان يكون مطّلعا على المنجزات العملية في عصره، ويكون على وعي بانجازات الباحثين في مختلف مجالات العلوم. ان المخرج والتتقنين في عصرنا الحالي لايمكن أن يعيشوا بمعزل عن التطور العلمي والتكنولوجيا الذي غزت ميادين الحياة. وكلما كان إطلاع المخرج عميقا وشاملا كلما اصبح بمقدوره ان يجسّد أفكارة وتصوراته وحلوله الإخراجية بسهولة وبسبل فنية مدهشة و ساحرة. وكلما كان المسرح بمعزل عن التقنيات الحديثة أو غافلا عنها كلما أكتنفت لغة العرض صعوبات في التنفيذ والتحقيق.

ان لغة العرض شهدت تطورا كبير، لم يكن ليدور في خلد الرواد الاوائل من المجددين، فقد ادهشني عرض في الرقص على أحد مسارح ستوكهولم كان ينقل أجزاء مكملة من نفس العرض على مسرح في امستردام بتقنية بارعة و في مونتاج مبهر حيث ان المشهد الذي كان يجري أداءه على مسرح أمستردام، كان يشكَل جزاء حيا من عرض استوكهولم.

ولا يمكن إنكار حقيقة وجود مخرجين مبدعيين عملوا ويعملون بمنأى عن إستخدام التكنولوجيا المعقدة، الى هذا الصنف ينتمي على سبيل المثال، كروتوفسكي وبرووك في العصرالراهن، لكن تجاوز بعض المخرجين في اوربا التكنولوجيا والعمل بمبدأ الحد الادنى في العرض المسرحي لا يعني بالضرورة، الطلاق النهائي مع التكنولوجيا، فحتى في هذه الحال نرى ان كل شئ بإستثناء لغة العرض القائمة على الفضاء الفارغ عند برووك مثلا مرتبط إرتباطا وثيقا بالتطور التكنولوجي الحاصل في ميادين التقنيات المسموعة والمرئية، ناهيك عن مجالات التسويق والاتصال بالنظارة وبمختلف مسارح العالم وقطاعات الثقافة.

ففي آخر عرض شهدته لبيتر برووك في ستوكهولم في خريف عام المنصرم، شهدت كيف ان العرض البسيط العاري من كل التقنيات و باللغة الفرنسية، تصاحبه شاشة الترجمةـ فلم تعد اللغة حاجزا كبيرا أمام العرض المسرحي بفضل تقنيات الترجمة.

ومن الواضح ان الانتاج المسرحي بإعتماده على تقنيات الكومبيوتر قطع شوطا كبيرا في التنفيذ المتقن والسريع. في، حيث يتم برمجة المشاهد والضوء والموسيقى والصوت بطريقة يسيرة، مما يسهل إنتاج المسرحيات الطويلة الصعبة التنفيذ بأسابيع معدودة من المران والتدريب.(1)

لعل إستخدام الكومبيوتر في مجالات الانتاج يعتبر اهم خطوة بعد اكتشاف الطاقة الكهربائية. فقد أصبح بإمكان فنان السينيوغرافيا ان يجسد نموذجه على شاشة الكومبيوتر وان يدخل عليه الممثلين وهم يتحركون وإختبار مدى إمكانية تغيير وتبديل المناظر عمليا،كي يصل الى نتيجة مضمونة قبل تنفيذ النموذج على الخشبة، والشئ نفسه ينطبق على الضؤ. اما بالنسبة لمصمم الازياء فقد حقق الكومبيوتر نجاحا في هذا المجال ايضا حيث يستخدم فنان الازياء صورة الممثل نفسه ليجرب معه مختلف أنواع الازياء وصولا الى الزي المناسب.
تعلق جوليان هلتون : انسحب المسرح الهروبي الى مجال السينما والتلفزيون منذ ظهورهما وهزيمة المسرح تقنيا !.. (2) على الرغم من تأكيد الدكتور كمال عيد , بدوره, ان هنالك ثلاثة عناصر مهمة فقط في العرض المسرحي هي المناظر المسرحية والأضاةء والأكسسوارات (3),ويعود الفضل ربما للوسائل الميكانيكية السينمائية في صياغة المسرح الحديث (4),الا ان المسرح يسخر من هذه الأمكانيات المادية (5), فالفن المسرحي فن تراكمي يمكن ان يجمع كل تقنيات الفنون الأخرى ويطوعها (6).





رواد التكنولوجيا في المسرح المعاصر


يوسف سفابودا:1920- 2002

المصمم التشيكي سفابودا صمّم و اخرج أكثر من 700 عمل مسرحي، منهدس معماري اصلا، مخترع المصباح السحري على المسرح، مؤسس الستائر المتعددة أو المضاعفة، إلى جانب عدد من التقنيات البصرية والسمعية.
نجح سفابودا في جعل الضؤ وسيلة مادية ملموسة، ذا قصد نحتي تجسيدي، وذلك بإستخدام العاكسات (بروجيكشن).
لقد نجح سفابودا في خلق تشكيلات مسرحية على شكل مونتاج مؤلف من الممثلين و الصورة المنبعثة من العاكسة، لينتج بذلك مشهدا ملئيا بالحيوية.
لم يكن هدف سفابودا في عمله يقتصر فقط على خلق صورة مسرحية كإنعكاس للضؤ المنبعث من العاكسة، بل كان نجح في خلق مشاهد نحتية مجسّدة، مفعمة بالحيوية والعنفوان الدرامي.
ومن التقنيات المهمة التي أبتكرها سفابودا إستخدام المكعبات في صف واحد، على شكل جدار، وفي كل مكعب كان ثمة بروجكتور يعكس الصورة على النظارة بهدف خلق عمل حي متحرك لفن العرض.
كان هدف سفابودا يتلخص في السينوغرافيا الحية والتي هي الاخرى الى جانب الضؤ والموسيقى يجب ان تشارك في الفعل المسرحي، أو أن تكون في حركة دائمة ولا ينبغي أن تقتصر الحركة على الممثلين فقط.
لعلنا لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا سفابودا أهم مبدع ورائد ومطبق، بعد آبيا في مجال استخدام الضؤ وفي إبتكاره مفهوم السايكوبلاستيك وهو مفهوم يعتمد التقنيات العلمية الحديثة في تجسيد العلاقة بين الابعاد الثلاثة للفضاء المسرحي، وعلاقتها بالحالة النفسية والشعورية وبالنظارة في نفس الوقت. وفي رأيه ان مهمة السينوغراف تكمن في أستخدام هذه العناصر مجتمعة في وحدة واحدة، في بعد رابع يسميه الزمن- الفضاء، بما أن الحركة على المسرح تتطلب فضاء وزمنا.
إن منجزات سفابودا في مجال إستخدام التقنيات الحديثة في مجال ربط الفضاء الدرامي والزمن الدرامي والإيقاع الدرامي والضؤ الدرامي تعتبر من أهم إنجازات النصف الثاني من قرن العشرين.






روبرت ولسون

إن المخرج الاميركي روبرت ولسون منهدس معماري ومصمم ديكور في المقام الأول، فهو عمله في الاخراج من التكوين المعماري والبصري للعرض قبل كل شيء ويساعده في تنفيذ ذلك خلفيته الثقافية كمعماري، ودرايته الواسعة في إستخدام التقنيات الحديثة، بالإضافة الى إعتماده على فريق كبير من أمهر التقنين في مختلف التقنيات المطلوبة في العرض المسرح … وإذا وضعنا جانب الانتقادات الموجهة إليه في هذا الصدد والتي تتلخص بطغيان الجانب البصري في عروضه على حساب النص والمضمون، فإن لروبرت ولسون طريقة متميزة ولغة فنية خاصة به فهو يقول :
إنني أفكر في إعدادي الصور و التصاميم والرسوم البيانية، لكن ليس الهدف من الصور تصوير النص. وقد اعتاد ولسون على النقد المألوف الذي مفاده كيف يقوم المخرج برسم العرض قبل أن يلتقي بالممثلين، أو كيف يتم رسم الصورة والميزانسين دون وجود الممثل، وفي هذا الصدد يقول :
إنه مسألة تنظيم معماري في الزمن والفضاء، ولا يهم إن كان هناك ممثلون أو لا! فالضوء يتحرك، والأدوات المستعملة على المسرح تتحرك، إنها مسألة التوقيت، إنه البنيان (البناء) في الفضاء، لذلك أعتقد، إنه المعمار، أي بناء الشيء، سواء كان ذلك عند موزارت أو فاغنر أو شكسبير، باختصار إنه الأداء على أسس الرقص، دون الاكتراث بالبناء الأدبي للنص، فالقيمة البصرية تحل محل القيمة الأدبية دائماً. وعليه فإن الغرض القائم جمالياً لا يمس من قبل الجمهور، ولسون يحتفظ بخط البروسينيوم والمعمار التقليدي للمسرح ويسعى أن يقيم المتفرج علمه المسرحي هناك على مسافة.
يبدأ ولسون عادة تمارينه بتنظيم ورشات عمل مع ممثليه لإلغاء المهمة الشفوية للعمل المسرحي، وغالباً ما تحدد متطلبات عمل الورشة باحتياجات الممثلين الفردية، لكن الورشة تحتوي دائماً على حركات جسدية عامة، يؤديها الجميع للعمل المسرحي.
وبرغم الخطوط العامة والسمات المشتركة لأسلوب ولسون، فإنه دائماً يبتكر شكلاً متميزا غير مألوف للعرض. ففي مسرحية "ماكنة هاملت" لهنري ميللر القصيرة، كان المؤلف قد خطط للعرض كي لا يتجاوز 15 دقيقة، لكن العرض في معالجة ولسون استغرق ساعتين ونصف، حيث وزع حوار المسرحية على الممثلين بشكل عشوائي، مما أعطى للعرض طابعاً سريالياً صرفاً.تشكل الموسيقى في الغالب عنصراً مهماً في العرض من البداية وحتى النهاية، ثم هناك الكلمات التي تدخل العرض بشكل متقطع.
إن السينوغرافيا في عرض ولسون المذكور تتضمن، بالإضافة إلى الهيكل المعماري، الصور المرسومة على الستائر، السلايدات المنفذة بدقة، بحيث تدخل البناء المعماري في إيقاع واحد مع الموسيقى والأداء المؤسلب المتأثر بروح المسرح المشرقي (نو اليابان. (7)

روبرت ليباج

يتمتع المخرج الكندي روبرت ليباج، الملقب بساحر المسرح، بشهرة عالمية واسعة وحضور دائم في معظم المهرجانات المسرحية. ويحتل اسمه حالياً مكانة مرموقة بين أسماء أهم خمسة مخرجين مسرحيين بعد جيل بيتر بروك، وهم الأمريكي روبرت ويلسون، والألماني بيتر شتاين، والروسي ليف دودون، والفرنسية أريانا منوتشكين.
ويشارك هذا المخرج، الذي ولد في مدينة كوبيك عام 1957 ودرس المسرح فيها قبل أن ينتقل إلى فرنسا، الأمريكي روبرت ولسون في ريادة ما يسمى بالمسرح البصري.

ولعل الاستشهاد برأي المخرج الإنكليزي المعروف ريتشارد إر يساعدنا في الدخول إلى عالم ليباج المسرحي، وفهم أسلوبه الإخراجي، فهو يقول: "إن ليباج يحوّل المكان العام إلى مكان سحري، والمكان السحري إلى مكان واقعي سهل المنال، وليباج ممون أحلام، والأمر المحفّز بالنسبة إليّ أنه يعمل بلغة ومفردات تنتمي إلى لغة العرض".

يقول ليباج ان التطور التقني جعل من المسرح يعيش عصر نهضة جديدة، فبالنسبة اليه ساعده هذا التطور في خلق الشكل المطلوب على المسرح، وفي تجسيد التصور الاخراجي بمساحة واسعة من الحرية.
تتسم أعمال ليباج المنجزة أسلوبه الإخراجي أفضل من تلك الأعمال التي يقدمها على المسارح الأوروبية كمخرج ضيف، حيث يعمل مع ممثلين من مدارس تأهيلية مختلفة، ضمن عقود مع مؤسسات مسرحية وتحت ظروف فنية مختلفة.
وفي حين تتمتع "إكس ماشينا" بوحدة فنية في الأسلوب ومنهج صارم في التدريب والمران والعمل الدؤوب في الابتكار، يتم خلالها إنتاج أعمال مسرحية مدهشة بغية عرضها في المهرجانات العالمية وهي في أوج تكاملها.(8)













الهوامش

(1) د. فاضل الجاف-مخرج وباحث مسرحي-مستشار وزير الثقافة في كردستان العراق- في المسرح السويدي المعاصر ... أفكار وآراء نقدية-جريدة الصباح الجديد- العدد 1556 في 25-10-2009

(2) هلتون,جوليان-نظرية العرض المسرحي-القاهرة- هلا للنشر -2000 –ترجمة نهاد صليحة-ص 257

(3) عيد,د. كمال- سينوغرافيا المسرح عبر العصور-القاهرة- الدار الثقافية للنشر-ص 19

(4) مليكة, لويس-الديكور المسرحي –القاهرة- الدار المصرية 1966-ص 111

(5) ابراهيم,د. حمادة-التقنية المسرحية –القاهرة مكتبة الأنجلو ص 137

(6)الطرق المختلفة في رسم المنظور المسرحي – ص 9

(7) د. فاضل الجاف-المصدر السابق

(8) د. فاضل الجاف-المصدر السابق



#سرمد_السرمدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجريب في سينوغرافيا العرض المسرحي
- حول المسرح الطبيعي
- المخرج المسرحي الفرنسي أنتونان آرتو
- بسكاتور والمسرح السياسي
- مدخل للفرق بين العلم والفلسفة
- الجمال في فلسفة ابن عربي
- الأداء التمثيلي المسرحي عبر العصور
- التمرد في دراما الفن المسرحي
- غروتوفسكي المخرج المسرحي البولندي
- -هيبياس الأكبر- أهم المحاورات الأفلاطونية
- مسرحية لعبة الحلم لأوغست سترندبرغ
- الجمال في بنية التقنيات المسرحية
- المخرج ريتشارد فاجنر
- مفهوم القبح في الجمال.
- المسرح في الصين
- المسرح في العصور الوسطى
- من أجل ثورة عراقية زرقاء ام سوداء ؟
- الفنان كالسياسي كلاهما في سجن بول بريمر
- في المسرح العراقي لا صوت يعلو فوق صوت المعركة !
- اغتيال طاهرعبد العظيم الفنان التشكيلي المصري


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرمد السرمدي - التكامل التقني في العرض المسرحي