أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عهد صوفان - كل شيء عندنا مقدس















المزيد.....

كل شيء عندنا مقدس


عهد صوفان

الحوار المتمدن-العدد: 2948 - 2010 / 3 / 18 - 19:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ارتبط المقدس قديما بالغيبيات أي بالأشياء غير المحسوسة أو الملموسة وكون القداسة صفة روحية وعالية تحمي صاحبها من التطاول والازدراء وترفع القيمة وتعلي الشأن. لذلك كانت تطلق للحماية من الآخر..وهي أقصر الطرق لإيقاف النقاش والبحث. فالمقدس عند أغلب الناس لا يناقش فيه لأن النقاش يمس عظمته ورفعته ومن هنا ارتبط المقدس بالغيبيات لأنه يمنع المساس بماهية الغيب ويبقي صورته كما قدمت لنا..فلا يحق لنا أن نسأل أين الله؟ كيف صنع الإنسان؟ ولماذا؟ لماذا أرسل الأنبياء ولم يختصر الطريق ويرسل نبي واحد برسالة واضحة جلية غير قابلة للتأويل؟ وبالتالي فالمقدس يطلب منا أن نسكت وألا نناقش لأنه لا يمكن التدخل بإرادة الله فهو الأعلم بما يفعل وهذا خارج عن نطاق فهمنا وقدرة عقلنا .لا يمكن أن ندخل تفكير الخالق لنعرف كيف هو يفكر...إذن فكرة القداسة لأي شيء هي فكرة تلجم التفكير وتوقفه عند حدود مرسومة ومحدودة لا يجوز تجاوزها..فمنذ القديم تم حراسة هذه الفكرة وحمايتها ضمن منظومة قيم اجتماعية تمنع الاقتراب والتطاول وفي كثير من الأحيان تمنع حتى الحديث أو السؤال. فكثيرة هي الأسئلة المحرمة والأفكار المحرمة لأن تجاوزها قد يعني أن تحل اللعنات والمصائب..وقد نَمَت هذه الفكرة تاريخيا وأصبحت سلاحا بيد المتسلطين لحماية تسلطهم بمنع نقاشهم أو سؤالهم, وساعدتهم هذه الفكرة في أن يصفوا أنفسهم بالآلهة أو أبناء الآلهة وبالتالي تجنبهم للمساءلة أو سؤالهم عن أي شيء يفعلونه. إن وصف الديني بالمقدس فهذا قد يكون مقبولاً لأنه إن لم نر الأشياء فلا يعني ذلك عدم وجودها وبالتالي الإقتناع بالغيبيات الدينية أمر فيه وجهة نظر.أما أن يكتسب الحاكم صفة القداسة ومكانتها فهذا أمر غير مقبول.ولكن الحكام استمرأوا هذه الفكرة.ومن هنا نمت فكرة استعباد الشعوب وإذلالها وتسييرها حسب مشيئة الحاكم الإله..تطورت بعد ذلك بين الناس ولكن بألقاب ومفردات مواربة, أي لا تطلق صفة القداسة بشكل مباشر فالابن لا يجوز له مناقشة أبيه أو أي قريب بمقام وعمرأبيه, لأن الأب صورة الخالق في البيت وأحيانا يقولون ((غضب الأب من غضب الرَّب)) أي لا تغضب أباك وإن كان على خطأ وقديما لا يناقش الأب نهائيا بل المطلوب أن تسمع ما يقوله الكبير وتنفذه فقط..
إذاً انتشرت فكرة القداسة في مجتمعنا بشكل كبير وواسع جدا وفي كل المجالات و لكن بأسماء مختلفة لها نفس المضمون لأن لفظ القداسة ارتبط بالله فقط...
فمثلا زعيم القبيلة يمتلك صفات توازي القداسة عند الله فهو يتكلم والجميع يسمع ويطيع يقف له طالبا مشورته ورأيه. لا يخالف له رأي.لا ينفذ شيئ دون أمره فهو المطاع على الأرض وتحت مسميات الاحترام- شيخ القبيلة – التقاليد والأعراف.....
فالاحترام مطلوب وضروري ولكن أن نخلط بين الاحترام والطاعة العمياء شيء آخر...إن إدخال مفهوم المقدس عطل العقل لأنه منعنا من النقاش والكلام, وطلب منا أن نأخذ الأمر من صاحب الأمر وننفذه فورا....لقد توسعت حدود القداسة عندنا فكما للإله ذات إلهية مقدسة لا يجوز الاقتراب منها والتطاول عليها أصبح للرئيس ذات مقدسة أيضا لأنه ممنوع الاقتراب منها والتطاول عليها. ففي بعض الدول يقولون: لا يجوز الاقتراب من الذات الإلهية والذات الأميرية والصحابة أيضاً فهذا خط أحمر..أي أن ذات الله نفس ذات الملك أو الأمير ونفس ذات الصحابة وأحيانا يحق لك أن تتكلم في كل شيء إلا السياسة لماذا؟ لأنها عمل النظام ولا يجوز الاقتراب من النظام إذن النظام أصبح مقدسا..وقد يعترض البعض ويقول من قال لك أن النظام عندنا مقدس وهل سمعت أن نظاما يوصف بالمقدس؟ وأنا أعلم أن النظام لا يوصف بالمقدس لغويا ولكن عمليا ومضمونا هو مقدس وأحيانا قداسته الفعلية تجاوزت قداسة الله الفعلية والدليل أنه عندما يتطاول أحدهم سبا على الله فإنه قد يعاقب أو لا! وفي أغلب الأحيان لا يحدث له شيء. بل إن سب الله أصبح عند البعض عبارة لا شعورية لأنه لا عقوبة عليها الآن. أما انتقاد الرئيس فيؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها كذلك فإن انتقاد بعض الأنبياء يؤدي إلى عواقب أشد من انتقاد الله..إذن القداسة ليست لفظا فقط بل صارت عملا ومنظومة فكرية بعض بنودها غير مكتوب ولكنها تطبق بصرامة وقوة.
فكرة القداسة سهلت على الحاكم طريقة الحكم ويسرت له فعل ما يشاء لأنها عملت على إيقاف العقل وبرمجته لكي يستجيب للأوامر فيتلقى الأمر وينفذ. هذا التعطيل المتعمد لعقولنا انعكس سلطة وسلطانا للحاكم وتخلفا لنا وهذه العلاقة الطردية حولت الناس إلى مجرد قطيع يقاد كما يشاء الحاكم فيموت الإبداع والابتكار والكبرياء ويصبح همُّ الناس فقط البحث عن لقمة العيش وسترة الحال.....السلطة كانت مغرية للحكام وجذابة إذ وضعتهم بمصاف الآلهة أمام شعوبهم ودرءا لأي خطر يطال هذا المقام الرفيع العالي تفنن الحكام واجتهدوا في البحث عن كل السبل التي تقوي سلطانهم فشرعوا الدساتير والقوانين التي تحميهم وتبقيهم مدى الحياة حكاما بل وبدأت تحصر الحكم بنسلهم من بعدهم ...قرأوا الأديان جيدا واستفادوا من فكرة القداسة في هذه الأديان و استخدموا الأديان نفسها لزيادة تخدير العقول لإسكات كل صوت والقضاء على الأفكار المخالفة لهم قبل ولادتها.والكلام على الحكام ليس مقتصرا على حكامنا بل الآخرين لم يقصروا وكان لهم بأس شديد في هذا المجال فكلنا قرأ وسمع عن الظلم والقهر الذي تعرض له الأوربيون من حكامهم في القرون الوسطى والمجازر التي ارتكبوها بعد أن استعاروا القداسة الإلهية وتقمصوها ووصفوا أنفسهم بألقاب وأوصاف إلهية.باسم الله عذبوا وظلموا ومارسوا الفساد. فسمحوا بزيادة التدين لأن زيادة التدين تزيد الزهد في الحياة المادية وتقتل الإبداع والفرح..وعندنا لا يختلف الأمرنهائياً حيث أقنعونا دينيا بأن كل شيء مقدر ومكتوب لكل واحد وبالتالي لا تتعب نفسك للحصول على أي شيء فإن كان مكتوبا ومقدرا ستناله حتى وإن كنت نائما ستناله أيضاً..تصوروا سريان هذه الفكرة في المجتمع.. القضاء والقدر وكل شيء مقدر..كيف يكون كل شيء مقدر؟؟ وكيف يكون الثواب والعقاب إذا؟ إذا كان مقدرا عليك أن تقتل شخصا وقتلته كيف يمكن لله أن يحاسبك وهو الذي قدر لك فعل القتل؟ وما هي مسؤولية البشر أمام الله إن كان الله قدر عليهم كل شيء؟ هذه الأفكار والاعتقادات كانت واحدة من الأساليب والطرق التي روجت لها الأنظمة ...
هذه الأفكار المخدرة للعقل استأسدت علينا تحت شعار المقدس لأنه لا يمكن النقاش بالمقدس ولا بأي فكرة تنسب لله حتى وإن كانت فكرة خاطئة واضحة وضوح الشمس بمجرد أن تنسب كلاما إلى الله على الجميع أن يصمت ويقبل.
فعندما يريدون ترويج أية فكرة تنسب إلى الله أو الأنبياء فتصبح مباشرة مقدسة وطاعتها واجب ديني ... وقد وصل الأمر لدرجة تقديس التراب والأحجار.
فالأرض عندنا مقدسة وأرض غيرنا غير مقدسة.أرضنا صحار رملية مغبرة حارّة لا ماء فيها ولا زرع ولا حياة ومقدسة وأرض الآخرين سهول خصبة وأشجار وزهور وطيور وجبال وأنهار وهواء عليل وهي غير مقدسة. بهذه البساطة تنقلب المفاهيم والقيم والكثيرون يقبلون ذلك ويعتقدونه الحقيقة.لأن العقل المخدّر لا يميز ولا يحلل بشكل منطقي فيقبل التاريخ كما كتب دون تحليل وتدقيق فالمجرمون يصبحون أبطالاً وأنبياء وأتقياء.فيتحول المجتمع إلى بيئة حاضنة لكل الأساطير والخرافات..



#عهد_صوفان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كذبة اسمها العروبة 2
- اكذوبة اسمها العروبة 1
- الكتابة ليست ترفاً فالكتابة كلمة والكلمة بداية
- الغزوات الاسلامية قراءة أخلاقية
- أيديولوجيا الفساد بين القبلي والديني
- رسالة إلى وطني
- الناسخ والمنسوخ في القرآن
- لماذا نحن متخلفون ؟هذا هو السؤال
- النقد المجرد والطريق الى الحقيقة
- بالطفولة نبني الوطن أونهدمه
- بناء الانسان هو لبنة بناء الأوطان
- هل تؤمن الدولة العربية بالدستور
- الواقع والدين


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عهد صوفان - كل شيء عندنا مقدس