أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - نحن والوطن















المزيد.....

نحن والوطن


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 2944 - 2010 / 3 / 14 - 19:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المفهوم الشائع للوطن والوطنية، يجعل من الدولة وقياداتها ليس فقط ممثلة للوطن، بل هي الوطن ذاته، ويتم الإيحاء بأن الولاء التام والأعمى لشخوص وتوجهات المسيطرين على مقاليد الأمور، هو عين الوطنية، وما عدا ذلك خيانة صريحة، أو على أحسن الفروض يعد من قبيل عدم الانتماء للوطن.
وفقاً لهذا التفكير يكون انتماء الإنسان الفرد للوطن أو بالأصح للدولة، باعتبار الوطن الكيان الواحد الذي يجمع الأفراد في وحدانيته، ويعني هذا أن يكون الإنسان الفرد جزءاً من كل. . كسراً عشرياً أو اعتيادياً من مجموع أبناء هذا الوطن، ويترتب على هذا تلقائياً أن يكون له ذات النسبة من الحقوق لدى الوطن (الدولة)، التي يتصاغر الفرد أمامها ليأخذ مجرد حجم الكسر العشري الذي يمثله. . ينسحب هذا بالطبع على أوضاع الأقليات دخل الوطن، إذ تسجن هذه الأقليات داخل نطاق نسبتها السكانية. . لا عجب هنا إذا استكثر البعض على الأقباط مثلاً أوضاعهم الحالية، رغم أنهم في العديد من مجالات الحياة يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، كما ينظر للبهائيين أيضاً باستخفاف لا يليق حتى بالحيوانات الأليفة التي نربيها في بيوتنا، لمجرد أنهم بضع مئات أو حتى عشرات من المواطنين. . هذا هو الجذر الفكري للدول الشمولية، التي تسحق الفرد والأقليات باسم الأغلبية والمجموع، فعلى الفرد والأقلية أن ترضخ لما تقره الأغلبية، ولا بأس أن يتم القهر تحت مسمى الديموقراطية، في مغالطة وخلط فادح للمفاهيم.
الحقيقة أن هذا المفهوم الشائع للوطنية، موروث عن مرحلة القبيلة، التي كان الفرد يستمد وجوده وكيانه منها، وكان إذا ما طرد لأي سبب منها، يهيم على وجهه كالحيوانت الضالة، ما لم يستجر بقبيلة أخرى، يعيش عليها لاجئاً أو متطفلاً. . وكان من الطبيعي أن يترك هذا المفهوم للانتماء ظلاله عند تأسيس الدول الحديثة، فتم النظر للفرد ذات النظرة التي كان ينظر بها إليه في المفهوم القبلي. . وقد رسخت النظريات الشيوعية والاشتراكية هذا المفهوم، الذي تطرف في بعض الحالات، ليعد الفرد صفراً، مقارنة بالمجموع أو المجتمع، أو بقوى الشعب العاملة، أو ما شابه ذلك من التسميات والمفاهيم، التي شاعت فيما نعرفه بعصر الحداثة.
مع ظهور الفلسفات والرؤى التي تعلي من قيمة الفرد، والذي أسندت له الفلسفة الوجودية مثلاً معيار قياس الصواب والخطأ، وهو ما نجد له جذوراً في تعاليم السيد المسيح، التي جعلت الإنسان الفرد هو الرقيب الوحيد على ضميره، بكونه الوحيد القادر على تحديد متى تعثره عينه أو يده، أو متى نظر إلى امرأة ليشتهيها، وليس مجرد نظرة بريئة عادية. . هذه النظرة الجديدة التي تحفل بالفرد، وترتب عليها تعاظم شأن مواثيق ومعايير حقوق الإنسان، شكلت نظرة جديدة إلى العلاقة بين الفرد والمجموع، أو بين الفرد ومفهوم الوطن. . ليصبح الانتماء هو انتماء الوطن للمواطن وليس العكس، فالمواطن الفرد هو الواحد الصحيح، وليس كسراً عشرياً من مجموع، يترتب على هذا أن يكون الوطن كله ملك للمواطن الواحد الفرد، بالطبع الملكية الكاملة للوطن ليست حكراً على فرد واحد أو طائفة واحدة، مهما كبر عددها أو صغر، ولكنها ملكية كاملة لكل فرد من أفراد الوطن، كل منهم لدية وطن كامل، لا يحق لأغلبية أو أقلية أو حاكم فرد أو حتى حكم ديموقراطي، أن تنتقص من حقوقه فيه، أو من تحقيق الفرد الكامل لذاته وحريته، ليحيا ويفكر بالطريقة التي اختارها لنفسه داخل ملكه الخاص (الوطن)، مادام لن يفسد بممارساته حقوق باقي أفراد الوطن، في امتلاك ذات الوطن كاملاً، كمجال حيوي لتحقيق ذواتهم جميعاً، والاستمتاع والانتفاع بما يمتلكون على أكمل وجه.
يترتب على هذا المفهوم ما بعد الحداثي والعلماني للمواطنة أيضاً بطلان دعاوى عديدة، راجت في ظل المفاهيم المثالية، منها قهر الشعب لصالح حكومة قوية تحقق قوة الوطن وسيادته في مواجهة الأوطان الأخرى، فهنالك حتى الآن من يتحدثون عن مجد الاتحاد السوفيتي السابق، متجاهلين أن الشعب كان يرزح في قيوده، هؤلاء في الحقيقة يتحدثون عن مجد كيان مثالي متخيل هو كيان الوطن أو الدولة، ومن المنطقي وفقاً لهذا المفهوم، والذي فيه تنتمي فيه الجماهير للوطن، أن نعترف أن هناك مجداً حقيقياً لوطن مهاب يمتلك القنابل الذرية والصواريخ العابرة للقارات، ويحق للمنتمين لهذا الوطن أن يستشعروا الفخار والسؤدد، رغم الهوان والقهر الذي يرزحون تحت نيره. . لكن هذا المجد المدعى يصبح هلاوس خالية من المضمون في ظل مفهومنا الجديد للمواطنة، والذي يستبعد الأفكار المثالية والكيانات المتسامية من ساحة العلاقات المادية الحياتية، ليعتمد النهج المادي، الصالح وحدة لتحديد العلاقات بين الحقائق العيانية، العلاقات بين الوطن الحقيقي المادي كمساحة جغرافية وثروات ومأوى ومجال حيوي لسكانه، وبين الإنسان الفرد الموجود هنا والآن، والذي تربطه بالوطن علاقة ملكية، هنا تكون دواعي المجد والعز والحرية، هي ما يعود على الإنسان الفرد بهذه الأوصاف، ويكون الشعب الروسي الآن يعيش عصراً ذهبياً، مقارنة بحياته خلال ثلاثة أرباع قرن مضت، رغم أن دولته لم تعد مرهوبة الجانب، كما لم تعد قوة عظمى أو إمبراطورية اشتراكية ممتدة باتساع الكرة الأرضية.
نفس هذا يقال عن الشعب العراقي، المرشح لأن يتنسم الآن الحرية والمجد الحقيقي، بعد تجاوزه مرحلة الاقتتال الطائفي، بامتلاك مصيره بين يديه، بحكومات ينتخبها للمرة الأولى في تاريخه، رغم أن دبابات قوات التحالف مازالت رابضة على أرضه، لحماية العراقيين من الإرهاب، ومن تدخلات الدول المجاورة المسماة شقيقة. . من يتباكون الآن في أنحاء عالمنا العربي على كرامة العراق وسيادته المهدرة، محقون وفقاً لتصوراتهم العتيقة، فقد ضاعت فعلاً كرامة الصنم المتسامي الذين يتعبدون له، والذي يتصورون أن شعب العراق ينتمي له، سواء تسمى هذا الصنم بمسمى الدولة العراقية، أو رمز له بالقائد الملهم صدام حسين. . لقد سقط فعلاً هذا الصنم بسقوط تماثيل صدام في ميادين المدن العراقية، وضرب بالنعال مع صور صدام، أما العراق العلماني الجديد، فهو عراق آخر، عراق لا يمتلك أحداً ولا ينتمي له أو لحكامه أحد، وإنما هو عراق ملك لكل فرد عراقي، هو وطن جديد ينتمي لشعبه ويتسمى باسمهم، يحققون بامتلاكه ذواتهم وإنسانيتهم.
لا يعني هذا بالطبع عدم الاكتراث باحتلال الوطن من قبل قوى أجنبية، فهي تشكل فعلاً انتقاصاً من سيادة أي شعب كأفراد وبالتالي كمجموع، لكننا في معرض المقارنة بين نقيضين، كمثال لتوضيح الفكرة، نرجح سيادة الفرد الذي هو الأساس، على أي اعتبارت أخرى، يمكن أن تنتقص من حقوق الفرد الحيوية والطبيعية. . نقول هذا رغم أن اليابان وألمانيا غير منتقصتين السيادة، بتواجد القوات الأمريكية على أراضيهما، والقياس طبعاً مع الفارق، المهم من وجهة نظرنا هنا، أن يكون معيار السيادة هو أفراد الشعب، الذي لابد وأن يترتب عليه سيادة الوطن ككل، وليس سيادة الكيان المتسامي المتخيل، على حساب السيادة الحقيقية للشعب.
العلاقات بين أفراد الشعب وطوائفه وأعراقه وأحزابه، علاقات التنافس في الساحة السياسية والاجتماعية بين كافة القوى باختلاف تصنيفاتها، هذه تختلف في المفهوم القديم للوطن، عن المفهوم العلماني الجديد، أي مفهوم انتماء الشعب للوطن أو انتماء الوطن لكل فرد من أفراده، فهي في الأولى علاقة صراع للسيطرة، فكل فئة تسعى بقوتها المادية أو العددية، لكي يتمثل فيها الوطن دون باقي الفئات، لكي تقول كما كان يقول ملوك أوروبا قبل عصر التنوير "أنا الدولة"، وكما تصور أمثال صدام حسين وعبد الناصر، ما دفع السادات لأن يقول أنه "رئيس مسلم لدولة إسلامية"، ويكون والحالة هذه على باقي الفئات الضعيفة أن تحيا تحت جناح الفئة المسيطرة، وأن تقبل ما يقدم لها على سبيل الصدقة أو من قبيل التسامح. . ينعكس ذات المفهوم العتيق على الفئات الأقل قوة، إذ تسعى هي الأخرى إلى الصراع، إن لم يكن للسيطرة، لامتلاك أكبر قدر ممكن من كعكة الوطن، ليتحول الوطن إلى ساحة للصراع والبغضاء والنزاع، بدلاً من أن يكون ساحة للتعاون والتناغم والبناء الحضاري.
أما في المواطنة العلمانية وفق المفهوم الجديد، حيث كل فرد يمتلك الوطن بكامله، فالعلاقات بين الفئات لا تتسم بالصراع، وإنما بالحوار لاكتشاف أفضل السبل لتحقيق الامتلاك الكامل لكل فرد وكل طائفة، والتنسيق حتى لا تتصادم ممارسات الملكية الكاملة لأي فرد أو جماعة، مع حقوق الآخرين في ممارسة ملكيتهم.
ما تقدم بعض الأمثلة بقدر ما أتاح لنا المجال، لما يترتب من اختلاف بل انقلاب، نتيجة للتحول من المفاهيم القديمة، إلى مفاهيم علمانية جديدة، في شتى المجالات الحياة. . حياة جديدة يتسيد فيها الإنسان الفرد، ممتلكاً مصيره بين يديه، ويمتلك وطنه، بل ويمتلك كوكب الأرض كله، ملكاً فردياً خالصاً، لي ولك ولأبنائنا وأحفادنا.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإخوان واستراتيجيتهم الحربائية
- -عنزة ولو طارت-
- هل نعشق الحرية؟
- المرأة والرجل والسيرك
- محاولة اختطاف البرادعي
- تشريح جثة التخلف
- كتاب كمال غبريال: العولمة وصدمة الحداثة
- حركة كفاية والمهزلة الحنجورية
- إشكالية الفتاوى الدينية
- أزمة الإنسان الشرقي
- فرصة ذهبية للمشاركة
- تجفيف منابع الغوغائية
- بين الماضي والحاضر
- الأقباط وهندسة رد الفعل
- خبراء الزمن الأغبر
- العقاب وحده لا يكفي
- أخطاء وخطايا شائعة
- النظام المصري والشرعية التوافقية
- مشكلة التدين في مصر
- عودة الأقباط إلى الساحة


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - نحن والوطن