أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باقر جاسم محمد - مستويات تحليل الخطاب الشعري - عبدئيل- الشاعر موفق محمد إنموذجا















المزيد.....

مستويات تحليل الخطاب الشعري - عبدئيل- الشاعر موفق محمد إنموذجا


باقر جاسم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 892 - 2004 / 7 / 12 - 06:16
المحور: الادب والفن
    


إذا كان الشعر مما يدرك و لا يعرف فأن هذا يعني أننا نحتكم ، في معرفة الشعر ، إلى تجربة القراءة و ا لتلقي لأن الإدراك و المعرفة إنما يحدثان في نطاق عملية ا لقراءة نفسها. بيد أن هذا الفهم لن يعفينا من محاولة البدء بتعريف ما للشعر على جسامة ا لخطورة التي تنطوي عليها مثل هذه المحاولة. و لسوف نسعى أن يكون هذا التعريف جامعا لمزايا الشعر الفنية البنوية من جهة، و مزاياه الدلالية و ا لتأويلية من جهة أخرى. كما سنحرص على أن يتسم التعريف بالمرونة الإجرائية الضرورية التي تنأى به عن أن يكون تعريفا لاتجاه بعينه في إنشاء الشعر قولا أو كتابة. و انطلاقا من كل هذا، و هو ما يحتوي ضمنا على بعض المنطلقات الفلسفية في فهم التجربة الشعرية التي تعد جزءا أصيلا من التعريف، و نردف بالقول أن الشعر(رؤيا ذاتية مجازية للعالم مصوغة بلغة الاستعارة و المجاز و الرمز بحيث تكون قادرة على إنتاج أثر جمالي كنائي شامل عند التلقي) و هذا يعني أيضا أن المزايا النصية البنوية من استعارة و مجاز ورمز و خصائص أسلوبية أخرى ستكون موضع عناية عند القراءة النقدية التي هي قراءة مختلفة عن قراءة القارئ العادي. و هذه المزايا النصية سينظر إليها على أنها " مولدة " للأثر الجمالي الكنائي ، ذلك الأثر الذي يجمع بين الخصائص النصية و فعالية الذات القارئة و المؤولة للنص في وحدة متفردة نسميها تجربة القراءة الجمالية. و ننبه هنا إلى أن هذا التسلسل( رؤيا ذاتية مجازية للعالم، ثم مزايا فنية و نصية، ثم أثر جمالي و كنائي ) لا يعبر عن تعاقب أو تسلسل منهجي عند التحليل النقدي؛ فلسوف نعتمد المرونة في الانتقال من مستوى تحليل المزايا الفنية إلى محاولة استخلاص الرؤيا الذاتية للعالم و من ثم سنسعى إلى تحديد معالم القراءة التأويلية لمجموعة موفق محمد " عبدئيل " على نحو من الحرية دون التزام بمنهجية التسلسل نفسه.

من الخصائص التي تكررت حتى غدت سمة أسلوبية مميزة لأغلب نصوص المجموعة هي تلك الإهداءات التي تعقب العنوانات . فمثلا كانت " ثلاث قصائد" مهداة إلى ناجح المعموري، و" النهر و المقصلة " الى كريم الموسوي؛ و هكذا تتوالى أسماء رياض محمد و علي النداف و سلمان داود محمد و حسن عمران و أحمد خلف. و نود القول أن هذه الإهداءات تمثل موجهات خارجية للقراءة. ذلك أن قراء المجموعة يمكن أن يكونوا ممن يعرفون الشخصيات التي أهديت لها القصائد، و بعضها شخصيات أدبية مرموقة و لها مواقف فكرية واضحة . كما يمكن أن يكونوا ممن لا يعرف شيئا عن هذه الشخصيات أو يعرف بعضها و يجهل بعضها الآخر. وفي كل الأحوال فأن القارئ سيسعى جاهدا في إستكناه العلاقة بين دلالة النص و ما تبثه شخصية المهدى إليه و ما يرتبط بها من معان . أما من لا يعرفون المهدى إليهم فأنهم سيجدون أنفسهم أمام حقيقة أن العتمة تحيط بمنطقة خاصة من النص لأننا نعتقد أن كل ما يكتبه الشاعر في النص ، و الإهداء جزء منه ،إنما يكون لغاية؛ و هو ينتج دلالة ما تؤثر في التأويل النهائي للنص.
في نص "بيوض العمى " وهو أول نصوص المجموعة وقد أهداه الشاعر إلى ناجح المعموري، نقرأ:
في عيني تفتض الغيوم بكارتها لتبدأ البكاء
و في عيني يضع العمى بيوضه و ينام
فلا غرابة
من هذا المطر المتشح بالسواد
حزنا على رجولته التي يلوط بها اليباب
فلم تعد الأرض أنثى
بل هي الذكر الوحيد الذي يلقح السماء
بناطحات السحاب
لتلد لنا المقابر.
و ليلحظ القارئ كيف أن نسيج هذا النص يحفل بالمجاز و بما يفضي إلى تشكيل صورة كنائية شاملة. و فضلا عن ذلك فأن النص يستمد طاقته التعبيرية من تعاضد ألفاظه التي تمتاح من الإحساس بالفجيعة . فالعمى هو السيد الذي يضع بيوضه كناية عن التكاثر، و المطر يتشح بالسواد متخليا عن الوعد بالخصوبة مما يذكرنا بقول السياب " أتعلمين أي حزن يبعث المطر"، كما أن الرجولة قد ارتدت إلى حالة الاستلاب . و ينتهي النص بلفظة المقابر لتكون ملمحا دلاليا بارزا في هذا النص و نجد ألفاظا من قبيل المقابر و التوابيت و الموت تشيع في نصوص المجموعة لتشكل مهيمنات دلالية تفصح عن حدود الرؤيا الذاتية المجازية المأساوية للعالم. ففي نص " عبدئيل " الذي يحمل سمة خاصة جعلت من عنوانه عنوانا شاملا للمجموعة يضيف الشاعر عناصر أخرى إذ نقرأ :
مر طعم الروح
و طازجة فاكهة الموت
و الخمر جميل و صديق
الخمر طريق
ديناصور أعمى يزحف فوق الروح
الخمر خيول و جروح.


و هنا نلاحظ تكرار لفظة مرتبطة بالعمى . و لكن ما يفتتحه هذا النص هو ذكر الخمر التي تمثل مهيمنة أخرى . و لسوف يرد ذكرها في نصوص أخرى على نحو مباشر أو غير مباشر لتمثل عنصرا فاعلا في توليد المغزى الشامل للنص الشعري عند موفق محمد. فهو يورد تعريفا شعريا طريفا آخر للخمر إذ يقول في " الثلج المقلي ":
فالثورة..
.. .. ...
.. .. .. ..
لا يمكن أن توجد إلا بالخمر
الخمر.. ..
الخمر.. ..
وطن للزاني
و السافل
و القديس .
هكذا تغدو الخمرة رمزا للخلاص النفسي بعد أن صار الخلاص الفعلي مستحيلا. و الواقع أن الخمرة ترمز إلى الروح الديونيزي الذي يسكن قلب النص الشعري ، و هي بذلك تكون العنصر الثاني بعد عنصر الموت الذي يسهم في تكوين الثنائية الضدية المولدة لجدلية النص الشعري . وتتضمن المجموعة إشارات لمسكوت عنه هو فكرة الفداء و الثورة . ففي نص " النهر و المقصلة " يتحول هذا المسكوت عنه إلى عنصر مهيمن آخر إذ نقرأ:
إنا ابتكرنا لغة للموت تفهم بالإشارة
هل كان آدم قبل آدم
من يا ترى لف الجريمة بالجريمة و استراح
من الداء؟
الموت قبل الناي يعزف في عروق الأرض
يبتكر السلالم للصعود الى السماء
الريح تعوي في الجماجم
و المصاحف في الرماح.
ها هنا نرى الموت رمزا للسكوت الأبدي و الصمت عن ذكر الحقيقة الذي هو بداية الثورة و الفداء. و يتضمن النص إشارة إلى واقعة رفع المصاحف التاريخية المعروفة في إعادة إنتاج لها بغية توكيد فكرة تواصل الخديعة مما يفرض ضرورة الثورة . أما التساؤل عن آدم الذي قبل آدم فهو إشارة إلى إمكانات التأويل للتصور الديني للتأريخ ، و نتذكر هنا أن الدكتور عبد الصبور شاهين قد قال بمثل هذا الرأي لكن غرض الشاعر من هذه الإشارة ليس إثباتها أو نفيها و إنما التذكير باحتمال وجود دور تأريخي متكرر قد يعني الأمل بنهاية الليل . بيد أن هذا الاستثمار الديني و التاريخي يمتد ليشمل اللغة أو الأداء اللغوي في القرآن الكريم .ويعود النص الشعري إلى الارتباط بالجذر المجازي المعبر عن التوق إلى الحرية، فنقرأ :
النهر قيد بالسلاسل
و الموج يحلم بالخلاص
إن فر أو قصد السواقي
مات رميا بالرصاص.
و لسوف تكون نبؤة الثورة أكثر وضوحا حين نقرأ:
لا تبتئس يا صاح
إن دما سيغلي في جذور الأرض، في
الأشجار في قمم الجبال
و لسوف تنهمر الدما
حمما تطوح بالطغاة
لا فلك ينفع إن موجا كالجبال
سيفور من عين السماء .
هكذا يدمج الديني بالتاريخي بالواقعي لتكون رؤيا النص منطوية على الإمثولة التي تشتق من الماضي عبرة للمستقبل . و لكي يعضد النص هذا الإحساس بالزمن الآتي فإنه يمتاح من الموروث مرة أخرى حين يورد رمزا للثورة هو الحسين ( ع ) . فالحسين هو الثائر الحلم الذي يقترن أسمه بالظمأ بمعنى العطش ، و الظمأ الى العدالة بمعنى التعطش لها . لذلك فأن نهر الفرات سيكون رمزا لوعد لم يتحقق فنقرأ:
يا أيها النهر الذي ما ذاق من ظمأ
الحسين
لو ذقت منه
لسار موجك بالضياء و بالحياة الى الأبد
و لصرت قبلة كل ماء في السماء
و توضأت فيك البحار
و رتلت:
يا أيها النهر الصمد
يا أيها النهر الصمد.
هكذا تتكشف الرؤيا المأساوية للثورة المتكررة دون أمل بالنصر . فقوله " لو ذقت من " يعني امتناع الامتناع مما يعني التعذر المطلق . لذلك فأن كل الأحلام المرتبطة بالنهر ، و نتساءل هنا: أهو نهر أم رمز للشعب الذي خذل الحسين؟ ، نقول أن كل هذه الأحلام ستظل مجهضة لأن النهر لم يرتق إلى مصاف التفاعل مع عطش الحسين لذلك فهو سيظل ملاحقا بلعنة " الموج الذي يقتل بعضه بعضا " كما جاء في موضع آخر من النص نفسه .
وهكذا ، و مرة أخرى ، تتكامل عناصر الخلق الشعري لتؤدي أثرها الشامل منجزة فعلها عند المتلقي ، مؤكدة على أن الشعر يمكن أن يتناول أكثر عناصر الواقع سخونة دون أن يتنازل عن شروط الأداء الرفيع ، و أن الرسالة الفكرية في الشعر بمكن أن تؤدي غرضها دون أن تخمد جمرة الفعل الجمالي . و هو أمر حققته مجموعة " عبدئيل " بامتياز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أود الإشارة إلى أن أصل هذه المقالة قد كان محاضرة ألقيتها في مدينة الحلة في اتحاد الأدباء العراقيين / فرع بابل و ذلك في الأسبوع الأخير من الشهر الثامن من العام 2000 ميلادية و حضرها الشاعر موفق محمد نفسه و عدد من المثقفين و الأدباء . و كانت المفاجأة هي حضور محافظ بابل في حينه ، و هو عسكري برتبة فريق طيار ركن. و نظرا لخطورة ما انطوت عليه المحاضرة من آراء فقد أشار أحد الأشخاص من الصفوف الخلفية على نحو لم يلحظه أحد سوى المحاضر و مقدم الأمسية الشاعر جبار الكواز بضرورة تخفيف اللهجة ، لكني قرأت ما كتبته دون تعديل ، و قد مرت المسألة بسلام.



#باقر_جاسم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأول من أيار : الفكر الماركسي و تحديات المرحلة الراهنة
- من المسؤول عن حل الجيش العراقي السابق ؟
- الدمع صولجان والروح أقحوان
- رداء لشتاء القلب
- الاحتلال و الاستقلال بين منطق الرصاص و منطق العقل
- رقيم سومري حديث
- المرأة العراقية و الدستور المؤقت و المستقبل
- نصيحة سيدوري الأخيرة
- الدولة و السلطة والعشائر العراقية
- العراقيون وحقوقهم بين الأمس و اليوم
- أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باقر جاسم محمد - مستويات تحليل الخطاب الشعري - عبدئيل- الشاعر موفق محمد إنموذجا