أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - العناد الإيراني بين نفاذ الصبر الأمريكي والتحفز الإسرائيلي















المزيد.....


العناد الإيراني بين نفاذ الصبر الأمريكي والتحفز الإسرائيلي


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 2927 - 2010 / 2 / 25 - 12:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتفق الخبراء والمحللون الدوليون أن أعقد معضلة ستواجه المجتمع الدولي وتهدد الاستقرار العالمي بعد انصرام العقد الأول من القرن الواحد والعشرين تتجسد بالعناد والتحدي الإيراني للمجتمع الدولي خلال العام 2010 وما بعده خاصة في ظل تخلخل الأوضاع الداخلية في إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة المشتبه بنزاهتها وتزوير نتائجها مما أدى إلى فرض ولاية ثانية للرئيس الشعبوي المتشدد محمود أحمدي نجاد واعتراض منافسيه عليه ونزولهم للشوارع للاحتكام لدى الجماهير الغاضبة التي اجتاحت شوارع العاصمة طهران وباقي المدن الإيرانية ورد النظام بيد من حديد وتصعيد القمع واستخدام أفظع أساليب القسوة والبطش والتنكيل بالمعارضين الأمر الذي أثار حفيظة وغضب المجتمع الدولي وتنديده بانتهاكات حقوق الإنسان ومماطلة إيران وتنصلها في تنفيذ كافة التزامتها تجاه المجموعة الدولية. فالنظام الإيراني لا يأبه بشيء ويضرب بعرض الحائط كل تعهداته ويسلك طريق التحدي والمغامرة المحفوفة بالمخاطر ليس أقلها العقوبات الدولية، الاقتصادية والتجارية، وحظر التعامل مع النظام وشراء النفط منه أو بيعه معدات وبضائع ومنتجات لاغنى للشعب الإيراني عنها على غرار ما حدث لنظام صدام حسين الذي أذاق شعبه مرارة العيش بسبب رعونة سياساته وجلبه الدمار إلى بلده وتعريضه للحصار والحظر والعقوبات القاسية التي أرجعت المجتمع العراقي نصف قرن إلى الوراء. فالنظام الإيراني يتصرف كما لو إنه ما يزال في العام الأول للثورة الإيرانية بينما تنحو الولايات المتحدة الأمريكية باتجاه عودة مظفرة للمسرح الدولي بعد الإخفاق في ملفي العراق وأفغانستان وبعد التغيير الرئاسي المدوي وفوز المرشح الأسود باراك أوباما قبل عام بالرئاسة ونزوعه نحو سياسة الحوار والانفتاح خاصة بعد نجاح أوباما بتمرير مشروعه الإصلاحي المهم فيما يتعلق بإصلاح نظام التأمين الصحي وسيطرته الجزئية على تداعيات الأزمة المالية العالمية حيث يرغب الرئيس الديموقراطي بالالتفات إلى شؤون المجتمع الدولي الحادة والعاجلة والخطيرة والتركيز على السياسة الخارجية بنوع من الحزم والثقة بالنفس وما يرافقه من حسم وصرامة مطلوبة لمعالجة بعض الملفات المعقدة والحساسة والصعبة جداً كالملف النووي الإيراني والأوضاع المتفجرة في الباكستان والتدهور الأمني والعسكري في أفغانستان وهشاشة الأوضاع السائدة الآن في العراق وهو على أعتاب انتخابات تشريعية متوترة قد تدفع بالبلد نحو الهاوية إذا ما أفلتت من السيطرة وتزعزع الأمن في ظل تجاذبات واستقطابات وصراعات متوترة بين أقطاب العملية السياسية ليست إيران بريئة منها أو بعيدة عنها. فالعالم بات بحكم الأمر الواقع متعدد الأقطاب بعد انهيار النظام الثنائي القطبية وبروز قوى جديد على الرقعة الدولية كالهند والصين وهذه الأخيرة كانت شبه غائبة بالأمس القريب فهل ستبقى دولة عملاقة كالصين من الناحية الديموغرافية والاقتصادية راضية بنصيبها وموقعها الحالي المتواضع على الساحة الدولية ؟ كل المؤشرات تقول أن للصين طموحات كبيرة وستسعى بكل الوسائل والسبل المتاحة حالياً للقفز للصفوف الأولى في التشكيلية القيادية للكوكب. وفي نفس الوقت ستعمل أوروبا على استعادة أمجادها القديمة بما تمتلكه اليوم من مكانة وخبرة وثروة اقتصادية هائلة وستعمل جادة على جمع صفوفها وتوحيد سياساتها والتحرك ككتلة واحة موحدة وقوية أو كقطب دولي لديه سياسة خارجية موحدة ويستند إلى مؤسسات دستورية شرعية منتخبة وجهاز دبلوماسي جديد وحيوي يمتلك صلاحيات أوسع . الدوائر الجيوستراتيجية وصنوها الجيو اقتصادية التي هيمنت على العالم بين 2001 و 2008، منذ انهيار برجي التجارة العالمية في 11 أيلول سبتمبر، والخفقات الأولى لما عرف بأخطر أزمة مالية عالمية كان من شأنها أن تدخل الكوكب في أخطر عملية ركود اقتصادي وأكبر عشرات المرات من أزمة سنوات الثلاثينات في القرن المنصرم، هزت أركان الاقتصاد العالمي ولم يسبق لها مثيل منذ عام 1930 ، وبين 2007 و 2009 تلاقت رؤية الخبراء الاقتصاديين المتفائلة برؤية المراقبين السياسيين والجيوستراتيجيين المتشائمة بشأن التوقعات المستقبلية والسؤال هو هل سيستمر هذا التلاقي في الرؤى في عام 2010 أم سيقع الطلاق بين الجانبين في النظرة للعالم. فالخبراء الاقتصاديون يعتقدون أنه تم اليوم تجاوز الأزمة وتخطوا خطوط الخطر الحمراء التي فرضتها الأزمة بينما يستمر الاستراتيجيون في تشاؤمهم ويعتقدون أن الأسوء ما يزال أمامهم حسب تقديراتهم. بيد أن الجميع يتوخى الخروج من عنق الزجاجة كل بطريقته الخاصة. صحيح أن الصراعات الإقليمية تفاقمت في أفغانستان وباكستان واليمن والسودان ودول أفريقية أخرى والأوضاع تراوح في مكانها في العراق الذي يعيش حالة مخاض عسيرة وفي وضع صحي هش إلى جانب مشاكل الكوكب الأخرى البيئية والسياسية والاقتصادية كمسألة الاحتباس الحراري وخطره على البيئة وما ينطوي على ذلك من مشاكل أمنية تصطدم في حلها بالعناد الروسي والصيني حيال المناكفة الأمريكية التي تمثلت بإصرار وشنطن على نصب منظومة الدرع الصاروخي في أوربا الشرقية وببيع واشنطن طائرات حديثة لتايوان العدو اللدود لبكين واستقبال باراك أوباما للزعيم الديني للبوذيين في التبيت الانفصالية والمعارض للنظام الصيني الدلاي لاما رغم الامتعاض والاحتجاج الصيني لهذه الخطوة ذات الدلالات السياسية الواضحة وكأن واشنطن ترغب في إيصال رسالة لبكين مفادها أن عليها التعاون بشكل جدي مع أمريكا وأوروبا لحل عقدة الملف النووي الإيراني الذي يهدد الاستقرار والسلام العالمي إذا ما تطور أكثر مما هو مسموح به حالياً أي تحوله من المجال المدني السلمي إلى المجال العسكري وحيازة طهران للسلاح النووي المحظور دولياً حسب وجهة النظر الأمريكية.
تبدو الأزمة الإيرانية اليوم ناضجة وستحتل الصدارة في سلم أولويات العام 2010 خاصة بعد أن أعلنت طهران عن عزمها تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها بنسبة 20 بالمائة وقدرتها على التخصيب بدرجات عالية تصل إلى نسبة 80 بالمائة وتمتلك الآن بضعة أطنان كافية لتصنيع رأسين نوويين على الأقل حسب تقديرات الخبراء الغربيين. من هنا يمكننا القول أن الأزمة الإيرانية دخلت مرحلة جديدة وغامضة غير خاضعة للتوقعات المنطقية وبالأخص بعد المواجهات الدامية بين المحافظين والإصلاحيين في إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية المزورة التي أعيد بموجبها عنوة تجديد ولاية ثانية للرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد سنة 2009 مما وضع البلد على حافة حرب أهلية دموية وكان من تداعياتها أنها أضعفت النظام القائم من الداخل الأمر الذي دفع الفريق الحاكم في طهران للتصلب في السياسة الخارجية والعداء للغرب ومناكفة المجتمع الدولي والتلميح بلغة التهديد للجيران الخليجيين وإسرائيل من خلال تصرفات لا عقلانية وتصريحات لا مسؤولة جلبت السخط على إيران في جميع أنحاء العالم وكان الغرض منها إبعاد الأنظار عن الأزمة الداخلية وجذب تعاطف العالم الإسلامي حيث بدت إيران بمظهر الضحية إزاء المواقف المنحازة للغرب ضد إيران ولصالح إسرائيل .
المجتمع الدولي حائر بن الانتظار ريثما يسقط النظام الإيراني لوحده أو يتهاوى تحت ضربات المعارضة الإيرانية ويلفظ أنفاسه الأخيرة بدون تدخل خارجي حسب تقديرات بعض المتخصصين بالشأن الإيراني في الغرب، أو العمل والتحرك الدولي وبأسرع وقت ممكن لتسديد الرمية الأخيرة أو إطلاق رصاصة الرحمة من خلال توجيه ضربة قاضية على غرار ما حصل في العراق في أيام صدام حسين الأخيرة لكن إيران ليست العراق وهذا الخيار ليس بالسهولة التي يبدو عليها فمخاطره وخيمة وتداعياته خطيرة وقد تكون مدمرة تشعل المنطقة بأسرها وقد تقود إلى حرب عالمية ثالثة . صحيح أن هناك انحرافات وميول فاشية وقمعية ونزعة تسلطية وديكتاتورية لدي النظام القائم، وبالتالي ليس العالم الخارجي هو الذي يهين أو يضطهد الشعب الإيراني بل النظام السياسي الحاكم الذي لا يتوانى في إطلاق النار على الجماهير الغاضبة التي خرجت بأعداد غفيرة مسالمة وغير مسلحة تطالب باحترام تصويتها واختياراتها الانتخابية وهو نظام شعبوي يجمع بين الفضاضة والبذاءة اللفظية والسذاجة السياسية إلى جانب البطش والقسوة المفرطة في تعامله مع مختلف فئات الشعب الغاضبة من مختلف الطبقات والأعمار والأصول الاجتماعية. هل يتعين على المجموعة الدولية تصعيد درجة امتعاضها وتشديد لهجتها تجاه طهران ووقف المفاوضات معها وتطبيق سياسة العقوبات المحكمة والملزمة دولياً وفرض حصار تجاري واقتصادي صارم على إيران مع ما يترتب على ذلك من مخاطر ستمس صميم حياة المواطن الإيراني المضطهد أصلاً من قبل النظام وستنعكس عليه ً مثل هذه الإجراءآت التعسفية سلباً لأن العقوبات ستؤثر على الشعب وليس على النظام حتى لو أدعى المجتمع الدولي أنه يقف بقوة خلف الشعب الإيراني ويؤيد مطالبه المشروعه فمثل هذا التبرير سوف لن يكون مفهوماً أو مستساغاً من قبل الرأي العام الإيراني نظراً لسوابق تتعلق بطبيعة العلاقات التي نشأت عبر التاريخ بين الإسلام والعالم الغربي مما يفقده مصداقيته وقدرته على الإقناع.
من المؤكد أن أمريكا ما بعد الانتخابات الرئاسية في عهد أوباما، وأوربا ما بعد معاهدة برشلونة، والصين ما بعد كوبنهاغن ناهيك عن روسيا والهند كلها ستجد نفسها قسراً أو طوعاً في مواجهة التحدي الإيراني إلا أنه لا أحد يعرف كيف يمكن دعم المعارضة الإيرانية للنظام في الداخل وإبعاد شبح السلاح النووي الإيراني القابع في الأفق المنظور وفي نفس الوقت تفادي اللجوء إلى القوة العسكرية لحمل إيران على الإذعان لإرادة المجموعة الدولية وجعل التدخل المسلح والمباشر آخر الخيارات الممكنة إذ يمكن أن تكون لذلك الخيار نتائج عكسية حيث من شأنه ذلك دفع الناس للالتفاف حول أقطاب النظام الحاكم بذريعة درء الخطر عن الوطن والتلاحم مع القادة الذين يدافعون عن الأمة الإيرانية ويتصدون للعدوان الغربي ـ الصهيوني وبذلك سيكون هذا أهم اختبار للعالم الغربي المتعدد الأقطاب الذي سيتعين عليه ابتكار أو اختلاق قواعد جديدة للعبة لمواجهة التحدي الإيراني بمعزل عن عوامل أخرى ليس اقلها ردة فعل الجانب الإسرائيلي غير المتوقعة وغير المضمونة.
وهنا يطرح الاحتمال الأخطر لحل الأزمة الإيرانية المتمثل بسياسة الضربة الاستباقية التي تتبناها الدولة العبرية فيما يتعلق بمحاولات الدول المناوئة لها الحصول على التكنولوجيا النووية والتي سبق أن طبقتها مع العراق في مطلع ثمانينات القرن الماضي بقصفها مفاعل أوزيراك العراقي ومع سوريا حين قصفت موقعا ادعت أنه يشكل أساسات لإنشاء مفاعل نووي في سوريا ويمكن أن تبادر للقيام بنفس الشيء مع إيران. الخبراء الإسرائيليون يتساءلون عن حقيقة التهديد النووي الإيراني وما هي الطريقة الأنجع والأمثل لمواجهته إذا ثبتت حقيقته. في الوقت الذي تتفاوض فيه مجموعة الخمسة زائد واحد أي الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس ـ أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا ـ زائد ألمانيا ، مع إيران بشأن برنامجها النووي تراقب إسرائيل بحذر واهتمام شديدين نتائج تلك المفاوضات وما سيتوجب عليها أن تفعل وكيف ستتصرف في حالة إخفاق الأطراف المعنية بتلك المفاوضات في إقناع إيران في أن تستعيد رشدها وتتخلى عن طموحاتها النووية العسكرية. وفي سياق الحرب النفسية بين طهران وتل أبيب صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو بهذا الصدد:[ إننا لن نسمح لمن ينكر المحرقة ان يرتكب بحقنا محرقة أخرى] ، رغم يقين القادة الإسرائيليين بأن حيازة إيران للسلاح النووي ليست سوى مسألة وقت وإنه شر لابد منه و لا يمكن تفاديه بالرغم من صرامة الخطاب الإسرائيلي ظاهرياً وإعلامياً في هذا الموضوع فإن هناك شك يحوم فيما يخص بطبيعة حجم الرد الإسرائيلي الممكن والمطلوب الأمر الذي أحدث شرخاً في الموقف الرسمي الإسرائيلي لأول مرة بهذا الصدد حيث برزت رؤية أخرى مناوئة للخط الصدامي الذي يتبناه وينادي أو يطالب به صقور تل أبيب بصدد السلوك الواجب اتباعه أو الخط الواجب تبنيه إسرائيلياً حيال مثل هذا الاحتمال الممكن الذي سيخلق حتماً معطيات استراتيجية جديدة . فهناك مجموعة عوامل تدعونا للتدقيق في حقيقة ما يدور خلف الكواليس السياسية والعسكرية الإسرائيلية فيما يتعلق بهذا التطور التراجيدي المتسارع لهذا الملف الحساس بالنسبة للإسرائيليين. يستند الموقف العقلاني إلى ثلاث مرتكزات جوهرية سوف تحدد السلوك المستقبلي للدولة العبرية: كيف تتلقى وتنظر وتدرك إسرائيل حقيقة التهديد النووي الإيراني، وكيف تقدر وتقوم القدرات العملياتية لجيش الدفاع الإسرائيلي وبالأخص قدرة وقابلية سلاح الجو الإسرائيلي وأخيراُ كيفية تقبل وإدراك واستيعاب الموقف الأمريكي لهذه المعضلة، وموقف المجتمع الدولي.
هناك مجموعة من الإسرائيليين المتطرفين في داخل إسرائيل ممن يعتقدون ويصدقون أن لدى الإيرانيين رغبة وإرادة راسخة لتدمير إسرائيل بمجرد توفر الإمكانية والقدرة العملية والتقنية لتحقيق هذا الهدف . فالجمع بين الأصولية الدينية المتشددة والتكنولوجيا النووية ومواصلة سياسة العداء المعلن تجاه إسرائيل يخلق معادلة تثبت تكهنات ومخاوف هذه المجموعة من الإسرائيليين من أصحاب القرار والمواقع العليا في الدولة. وبالمقابل هناك مجموعة من البراغماتيين والعقلانيين الإسرائيليين، ومن بينهم خبراء عسكريين واستراتيجيين إلى جانب المسؤولين السياسيين، ممن لا يعتقدون أن إيران تمثل خطراً حقيقياً على إسرائيل يهدد وجودها بالرغم من الخطاب الإيراني الناري الناكر للمحرقة الذي يشهره ويستخدمه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. يعارض العقلانيون الإسرائيليون الخطاب الرسمي لإسرائيلي ومغالطاته ولهجته التخويفية الداعية لشن ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية بأسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان. لأن هذا الطرح من وجهة نظر العقلانيين غير مثمر وهو يزيد من هلع وخشية وقلق الشعب الإسرائيلي بدلاً من طمئنته. الجدير بالذكر هو أن وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس حزب العمل إيهود باراك ـ وهو ليس من الحمائم ـ أحد هؤلاء ويقف على رأس هذا الاتجاه ويقود هذا التطور في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي مبتعداً عن الصيغة التحذيرية والتهويلية التي يتبناها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو وقد صرح باراك في منتصف أيلول الماضي في وسائل الإعلام بأن إيران لا تشكل تهديداً وجودياً على أمن ووجود إسرائيل وإن الخبراء الإسرائيليون في مجال الدفاع والتخطيط العسكري والاستراتجي يتفقون بشأن بديهية أن إيران أمة عقلانية وذكية وذات تاريخ عريق وهي التي حررت اليهود من الأسر البابلي وبالتالي فهي ليست دولة غبية أو انتحارية بل براغماتية وواقعية ولن تخاطر بتدمير نفسها كلياً ومحو وجودها من الخارطة بفعل القوة التدميرية الهائلة للسلاح النووي الإسرائيلي المتطور جداً حيث من المؤكد أن إسرئيل ستبادر بالرد بضربة انتقامية مضادة للضربة الأولى التي ستحاول إيران توجيهها لإسرائيل وقبل أن تغادر الصواريخ الأراضي الإيرانية سينصب عليها غضب الرد الإسرائيلي النووي المهول الذي يزيد مئات المرات عن القدرة الإيرانية البدائية وكذلك بفضل امتلاك إسرائيل للغواصات النووية المخفية خارج الأراضي الإسرائيلية والقادرة على الرد الفوري من خلال إطلاق صواريخ بعيدة المدى وعابرة للقارات . وبما أن إيران دولة إقليمية مهمة وصاعدة ومؤثرة في الشرق الأوسط وفي محيطها الإقليمي فمن غير المحتمل أن يفرط حكامها بهذا الأفق الواعد والديناميكية الحيوية ليرتكبوا مثل هذا الخطأ الاستراتيجي الفادح والمدمر لوجودهم والمستأصل لبلدهم في حين أن الشعب الإيراني معروف بحبه للحياة وبذكائه وعقلانيته وهو يتحرك ويتصرف بذكاء على الرقعة الدبلوماسية العالمية ويستثمر مجالات المناورة السياسية في المحافل الدولية ويقوم بحسابات دقيقة لموازين القوى فإيران تخشى القوة النووية الباكستانية السنية أكثر من خشيتها من السلاح النووي اليهودي كما يشيع الإسرائيليون في وسائل الإعلام المؤثرة ويجري التركيز على تخويف المجتمع الدولي من احتمال وقوع أسلحة نووية تكتيكية بيد الجماعات الإرهابية الإسلاموية المتطرفة من أمثال القاعدة وطالبان الذين يكفرون الشيعة ويعتبرونهم أعدائهم المباشرين. فالتهجمات الكلامية الإيرانية تجاه إسرائيل لا تهدف إلا لكسب تعاطف الشارع الإسلامي والعربي لأغراض دعائية لا أكثر وبالتالي يخلص العقلانيون الإسرائيليون إلى أن المشروع النووي الإيراني لا يهدف إلى تدمير إسرائيل وإزالتها من الوجود فهذا أمر مستحيل والإيرانيون يعرفون ذلك كما يقول إيهود باراك. فدعمهم للفلسطينيين مرحلي وشكلي ومحدود ومن غير المعقول أن يخاطروا باستخدام سلاح نووي بدائي تقود إلى دمارهم من أجل هدف لا يعنيهم على نحو مباشر . إلا أن إيران تعلن لجيرانها أن سلاحها النووي ليس موجها ضدهم بل ضد إسرائيل ولقد نجحوا نسبياً في مسعاهم هذا لأنه لم تتشكل لحد الآن أية جبهة عربية مناهضة للهيمنة الإيرانية في المنطقة وعرقلة طموحاتها بامتلاك الأسلحة النووية. من جهة أخرى تعي إسرائيل تداعيات وجود إيران نووية إلى جوارها مما سيحث الدول الأخرى للانطلاق في سباق محموم للتسلح النووي مثل تركيا ومصر والسعودية وهذا الأمر لن يؤثر على مكانة إسرائيل الإقليمية لكنه يمكن أن يهدد حياة أنظمة معتدلة في المنطقة أعلنت استعدادها للتصالح مع إسرائيل وتوقيع معاهدات سلام معها وهذا ما تخشاه إسرائيل لأن قيام أنظمة إسلاموية متشددة ومتطرفة من طراز طالبان في الخليج أو مصر أو الأردن أو سورية سيقوض مساعي السلام في المنطقة . علاوة على أن حصول إيران على السلاح النووي من شأنه أن يرفع وتيرة الهجرة اليهودية المضادة من إسرائيل إلى الخارج وهذا هو أكثر ما تخشاه الدولة العبرية كما أظهرت استطلاعات للرأي قام بها مركز الدراسات الإيرانية في جامعة تل أبيب فقد أعرب 83 بالمائة من الإسرائيليين من خشيتهم وعزمهم على مغادرة البلد بمجرد تيقنهم من تمكن إيران من صنع السلاح النووي لأنهم يعرفون أن بلدهم لن يكون قادراً على حمايتهم من ضربة نووية إيرانية مفاجئة وإن الجيش الإسرائيلي غير قادر على توجيه ضربة استباقية كلاسيكية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية وإن المجتمع الدولي غير مبالي بهذا الخطر.
الشارع الإسرائيلي خائف ويتسائل بجدية حول قدرة جيش بلاده القيام بمهمة تدمير المشروع النووي الإيراني وهو يدرك في نفس الوقت أنه لايمكن مقارنة التجربة التي تمت مع العراق في ثمانينات القرن الماضي مع إيران في القرن الواحد والعشرين ذات الأراضي الشاسعة وعدد سكان هائل وحلفاء عديدين وخطرين في المنطقة فلن يكون الأمر سهلاً خاصة وإن المنشآت النووية مخفية ومدفونة في أعماق الأرض وليس من اليسير إصابتها أو تدميرها ومحمية جداً بأنظمة الدفاع الجوي المتطورة وبطاريات مضادة للصواريخ لذلك هناك شكوك حول إمكانية سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير تلك المنشآت والمضادات والأسلحة الدفاعية والهجومية بضربة واحدة مع ما ينطوي على هذه الخطوة من مخاطر لا تحمد عقباها. أما سيناريو الهجوم بواسطة الصواريخ البعيدة المدى فهو مطروح لكنه لا يستقطب حماس المسؤولين لعدم دقة الإصابات المنشودة للأهداف المحددة علاوة على ما يمكن أن تسببه من أضرارا جانبية على المدنيين مما يثير ردود فعل سلبية وإدانات عالمية في أوساط الرأي العام العالمي مع ما يمكن أن يصيب سمعة الجيش الإسرائيلي في حالة الإخفاق الكلي أو حتى الجزئي وكل ما يمكن أن ينتج عنها هو تأخير المشروع النووي سنتين أو ثلاث سنوات لا أكثر وهناك سيناريو الطائرات بدون طيار القادرة على التحليق لمدة يوم كامل والذهاب إلى مسافات بعيدة جداً والتي بإمكانها حمل أسلحة تدميرية وقنابل تكتيكية تخترق الأعماق والحال سيتوجب على إسرائيل توقع ردود فعل عنيفة من جانب الإيرانيين وحلفائهم وما سيقومون به من عمليات انتقامية كإطلاق حزب الله في لبنان لكميات هائلة من الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى والقادرة على إصابة العمق الإسرائيلي وتدمير المدن الإسرائيلية بما فيها تل أبيب من طراز كاتيوشا وغراد وغيرها وتحرك جماعات حماس والجهاد الإسلامي في غزة وقيامها بنفس الدور وفي نفس التوقيت إضافة إلى نشاطات الميليشيات والجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق وهي كثيرة التي سوف تهاجم القوات والمصالح الأمريكية في العراق حتماً انتقاماً من أمريكا الداعمة والمؤيدة لإسرائيل بلا قيد أو شرط على حساب المصالح العربية والإسلامية المشروعة . من هنا ينبغي أن ندرس ونحلل ونوضح غموض الموقف الأمريكي حيال مثل هذا السيناريو الكارثي الذي سينجم عن أي تهور إسرائيلي غير مدروس يحدث بدون تشاور أو تنسيق مسبق مع الجانب الأمريكي. كانت إسرائيل متيقنة في عهد الرئيس الأمريكي السابق أن جورج دبليو بوش سيعارض بكل الوسائل الممكنة بما فيها العسكرية ، وسيمنع بكل قوة حيازة إيران لأسلحة نووية وإن أمريكا في عهده كانت مستعدة لتأييد إسرائيل وتقديم المساعدة والدعم اللوجيستي اللازم لتنفيذ مشروعها العسكري ضد إيران في حال قررت إسرائيل التكفل بتنفيذ هذه المهمة نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية أو على الأقل عدم معارضة إسرائيل وعرقلة مساعيها ومنع إدانتها أو محاسبتها في المنظمات الدولية . والحال أن الوضع تغير اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس باراك أوباما لايحبذ ولا يتبنى مثل هذه المواقف المتهورة إلا إذا اضطر لذلك وليس أمامه بديل آخر. فأمريكا تخشى من تعرض مصالحها الحيوية في العالم وقواتها وقواعدها المنتشرة في كل مكان لاسيما في العراق وأفغانستان ومعظم دول الخليج المحاذية لإيران لهجمات انتقامية موجعة وعمليات انتحارية مدمرة وشرسة مما سيجهض جهودها الدولية في محاربة الإرهاب الدولي. إن أقصى ما قدمته أمريكا اليوم هو تعزيز القدرات الدفاعية المضادة للصواريخ وذلك بنصب بطاريات الدفاع الصاروخي والردارات الحديثة والمتطورة في صحراء النقب والتي يشرف عليها وعلى تشغيلها خبراء أمريكيون كما أن قادة إسرائيل يدركون أن الرئيس أوباما يعارض بقوة أي عمليات عسكرية انفرادية لا تتمتع بغطاء دولي شرعي ضد إيران ويميل للوسائل السلمية وأساليب الحوار والتفاوض ومد اليد للتحاور والتفاهم بصورة حضارية ومد جسور الثقة وتقديم الضمانات الدولية بالرغم من خطورة سوء التفسير الإيراني واعتبار مثل هذه المواقف ضعف وتساهل وعدم جدية في معارضة مشروعها النووي مما سيشجعها على المضي قدماً في برنامجها النووي والتحول من الجانب المدني إلى الجانب العسكري في أقصر فترة ممكنة ووضع العالم تحت الأمر الواقع بعد أن تكون قد امتلكت تقنية الدورة النووية كاملة داخل أراضيها بما فيها عمليات التخصيب العالي بنفسها وبكميات كبيرة وبلا أية رقابة دولية. يتمنى الزعماء الإسرائيليون أن يفلح المجتمع الدولي في إرغام إيران على الانصياع والإذعان والتخلي عن الطموحات العسكرية في المجال النووي أو ينجحون في فرض عقوبات دولية صارمة وحقيقية ملزمة تصدر عن الأمم المتحدة وتنفذها جميع الدول حتى لا يبقى أمام إيران أي خيار سوى الخضوع أو مواجهة ذات المصير الذي لاقاه الديكتاتور العراقي السابق صدام حسين. لذلك يمكننا الجزم في الوقت الحاضر على الأقل بأن إسرائيل لن تتجرأ على شن هجمات عسكرية على إيران بدون الموافقة الأمريكية المسبقة رغم إعدادها للخطط العسكرية اللازمة لذلك، وبخلاف ذلك فإن إسرائيل سوف تغامر بتعريض العلاقات الاستراتيجية الخاصة التي تربطها بأمريكا للخطر وربما القطيعة حيث ستكون إسرائيل هي الخاسر الأكبر فيها لأنها ستخسر المساعدات الأمريكية السخية للدولة العبرية الضرورية جداً لديمومتها . الخطاب الرسمي الإسرائيلي العلني ما يزال هو ذاته ويتسم بالتهديد و الوعيد والتلويح بالقوة إذا لم تذعن إيران وإلا ستمنعها تل أبيب بالقوة المسلحة إذا احتاج الأمر لذلك. بيد أن هذا الأمر لم يعد بديهياً بالرغم من إدعاء تل أبيب أن كافة الخيارات ما تزال مفتوحة لكنها تعرف أنها يمكن أن تخاطر بسمعة جيشها الذي لا يقهر في حالة الفشل والإخفاق إذا لم تحقق النصر بنسبة مائة بالمائة وتل أبيب حائرة في تحديد ما هو الأسوء بالنسبة لها هل هو قبول إيران نووية إلى جوارها أم خوض حرب غير مضمونة النتائج ستكون كارثية عليها أيضاً؟



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نقرأ فيلماً (2)
- كيف نقرأ فيلماً (3)
- كيف نقرأ فيلماً (4)
- كيف نقرأ فيلماً ؟
- العالم بين فيزياء الأمس والغد(3) تقنية العلم وعلم التقنية أو ...
- نهاية رحلة الألم رثاء إلى والدتي التي غادرت الحياة بدون استئ ...
- نقد فيلم - إنمساخ أو تحول المنسوخ AVATAR-
- العالم بين فيزياء الأمس والغد ) 2 )
- العالم بين فيزياء الأمس والغد ( 1 )
- الحوار المتمدن شمعة مضيئة في دروب المعرفة
- العالم يلتهم البترول رغم الأزمة الاقتصادية
- من العالم الكلاسيكي إلى العالم الكوانتي أو الكمومي
- المستقبل السحيق : رحلة نحو عوالم أخرى
- الكون المرئي : هل من جديد ؟
- الكون المرئي : هل من جديد ؟
- المادة والمادة المضادة تحديات العلم الحديث في القرن الواحد و ...
- تحديات العلم الحديث في القرن الواحد والعشرين وما بعده ( 2 )ا ...
- المتاهة العراقية
- تحديات العلم الحديث في القرن الواحد والعشرين وما بعده
- إيران على مفترق طرق


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - العناد الإيراني بين نفاذ الصبر الأمريكي والتحفز الإسرائيلي